المرسوم 49 يتجاوز العبث باعشاش العصافير الى إبتلاعها!

ديـــار ســـليمان

كنت قد كتبت قبلآ: الأسد يعبث بأعشاش العصافير.
 لكن الرئيس السوري بشار الأسد قطـع في العاشر من سبتمبر 2008 شـعرة معاوية التي كانت تربطه بثلاثة ملايين كوردي سوري.

كيف لا و هو الذي أصدر في ذلك اليوم المشؤوم المرسوم التشريعي رقم (49) الذي يمنع بموجبه المواطنين الكورد من إكتساب أي حق عيني على أراضيهم وأملاكهم بداعي أنها مناطق حدودية.
و ليس من المعروف إذا ماكان الأمر من باب الصدفة المحضة أم هو غرام وراثي بالأرقـام، إذ أن مرسومآ آخر كان يحمل الرقم ذاته صدر عن الأسد الأب في بداية ثمانينات القرن الماضي كان يحكم على كل سوري يشتبه بانتماءه الى جماعة الأخوان بالأعدام و كان يطبق بأثر رجعي شأنه شأن المرسوم الجديد الذي طبق على الدعاوى التي كانت قائمة قبل صدوره.
و بموجب هذا المرسوم الشاب أصبح كل كوري ليس مشتبهآ به فقط بل متهمآ بشكل رسمي و محكومآ عليه بالموت البطـئ.
حقيقـة الرئيس بشار لم يكن مسؤولآ مسؤولية مباشرة عن ما تسميه الأحزاب الكوردية في برامجها بالاضطهاد القومي والمشاريع العنصرية و القوانين الإستثنائية و تقصد بها لسلسلة طويلة من محاولات محو الهوية القومية للشعب الكوردي في كوردستان سوريا و التي من محطاتها الرئيسية الإحصاء الإستثنائي و تعريب أسماء المدن و البلدات والقرى و الأشخاص و الأماكن الطبيعية و الأستيلاء على أراضي الفلاحين الكورد و تسليمها لمستوطنين عرب تم جلبهم من المناطق الداخلية، و إخضاع تسجيل المواليد الكورد لتحقيقات أمنية مكثفة، رغم أنه ـ أي الرئيس ـ كان أمينآ على تنفيذها، لكنه كان مسؤولآ باعتباره رئيسآ للدولة عما تم بعد إستلامه السلطة وبشكل خاص مرسومه المذكور الذي يحمل توقيعه و الذي بـز حقيقة كل تلك المشاريع العنصرية و جعلها مقارنـة به مجـرد عبث أطفال و ألعاب هواة مشاغبون يقومون بأعمال شغب يغيظـون بها أقرانهم رغم نتائجها الكارثية.
و على ذكر الأحزاب الكوردية فقد قرأت بيانآ صادرآ عن المكتب السياسي لاحد الأحزاب و قد كان حقآ و الشهادة لوجه الله بيانآ على مستوى المرحلة حيث  نــوه فيه ـ كما جاء حرفيآ ـ الى عدم حضور حزبين آخرين لحفل الاستقبال الذي أقامه بمناسبة خروج سكرتيره من السجن ـ ألف الحمد لله على السلامة ـ مخالفـين بذلك الأعراف الدبلوماسية مما يهدد بقطعها و سحب السفراء، هذا و نكايـة بهذا المرسوم الذي لن يمنع لا هو و لا ألف مرسوم مثله هذا الحزب أو غيره من إقامة حفلاته فانني أعلـن تركي لكل شئ والتفـرغ  للتضامن مع المكتب السياسي للحزب الغير مذكور و لكل مكـتب سياسي راقـص لأي حـزب محتفل على أنغـام موسيقى شـخيره الصاخبة للتشويش على هذا المرسـوم أو مرسـول الحب إذا ما تغيب عن مناسباته أيآ كان، وبهذه المناسبة العظيمة فإني  ـ واخــد على خاطري حبتين ـ من الغائبين وعسى أن يكون المانع خيرآ إنشاء الله و أظـن ـ وبعض الظن أثـم ـ إنهم ربما كانوا يغطون مثلهم مثل غيرهم في نومٍ عميق يحلمون خلاله بأنهم منكبيـن إنكبابـآ مجهريـآ على دراسة ظاهرة الإعتقـال المحـيرة في سوريا والتي تتم وفق قـول الشاعر:
ترويج كتاب في غابـةٍ جريمةّ لا تغتفـر       و ترويج مكتبةٍ في مدينة مسألةّ فيها نظـر
لكن رغم غياب هؤلاء فان البركة كانت في الحضور فقد كفـوا و وفـوا بكلماتهم التي ألهبت الأكف و طـيرت المرسوم الذي أصبح في خـبر كان و كأنه لم يكن (لولولولولوش).


إذآ و عودة الى الموضوع الرئيس، فكأن الجفاف لوحده لم يكن كافيآ هذا العام حتى جاء هذا المرسوم في لحظـة إنتقام رهيبة من أناس مسالمين فقراء عـزل.
فجولة قصـيرة في قامشلو تدل بوضوح أن المدينة تتحـول شيئآ فشيئآ الى مدينة أشـباح، فالعمل متوقف في القطاع الوحيد المتبقي الذي كان الكورد يعتاشون عليه بعد أن تم ضرب فرص العمل التي كانت موجودة بدلآ من خلق فرص جديدة، وكل الظواهـر تشي بأن التحضـير قائم على قدمٍ وسـاق لدارفـور الكوردية، فجنجـويد البعث قد وضعوا الأصبع على الزنـاد بإنتظـار ساعة الصفر بعد إن تم تهميش الكورد الى ما دون الصفر.


الحزام العربي الذي كان يكتم أنفاس ثلاثة ملايين كوردي تم تقطيعه الى ثلاثة ملايين حبل مشنقة يتم نصبها الآن على الملأ.
و القول بأن الكورد جزء من النسيج السوري أصبح واضحآ، فمعمل النسيج في سوريا ينتج فقط قماشـآ ذو لون واحد لا مكان فيه للزي القومي الكوردي.
فالى الحالمين: الرئيس لا يلغي مرسومآ أصدره بالأمس.
والى هواة التوثيق: ليبدأ إحصاء الضحايا الذين سيسقطون برصاص المرسوم الجديد ليومٍ قريب.
و الى شعبنا الكوردي الأعزل: ليس لكم  سوى الوقوف وظهوركم للحيطان المتبقية و الدفاع عنها
باظافركم.

17.10.2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…