صلاح بدر الدين بين الفساد و الدين*

سيزار جزيري
      
  تفائلت خيرا عندما اقدم الأستاذ صلاح بدر الدين الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية على الاستقالة من منصبه العتيد طوعا و علانية و الذي طالما شغله ما يقارب الثلاثة عقود و نيف حيث قضى جل وقته في الخارج مقدما حججا و ذرائع شتى قد تكون مقنعة للبعض أو لا تكون هذا شأنه الخاص, ثم من حقنا أن نصدقه أو نكذبه ضمن هذا السياق الخاص , وبالرغم من اختلافي الشديد معه باركت هذه الخطوة الجريئة باعتبارها بداية لحقبة جديدة و انطلاقة فريدة من نوعها من جهة افساح المجال أمام الكفاءات الشابة لحقن دماء جديدة و بادرة تشكل نموذجا و أمثولة عسى أن يحتذى بها البقية الباقية من شيوخ  و أمراء الحركة السياسية, في الوقت ذاته أود هنا الاشارة الى أنه لا أحد ينكر فضله في المساهمة النشطة في الحوارات الدولية بشأن القضية الكردية في سوريا و اسهاماته النظرية ليست الصائبة دوما و لكن الاشكالاتية قطعا في كل ما يخص الحراك السياسي و الثقافي و حتى الأخلاقي  فهو بحق يتصدر هذا السلم بامتياز و لا يضاهيه فيه أحد.

  يكتب للأستاذ صلاح بدر الدين ايجابية أكيدة و هي دوما أرددها على الملأ و بدون تحفظ أنه خرج جيلا(أو بالأحرى الحزب الذي كان يتبؤا رأس الهرم فيه) قوامه نخبة من المهتمين بالشأن السياسي و الثقافي الكردي و كوادر متميزة لسوء الحظ انتهى المطاف بأغلبهم الى تأسيس أحزاب و حركات اخرى تبؤوا مناصب ألأمناء العامين أسوة بأمينهم الأصل و الذين نحن بغنى عنهم في هذه الفترة الحرجة من النضال الدؤوب و الشاق للمناضلين في الداخل.

طبعا أنا لست من ينبش في الماضي بدعوى التشهير و أعتبر هذا السلوك لرجل (أعني هنا كاتب المقال) يمتهن السياسة غير لا ئق فالسياسة ليست معادلة رياضية أو قانون فيزيائي مطلق بل على العكس منه تماما أن الثابت في السياسة هو المتحول حسب أدونيس ولكن ما اثير سخطي و استيائي من هكذا شخصية قيادية اعتبارية الى حد ما تعطي النصائح من البرج العاجي حين يسمح لنفسه بكل شيئ و يحرم للآخرين مثقال شيئ بطريقة بعيدة عن الالتزام بما هو يدعيه, آخرها ما بدى منه , هو السلوك و الموقف الغير المتزن و اللامسؤول من جبهة الخلاص و مؤتمر بروكسل الذي تجنى فيه على الأستاذ شيركو و سماه بالمقاول, و قبلها تلاوته لرسالة عبد الحليم خدام الى نفس الموتمر المنعقد بداية في واشنطن والذي كان لشيركو فيه الدور الأبرز حيث تراءى لكثير من الناس أنه كان الناطق الرسمي ياسم خدام, لذلك لتبيان الحقيقة أود التركيز على نقطتين أساسيتين:

     أولا : أن الأستاذ صلاح بدر الدين منذ نشوب أظفاره و قيادته لاحدى فصائل الحركة الكردية بعد الانفصال التوأمي يسارا و يمينا يصول و يجول خارج السرب و الوطن شخصيا و ما الانقسامات الباراميثيومية في جسم هذا الحزب الا وكانت نتيجة لتفرده بالقرار و تمسكه بكرسي العرش لذلك تراه جيئة و ذهابا يقدم الحجج تلو الأخرى في سبيل تبرير الموقف و اعطائه الشرعية في الوقت الذي جل من المناضلين القياديين قضوا عقود من الزمن خلف القضبان بسبب آرائهم و قناعاتهم التي نتفق أو نختلف معها, لكن احترامنا و تقديرنا لهم ينبثق من كونهم وفوا بوعودهم و لم يتراجعوا عن مبادئهم قيد شعرة

  ثانيا :أن الأستاذ صلاح بدر الدين لم يكن يوما من الأيام ملتزما بخط ايديولوجي و مسار فكري معين ممارسة على عكس ما كان هو يدعيه نظريا من انطلاقة لليسار التاريخية و الدليل على ذلك العلاقات المتينة التي كانت تربطه بياسر عرفات المصنف يمينيا عروبيا اسلامويا الى أن انتهى الأمر بياسر عرفات أن يدعوه باسم الشعب الكردي لحضور مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية المنعقد في تونس1988 مع العلم أن ياسر عرفات كان من أكثر القيادت الفلسطينية تشنجا ازاء القضية الكردية و خاصة ما يخص العراق و دكتاتوره المذل صدام حسين
       فيما يخص مؤتمر بروكسل أود أن أذكر أن الأستاذ صلاح بدر الدين قد أعطاه كثيرا من الاهمية و هذا ما بدا واضحا في مقاله و تجنيه على الأستاذ شيركو كان موضع سخرية و ازدراء من ناحية و موضوع غير لا ئق بشخصه حيث تناول في مقاله ممتدحا شخصه من دون أن يعي, ربما أتت الجملة عفوية أو ذلة لسان كما يقال,لكن احترام و تقدير الأستاذ شيركو كان موضع اعجاب بالنسبة له شخصيا و أرى أنه من غير اللأئق أن يجلس بحضنه و ينتف بدقنه فهو أكرمه بحسن الضيافة و جعله يتبؤا صدر الوليمة من المفروض أن يكون من الشاكرين له شخصيا أيا كانت آرائه بصدد الاسهام في تدويل هكذا قضية و تفعيلها بالشكل الذي يراه مناسبا و ضروريا , كان لا بد من دعمه و الا لماذا تحججت يا أستاذ صلاح بذرائع ليست لها مسوغ أو دليل في هذا الظرف العصيب و العصي , باعتباري مراقب للحدث السياسي عن كثب و خاصة الجانب المتعلق بالمسألة الكردية حيث بدى موقف الكثيرين ايجابيا تجاه مؤتمر بروكسل و الدليل على ذلك مشاركة الكثيرين منهم  فيه,  أما فيما يخص مقاطعة الجبهة و التحالف له فيعود الى عدة أسباب و انت أكثر علما مني بها, ثم متى أعار الاهتمام للداخل و هو منذ ريعان شبابه السياسي يعيش خارج المكان تيمنا بكتاب لادوارد سعيد الفلسطيني الاصل و العروبي القح الذي يشهد له مواقف مخزية بشأن الكرد الذين كان استاذنا المبجل جسرا بيننا و بين الفلسطينيين لا بل كان سفيرا لفلسطين لدى الكرد و تمنينا العكس لكن أذكرك بقول الشاعر:
       ما كل ما يتمنى المرء يدركه             تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

     عند الامعان في طبيعة علاقات الأستاذ بدر الدين مع الجانب الفلسطيني نراه مشوبا بالضبابية و عدم الوضوح ناهيك عن المواقف المخزية لشخصيات فلسطينية مهمة منهم السياسيون, الكتاب و الشعراء (هنا استثني الكاتب المعروف و صاحب الضمير الحي الدكتور احمد ابو مطر) الذين طالما افتخر دوما أستاذنا بالأخوة بينهم, و الاندماج معهم.

من ناحية أخرى لماذا اطلاق الاحكام جزافا على هذا و ذاك فقد كنت يا أستاذ صلاح من أكثر القيادات سلبية تجاه ثورة أيلول و قائدها المغفور له ملا مصطفى البارزاني و أصدرت منشورات بهذا الصدد, ثم تهجمك على القيادة التحررية في كردستان الشمالية ووصفتهم بالمتهورين و المأجورين , هنا أتسائل؛ ما الدافع كان لكي تطلق احكام و تسلط سيفك على رقاب الناس من دون رادع أو واعز.

و الآن تطلق العنان لنفسك و تنظر(من النظرية) يمينا وشمالا مدعيا البرزانيزم في الوقت الذي هم أهل البيت أنفسهم يتبرؤون من هذه التسمية التي لا تناسب شخصا مثل البارزاني , فهو مناضل فذ من أجل قضية شعبه لكن البارزاني لم يكن مفكرا و الأغرب من ذلك انه لم يكن يدعي هكذا فهي من تفصيل الأستاذ صلاح و اختراعاته  الفكرية و التي تعودنا عليها.

.

قلنا تركت السياسة و العمل السياسي و تفرغت للعمل الثقافي العام فلديك دار نشر هي رابطة كاوا للثقافة الكردية و التي كانت هي أيضا ثمرة جهود حثيثة لمجموعة من المثقفين و المضحين حيث كانوا جنودا مجهولين و اناسا مخلصين من دون أن أذكرهم فأنت أدرى الناس بهم , هؤلاء نذروا كل ما في وسعهم لخدمة شعبهم و بين ليلة وضحاها ملكتها كلها و صادرتها .

عودة الى السيد خدام و جبهة الخلاص الوطني , ترى ما الذي بين السيد خدام و الأستاذ صلاح لكي يجتمعا تحت سقف واحد في آخر مؤتمر بلندن؟ ما الجديد في مشروع خدام لكي يتشوق السيد صلاح طائرا للقياه؟ أهي المواقف الجريئة بصدد القضية الكردية؟ أم عطشه للمفاجآت السياسية؟ ام كان هو سفير النوايا الحسنة لأطراف لسنا معنيين بالكشف عنها؟ و بعد كل المشقة و العناء عدت الى ديارك أو بالأحرى الى منتجعك الآمن بخفي حنين.

هنا خسرت المعركة فقد كان البيان قزما لا يليق بشخص مثلك و ودت أن يكون لك بصمات واضحة و جريئة على الوثيقة النهائية, لكن تمخض جبل فأنجب فأرا كما يقول ماركس , ما هكذا تمارس السياسة يا أستاذ صلاح.

أستحلفك بالله هل كان حضورك لمؤتمر لندن عن دراية و دراسة أم حبا في الظهور؟, ثم ماهي جدية حرصك على البيت الكردي؟ فتحاملت على مؤتمر بروكسل و المؤتمرين و نعتتهم بصفات لا أريد ذكرها هنا و لم تتحامل على مؤتمر لندن الذي تفوح منه رائحة كريهة بشأن القضية الكردية, أليس من الأجدر بك و أنت لك باع طويل في السياسة أن تتعاطى مع مؤتمر بروكسل كما تعاطيت مع مؤتمر لندن على الأقل, هل كان مؤتمر لندن أقرب اليك من بروكسل و الا كيف نفسر عداؤك لهذا و ولاؤك لذاك, ثم الم يكن مؤتمر بروكسل أشرف من مؤتمر لندن في كل شيئ ويجب أن نكتفي بقراءة الوثيقتين الختامييتين لهما حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الابيض بعدها لماذا لم يشرف الأستاذ صلاح الاجتماع مع رموز وطنية معروفة أمثال الدكتور عصمت شريف وانلي و السيد علي قاضي و السيد عبد الملك فرات الذين ينحدرون من عائلات وطنية عريقة بغض النظر عن وجود شخص مثل الأستاذ شيركو و الذي لا أعرفه البتة بينما وجد ضالته مع المجرم عبد الحليم خدام و المنافق صدر الدين البيانوني الذين لهما باع طويل في محاربة الكورد و اتهامهم زورا و بهتانا تارة بالعمالة للعلويين و تارة أخرى للأمريكان في النهاية من يحاسب من؟
 هذا النفاق السياسي و الدجل المبطن ليس من شيم الكرام فالكرد اليوم أكبر من أن تمارس الديماغوجية عليهم.

ثم ما العيب في أن يبادر سيد مثل الأستاذ شيركو الى عقد مؤتمر للكرد السوريين في الوقت الذي أنت كنت قائدا لحزب عمره ناهز الاربعين عاما و لم تجرؤ في يوم من الايام أن تعقد اجتماعا للكرد تبين فيها رأيك , انت معروف بصولاتك و جولاتك في كل أصقاع الدنيا أليس هذا هو الحسد بعينه و الحقد الدفين الذي تبطنه تجاه غيرك, كان من المفروض أن تحضر المؤتمر و تكشف عن كل شيء لا أن تحرم الحضور هناك و تجرم الجمهور و الأنكى تصريحك التالي بعد المؤتمر بأنك عقدت العزم لعقد مؤتمر في باريس تيمنا بمؤتمر بروكسل و نكاية فيه و من حضروه, لماذا التركيز من طرفك على الداخل و أنت اللاجيئ في الخارج لا بل قدمت أطروحات جادة فيما يخص حق تقرير المصير للكرد في سورية غير آبه بما ستؤول اليه هكذا طرحات و تدخل الشباب الكرد في حروب خاسرة و دنيئة.

لقد كان موقف الحركة الكردية في الداخل بكامل أطيافها مشرفا و منطقيا بعكس ماتدعيه انت, ثم أنت لست الصوت الآتي من الداخل و ممثلا لأي منهم, فمنزلتك ليست أكثر تشريفا من منزلة الأستاذ شيركو كلاكما تعيشان المهجر و الاغتراب قاسم مشترك اعظم بينكما لكن الفرق الجوهري المميز و هو أنه أنت بالذات كنت على مدى عقود من الزمن المنظر الفذ لهذه الحركة تكتب, تنقد , تهاجم و تصالح كيفما تشاء لا يردعك ظالم و لا يوقفك حازم, كنت سيفا بتارا سلطته على ممن لا يعجبك تصرفاتهم, و لم تكن في يوم من الأيام داعية لاجتماع ليس لمناقشة السياسة الفهلوية فحسب و انما للدردشة بحسن نية, لقد سبقك شيركو في هذا المضمار علاوة على أنه لم يكن في يوم من الأيام صاحب شهرة رغما عن ذلك فقد عقد العزم و استطاع على الأقل أن يجمع هكذا شخصيات في مدينة نائية تعرفت على الكرد و احتضنتهم ,فما يعنينا هو أن نجمع الكرد تحت خيمة واحدة لكي نسمع بعضنا بعضا و أن نستمع الى بعضنا البعض حتى و ان اختلفنا تحت أية تسمية, لقد ولى عصر الاملاءات و النظريات و المنطلقات, ليس العمل السياسي حكرا على أحد و ليس من حق أحد أن يتهم أحد فالكل له اسهامه و نحن على متن سفينة ان غرقت هلكنا جميعا و ان وصلت الى بر الأمان نجونا جميعا, لقد أخطأت سهامك يا أستاذ صلاح هذه المرة  و لم تصب الهدف.

وكلي أمل أن تكون موضوعيا في انتقاداتك لا ان تطلق الأحكام جزافا كما يحلو لك, ليس لاحد سلطة على أحد أو أن يكفر أحد أو أن ينهي أحد أو أن يهمش أحد, كل منا جزء في تشكيلة الكل ان أحسنا الجمع و رابنا الصدع لمصلحة الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يدعي بامتلاكها كلها,  مرحى لأولئك الذين يتصرفون على قدر استطاعتهم و يخدمون الحقيقة على حد معرفتهم.
انتهى

* هنا الاشارة الى (خدام الفساد) و(البيانوني الدين)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…