صُـف عالطَّرف

أمين عمر

“صُُـف عالطَّرف” هذه العبارة ، أو هذه الجملة الآمِرة، تسمعها كل يوم وفي أمكِنة ومواقف عدة، تـُنسب براءة انتشارها ، لشرطة المرور في سوريا.


وأنتَ تسير بسيارتك في دمشق العاصِمة أو ريفها، سواء إنّ كنت سائحاً، ضيفا أو مواطِنا من إحدى الدرجات، الممتازة، الأولى ، الوسطى، أو حتى المنتهي الصلاحية، فباقترابك من أيَّة دورية مرور على إحدى الطرق، لابد أن توقفك الدورية وتطلب منك “صُـف عالطَّرف” ، وأزمة “الاصطِفاف عالطَّرف” ستنتهي حالما تـُناول رئيس الدورية أو رجاله المعلوم ، سواء أكنت مخالفاَ او معتاداَ السير في الحياة كالصِراط المستقيم.
 وفي الشمال الشرقي السوري حيث مدينة القامشلي “المدينة الكردية ” المهملة، ليست دوريات المرور وحدها صاحبة الامتياز “صُف عالطَّرف” فأية دورية أمنية، لها الحق في اصطفافك على أي طرف أو رف أو زاوية تشاء، وقد تقف تلك الدوريات في أي مكان على إحدى الطرق أو على مسافات قريبة من  بوابات الخروج من أي كراج، وسواء أكان الأمن مُستتِباً أم هناك بعض الخارجين عن القانون أو منتهكي حُرمة إشارات المرور فستوقفك الدورية وتـُطالبك بالمعلوم وقد يتعدى المطالبة بعد المعلوم، من أوراق السيارة وشهادة القيادة إلى بيانات الزواج  أو الوفاة أو حتى تعداد هِوايات أعضاء من العائلة .
صُف على الطَّرف لم تعد مرتبطة بوقوف دورية أو جيش صغير من الحكومة على مفارق إحدى الطرقات، بل أخذت الكلمة أبعادها، فدخولك إلى أيَّة دائرة حكومية ومحاولتك لحل مُشكِلة مستعصية أو راودتك نزوتك الاستعجالية فلن يُكلِفك إلا “صُف عالطَّرف” والتصفيط الذي يصدُره الموظف هنا يكمن بدفع المعلوم، والمعلوم قد يكون ثابتا أو مُتحولاَ، وهو الحل السريع أيضاَ لأي مُشكل مع أي موظفٍ يعاني من الملل الوظيفي أو الراتبي.
في أي حزب ما أو في أيَّةِ إدارةٍ ما، عند ظهور شخص ما يبدو عليه النشاط، وقد يؤمل منه خير، يُحال عالطرف أوتوماتيكياَ وبفعل فاعلين و فـُعلاء وهنا يختلف الاصطِفاف عالطَّرف ويدوم طويلاَ، يُقطع عنه الماء والهواء ويبقى المُصطف بعيداً معزولاَ، وفي هذه الحالة ما دام النشيط صافف عالطرف فالمعلوم والمجهول يسيران في مجراهما الطبيعيان.
 صُف على الطَّرف هذه العبارة التي اكتسبت شهرتها من رجال المرور السوريون تعدت إلى خارج حدود البلد وبأشكال أُخر، فهي بدت الوجه والطريقة المريحة لإيقاف معظم قضايا الإصلاح والفساد والديمقراطية في بلداننا الشرق أوسطية، التي تتقن اصطِفاف ملفاتها على أطراف الأطراف، فأيَّة مشكلة لا يُراد لها حلاََ تصُف عالطرف، والأطراف قد امتلأت بالقضايا المُصطفة فقضية العراق عالطَّرف والقضية الكُردية تعاني التِهاباَ مُزمناَ من الاصطِفاف على الأطراف وكذلك قضية فلسطين التي تصِف عالطَّرف أحياناَ، وأحياناً تصُف في منتصف الطريق، وأيضاَ قضية الجزر الإمارتية والعديد العديد.


بعد المباحثات السورية الاسرائلية للسلام، هناك قضايا عدة وحسابات قديمة وجديدة ستصُف عالأطراف والجوانب.


قد تكون أولى تلك القضايا التي ستـصُف بانتظام شديد وعلى طرف هادئ، قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، أما القضية التي كانت قد ملت الاصطفاف في الأدراج السورية، قضية الكرد السوريين والتي قيل إنها على وشك ان تغادر الطرف وتصُف في مكان آخر وعتبة أُخرى، إلا أنها وكما يبدو قد صُفَّت في أدراجٍ وعلى أطراف أكثر غباراً، أكثر إهمالاً ونسياناً.

Amin.74@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…