بين الرشوة ونشيد البعث؟

  شيركو حسكاوي*

لم تعد حكايات «الرشوة» في الجيش السوري  سراً من الأسرار، ولا تعتبر واحدة من المحرمات التي لا يناقشها السوريون علناً في الغالب.

والغالبية العظمى من الذين خدموا في الجيش السوري يعرفون كم دفعوا للضباط الذين يأخذون منهم رواتبهم بالإضافة إلى الهدايا التي تختلف من منطقة إلى أخرى, ومن مجند لآخر الضبط السوريون اكتسبوا قدرات هائلة على القنص وكيفية التعامل مع  المجندين في فتناثرت جالياتهم في   .

يأتي المجند في اليوم الأول إلى الثكنة العسكرية فيتلقفه المساعد ويسالأه عن اسمه ومحافظته, وعمل والده, غالبا ما تتشابه قصص الشباب السوري في الرشوة في عمومها، وتختلف في تفاصيلها.


جوان خدم عند ضابط في مزرعة ضابط في طرطوس, وكان هو ورفاقه يسقون أشجار البرتقال والليمون, مقابل عدم القيام بواجب الحراسة, والخدمة في المعسكر
أزاد الذي قضى خدمته لدى ضابط في منطقة الكسوة العسكرية, كان يدفع لضابطه شهرياً خمسة آلاف ليرة سورية’ ويقوم بتوصيل أولاد الضابط وزوجته إلى الأسواق والجامعة وغيرها من المشاوير, وكان يصلح أعطال السيارة على حسابه الخاص.

و قد روى لي هذا الشاب بأنه كان يعمل في إحدى مطاعم دمشق, ويغسل الصحون لكي يوفر المبلغ المعين لضابطه, وقد توصل آزاد بعد تفكير عميق, وضرب أخمس بأسداس, وبعمليات حسابية عدة إلى أن العمل في المطعم لمدة ثمان ساعات أفضل من الخدمة في الجبهة وتنظيف السلاح, وقرر ان يعمل في أحد المطاعم، لسبعة أيام،  وهذا أفضل وأحسن.
و لحسن قصة طويلة مع الرشاوي الجيش، فوالد حسن يمللك قطيعاً من الأغنام في منطقة المالكية, ولما عرف الضباط بأن وضعه المادي جيد جداً وأن والده يملك كل هذا القطيع من الغنم, صاروا يتقربون منه, ويتسابقون في نقله إلى كتائبهم, ومنحه الإجازات تلو الإجازة, فالغنم يدر الحليب واللبن والجبن البلدي اللذيذ, واللذاذة كلها في الجبن البلوشي من ديريك, وأتعبوا يا رعاة الأغنام في سبيل إشباع الضباط من المنتوجات الجز راوية الجيدة؟! ليسمنوا كالأغنام, وتتدلى كروشهم لكن مع الأسف, لا يولدون ولا يجلبن سوى الكراهية وامتصاص أبناء هذا الوطن, والابتعاد عن الروح الوطنية في معاملة العساكر وتسخير المجندين كخدم في بيوتهم ومزارعهم, كيف يعقل، يا عالم أن يفسد الجيش السوري بهذا الشكل وبهذه المصيبة التي يندى لها جبين الإنسانية, زرادشت كان محظوظاً جداً فأمه كانت تعد له العسل الأصلي, ووالده يملك عشرات المناحل في محافظة حلب, مما دفع الضباط إلى تلقفه من الباب الرئيس مباشرة عن طريق المساعد الذي راد تبيض وجهه أمام ضابطه, وتناول العسل بشهده مع ضابطه, والعسل من الى كل بلاد العالم بلا تأشيرة دخول، وحدها سورية لا يستطيع بينما يخدم مجندي الساحل السوري بحسب قاقيته الديكية في المواقع المختلفة, ومنهم من لا يحظى بأية قيمة كانت بسبب فقره, ولا تسعفه قاقيته في دعمه, لكن يا سادة يا كرام, لا أنسى يوم كنت مجنداً في الجيش السوري العتيد, والذي أفتخر بأن أبناء الشعب الكردي من الفقراء يخدمون فيه منذ استقلال سورية بجد وإخلاص ولم يظهر منهم أي جاسوس إسرائيلي, والطامة الصغرى هي أيضاً أن ضابطنا صاحب العقيدة البعثية العتيدة, كان يضرب المجندين على أياديهم ممن لم يحفظوا نشيد البعث الخالد, وأناشيد أخرى تمجد الرئيس الراحل حافظ الأسد, ومن الأناشيد
الي مازالت في ذاكرتي نشيد (حافظ على حافظ حافظ يا رب, وغيرها..) لأن واجب المقاتل هو حفظ هذه الأناشيد لكي تحثهم على استرداد الجولان بالأناشيد القومية؟!.

مثقف سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…