القضية الكردية : كالقشة التي تقصم ظهر البعير…! (القضية الكردية في سوريا إنموذجاً)

علي الجزيري

    لي أصدقاء كثر من العرب ، يعملون في مختلف المواقع ، من مثقفين وغير مثقفين ، نلتقي من حين لآخر، في الأفراح والأتراح ، ونتعاون في السراء والضراء ، ونتقاسم شظف العيش ، مثلما نتطلع لبناء غد أفضل لأجيالنا القادمة .
    ولي بين هؤلاء صديق عزيز، أعرفه عن قرب حق المعرفة ، ولا أشك في صداقته ولا في نواياه ، إلا انه يحيرني بموقفه من القضية الكردية العادلة دوماً.

فمرة تراه يتألم لضحايا الحروب الطاحنة التي تجري رحاها في مجاهل افريقيا السوداء ، وتارة أخرى تراه يتأسى لضحايا الفيضانات التي تجتاح جنوب شرق آسيا ، وتراه تارة ثالثة يكاد يطير فرحاً لأن حصاناً من أصل عربي قد نال قصب السبق ، في مسابقة أجريت هناك في استراليا أو لأن أحد أبناء جلدته من الجالية العربية في امريكا اللاتينية ، قد فاز في انتخابات الرئاسة في الارجنتين ! .
    أجل ، هذا حق مشروع ، لكن الشيء الذي يستوقفك ويدعوك الى التأمل ، هو أنك حين تفاتحه بقضية من قضايا الكرد الكثيرة ـ مهما كانت صغيرة ـ تراه متردداً في مناصرة الشعب الذي يقاسمه الهموم ، وفوق كل هذا يدعي بأنه أممي حتى النخاع ، مما اضطررتُ أن أقصّ عليه حكاية من الادب الشفاهي الكردي ، بعد أن إقتطفتها من تلك الحكايات التي دونها شاعرنا المرحوم (تيريز) ، لما لها من دلالات على هذا الصعيد ، وفيما يلي ملخصها :
    يُروى أن رجل دين (ملا) كان لايمل الوعظ والارشاد في رمضان ، فكان يكرر بأن من يتصدق بثوب (كلابية) في دنياه ، سيمنحه الله سبحانه وتعالى عشرة أمثالها في الآخرة .

وكانت ابنته تسمع هذه الاسطوانة يومياً مرات ومرات ، الى أن مر ببيتهم ذات مرة مسكين يرتدي ثياباً ممزقة ، فعطفتْ عليه الفتاة وخطرتْ في بالها أن تتصدق عليه بكلابية والدها .
    وفي صباح العيد ، طلب منها والدها الملا أن تأتي له بالكلابية الجديدة التي خبأها ليوم العيد ، لكنه ذهل حين سمعها تقول : لقد منحتها لفقير مرّ بباب بيتنا منذ أيام يا أبتاه .

فشتم الملا ابنته ووبخها على فعلتها ، وحين  تذرعت المسكينة بقوله وما كانت تسمعه منه كل يوم ، رد الملا : انني حين تحدثت عن الصدقة ، انما كنت أقصد كلابيات الآخرين وليست كلابيتي أيتها البلهاء !.
    ولا أخفيك ـ عزيزي القارىء ـ أن الحكاية كانت سبباً لجفاء حلّ بيني وبين صاحبي العربي ، فكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأرجو من الله تعالى ألا تقصم الحكاية ظهور من تبقى الى اليوم ، من اخوتنا العرب والترك والفرس ، ممن يناصرون قضيتنا العادلة .
    ولو أمعنا النظر اليوم في سياسات الدول ومواقفها ، لوجدناها لاتقل تناقضاً عن مواقف صديقنا الأممي هذا أو أنها ليست أقل إزدواجية من مواقف (الملا) السالف الذكر .

ففي الآونة الأخيرة ، إشتدت الأزمة من جديد في منطقة القوقاز، بين جمهورية روسيا الاتحادية من جهة و(جورجيا) التي كانت تشكل ذات يوم إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق من جهة أخرى .

ومن المفيد ذكره ، أن أوسيتيا الشمالية والجنوبية (مقاطعتان صغيرتان مساحة وسكاناً) كانتا تتمتعان بالحكم الذاتي في إطار جورجيا منذ القديم (أعني منذ أيام الاتحاد السوفييتي) ، وبدعم من روسيا وبتحريض منها تعلنان اليوم عن إستقلالهما ، وهذا حق شرعي تكفله مواثيق الأمم المتحدة وحق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها ، لكن ما يثير العجب أن سوريا التي تضطهد شعبنا الكردي الذي ينوف تعداده ( 3 م .

ن) ، وتجرده من أبسط حقوقه القومية ، وتزج بقياديه وكوادره في السجون وآخرهم : (محمد موسى محمد سكرتير الحزب اليساري الكردي في سوريا و مشعل تمو الناطق الرسمي بإسم تيار المستقبل الكردي في سوريا وعمران السيد عضو مكتب العلاقات العامة لتيار المستقبل وطلال محمد عضو المنسقية العامة للوفاق الديمقراطي الكردي السوري وشكري ابراهيم رئيس الجالية الكردية في السعودية) .

وتتسارع سوريا اليوم الى مؤازرة الموقف الروسي وتباركه ، وتعلن في الوقت ذاته على الملأ ـ نهاراً جهاراً ـ بأن القضية الكردية خط أحمر ! …
   إن هذا الموقف يذكرنا بموقف تركيا التي تستنكر السياسة المنتهجة ضد صهر العنصر التركي في بلغاريا ، وتمارس في الوقت نفسه :[ سياسة أخطر شأناً وأكثر انتظاماً وبأسلحة أكثر فتكاً ضد الأكراد منذ سنوات ، وهم في عقر دارهم و وطنهم ] ( كردستان مستعمرة دولية ـ البروفسور اسماعيل بيشيكجي ـ ترجمة : د .

زهير عبدالله ـ الصفحة 52 ) .

   ولعمري أن سياسة عرجاء كهذه ـ بعجرها وبجرها ـ لن يكتب لها النجاح ، لأن شفافية عالم اليوم لاتحتمل الماكياجات والتي غدت عاجزة بشكل من الأشكال إخفاء قبح الممارسات السياسية ؛ كما في وسعنا القول ان تحقيق الوحدة الوطنية ليس مرهوناً بالأساليب الزجرية ، بل تكون الهوية الوطنية جامعة إذا تمت إشاعة ثقافة الاعترف بالآخر و تم إحترام التنوع الاثني والديني وإستئصال ثقافة إقصاء الآخر وإستعداء العرب على الكرد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…