مثقفونا ومثقفوهم…؟!

هوشنك أوسي

كثيراً ما يمعن المثقفون الكرد في الإكثار من الحديث عن أهميَّة دور المثقف الكردي التنويري، ومهامه ووظائفه القوميَّة والوطنيَّة في الدفاع عن قضايا أمته، وردّ المظالم عنه.

لكن، بعد مضي حوالي ربع قرن على ثورة كردستانيَّة، يقودها حزب كردستاني، سطَّر مناضلوها أروع وأنبل وأشرف وأنصع الملامح في المقاومة والتضحية والفداء، وهزّوا أركان ورثة المغول وآل أورطوغرول الطورانين الأتاتوركيين، المدعومين من الناتو وأمريكا وإسرائيل، وأضيف إلى مؤخَّراً، بغداد وطهران ودمشق…،

هذه الثورة الأطول والأكبر في تاريخ الكرد وكردستان، كيف تعاطى معها المثقف الكرديّ؟!.

هل تعاطوا معها، بما يماثل تعاطي المثقف العربي، وليس الفلسطيني وحسب، مع الثورة الفلسطينيَّة؟!.

هل تعاطوا معها بنفس سوية تعاطي المثقف الفارسي مع الثورة الخمينيَّة؟!.

هل تعاطوا معها بنفس سوية دفاع المثقف التركي عن حرب تركيا على هذه الثورة الكرديَّة، وكانت ردَّة فعل المثقف الكردي توازي فعل المثقف التركي المعادي للكرد عموماً ولهذه الثورة خصوصاًَ، مع الأخذ بعين الاعتبار، عدم الانزلاق لحال المثقف التركي من الشوفينيَّة والعنصرية المقيتة؟!.

رهط طويل من المثقفين الأكراد، وبخاصة في سورية، تضيق بهم العقول والقلوب والأعين، حتى في مسألة إطلاق وصف الثورة على ما يقوم به الأكراد في تركيا، فما بالك في الدفاع عنها؟!.

البعض منهم، شأنهم شان الأتراك، وبل اكثر منهم أحياناً، يكيلون حقداً وكرهاً أعمى لحزب العمال وزعيمه الأسير عبدالله أوجلان!.

البعض منهم، يشكك في تعرّض أوجلان للتسميم في معتقله، تماماً، كما شكك ونفى الأتراك!.

وبل يتشفَّى البعض في حال أوجلان، وهو الزعيم الكردي الأسير لدى أعتى طغمة فاشية في الشرق الأوسط!.

البعض من مثقفينا، مرَّ عليه خبر تعرّض أوجلان في سجنه للإهانة والإذلال، والطرح أرضاً، والدهس على الظهر، والتهديد بالقتل…، مرّ عليهم هذا الخبر، والمظاهرات التي تعمُّ كردستاننا الشماليَّة استنكاراً لهذه الجريمة، وكأنه حادث هامشي، جرى في الارجنتين!.

في حين، لو قام أحد قادة كردستان العراق، بإقامة حفلة طهور أحد أطفاله، ترى سيل التهنئات والتبريكات والمدَّونات النثرية والمطوَّلات الشعريَّة تسيل من أقلام مثقفينا الأكراد بهذه المناسبة الجليلة والعزيزة على قلبهم القوميَّة والوطنيَّة!.

وإن ظهرت دملَّة في دبر أحد مسؤولي كردستان العراق، (وعذراًَ على هذه العبارة)، تدبّ الحميَّة والنخوة والمروءة والجسارة…، في مثقفينا، فيغدقون بالنثريات والشعريات المواسية للمصاب بها، وكأن هذا الحدث، “نكبة وطامَّة كبرى” ألمَّت بالكرد في أصقاع المعمورة!؟.

والسؤال الأهم: هل دافع ويدافع مثقفونا الأفاضل عن الثورة الكردستانيَّة في كردستان الشماليَّة، بنفس الوتيرة والقدر الذي يدافعون فيه عن كردستان العراق؟!.

وإَّيُّهما، ينبغي أن يستحوذ على دفاع مثقفينا أكبر، كردستان الجنوبيَّة، وهي في حالة شبه استقرار، أم كردستان الشماليَّة، وهي في حالة عليان وثورة، يفترض أن يكون الكرد إلى جوار هذا الجزء الكردستاني في محنته!؟.
وحين يشتدُّ الحدث وطأة في كردستان تركيا، ولغسل ماء الوجه، ومن باب تسجيل الحضور الثقافي، إن كتب بعض مثقفينا في الشأن الكردي المتعاظم والمتفاقم في هذا الجزء الكردستاني من الوطن، دأب بعض البعض من مثقفينا الأكراد، على الانتقاص من حزب العمال الكردستاني، بشكل او بآخر، ودعوة قيادته لفعل كذا وكذا…، والقيام بالقراءة المتأنيَّة، والأفقيَّة والعاموديَّة للمجريات، وكأن من يقود ثورة عمرها ربع قرن، من السذاجة والبلادة التي لا يعرف فيها مهامه!؟.

والمؤسف أن البعض يتحدث عن نفسه، بأنه لا يودّ الخوض في التفاصيل، لأن العموميات أعظم شأناً لديه من التفاصيل، وإذ به،  إمَّا جاهل في العام والخاص، والتفاصيل والخطوط العريضة في الملفّ الكردي في تركيا، أو هو يتقصَّد ذلك، عمداً وعن سابق إصرار وتصميم وتعتيم.

ويعيد بعض مثقفينا عداء أمريكا للعمال الكردستاني لماركسيَّة الأخير، في حين، أن واشنطن على علاقة وطيدة وحميمة مع ماركسيي العراق كرداً وعرباً!.

إذن، العداء الأمريكي ليس منشانه أيديولوجي يا صاحبي، بل العداء هي مصالح أمريكا التي تستجوب محاربة العمال الكردستاني.

ولو تقاطعت مصالح واشنطن مع العمال الكردستاني، ستتعاطى معه، مهما كانت خلفيته الأيديولوجيَّة.

ثم أن أمريكا لا تقوم بترتيب أعداء على أساس خلفياتهم الأيديولوجيَّة.

ولا ينسى مثقفونا، التعريج على الطعن في أوجلان، وجعله العقدة الكؤود في وجه حلّ القضيَّة الكرديَّة في تركيا.

لذا، فأن الحلّ، يستوجب “طرح” أوجلان جانباً.

وهنا، وفي أيّ تناول لبعض مثقفينا، للقضيّة الكرديَّة في تركيا، تظهر بطانتهم السياسيَّة، وتطلُّ المواقف المسبقة وأحقاد الماضي التليد على أوجلان وحزبه برأسها مجدداً!.
لا يطالب أحد أن يكون مثقفونا أقلَ حرصاً على كردستان الجنوبيَّة من كردستان الشماليَّة، بل يحقّ لنا مطالبتهم بل القيام بمهامهم حيال ثورة شعبهم الكردستاني في شمالهم الكردستاني، وإلاَّ، فليتبرَّأوا من هذا الجزء من الوطن!؟.

ماذا بقي ولم يفعله سعياً وراء حلّ سلمي ديمقراطي يوقف نزيف دماء الأكراد والأتراك!؟.

ولم سبيل أمام حزب العمال سوى: إمَّا الاستسلام أو المقاومة.

يسعى بعض مثقفينا، قصارى جهدهم، للنيل من حزب العمال، وخلق تقاطع ما بينه وبين حزب البعث، عبر ذكر “المشترك” الماركسي!!.

فهل فعلاً حزب البعث العربي “الاشتراكي” هو حزب ماركسي، بعد كل هذه التجربة مع هذا الحزب؟!.

في حين، أن مقاومة ثوار وثائرات حزب العمال الكردستاني، هي مفخرة للأمَّة الكرديَّة على يوم الدين.

هل يقرأ المثقف الكردي في سورية، (والبعض منهم يدّعي أن خبير في هذا الملّف)، الصحافة التركيَّة، وماذا يكتب كتَّاب الزوايا في الصحافة التركيَّة، وخاصّضة منها، القوميَّة المتطرِّفة، وكيف بدأ هؤلاء تغيير لهجتهم في التعاطي مع حزب العمال، والقضيَّة الكرديَّة، في حين، ان بعض مثقفينا، يسعى للفصل بين حزب العمال والقضيّة الكرديَّة!؟.

وسأذكر هنا بعض النماذج المقتضبة من آراء بعض الكتَّاب الأتراك، كيف نقارن بينا مثقفينا ومثقفيهم.
منذ 25 سنة، والإعلام التركي، هو إعلام حرب، ومناصر للجيش التركي.

وكان هنالك إجماع بين مجمل توجُّهات وميول ومذهب الإعلامي التركي على معاضدة مساعي الجيش وخياراته العسكريَّة في حسم الملفّ الكردي في تركيا.

وفي اليوم الأول للهجوم الذي شنَّه مقاتلوا حزب العمال الكردستاني على ثكنة (بيزاليه / آكتوتون) يوم 3/10/2008، ومقتل 17 جندي تركي، وفق بين الجيش، و62 جندي وفق بيان الكردستاني.

في هذا الهجوم، كان الإعلام التركي المرئي والمقروء والمسموع، يدقُّ طبول الحرب، ويدعو للثأر والانتقام والويل والثبور، ويشحن عنصريَّة الشارع التركي ضد أكراد تركيا…الخ.

وبعد أن اجتمع رئيس الأركان ونائبه بمدراء القنوات الفضائيَّة ورؤساء تحرير كافة الصحف التركيَّة، تمَّ وضع خارطة طريق إعلاميّة للإعلام التركي، مضبوطة بتوجُّه ونهج العسكر.

لكن، ما كان لافتاً، أن كتَّاب الزوايا في الصحافة التركيَّة، قد أثَّر فيهم الهجوم الكردي على الثكنة التركيَّة، وحصيلة العمليَّات العسكريَّة التي تلتها، وجعلهم ينزاحون عن وجهة الجيش وتوصياتهم، و”الضرورات القوميَّة” للمشاركة في حملة التضليل والتشويه التي يقودها الجيش للتعمية على الحلول العسكريَّة الفاشلة، طيلة 25 سنة الماضية.

ويمكن الإشارة إلى بعض آراء كتَّاب الزوايا في الصحافة التركيَّة، حول بدء الانتقادات لمسلك الجيش التركي حيال الملف الكردي.


تحت عنوان “نحن بحاجة لخطاب جديد”، كتب جان دوندار في صحيفة “ملليت”: “بعض مضي ثلاثين عاماً، على هذه الحرب، التي لم نجد لها اسماً بعد، ينبغي علينا البحث عن خطاب جديد للمعالجة والمداواة.

ينبغي علينا الكفّ عن الغرف من الأرشيف، لاستقاء العبارات والأوصاف، بغية صياغة خبر عن أيّ هجوم جديد… جوهر المسألة، كامن في ألاَّ يتوارى أحدنا خلف الكلمات التي من قبيل: هذه محاولتهم الأخيرة..

ونحن مصممون على مكافحة الإرهاب..

وسنردُّ على الخونة…، آن لنا أن نترك هذه العبارات”.

وانتقد دوندار، حزب المجتمع الديمقراطي (الكردي) على عدم وضوح رؤيته للحلّ، متجاهلاً أو متناساً كل البيانات والتصريحات والمشاريع السلميَّة التي أطلقها هذا الحزب، قبل وبعد انتخابات تموز 2007!.

وكتب سميح إيديز في نفس الصحيفة: “هجوم الكردستاني على آكتوتون، يلزم علينا طرح هذه الأسئلة”.

لكنه، يتجاهل في أسئلته التعريج على ان العنف الكردي منشأه عنف الدولة، وإنكارها للهويَّة الكرديَّة، إذ يستفسر إيديز قائلاً: “لماذا لا يصف حزب المجتمع الديمقراطي العمال الكردستاني بالإرهاب؟”، متهماً المجتمع الديمقراطي بأنه يدعم خيار العنف والإرهاب!.

وفي جريدة “حرييت”، كتب أحمد هاكان، تحت عنوان “ثمَّة شيئان في الخنادق الغربيَّة”، ما يلي: “لقد آن أوان، إن أتاكم نبأ من شمدينلي، يفيد أنه سقط لنا 15 شهيد، أن تكفُّوا عن القول بصوت واحد: العوض بسلامة الوطن”، في أشارة خجولة عن انتقاده لنمطية واستبساط الخطاب الإعلامي لحالة الحرب الدائرة في تركيا.

ولم ينسَ هاكان، كيل المدائح لإملاءات رئيس هيئة الأركان التركيَّة، الجنرال إلكر باشبوغ ونائبه للإعلام التركي، وصافاً إيَّاها بـ”العصريَّة”!.

وتحت عنوان “الحدود الفاصلة بين الساحات المدنيَّة والعسكريَّة”، كتب أورال تشاليشلار: “أبناؤنا يقتلون، ودماؤهم تسيل في جنوب شرق البلاد.

ونحن دائرون في حلقة مفرغة.

أفلا يحق لنا التساؤل عن حلّ، يحول دون مقتل أولادنا؟!”، طبعاً، دون تناسي توجيه النقد للعمال الكردستاني.

وفي نفس الصحيفة، كتب طارهان أردم، تحت عنوان “فهم ومعالجة المشكلة” قائلاً: “إذا كان أكراد هذا البلد، يتمتَّعون بنفس الحقوق التي يتمتَّع بها الخمسة ملايين تركي الذين يعيشون في أوروبا، لما حدث ما حدث”.

وأشار محمد بارلاس في صحيفة “صباح” إلى الممارسات والسياسات العنصريَّة التي ارتكبها العسكر والساسة الأتراك اتجاه الأكراد، ذاكراً أن: “سياسات الإنكار والصهر، فشلت في حلّ المشكلة”.

ولعل، الصوت الأكثر جرأة في تناول جوهر القضيَّة، هو ما كتبه عصمت بيركاند في صحيفة “رايكال”، تحت عنوان “إلى متى الحرب على حزب العمال الكردستاني”، بعد يومين من الهجوم على ثكنة “آكتوتون”.

حيث ذكر بيركاند: أعلن أحد الجنرالات الأتراك قبل 13 عاماً، أن الجيش التركي، لا يحارب الإرهاب، بل إرهابيي حزب العمال الكردستاني بشمال العراق.

ولم يتطرق، الجنرال الى نوع التدابير والخطوات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي تحول دون انضمام الشباب الأكراد الى القتال في صفوف  الكردستاني.

وفي 1995، كان الكلام على مثل الإجراءات السياسيَّة، غير العسكريَّة، محظوراً.

ويقدر الجيش عدد عناصر الكردستاني، بـ5000.

وعلى رغم أننا قتلنا هؤلاء الآلاف الخمسة مراراً، بقي العمال الكردستاني، جاهزاً لشنّ هجمات قويّة على مواقع الجيش.

والشباب الكردي ينضم إليه، على رغم إدراكه أن الموت ينتظره.

ألم يحن أوان أن نقوّم صواب نهجنا العسكري أو خطأه، بعد 25 عاماً من الحرب على هذا الحزب، ونتساءل عن سبل الخروج من دائرة هذه الأزمة المغلقة؟.

والسياسيون الأتراك يتفادون طرح هذه الأسئلة.

ولكن كيف نوقف انضمام الشباب الكردي الى الحزب؟.

ويردد الجواب عن السؤال وجهة النظر الرسميَّة التي تزعم أن أساس المشكلة، هو فقر المناطق الكرديَّة وتخلُّفها اقتصاديَّاً، وأن تنمية تلك المناطق، تذلل المشكلة الكرديَّة.

فينصرف الشباب الكردي الى العمل، بدلاً من الانضمام الى الكردستاني.

وثمة جواب آخر، يتهم أصحابه بالخيانة.

فيرى هؤلاء، أن القضيّة الكرديّة، لا تقتصر على الفقر والمشكلات الاقتصاديّة.

ويطالبون المسؤولين، بالعدول عن سياسة إنكار الهويّة الكرديّة في تركيا، والاعتراف بحقوقهم كمواطنين على قدم المساواة مع   الأتراك.

وعلى أصحاب الرأي الأول، أن يدركوا أن حركة انضمام الشباب الكردي الى حزب العمال، خرجت من دائرة مناطق الجنوب الفقيرة، الى دائرة مدن كبيرة وغنيَّة، كاسطنبول وأزمير.

وعلى تركيا ان تغير استراتيجية مواجهة العمال الكردستاني، البائتة والموروثة من تسعينات القرن الماضي.

فهل سألنا هؤلاء الأطفال والشباب عن أسباب التحاقهم بـ”حزب العمال الكردستاني”، على رغم المخاطر؟ ويوم نطرح هذا السؤال، ويرد علينا، نخطو خطوات كبيرة نحو وقف شلال الدم”.
وكتب الكاتب التركي المعروف حسن جمال (حفيد جمال باشا، “السفاح”، أحد أبرز أقطاب جمعيَّة الاتحاد والترقِّي) في عدد يوم 8/10/2008 من صحيفة “ملليت” التركيَّة، ذاكراً: “إن حكومة حزب العدالة والتنمية، قد وضعت القضيَّة الكرديَّة في عهدة الجيش، وتركت له حريَّة التصرُّف في هذا الملفّ.

والعسكر بدورهم، وضعوا هذا الملفّ نهائيَّاً تحت إشرافهم، ولن يسمحوا لأحد التدخُّل فيه”.

ويوضح حسن جمال في مقاله: إن الجيش، “قد وضع الاستخبارات العسكريَّة، والاستخبارات القوميَّة التركيَّة MIT، (التي من المفترض أن تكون خاضعة لإمرة الحكومة)، تحت إشرافه المباشر.

والاستخبارات العسكريَّة والمدنيَّة التركيَّة، ناشطة بقوَّة في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.

لذا، ليست للحكومة أيّ علم بما يجري هناك”.

وأضاف جمال: “كانت الحكومة، قد اتخذت قرار قناة تلفزيونيَّة ناطقة بالكرديَّة في الربيع الماضي، إلا أنَّ الجيش حال دون ذلك، وعارضوا هذا القرار، بحجَّة أن هذه القناة التلفزيونيَّة، ستؤجج من الشعور القومي الكردي في تركيا”.

وذكر جمال: “إن السيطرة الكاملة للجيش على المسألة الكرديَّة، يبقي الحكومة والبرلمان عاجزين عن امتلاك زمام المبادرة في مسعى إيجاد حلّ لها.

وسيطرة الجيش على هذه القضيَّة، هو الذي يبقي المشكلة عالقة، وسبل حلَّها تبقى مسدودة.

ما يكفل بدفع تركيا نحو مخاطر عديدة”.

ويختتم جمال مقاله: “لم يعد الجيش وسيلة لحلّ هذه المشكلة، أنه صار طرفاً فيها.

وحتى يمكننا القول: أنه صار أصل المشكلة”.


وتعليقاً على الأحداث التي تمرُّ بها تركيا مؤخَّراً، ودور الجيش فيها، أبدى الكاتب في صحيفة “طرف” التركيَّة،  راسم أوزان كوتاهيالي، عن رفضه الالتحاق بالخدمة الإلزاميَّة، ما لم تنتهِ هذه “الحرب القذرة”، حسب تعبيره.

وكتب في عدد “طرف” الصادر يوم 9/10/2008، قائلاً: “هذه الحرب القذرة، فقدت مشروعيتها.

وإذا لم تنتهِ هذه الحرب الرافضة للحلول السلميَّة، فلن ألتحق بخدمة العلم”.

ووجَّه كوتاهيالي نداءاً للشباب التركي، من الذين لم يؤدَّوا الخدمة الإلزاميَّة بعد، داعياً إيَّاهم مشاركته في قراره، ذاكراً: “أولئك الذين يزعمون القومَّيَّة والكماليَّة (نسبة إلى كمال أتاتورك)، يلجأون إلى آلاف الحيل والخُدع، كي يتهرَّبوا من خدمة العَلَم.

فقط، أولاد الفقراء والمساكين، يذهبون للخدمة العسكريَّة، قائلين لآبائهم وأمهاتهم: نحن عائدون.

لكنهم يفقدون حياتهم أمام أعيينا”.

وأضاف كوتاهيالي: “الجيش التركي، يعيش أزمة المشروعيَّة.

وأنا لم أذهب للخدمة العسكريَّة بعد، ولن أذهب.

وأنتم أيضاً لا تذهبوا”.
وكتب الكاتب والصفي التركي محمد علي بيراند في صحيفة “ملليت”، وقوله: “ينبغي ألاَّ نخدع أنفسنا.

وقد يعزُّ علينا ذلك، لكن ينبغي الاعتراف بأن حزب العمال الكردستاني قد غيّر كيمياء الكثيرين منَّا، وقلب موازيننا وتوازناتنا رأساً على عقب.

الهجمات الأخيرة على بيزاليه / آكتوتون، أفقدت الجيش هيبته، الذي كنَّا متأكِّدين من أنه لا يُهزم أبداً.

والأهم من ذلك، قلَّت ثقتنا بأن العمال الكردستاني قد فقد قوَّته، وينتابه الوهن والضعف والأزمات.

بالإضافة إلى ان الذين لم يكونوا يشاءون انتقاد الجيش، هم الآن ينتقدونه بحدَّة وحزم.

وتمَّ إتلاف كاريمزيَّة الجيش بشكل واضح، فيما يتعلَّق بمكافحة الإرهاب.

وازداد منسوب الدعم والتأييد للعمال الكردستاني”
على ضوء ما سلف، أبدت هيئة الأركان التركيَّة انزعاجها الشديد من أداء الإعلام المرئي والمقروء التركي.

بخاصَّة، بعد سلسلة الملتقيات والندوات التي نظَّمتها هيئة الأركان مع المعنيين بصناعة الإعلام في تركيا.

وعليه، طالبت أكاديميَّة الأمن القومي، التابعة لدائرة “الحرب الخاصة” في هيئة الأركان، كل الصحفيين الأتراك للانخراط في دورات وورش تدريبيَّة تقيمها الاكاديميَّة، كي يستقيم أداؤهم ومزاج العسكر.

والسؤال هنا: هل فعلاً أننا نشهد انزياحاً للإعلام التركي عن إملاءات العسكر ونظرتهم للقضيَّة الكرديَّة، أم هي طفرة عابرة، وسينجح الجنرالات الأتراك في إعادة الصحفيين والإعلاميين إلى حظيرتهم الأتاتوركيَّة المعهودة؟.

على الطرف المقابل: متى سيقف المثقف الكردي موقفاً منصفاً من ثورة حزب العمال الكردستاني، ويقوم بما يملي عليه دوره القومي والوطني، بعيداً من أحقاد الماضي؟.

متى سيعي المثقف الكردي أننا في حالة حرب مع الطورانيَّة _ الأتاتوركيَّة، والثمانيَّة الجديدة، ويستوجب ذكل علينا المزيد والمزيد والمزيد من الدعم والمساندة لثوارنا الأبطال في آمد وديرسم وهكاري وباطمان وشرناج وجبال قنديل والزاب…؟، بدلاً من تهميش مقاوماتهم التاريخيَّة، والانتقاص منها، او التشكيك فيها.

وآخر القول: الأمَّة التي تترك ثوَّارها ومناضليها فريسة لأعداهم، لا تستحق الحريَّة، ولا تستحقّ أن يضحي أولئك الثوَّار بحياتهم من أجلها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…