(أمكنة ٌلا أسماءَ لها) – تمكين اللغة –

  عبداللطيف الحسيني

كأننا جئنا من التاريخ .

أزحْنا الترابَ , و الطمي عن وجوهنا.

وعدْنا لنرى أنْ لا شيءَ بقيَ على حالِهِ , و كأنْ لا عيونَ لنا .

سد مسدَها الطميُ و الرملُ .

كأنا عُدْنا إلى أصلنا الترابي الصلصالي .

فقالوا (كنْ) فكنا لحماً و دماً هشاً.

و لو أنا لمْ نغادرْ مدينتا أو قريتنا يوماً.

وكأننا منْ كتبْنا (يا منازلُ لكِ في القلوب منازلُ) .

ما هذا الجرمُ الذي ارتكبَهُ المكانُ حتى يتغير هذا التغيرَ كله .حتى يغيره كل هذا التغيير .

 حتى لو أجرمَ لما تعاملْنا معَهُ بهذه القسوة و الصلابة.

و كأن فيه عدواً يتربصُ بنا , فيجبُ أنْ نغرمَه , و نغير معالمَهُ ببطء ٍ.

مرة ً نهدمُ بيتاً ترابياً مبتهجاً بأهلِهِ (المكينُ بالمكان).

ومرة نشردُ أهلَهُ منه (المكانٌ بالمكين) , بحججٍ علميةٍ لا  يفهمُها إلا مَنْ غيرها وسادها .

أو سيسودها زمنا ليس بالقليل, نسود مهبطَ الروح أمامَ أعين آهليها.

 و مراتٍ بتغيير اسمه.

بل أسمائِهِ .

حتى باتَ المكانُ دمية نطلقُ عليها أسماءَ هزلية ً غريبة تُضحك الغريب الذي  يمرََ بها .

ولأن للمكان كلَ هذه الأسماء .

حتى يصلَ الأمرُ إلى (لا اسم له) .

في مجلس ٍضمَ ناشئة .

أصبحَ لقرية مغضوب عليها (ثلاثةُُ أسماءَ) الكلُ تعاركَ بأن اسمَ القرية هو ما يقولُُهُ هو , وكما سمعَه من آخرين .

لهم مشاربُ في تغيير التسميات .

 جاءَ في الحديث: (ولا تنابزوا بالألقاب) .

بمعنى عدم إطلاق تسمية على شخص تقلقٌهُ التسميةُ الجديدة ُالغريبةُ عنه, غير أن الأمرَ يختلفُ للجماد الذي لا يحاسبُ مَنْ أطلقَ عليه الاسمَ الجديدَ .

بل يشتمُهُ , و يثأرُمنه بطريقته الغرائبية .

يلطمُ كفاً ترابياً على خد من غير اسمَهُ  , فضاعَ و تبددَ اسم ُ القرية الحقيقي من بين كل الأسماء المُطلقة عليه.

لكن ماذا يفعلُ طفلٌ مدرسيٌ.

له اسمان , في البيت (ولات) , و عند التفقد المدرسي (وطن) .

– هنا الترجمة الحرفية تلعبُ دوراَ بلاغيا قاسيا و جلموديا – , هذا التغييرُ يمنحُ صفة الأبله , والعقل الجليدي للطفل ذاك , الذي يُنادى عليه دون إجابةٍ منه : فهو المشتتُ بين اسميه في البيت و المدرسة .

إن (تمكينَ اللغة) و هذه تسمية في غاية الفصاحة البلاغية الحديثة المرنة.

تقرأُ و تُفهم بوجه واحد .

وليس لها وجهان أو أوجهٌ كما في البلاغة , وعلوم الآلة .

إن المصطلحَ الجديدَ يغيرُ أمكنة ً, وأسماءَ, لكنْ قراءةُ العمق للمصطلح تقولُ: تمكينُ اللغة يغيرُ بنية الإنسان و المكان.

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…

حوران حم واقع يصرخ بالفوضى في مشهد يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحركة الكوردية في سوريا، تتوالى المبادرات التي تُعلن عن تشكيل وفود تفاوضية موسعة، تضم عشرات الأحزاب والتنظيمات، تحت مسمى التمثيل القومي. غير أن هذا التضخم في عدد المكونات لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل يكشف عن حالة من التشتت والعجز عن إنتاج رؤية موحدة وفاعلة….

مصطفى منيغ/تطوان باقة ورد مهداة من بساتين تطوان ، إلى عراقية كردية ملهمة كل فنان ، مُلحِّناً ما يطرب على نهج زرياب قلب كل مخلص لتخليص ما يترقب تخليصه من تطاول أي شيطان ، على أرض الخير العميم وزرع نَضِر على الدوام وجنس لطيف من أشرف حسان ، بنظرة حلال تداوى أرواحا من داء وحدة كل عاشق للحياة العائلية المتماسكة…