أوركيش إبراهيم *
حمى المونديال العالمي قلبت أيام وليالي القامشلي رأساً على عقب, فحيثما تجولت في الأحياء تجد أعلام الدول المشاركة تتزاحم على شرفات الأبنية الفخمة, وعلى الجدران الطينية الفقيرة, فعندما تتجول وللوهلة الأولى في القامشلي ستعتقد بأنك تتجول في إحدى مباني الإتحاد الأوروبي, ولكنني أقول لكم: لا يا سادة أنتم في القامشلي وحدث ولا حرج, لأن المدينة تتحول إلى أطراف النزاع على البطولة أكثر من الدول المشاركة ولاعبيها؟!
وما إن تفوز إحدى الفرق كالبرازيل مثلاً!! حتى تتحول سماء القامشلي إلى نيازك ملتهبة, وتتلون بجميع ألوان الطيف, ويتحول إلى مهرجان أو كرنفال, وغالباً ما تجد الرجال مجتمعين حول شاشة التلفاز وهذا ما يذكرني عندما كنا أطفالاً ويجتمع عندنا الأطفال لمشاهدة الرسوم المتحركة وكلنا محدقين لشدة ذهولنا بتلك الرسوم السريعة أو القصص العالمية المؤثرة, أي مساحة للود ترك الرجال لنسائهم وهم يتسامرون أمام الرائي, لكرة محمومة أخذت بألبابهم أكثر من حياتهم التعيسة التي يعيشونها هم وعوائلهم, قامشلي الناضحة بالفقر المقيت الذي يجرد الإنسان من إنسانيته, إلى جارنا الكادح الفقير حتى الثمالة, أجل هذا الرجل الذي لم يجد ثمن الكفن لإبنه الذي ذهب إلى دمشق ليجد عملاً ليسد رمقه وعائلته, الشاب الذي لم يكمل ربيعه الثامن والعشرين وتوفي هناك, وجيء بجثمانه إلى القامشلي كي يواريه الثرى, ونحن نجد هذه الأعلام التي يزيد ثمن الواحد منه (400)ل.
س وما فوق تزين وترفرف فوق تلك الجدران الطينية المتآكلة الآيلة للسقوط, هل أصيب العالم بالجنون وهم يهذرون وراء هذه الكرة المستديرة؟
س وما فوق تزين وترفرف فوق تلك الجدران الطينية المتآكلة الآيلة للسقوط, هل أصيب العالم بالجنون وهم يهذرون وراء هذه الكرة المستديرة؟
نعم لقد ركضت أيضاً مع زوجي وراء نادي الجهاد والذي لقبوه بسفير الشمال, والذي تألق لعشرات السنين يصارع الكبار ويهزمهم في عقر دارهم حتى سموه (ببعبع الشمال), لقد كانت متابعاتي للجهاد في مختلف المحافظات السورية من جبلة و حلب ودمشق, ويا للأسف لقد كسروا مراكب هذا النادي الذي انطلق من مدينة العشق وحطموه, لكن أرجو أن يعود الجهاد بهمة شبابه إلى الدوري السوري وبقوة.
ولكن هل الكرة هي للمتعة فقط, أم لتخدير الشعوب كي لا تفكر في واقع حالها المعاش, وأين وصلت بها الحال إلى الدرك الأسفل من واقع الحياة المزرية, متى ينتهي هذا الشهر وتنتهي هذه المعمعة الكروية ويدخل الكأس خزائن إحدى الدول التي تفوز باللقب, وترتفع فيه أسهم اللاعبين الفائزين, وتعود الفرق المهزومة بخفي حنين, وتبدأ جولة الشركات التجارية في الفوز بالتواقيع لهم واحتكار أسمائهم وإبداعاتهم الكروية في سبيل كسب المزيد من المال ومن ثم المال, أم أتحدث عن تلك الكرة التي أودت بحياة العشرات من أبناء القامشلي المحبة للرياضة والرياضيين, الذين دفعوا حياتهم ثمناً لحبهم لهذه الكرة الرعناء خاطفة الأبصار والرجال, التي ما تلبث راكضة هنا وهناك لترضي غرورها بلهاث اللاعبين وراءها, والأمر يعود لكم يا معشر الرجال إن كنتم أذكياء ستخطفون وقتكم ووقت عيالكم بما هو مفيد لكم, وإن كنتم من عُبّاد الكرة ستخطفكم ليس من أسركم فقط بل حتى من أنفسكم؟!
—————
كاتبة كردية سورية *