الصراع حول فدرالية كردستان

صلاح بدرالدين

    يوحي المشهد السياسي العراقي منذ شهور عدة باحتدام الجدل بأصوات عالية بين ممثلي مختلف المكونات الوطنية ايذانا بدنو أمد انتزاع الاستحقاقات في ظل الاقتراب الزمني من التوقيع على الاتفاقية الاستراتيجية العراقية – الأمريكية الخاضعة للأخذ والرد منذ شهور واصدار قانون المحافظات والانتخابات البلدية والادارية الذي يشكل موضوع كركوك والمناطق الكردستانية المقتطعة لأسباب قومية المختلف عليه والمادة الدستورية 140 عنوانه الرئيسي اضافة الى قانون النفط والغاز والاجتهادات المتناقضة بخصوص المفاضلة بين صلاحيات المركز واقليم كردستان حول السياسة الدفاعية والمالية والتنموية والعقود التجارية والعلاقات الخارجية وتنمية وتعزيز الثقافة القومية والخطط الأمنية في مواجهة الارهاب.
   رغم التكتم الشديد من جانب مراكز القوى الخفية والعلنية في الأجهزة الحكومية المسيطرة على مقاليد الحكم والمستأثرة بالقرار بصورة غير دستورية في أكثر الأحيان الى درجة الاقتراب من نهج دكتاتورية اللون الواحد وكذلك من جانب شركائها الجدد من كتل حزبية وبرلمانية شديدة التعصب والحذر من الكرد مازالت تنهج سلوك النظام المقبور وآيديولوجية حزب البعث الشوفينية المعادية للقوميات العراقية غير العربية التي كانت سائدة لعقود نقول رغم كل محاولات اللف والدوران والتستر وراء شعارات الوطنية ووحدة التراب والقانون والسيادة التي باتت مفضلة لديها هذه الأيام فانها فشلت في حجب هدفها الأساسي والوحيد وهو النيل من ارادة شعب كردستان ومستحقاته الدستورية والقانونية والتراجع عن تعهداتها الموثقة منذ أن كان قسما منها في المعارضة وغالبتها ممثلة في مجلس الحكم وكلها في مجلس النواب الحالي.
   ان اصطفاف القوى والكتل والمجموعات العربية العراقية حديثا والذي يجمع بين الموالين لأيران وسوريا وتركيا بصورة أساسية واتخاذها موقفا متقاربا حول كل ما يتعلق الأمر بكردستان ليس بأمر طارىء أو مفاجىء بل هو تعبير واضح عن ارادة اقليمية معادية للعملية السياسية الجارية منذ سقوط الدكتاتورية ومناقضة للعراق الفدرالي الجديد وتجسيد لسياسات أجنبية ضد ارادة وطنية جامعة نحو التقدم والاستقرار والسلم الأهلي تماما ومن حيث المبدأ كما يحصل في لبنان من جانب – قوى – الممانعة بزعامة حزب الله.
      نحن ندرك أن أطراف هذا الاصطفاف جمعتها ظروف طارئة لاتربطها استراتيجية واحدة   وقد يعتقد مهندسوه أن نهش الحقوق الكردية والنيل من فدرالية كردستان هما نقطة التلاقي والجذب بغض النظر عن الدوافع والأهداف والمرامي لأن الجميع يفتقر على الأقل في المرحلة الراهنة لأسباب عقائدية ومصلحية ذاتية الى نظرة مؤمنة بوجود شعب كردستان وحقه في تقرير مصيره بحرية ضمن اطار العراق التعددي الحديث وهذا هو بيت القصيد دون زيادة أو نقصان وهذا ما يستتبع تصدير الخلاف – أو زرعه – الى درجة التضاد بشأن مفهوم الفدرالية وتفسيرها تماما كما حصل لاتفاقية آذار للحكم الذاتي لكردستان عام 1970 عندما أعاد نظام البعث النظر فيها وتقزيمها لتظهر على شكل قانون مبتور عام 1974 ايذانا بردة فاشية وحرب شعواء على شعب كردستان بدعم واسناد الجارة الشاهنشاهية المقبورة متجاهلين أن فدرالية ناشئة في بداية القرن الحادي والعشرين لشعب يكافح من أجل الحرية والبقاء على قيد الحياة منذ أكثر من قرن وفي أجواء ديموقراطية على أنقاض أعتى دكتاتورية فاشية وفي مناخ دولي يجد مكانة لحق الشعوب وحقوق الانسان ويتشكل فيه نظام عالمي جديد يراعي الحرية والعدل ستكون فدرالية من نوع جديد بصلاحياتها واسسها الدستورية والقانونية تنسجم مع حقائق العصر ومستجدات القرن التي أفرزت كيانات متحررة لشعوب وقوميات كادت أن تبقى في طي النسيان في أوروبا وآسيا وافريقيا وشهدت تفسيرا جديدا لمفهوم السيادة واختراقا – لقدسية – الحدود الاستعمارية القديمة منها والمعاصرة تجتمع فيها كل المنجزات البشرية وأفضل ما قدمته تجارب الشعوب لاترضخ لمشيئة دكتاتور أو مزاج شوفيني أرعن بل تعكس ارادة شعب كردستان بكل قومياتها من كرد وتركمان وكلدان وآشور وعرب وتحظى برعايتها وصيانتها والحفاظ عليها بالغالي والرخيص.


   يحذر البعض من ذوي النوايا المغرضة وعلى ضوء الاصطفاف الكيدي الجديد “بظهور الصراع العرقي بعد الطائفي أي عربي – كردي” والواقع التاريخي والراهن يفند ما يرمون اليه فلم تكن الحقوق الكردية في يوم من الأيام على النقيض من مصالح الشعوب الأخرى من عربية وتركية وايرانية بل رديفا لحقوقها أيضا وتحقيقها ضمان لمستقبلها وكانت القضية الكردية ومازالت فوق الاعتبارات الدينية والمذهبية لأن شعب كردستان يعيش تعددية في هذا المجال وقضيته قومية بكل المقاييس لذلك لاأعتقد أن التوجه – العروبي – للاصطفاف الجديد يقلق شعب كردستان بقدر ما يريحه وبسبب الطابع القومي لقضيته وفدراليته فمن مصلحته ظهور محاور عربي من جميع التيارات القومية والاسلامية والليبرالية والديموقراطية واليسارية كما هو الحال في الجانب الكردي المتمثل بالتحالف الكردستاني حتى يأخذ الحوار القومي العربي الكردي مداه حول جميع القضايا المشتركة ومن مصلحة الكرد وكل العراق أن تكون فدرالية كردستان مقابل فدرالية عربية ومركز اتحادي على أساس تعاقد دستوري  وهذا ينفي صفة الصراع العرقي بين الكرد والعرب ويقطع الطريق على فدراليات الأديان والطوائف والمذاهب وينقذ العراق من الانقسامات المؤدية الى الانتماءات الخارجية ويعزز مشاعر بناء الوطن العراقي الموحد السيد المستقل كبلد لجميع مكوناته وقومياته.


    ان المنطق الذي يدعو ويصر على ضرورة « أن تكون الحكومة المركزية أقوى من الفيديراليات، لا أن تكون الفيديراليات (المقصود فدرالية كردستان) أقوى من الحكومة المركزية» يعوذه الدقة والوضوح من ناحية تعريف معنى القوة هل بالعسكر والسلاح أم بالاقتصاد والتنمية أم بالميزانية والمال أم بالأمن والاستقرار أم بسيادة القضاء والقانون أم بالمساواة بين القوميات في الحقوق والواجبات أم بمدى تطبيق معايير حقوق الانسان أم بماذا ؟ أوليس – وأمام هذا المنطق الحذر الشكاك في كل ما هو قائم في كردستان – قوات حرس الحدود الكردستانية جزء من القوى العسكرية العراقية ؟ أو ليست قوات الشرطة والأمن في المعابر الحدودية وفي مطاري اربيل والسليمانية جزء من القوى الأمنية العراقية ؟
      ليس أمام كل من الحكومة المركزية وحكومة الاقليم الكردستاني الا الحوار في ظل الدستور العراقي وبمعزل عن المواقف المسبقة وبالالتزام بالمسؤوليات السياسية والأخلاقية والقانونية وعلى الطرف الحكومي المركزي التخلي الطوعي عن – روايته – القديمة البالية الراحلة مع الدكتاتورية للقضية الكردية وتفسيراته التي مضى عليها الزمن لجوهر الفدرالية وعليه أن يعي أنه المسؤول عن أي فشل حيث يتحكم بكل الخيارات ويشغل الموقع الأقوى في المعادلة الراهنة وهو موقع لايدوم لأحد على أية حال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…