عدل ساعة خير ٌ من عبادة ستين سنة

المحامي رضوان سيدو

بتاريخ 1 – 7 – 2008نشرنا مقالاً بعنوان (قضية برسم التحقيق) ملخصه قيام دورية من مخفر شرطة المركز بعاموده وبضغط من أمين شعبة ريف القامشلي لحزب البعث العربي الاشتراكي وعضو قيادة الفرقة في عاموده بتنظيم ضبط تعسفي بحق المزارع محمود بدران الحسن الحاج أمين بتهمة مخالفة التعليمات الإدارية الصادرة عن محافظ الحسكة التي تمنع عملية الحصاد بعد الساعة العاشرة ليلا ً ومخالفة قانون السير, و أحيل المزارع المذكور أعلاه إلى محكمة صلح الجزاء بعامودا و قيدت الدعوى برقم أساس (340) لعام 2008 و تم توقيفه لمدة يومين وحجزت حصادته لمدة ثلاثة أيام دون وجه حق
و بذلك لحقت به أضرار مادية كبيرة و خاصة في أوقات الحصاد العصيبة و الحرجة و حاول القاضي الصالح محمد حسين صالح بتحقيق العدالة, فقام بدعوة منظمي الضبط للاستماع إلى شهادتهم و بعد تحليفهم اليمين القانونية أفادوا جميعا ً(وقالوا الحقيقة مشكورين) بأن الحصادة كانت متوقفة عن العمل قبل الساعة العاشرة ليلا ً وإن ما ورد في الضبط المنظم من قبلهم غير صحيح و إنهم كانوا مأمورين و تلقوا الأوامر من أمين شعبة الحزب.

و بعد أن توصل القاضي إلى الحقيقة التامة أصدر قراره العادل و الجريء ـ في زمن قلت فيه الجرأة و تحتضر فيه كلمة الحق ـ ذا الرقم (422) لعام 2008 بإعلان عدم مسؤولية المدعي عليه (محمود) من جرمي مخالفة السير و الأوامر الإدارية لعدم توافر أركان هذين الجرمين.

و ذكرني هذا القرار بالمواقف البطولية لقضاة ذوي ضمائر حية أخذوا على عاتقهم فريضة إقامة العدل بين الناس بأمانة و أخلاص و إحقاق الحق و من هؤلاء القضاة القاضي الفرنسي /أنطون سيفويه/ رئيس محكمة استئناف باريس الذي أتخذ سنة 1824 موقفا ً مشرفا ً و ما زال يتردد صداه حتى يومنا هذا عندما حضر أمامه موفد الحكومة ليقول له إن المحكمة تؤدي خدمة كبيرة للعرش إذا ما اتخذت قرارا ً بتعطيل جريدة /لوكوريه/ فأجابه الرئيس سيفويه ان المحكمة تصدر قرارات و لا تؤدي خدمات.


هذا و كان لأفلاطون قول شهير في المقارنة ما بين القضاة و القانون حينما قال / من الأفضل للشعب أن يكون له قضاة صالحون و قوانين سيئة بدل أن يكون له قوانين جيدة و قضاة فاسدون / .


و أيضا ً هناك حديث نبوي شريف للرسول الكريم (ص) بخصوص قدسية العدالة فيقول / عدل ساعة خير ٌ من عبادة ستين سنة و جور ساعة في حكم ٍ أشد وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة /.


و إن القرار الصادر عن قاضي صلح الجزاء بعاموده الموقر و القاضي بعدم مسؤولية المدعى عليه /محمود/ هو إدانة بحد ذاته لكل من أمروا ونظموا الضبط التعسفي بحق المزارع المذكور أعلاه دون وجه حق وسيكون  رادعا ً لكل من تسول له نفسه بظلم و اضطهاد المواطنين وبذلك أتخذ القاضي السيد محمد صالح موقفا ً  مشرفا ً وحقق العدالة دون أن يأبه لطرفي الدعوى و كان ضميره هو الحاكم .


   المحامي رضوان سيدو
عضو مجلس إدارة اللجنة الكردية لحقوق الإنسان
  عاموده 27 /  10  / 2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…