سورية … الى أين ؟

صلاح بدرالدين
استهجن المراقبون ما جاء في المقابلة الأخيرة للرئيس الأسد في صحيفة – الحياة – بما احتوت أجوبته  من تناقضات وردوده من لف ودوران ومواقفه من تكرار ممل ولغة سئمها الشعب السوري منذ أكثر من أربعة عقود , وما لقاؤه الصحفي الذي افتقر الى أي مبرر اعلامي في تغطية حدث ما الا بناء على رغبة مدروسة وحاجة ماسة من أوساط النظام لكسر جدار العزلة أولا والايحاء بصفاء الأجواء مع القيادة السعودية مالكة الصحيفة المعنية وهي – أي الحاجة السورية – تتعلق بدون شك بضرورة التوضيح والاجابة عن التساؤلات حول علاقات النظام العربية المنكفئة في هذه الأيام والأزمة اللبنانية والمسألة العراقية والقضية الفلسطينية والملف الايراني والوضع الداخلي  .
يعترف الرئيس” بعزلته في الشكل أما في المضمون فكل شيء على حاله ” كمن يعد الأيام وينتظر حصول التحول الحاسم في تغيير المضمون بعد اكتمال الشروط والاسباب الخارجية المحيطة أي الشكلية حسب تعبيره ويعيد الرئيس عزلته العربية الى ” فقدان الدور العربي ” وبالتالي تبريرا لموالاته الايرانية ومن شدة احباطه في هذا المجال لايرى سوى” الاتصالات التلفونية بين الزعماء العرب “علاجا للتضامن العربي حيث يختزل كل الوشائج بين العرب ببضع مكالمات وكمشة من عبارات المجاملة والكلمات المعسولة بين زعماء جلهم لا يمثلون شعوبهم بل سبب مآسيهم ونكباتهم وهنا وبدون رتوش تنكشف مرة أخرى عمق الديماغوجية ثورجي وحداثوي هنا ومحافظ وارتجاعي هناك حسبما تقتضي حاجة ديمومة النظام وكل شيء على هذا الدرب مباح .
في معرض الاجابة عن سؤال يتعلق بمحادثاته مع نظيره المصري حول لبنان يجيب بأنها كانت ” مرور الكرام ” والكل يعلم وأولهم المصرييون أن الضغوط العربية والدولية لم تنقطع على النظام بسبب لبنان وأن تورط النظام بمقتل الشهيد الحريري جلب له أزمة كبرى ستكون سببا رئيسيا لادانته والاطاحة به وأن جميع محادثاته وخاصة مع مصر والسعودية تتركز بالاساس على الوضع اللبناني والتدخل السوري في شؤونه وبذلك لن يضلل التشاطر الاعلامي أحدا مهما ذهب الرئيس بعيدا في انتقاء الكلمات والعبارات بل سيؤدي ذلك الى ازالة البقية الباقية من المصداقية في نظر الشعب السوري والمراقبين من العرب وغيرهم خاصة عندما تمتزج أقواله بايحاءات تهديدية على غرار زعماء مجموعات العنف المنظم وليس رؤساء الدول للسيد وليد جنبلاط وقادة الحركة الديموقراطية الآخرين في لبنان الشقيق كما فعلها سابقا مع الرئيس الحريري ومثل هذه المواقف العدائية الظالمة والباطلة لاتمت بصلة الى مواقف وتقاليد الشعب السوري المعروف بتعاطفه العميق مع شعب لبنان ورموزه الوطنيين وشهدائه من ضحايا همجية ودموية نظامنا الاستبدادي وعلى رأسهم كمال جنبلاط  .
عندما يفقد أي مسؤول مهما كانت درجته ثقة شعبه تراه يخرج من طوره ويركب رأسه في معاندة الحقيقة ومعاكسة المنطق وتجاهل وقائع الداخل وتطورات الخارج وكما هو معلوم فان المطلوب الآن على المستوى الشعبي العام في سورية حصول التغيير الديموقراطي السلمي عبر الآليات الانتخابية الشرعية بعد زوال الدكتاتورية وتستحوذ هذه الطموحات الوطنية المشروعة على تعاطف الرأي العام في المنطقة والعالم وفي تجليات المواقف الدولية بعض الأحيان تظهر من خلال الاعلام والتصريحات الدبلوماسية المنسوبة الى مسؤولين أميركان وأوروبيين مواقف تنادي بتغيير سلوك النظام السوري في اشارة الى الالتزام بالقانون الدولي بعدم التدخل في تغيير الحكومات ومن المعلوم أن مثل هذه المواقف الدولية لا تلزم الشعب السوري ولا تعبر عن سياساته ازاء ذلك وبدلا من توجه الرئيس للتجاوب مع ارادة شعبه والتحاور معه  يرد في مقابلته الصحفية على الأطراف الدولية متناسيا جوهر الموضوع ممسكا بخيط منه قائلا : ” لسنا مستعدون لتغيير سلوكنا ” والحقيقة التي يتناساها الرئيس هي أن الشعب السوري لن يكتفي هذه المرة بتغيير السلوك حتى لوحصل لأنه لا أمل يرجى من ذلك  – ومن شب على شيء شاب عليه – .
” عروبة العراق هي الأساس والعراق عربي وكل شيء يستند الى هذه العروبة ” علينا أن نصدق مقولة الرئيس في أن تعاونه مع القاعدة وتسهيله مهمة الارهابيين في الوصول الى العراق عبر سورية وتعاونه مع اجهزة ايران الأمنية والتخريبية تعود الى التمسك بعروبة العراق وأنه مستعد للتمسك بهذا الموقف حتى الرمق الأخير أي حتى لايبقى عربيا واحدا في العراق جراء التقتيل والابادة والتهجير , وعلينا أن نصدق أن قتل الوطنيين والزعماء اللبنانيين كان ومازال من أجل عروبة لبنان , كنا سنصدق كل ذلك عن طيبة خاطر لو تعامل الرئيس بهذا المنطق مع مسألة الجولان ولواء اسكندرون وقضية فلسطين لو تعامل فعلا مع القضايا الأخرى على ضوء ومتطلبات مصالح الشعب السوري والشعوب العربية , من الواضح أن العروبة في أي مكان وساحة لا تزول ولا تأتي بالشعارات والقرارات الفوقية لأنها انتماء ومبادىء وأخلاق وقيم وتراكمات بشرية واجتماعية وثقافة وتاريخ شأنها شأن القيم القومية لدى أي شعب على هذا الكوكب أما بخصوص الوضع العراقي فمنذ عقود نسمع هذه الشعارات من تيارات ومجموعات ومنظمات لاتريد الخير للعراقيين وتلحق الأذى بوحدة العراق وتخلق العداء بين العرب والكرد والقوميات الأخرى فالعراق بلد متعدد الشعوب منذ وجه التاريخ وارتضت قومياتها وخاصة العرب والكرد أن تعيش سوية بسلام ووئام وحسب مبادىء الشراكة العادلة والاعتراف بحقوق البعض ومنذ سنوات سقط النظام الدكتاتوري وتوصل الفرقاء الى تحقيق عقد جديد ودستور متفق عليه والعيش معا في ظل عراق حر تعددي فدرالي والقبول بأن العراق جزء من محيطه العربي والاسلامي وهو بلد لا يقتصر على العرب وحدهم بل هناك كردستان العراق موطن الكرد التاريخي وهم ليسوا عربا بل أصدقاء لهم الى جانب التركمان والكلدان والآشوريين ولا ينكرون عروبة عرب العراق بل يتقبلونها ويحترمونها , كل من يريد مساعدة العراقيين والحفاظ على وحدتهم عليه أن يتقبل ما يرضي هذا الشعب الذي صادق على دستوره وانتخب ممثليه ديموقراطيا لاأن يثير في صفوفه الفتن ويدعو الى العنصرية والتقاتل أو يتاجر بشعارات براقة كانت كفيلة بتخدير الجماهير البسيطة يوما ما .
المواقف والممارسات الراهنة للنظام السوري أوصلت سمعة البلاد الى الحضيض الى درجة أن النظام بدأ يدخل في صفقات ومقايضات حول مسائل الخطف والمخطوفين ويستثمر كل صغيرة وكبيرة للحفاظ على سلامته عبر الاتفقات والتعاملات مع منظمات وجماعات وجهات معادية موصومة بالارهاب ومدانة بقتل الابرياء  فالى أين يقود هذا النظام شعبنا وبلادنا ؟ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…