نعم لقد دخلنا القرن الحادي والعشرين

حسين عيسو

أهنئ البشرية اليوم بانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة ,هذه التهنئة ليست لانتخاب رئيس ديمقراطيا في أعظم دولة في العالم بل لأن رجلا ينتمي الى عرق جلب أجداده قبل قرنين كعبيد لاستخدامهم في المزارع دون أن يكون لهم أي حق سوى حق الأكل ولبس بعض الخرق حتى يستمروا في العمل وخدمة السيد المطاع , ولم يكن يحق لهم حتى قبل خمسين عاما الدخول الى العديد من الأماكن العامة الممنوعة عليهم أما اليوم فينتخب أحدهم رئيسا للدولة التي أذلتهم وعاملتهم باحتقار قبل نصف قرن ألا يعني هذا ان العالم قد دخل فعلا الى الألفية الثالثة.
 نعم لقد دخل العالم هذه الألفية لكن هل دخلنا نحن المنتمين الى هذه المنطقة التعيسة الحظ الى هذه الألفية أيضا للأسف أقول أننا مازلنا بعيدين بسنين ضوئية عن هذه المرحلة .


لمعرفة السبب لا بد من عمل مقارنة بيننا وبينهم :
في الغرب ترشح رجل أسود من المعارضة ضد الرجل الأبيض والذي كان سيدا قبل أعوام قليلة فانتخبه الشعب الأبيض قبل الأسود “كما ظهرت الصور على القنوات الفضائية” ولم يستطع الحاكم الأبيض سحله في الشوارع أو الضغط على عائلته لإجباره على الانسحاب وهكذا أصبح الرجل الأسود اليوم رئيسا لأعظم وأضخم دولة في العالم دون انقلاب أو نقطة دم أو سحل أجساد بشرية ولم يتهم أحد الامبريالية الأمريكية بفرضه على رقاب الشعب لأنهم هم أنفسهم أمريكيون ولم تتبارى أقلام الكتبة العنصريين ضد انتخاب هذا الرجل وضد لونه وعرقه ودينه لأن كل هذه التهم تعتبر عندهم غير إنسانية وتمس كرامة الإنسان كانسان لأن البشر عندهم متساوون في الحقوق والواجبات , اليوم في الألفية الثالثة وليس قبل خمسين عاما !.
عندنا ومنذ خمسين عاما جرد الآلاف من جنسيتهم : وكان هذا النوع من التعامل مع الآخر دارجا في تلك الفترة فكان التمييز العنصري في أوجه في جنوب إفريقيا وروديسيا وكان السود يعاملون بعنصرية وإذلال في الغرب وكانت الشعوب المقهورة تعامل بأساليب غير إنسانية في كل مكان , أما اليوم فلم نعد نسمع باسم بلد كان يسمى روديسيا والتفرقة العنصرية صارت في خبر كان والأسود المهان أمريكيا صار رئيسا لهم , أما عندنا اليوم فقد أضيف منع التعامل في بيع وشراء المنازل بالقرار 49 وجرى ذلك قبل انتخاب الرجل الأسود “أوباما” بشهرين فقط , والعديد حتى ممن يسمون أنفسهم مثقفين يبررون ذلك ولا يرون فيه بأسا مادام من ألغيت جنسياتهم ومنع عنهم بيع وشراء المنازل ينتمون الى عرق مختلف لأن حقوق الإنسان عندنا يختلف عما يؤمن به الغربيون الكفرة !.
في الغرب انتخب البيض رجلا أسود ………عندنا لم يتطوع أحد حتى من المعارضين للوقوف ضد هكذا قرار
عندهم المعارضون حتى وان كانوا سودا يصبحون رؤساء …..عندنا تهمتهم اضعاف الشعور الوطني والعمالة للغرب
عندهم حزب أوباما المعارض نجح في الانتخابات وعندنا الأحزاب جمعيات سرية يعاقب من يثبت انتسابه اليها
عندهم الأحزاب وطنية :جمهوريون – ديمقراطيون – محافظون – أحرار , قد توجد لديهم أحزاب دينية وعنصرية لكن لا أهمية لها في الألفية الثالثة .
عندنا كانت هناك أحزاب وطنية قبل خمسين عاما : الشعب – الوطني إضافة الى أحزاب قومية ودينية لم تكن ذات أهمية في ذلك العصر .
 أما اليوم وبعد دخول العالم هذه الألفية فقد اضمحلت الأحزاب الوطنية وحلت محلها الأحزاب القومية والدينية : عربية – كردية – آثورية – إسلامية , صحيح أن وجود أحزاب في أي بلد دليل حضارته لكن أحزاب بلدنا يلزمها أعوام ضوئية حتى تصل الى درجة تقبل الآخر لا أقصد هنا الآخر الخارجي أو المختلف أثنيا أو دينيا فقط بل حتى المختلف في رأيه ضمن الأثنية أو المذهب الواحد وتهم التكفير والعمالة جاهزة لدى الجميع ,ألا يدل هذا على أننا في هذه المنطقة التعيسة نسير عكس منطق التاريخ!!!.
عندهم الحزبي حر في إبداء آرائه وقد يختلف مع القيادة لكنه لا يطرد من الحزب أو يهان بل تناقش طروحاته بموضوعية لأن أحزابهم ديمقراطية ليس في مبادئها فحسب بل وفي هيكليتها وبرامجها .
عندنا لا رأي لحزبي خارج أفكار ومبادئ الحزب ومن يتمرد يطرد وقد يذهب الى تأسيس حزب جديد لينتقم بدوره ممن ينتسبون الى حزبه اذا ما فكروا بالتمرد عليه يوما .
عندنا لم يصل المثقف السياسي الى درجة الإيمان بأن بلدا ينتمي الى أعرق وأقدم الحضارات في تاريخ البشرية مثل سوريا التي قامت فوق أرضها العديد من الحضارات والثقافات عبر التاريخ وعلمت البشرية الكتابة والعلوم لا بد لها أن تحافظ على ذلك الإرث بالعمل على تأسيس أحزاب وطنية ديمقراطية لا أثنية أو دينية أو أيديولوجية , تؤمن ببناء دولة مدنية حديثة غير قومية أو دينية أو أيديولوجية وانما لكل مواطنيها.

هل وصلنا الى هذه الدرجة من الحضارة أم أننا مازلنا نعيش في عصر أبي تمام والمتنبي !!!.
 في أميركا وأوربا مئات القوميات والأديان وكل يتعبد داخل صومعته اذا أراد أو لا يؤمن بأي دين فهو حر ولا يوجد بينهم كافر يستحق النطع , ساركوزي الذي قدم من إحدى دول شرق أوربا لا أذكر اسم الدولة التي قدم منها انتخب رئيسا لفرنسا ودون أن يسأل أحد عن دينه أو أثنيته ولم يتهمه أحد كصنيعة للغرب لأنهم هم الغرب ولم يدخل سجنا بتهمة إضعاف الشعور الوطني أو الانتماء الى تنظيم سري .
عندهم منذ أيام اجتمعت مجموعة شركات : غوغل – ياهوو – مايكروسوفت وغيرها للوقوف ضد مراقبة حركة المعلوماتية من قبل سلطات الأمن في بلدانها لأن من حق أي انسان نشر رأيه ولو لم يوافق رأي موقع النشر أو السلطة الحاكمة .
عندنا : لنترك موقف السلطة الحاكمة وعملية حجب المواقع الذي تمارسه وهذا لا يحتاج الى تفصيل , الا أنني هنا أريد ذكر المواقع التي تدعي انتسابها الى المعارضة وتطالب بالتغيير الديمقراطي وتنادي بحرية الرأي والرأي الآخر ماذا تفعل هذه المواقع ,صحيح أنهم يذكرون كما في الدول التي تنتمي الى القرن الحادي والعشرين أنهم ليسوا مسئولين عما يكتب وأن هذه المقالات تعبر عن رأي أصحابها “شيء جميل” لكن هل تنشر أغلب هذه المواقع  الآراء التي تراها بعيدة عما تريده لا أبدا ! قد يقول قائل أن هناك من الكتابات ما تخرج عن حدود الأدب لكني أقول هذا أيضا غير صحيح فكم من المواقع تنشر كتابات بذيئة مادامت تضرب على نغمة الموقع المذكور أما اذا كانت تناقش شأنا عاما لا يريده الموقع فيرمى في سلة المهملات .
عندهم المثقفون والمحللون السياسيون والعسكريون والدينيون يناقشون الأمور بموضوعية بعيدا عن العواطف ولذا ترانا نحاول أن نسمع هؤلاء دوما لنعرف منهم أحوال الدنيا وأمور بلادنا !!.

أذكر كلمة قالها الفنان دريد لحام منذ أعوام : “لنفتح اذاعة لندن كي نعرف ماذا يجري عندنا” ما زلنا نفعل ذلك ونشكر الله على نعمة الفضائيات التي حلت علينا!!!.
أما عندنا حتى المثقف والمحلل السياسي وو….

نراه يحمل كل الحق في جيبه ورأيه هو عين الحق بكماله وان ثبت عكسه فقد (كذب المنجمون ولو صدقوا)!!! .
HUSSEIN.ISSO@GMAIL.COM

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…