ملف أزمة الأحزاب الكردية في سوريا (الانشقاقات) (7) مع الكاتب: دليار خاني

(ملف خاص بموقع ولاتي مه)

إعداد حسين أحمد
Hisen65@gmail.com

دليار خاني:  
– أسماء كثيرة و برامج متشابهة إلى حد التطابق.
– كان و لا زال هناك شعوب و أمم أكثر تأخرا عن الكرد.
– الانشقاقات والمنشقة عنها أيضا في العقود الأخيرة، هو تاريخ أشخاص بامتياز.

– إن هذه الانشقاقات لن تكون الأخيرة ولن تخدم القضية الكردية بأي حال من الأحوال.
الأسئلة:

السؤال الأول : لماذا كل هذا العدد الهائل من التنظيمات الكردية في سوريا.

وهل ثمة مبرر إيديولوجي لهذه الانشقاقات وخلق أحزاب جديدة فوتوكوبية نسخ طبق الأصل …
السؤال الثاني : هل للكرد وقضيتهم أية فائدة من هذه الانشقاقات.

وهل تعبر فعلاً عن واقع فكري أو اجتماعي أو سياسي .
السؤال الثالث: هل قدّمت هذه الأحزاب المنشقة برنامجاً جديداً سواء على الصعيد السياسي أو الاستراتيجي أو التكتيكي للشعب الكردي… إذا من المسئول عن كل هذه الانشقاقات …؟؟

المساهمة :
بداية أود إن أبين لك نقطة هامة ، فثمة من يعتقد إن التخلف الحضاري للكرد سببه الاضطهاد التاريخي المتعاقب عليهم, ولذلك افرز هذا الواقع السيئ للأحزاب الكردية، أي بعبارة أخرى إن الواقع التنظيمي و الحزبي للكرد  هي مرآة عاكسة لراهن اجتماعي متخلف وخاصة  التركيبة المجتمعية للكرد منها العشائرية والتي لا تزال  متأخرة عن ركبة الحضارة ، وهذه النقطة بالذات  هي التي أدت  إلى غياب الممارسة الديمقراطية في داخل الأحزاب الكردية ، و بالتالي أدت إلى الانشقاقات المتكررة التي تعود في أحد أسبابها إلى هذه المعضلة، و بهذا الشكل يتم تبرير الاستبداد التنظيمي القائم، إلى جانب خلق مبررات للتهرب من استحقاقات المرحلة الراهنة، من أولوياتها الرئيسية هي: وحدة القرار السياسي الكردي في سورية، وكذلك نبذ ظاهرة الانشقاق والتشتت ضمن صفوفه، ولكن من منظور علم الاجتماع المعاصر، تبقى هذه النظرة قاصرة إلى حد ما، لأنه يمكن أن تمارس الديمقراطية في مرحلة التحرر القومي في النخبة المثقفة  الواعية في المجتمع و المتمثلة في قيادات الأحزاب السياسية التي هي من المفروض أن تقود النضال القومي و عليها تقع مسؤولية واقع التشرذم و التشتت والمطلوب منها في هذه المرحلة التجرد من أنانياتها الذاتية, و ممارسة التسلط على الأعضاء في التنظيم من أبناء قومهم المغلوب على أمرهم.

و بالنظر إلى تجارب شعوب ألاخرى نلاحظ  بأنه كان و لا يزال شعوب و أمم أكثر تأخراً عن الكرد مع ذلك استطاعت ان تتوحد أحزابها في جبهات وأوصلت بهم إلى التحرر و التطور وكذلك مارست النخبة السياسية فيها العملية الانتخابية إثناء تشكيل القيادات التنظيمية لها  بحرية و مارسوا العملية الديمقراطية في مختلف الهيئات و المؤسسات السياسية لها بما يتطلبه مصالح و طموحات شعوبهم المغبونة.

و لتوضيح الصورة أكثر أبين هنا إن الانشقاق في مدلولها المعرفي: انفصال مجموعة كبيرة مؤثرة تبلغ مستوى “التيار” داخل حركة أو حزب من الأحزاب الرئيسية وتشكيل تنظيم آخر، جديد من حيث الرؤية السياسية و الفكرية والوسائل الحركية و التنظيمية.

ولكن مع الأسف ان الحالة الكردية السورية تحديدا لم تبلغ حد الانشقاقات بمستواها الفكري والسياسي و التنظيمي بل كانت أغلبها نتاج صراع أشخاص على مراكز القرار التنظيمي والحركي، بالرغم  أستخدم في هذا الصراع الكثير من الأدوات والوسائل الرخيصة المسيئة  للمشاعر و الآمال الكردية، مما أدت إلى نشوء حالات تنظيمية أخرى منشقة ومنسوخة فوتوكوبياً كما بينه الأستاذ حسين أحمد في سؤاله خاصة في مجال نسخ البرنامج والنظام الداخلي و الخوص في نفس السياسة و الفضاء المرسوم لها سلفا بحسب الراهن و الظروف الذاتية و الموضوعية الخارجة عن إرادة الجميع.فالحالة التي تعيشها الأحزاب و التنظيمات السياسية الكردية في سوريا بمختلف فصائلها العاملة هي عبارة عن مشاكل وأزمات مستعصية تعود قسم كبير منها إلى غياب مفهوم الديمقراطية في ممارساتها التنظيمية وإلى عدم استيعاب العلاقة الطردية بين رسوخ النظام الحزبي من جهة وممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب من جهة أخرى و كذلك إلى تخلف العلاقة بين واقع النظام الانتخابي المعتمد في إطار النظام الحزبي، وبين العلاقة الديمقراطية داخل التنظيمات الكردية و تعود مشاكلها أيضا إلى انعدام الحوار الأخوي الهادئ في هيئاتها والتقييم المستمر في مجمل مراحل ممارستها لمواقفها واختياراتها، وهو ما يعود بالتأكيد على الساحة السياسية الكردية عموما بنتائج سلبية لعل أبرزها هي ظاهرة الانشقاقات المتعددة داخل الأحزاب والتنظيمات بفعل تمرد القيادات والزعامات ورغبتها في الحصول على الصك المؤبد بغية الهيمنة على مؤسسات ومراكز القرار، فضلا على أن أغلب القرارات تتسم بالارتجالية والتناقض مع الخضوض للظرفية  الذاتية في اتخاذها، مما يفقد هذه المؤسسات التنظيمية المصداقية أمام أعضائها ومنتسبيها أولا ثم أمام الجماهير التي هي المساحة الخصبة لتوجيه خطاباتها وتصريف برامجها وتوجهاتها.مما ينعكس سلبا على جماهيريتها و تؤدي بالتالي إلى خلق بذور قيادات جديدة تقود الانشقاقات كنتيجة لحالة الاستبداد القائم داخل هذه التنظيمات لتبدأ مسيرة الهروب إلى الأمام من حالة اليأس و الملل التنظيمي الحاصل وكذلك الدوران في دائرة مفرغة والتي تؤدي إلى التيهان و فرط نشاط الانشقاق التنظيمي ومثال على ذلك ما حصل في (البارتي و اليسار الكردي تحديدا و التي أدت إلى تشظيهما بشكل لا معقول و بدون مبرر فكري و سياسي مقنع، وفي نفس المجال فقد سيطرت أيضا على بعض الهيئات
الحزبية الكردية لعقود من الزمن و لا زال، عقلية رئيس العشيرة في تواصله مع الأعضاء و المنتسبين إضافة إلى الإشارات الواضحة على الاستبداد القائم في البنية التنظيمية كما أسلفت سابقا لبعض الأحزاب الكردية الأخرى حيث غياب النقد المسئول البعيد عن النوايا السيئة و انعدام المحاسبة الواضحة المستندة الى القوانين والنظم الواردة في النظام الداخلي حيث أدى هذا الواقع السيئ إلى عدم إفساح المجال للعناصر الشابة و المنفتحة على قيم العصر في شغل المناصب القيادية داخل الأحزاب وإلى إقصائهم نهائياً عن المساهمة في صياغة القرار التنظيمي و السياسي لها، مما دفعهم فيما بعد لأن يصبحوا  وقودا للانشقاقات اللاحقة وهي الحالة التي أبقت  فيها تخلف للبنى الفكرية النظرية والتطبيقية لمعظم الهيئات و الأعضاء في الحزب الأم , هذا يعني أن الحياة الحزبية في الحركة الكردية..

في حالة يرثي لها..

أسماء كثيرة و برامج متشابهة إلى حد التطابق وغياب التحليل المنطقي لسير العملية التنظيمية مع فقدان العقلانية و المنهج العلمي في الممارسة الحركية داخل الهيئات..

والأغلبية تعمل لأجل المصالحة الشخصية وهي في عزلة مما تتطلبه المصلحة القومية الكردية، ولذا أن هذه الانشقاقات لن تكون الأخيرة ولن تخدم القضية الكردية بأي حال من الأحوال..مع العلم إن البعض منها  فقدت مصداقيتها  لأنها ولدت ولادة مستعجلة فخرجت بلا عمر تمهيدي تؤسس للمرحلة القادمة وكنتيجة لعدم إدراك هؤلاء المنشقين لما تتطلبه القضية الكردية من إمكانات عظيمة و تضحيات جسيمة وبسبب تماشيهم مع حب الشهرة و الزعامة الرخيصة فدخلوا الشرانق وتصارعوا مع ذواتهم إلى أن اقتربوا من الموت الحتمي و البراهين كثيرة داخل الحركة الكردية مثلا يقال حزب فلاني…….!! و لن أذكر الأسماء فهي معروفة عند القراء أي بمعنى آخر إن تاريخ الأحزاب والتنظيمات السياسية الكردية الوليدة من الانشقاقات والمنشقة عنها أيضا في العقود الأخيرة، هو تاريخ أشخاص بامتياز.


 أما بخصوص سؤالك هل تعبر هذه الانشقاقات عن راهن فكري أو سياسي أو اجتماعي؟ فمن المعلوم إن الكرد في سوريا يشكلون وحدة اجتماعية جغرافية يعانون من سياسة شوفينية واحدة مطبقة عليهم  من قبل السلطة المركزية ومن جبهة موحدة تقف في مواجهة طموحاتهم الإنسانية هذا يعني بأنه ليس من المعقول أن يناضل الكرد في مواجهة هذه الجبهة لان إمكانياتها تفوق عشرات المرات إمكانيات الكرد المتواضعة بشراذم ضعيفة و متفرقة و بعقلية أنا وحدي على الصواب و الآخرين غارقين في أعماق الخطأ.
 أما مسألة وجود العدد المفرط من الأحزاب و الأسماء في الساحة السياسية الكردية فهي بالتأكيد لا تعود إلى تنوع المجتمع الكردي من حيث وجود الطوائف أو المذاهب ولا هي تعود أيضا إلى تبني هذه الأحزاب لإيديولوجيات متطرفة عن بعضها البعض فالجميع هنا يدعون إلى  الديمقراطية و العلمانية كمنهج للسياسة وتحركهم العملي والنضالي المتفاوتة فيما بينهم قليلا و بشكل لا يذكر، و هي دائما تتعرض للمد و الجزر على مقياس المصلحة الحزبية الضيقة وعلى مبدأ قنص الفرص للذات الشخصية، إذا فهذا العدد الغير معقول من التنظيمات الكردية لا يدخل ضمن مفهوم التعددية السياسية و لا ضمن مبدأ حرية الرأي و التعبير لأنه لا يستند إلى واقع فكري أو سياسي أو اجتماعي وعلى سبيل المقارنة عدد الأحزاب السياسية المتواجدة في جمهورية مصر العربية ربما ثلاثون حزبا أو أكثر بينما عدد سكانها تفوق خمس و سبعون مليون نسمة مع العلم إن المجتمع المصري متنوع طائفياً و مذهبياً و اجتماعياً و جميع أحزابه تسعى إلى السلطة عكس الأحزاب الكردية التي وجدت أصلا من أجل حقوقها القومية ومن المؤسف إن يكون عدد الأحزاب الكردية تقارب نصف عدد الأحزاب في مصر بينما عدد الكرد في سوريا لا يتجاوز ثلاث ملايين نسمة و كذلك في اندونيسيا أيضا عدد الأحزاب (24) حزبا بينما عدد سكانها يزيد على (212) مليون نسمة مع العلم إن المجتمع الاندونيسي غير متجانس لا قوميا ولا  دينيا و أحزابه تتنافس على إدارة شؤون الدولة و عند الإمعان في الخارطة الحزبية و السكانية للعالم سنلاحظ براهين كثيرة في هذا الجانب و سنلاحظ أيضا مدى التخلف السيكولوجي للزعامة الكردية المتسمة بمحاربة الآمال الذاتية التي يجب الوقوف عليها و دراستها بعمق لمعرفة كوامنها (الجيو سياسية) إلى جانب دراسة الظروف المكانية التي أوجدت هذا التخلف النفسي للقيادات الكردية.


 إن ملاحظاتي النقدية لراهن الأحزاب الكردية تظل في إطار القول: أي ان العملية النقدية مهما اختلفنا بشأنها، فهي بالنهاية تنبيه أخلاقي ومعرفي تؤشر إلى أن أفعالنا وأفكارنا مهما بلغت درجة النضج تبقى مجموعة من الاجتهادات التي يحتويها الخطأ من كلا الجانبيين، وتحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، لأن الخطأ هو عنوان حركة العمل الحزبي والتنظيمي ودليل حيويته الدائمة، ويخطئ فقط من يعمل، لأنه من لا يعمل ولا يتحرك لا يمكن أن يكون إلا في عداد الموتى أو اللذين تركوا أدمغتهم العارية في القطب الشمالي، ومن لا يناضل لا يخطئ و تبقى دائما الحيوية السياسية و التنظيمية قائمة في حزب ما عند إثارة الأخطاء وتوجيه النقد البناء المجرد من الولاءات والحسابات المناصبية الخاسرة و دائما من أجل الوصول إلى الأحسن والارقى في الحياة الحزبية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…