الحركة الكردية بين المرجعية السياسية والمرجعية القومية

  نشرة يكيتي (العدد 161) *

منذ أكثر من عام توقف الحوار الشامل بين أطراف الحركة الكردية بناءً على رغبة التحالف قبل انقسامه منذ ستة أشهر، وكان واضحاً وقتها أن هناك إصراراً لدى التحالف بأن المؤتمر القومي هو الخيار الوحيد من أجل تأطير الحركة، ورفض بحزم كل الخيارات الأخرى التي طرحتها الجبهة الديمقراطية الكردية، ولجنة التنسيق، ومع ذلك تمت الموافقة على رأيهم على مضض، إلا أن التحالف تقدم بأسئلة تعتبر من صلب مهام اللجنة التحضيرية، وطلب من اللجنة السياسية التي أعدت المشروع السياسي الإجابة قبل البدء بأي حوار حول آلية انعقاد المؤتمر، ونشر الرؤية المشتركة كما اتفق سابقاً بين الأطراف (مع اعتراضات الحزب التقدمي على جوهر الرؤية السياسية) وظهر جلياً فيما بعد، -خاصة بعد حصول الانشقاق بين أطراف التحالف- أن طرفين من أطراف التحالف كانا مصرّين على عدم البحث في الخيارات الأخرى لتأطير الحركة.

وبات الموقف اليوم واضحاً، ومن خلال صفحات إعلام الحزبين (الوحدة والتقدمي) إصرارهما على المؤتمر القومي، ورفض كل الخيارات الأخرى.

والسؤال المطروح هو: لماذا رفض الخيارات الأخرى؟ وهل الخيارات الأخرى تشكل عائقاً أمام التأطير؟ أم خيار المؤتمر القومي يشكل عائقاً؟ خاصة إذا علمنا أن خياراً آخر بدأ يُطرح في الوسط السياسي الكردي؛ وهو خيار المجلس السياسي للحركة الكردية والتي تتبناه الجبهة الديمقراطية الكردية، وتؤيدها لجنة التنسيق الكردي، واللجنة العليا للتحالف الديمقراطي الكردي الممثل بحزب اليساري والبارتي جناح الأستاذ نصر الدين عمر.

وبشيء من الموضوعية نحاول مناقشة الخيارين والصعوبات التي تعترض كل خيار، وأيهما يملك قابلية التحقيق عملياً، وأقلّ اختصاراً لزمن الحوار.
1ً- المؤتمر القومي: للوهلة الأولى يفهم من هذه العبارة بأن تتم مشاركة كافة أطياف وشرائح المجتمع الكردي، بالإضافة إلى أحزاب الحركة الكردية في انعقاد المؤتمر، وينبثق من هذا المؤتمر مجلس تنفيذي مكون من مستقلين وحزبيين، يقوم بتنفيذ البرنامج السياسي المتفق عليه في المؤتمر.

وواضح أن هذا العمل الكبير يعتبر أمل كل مواطن كردي.

لكن لنترك الآمال والأحلام جانباً، ونأتي إلى الواقع العملي للمشروع، وهو مشروع قابل للتحقيق، أم حالة نظرية بحتة يهدف أصحابها من ورائه خلط الأوراق والتهرب من استحقاق المرحلة؟ خاصة إذا علمنا أننا نعيش في ظل نظام استبدادي لا يسمح بأي مساحة من الحرية لنتمكن من تمثيل المواطنين تمثيلاً حقيقياً من خلال انتخاب ممثليهم بشكل حر ومستقل عن التأثيرات الحزبية.

وإلا فإننا نضطر إلى اللجوء إلى التعيين، وهذه عملية معقدة، وتخلق الكثير من الإشكالات سواء بين الأحزاب الكردية نفسها او بينها وبين المستقلين، وبالتالي فإن الصورة الماثلة أمامنا هي تجربة التحالف في الانتقاء، فلقد وجدنا أنفسنا أمام شخصيات غير مستقلة، بل منحازة إلى طرف دون آخر مما سبب عملياً انشقاق التحالف، لا بل تم استغلالهم من قبل بعض أطراف التحالف، وتقديم البعض منهم أمام الجماهير كشهود زور على ما حدث داخل التحالف، بدلاً من أن يقفوا على الحياد ويسهموا في تقريب وجهات النظر بين أطرافه.

وبناء عليه فإن عملية الانتقاء لا يمكن أن تخرج من تحت العباءة الحزبية، لا بل سوف يكون المستقلون صورة مشوهة للحالة الحزبية مهما حاولت تجميلها، عدا أن عملية الانتقاء سوف تعرض الحركة الكردية لانتقادات شديدة من قبل الشخصيات الوطنية التي لا يقع عليها الاختبار، وبذلك نساهم في حدوث شرخ آخر بين الجماهير نحن بغنى عنه اليوم.
ومن هنا نستطيع القول بأن أصحاب هذا الطرح النظري يتهربون بأسلوب ذكي من بناء المرجعية الكردية عندما يرفضون بشكل قاطع أي خيار آخر لتأطير الحركة، وهم يعرفون تماماً صعوبة تحقيقه عملياً في مناخ لا ديمقراطي، لا يمكن فيه التعبير عن التمثيل الحقيقي.
2ً- المجلس السياسي: وهذا الطرح يدعو إلى التقاء أطراف الحركة الكردية التي اشتركت في صياغة الرؤية السياسية المشتركة، ووافقت عليها دون اعتراض للتحاور حول تشكيل مجلس سياسي لهذه الأطراف، وإيجاد آلية لاتخاذ القرار السياسي، لأن الحركة الكردية –بمجموع أحزابها- تمثل (تجاوزاً) الشعب الكردي في ظل هكذا مناخ سياسي استبدادي أسوة ببقية الحركات السياسية التي تعيش ظروفنا.
وبعد تشكيل المجلس السياسي يمكن التفكير بهدوء لإيجاد آلية لتشكيل المجلس القومي المنشود بعيداً عن الاستعراضات الحزبية، والتلاعب بالألفاظ والعواطف، إضافة إلى إمكانية تشكيل مجلس استشاري إلى جانب المجلس السياسي يضم الكفاءات المتقدمة من الأكاديميين في مجال السياسة والقانون والإعلام للاستفادة من خبراتهم وجهودهم.
ومن الجدير بالذكر أن تشكيل المجلس السياسي لا يحتاج إلى أي تعقيد، خاصة وأن الرؤية السياسية المتفق عليها جاهزة، وبين أيدينا، ولا يحتاج الأمر إلا إلى بضع جلسات للاتفاق على الجانب التنظيمي للموضوع والإعلان عنه.
ونعتقد بأن هذا الخيار هو من جملة الخيارات المطروحة أمامنا مثل خيار الاتحاد السياسي، نظراً لضرورات ظروف المرحلة التي نعيشها، لأن الخطاب السياسي الكردي حالياً سوف يعزز موقع الحركة الكردية محلياً ودولياً وكردستانياً، ومن الغباء السياسي تفويت مثل هذه الفرصة التاريخية، كما أنه من الغباء أيضاً أن ننتظر إلى ما لا نهاية أولئك الذين يضعون العصي أمام عجلة التأطير، ويخلقون الحجج والذرائع للهروب منها؛ فالمرحلة دقيقة وحساسة وحاسمة لمستقبل شعبنا.

فهل نحن جديرون بقيادة المرحلة أم لا؟ هذا هو السؤال.
——–
نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد /161/ ايلول /2008 م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…