الشعب الكردي في سوريا وقضيته ، في خطاب جبهة الخلاص الوطني

عبداللـه نور إمام


بناءً على دعوة من السيدين عبد الحليم خدام (النائب السابق للرئيس السوري) وعلي صدر الدين البيانوني (المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا) تم في 17/3/2006م ، في مدينة بروكسل الأوربية عقد لقاء تشاوري لبعض قوى وشخصيات المعارضة السورية للتداول حول ما آلت إليه التطورات في سوريا، وأعلن في اللقاء المذكور عن تشكيل «جبهة الخلاص الوطني» التي تبنت وثيقة سميت بـ «المشروع الوطني للتغيير» تضمنت أهداف وآليات عمل الجبهة، وورد في البند الثاني عشر من الوثيقة المذكورة ما يلي: « لقد أفرزت سياسة العزل والإقصاء والتمييز أضراراً كبرى، صدّعت الوحدةَ الوطنية، وفي مقدمة هذه الأضرار الظلم الفادح الذي أصاب الشعب الكردي، شركاءنا في الوطن والمصير، مما يوجب إزالةَ أسباب الظلم ومعالجةَ نتائجه في إطار الوحدة الوطنية، وفي المقدمة ممارسة حقوقه السياسية والثقافية كبقيّة مكونات المجتمع السوري».
وقد لاحظنا في مقال سابق بأن هذه الصيغة – إذا ما قورنت بالصيغة المتعلقة بالشأن الكردي الواردة في إعلان دمشق – تعتبر متقدمة عليها، بل هي تختلف عنها من حيث أنها تعترف بالكرد كشعب ينبغي تأمين ممارسته لحقوقه السياسية والثقافية، كما أنها تعتبر الكرد شركاءً في الوطن..
أما ما هو ناقص في تلك الصيغة فهو أنها رغم اعترافها بـ «الشعب الكردي» في سوريا فإنها لا تعطي لاعترافها هذا ضمانة دستورية، وهذا ما يشكل جانباً من القلق بالنسبة للكرد السوريين الذين لم يعودوا يثقون بوعود غير مضمونة، خاصةً وأنهم قد تواجهوا مع شركائهم العرب السوريين في أكثر من محطة اختبار.

وقد تأكد للكرد بأن صراعهم في مجال الاعتراف بهم كشعب يشكل قومية رئيسية في البلاد وممارستهم لما يترتب على هذا من حقوق قومية..

هذا الصراع لم يعد ينحصر مع السلطة الحاكمة فحسب، بل هو صراع مع الجانب العربي عموماً كثقافة شوفينية لم تبقِ للكرد من ذلك الجانب على أصدقاء متفهمين للشريك الكردي وقضيته إلاّ عدداً قليلاً.
ومن متابعتنا للتصريحات والمواقف الصادرة عن كل من السيدين خدام والبيانوني – وهما يعتبران ركنين من أركان جبهة الخلاص الوطني – فإننا قد لا حظنا خطاباً سياسياً لا يعبر عن مضمون تلك الفقرة المذكورة أعلاه، بل هو يتطابق مع خطاب «إعلان دمشق» وأركانه والذي بدوره لا يعترف بالوجود الكردي في سوريا كشعب يعيش على أرضه، بل يهبط بالقضية الكردية إلى مستوى المواطنة مكتفياً بمجرد الدعوة إلى «المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضاً وشعباً..» حسبما ورد حرفياً في وثيقة إعلان دمشق الصادرة في 16/10/2005م.
      وقد عقدت الهيئة التأسيسية لجبهة الخلاص الوطني اجتماعاتها في العاصمة البريطانية لندن بتاريخ 4-5/6/2006م وجاء في البيان الختامي الذي أصدرته  يوم 5/6/2006م أن المجتمعين أكدوا على تمسّكهم بأهداف جبهة الخلاص، وآليات عملها التي أعلن عنها في (مشروع جبهة الخلاص الوطني للتغيير) في بروكسل بتاريخ 16 و17 آذار/ مارس 2006م.

إلاّ أن هذا الكلام قد تم نقضه في الفقرة التالية التي نص عليها هذا البيان: «كما أن الظلم الفادح قد أصاب المواطنين الأكراد، شركاءَنا في الوطن والمصير، الأمر الذي يستوجب إزالة هذا الظلم ومعالجة نتائجه في إطار الوحدة الوطنية وحقوق المواطَنة، وممارسة الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، كسائر القوى والمكوّنات للشعب السوري كما سيحددها الدستور الجديد».

إن هذا التعبير يعتبر تراجعاً عن صيغة «المشروع الوطني للتغيير» الذي تبنته جبهة الخلاص الوطني في لقاء بروكسل في 17/3/2006م بل هو يعتبر نقيضاً لها عندما يتناول الكرد كمجرد مواطنين ينبغي إزالة الظلم عنهم ومعالجة نتائجه «في إطار الوحدة الوطنية وحقوق المواطَنة» ليس إلاّ.
وهناك ملاحظة أخرى لا بد من الإشارة إليها هنا، ونفس هذه الملاحظة يمكن إيرادها بصدد وثيقة إعلان دمشق، وهي أن جبهة الخلاص الوطني تخاطب الكرد السوريين كعناصر خارجة عن إطارها وتعتبرهم عناصر مقابلة لها وليست مندمجة معها في الحالة الوطنية المعارضة؛ وهكذا نرى في عبارة «شركاءنا في الوطن والمصير» الضمير المتصل «نا» الدال على المتكلم، كما نرى ذلك في عبارة «حضارتنا العربية» الواردة في صيغة وثيقة إعلان دمشق.

وإذا كنا متأكدين من أن هناك أعضاء من الكرد السوريين موجودين في كلا الإطارين (إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني) فإننا نستطيع القول بأن الصيغة المذكورة تتحدث بلسان متكلم غير كردي وكأنه لا يوجد كردي موقِّع على كل من الوثيقتين العائدتين لذينك الإطارين.
ملاحظة أخرى جديرة بالذكر، وهي أن البيان الختامي لجبهة الخلاص الوطني يعتبر سوريا قطراً من الأقطار العربية وأن الجبهة قد قررت التأكيد على التضامن والتعاضد بين الدول العربية وعلى «الكفاح لتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة..».

وهي بذلك لم تختلف في خطابها هذا عن خطاب إعلان دمشق الذي وردت في وثيقته عبارة: «الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب .

تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا» وعبارة: «الالتزام بتحرير الأراضي المحتلة واستعادة الجولان إلى الوطن .

وتمكين سورية من أداء دور عربي» وعبارة: «التأكيد على انتماء سورية إلى المنظومة العربية، وإقامة أوسع علاقات التعاون معها، وتوثيق الروابط الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تؤدي بالأمة إلى طريق التوحد» كما ورد في التوضيح الصادر عن اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق عبارة: «أن سوريا جزء عضوي من الأمة العربية، وسيمكنها التغيير الديمقراطي من القيام بكل ما يترتب على انتمائها من مهام وقضايا قومية..».
وهذا الخطاب إن دل على شيء فهو يدل على عقلية استئثارية وإقصائية شوفينية لن تختلف عن عقلية السلطة الحاكمة من حيث الممارسة إن هي استلمت السلطة كبديل كما تطرح نفسها.

فهذا الخطاب الذي يعتبر سوريا «قطراً» عربياً، لا يعترف بعدم عروبة سوريا ولا يستطيع أن يتقبل الحقائق التالية مثلاً:
–         سوريا دولة متعددة القوميات والأديان..
–         الشعب العربي في سوريا جزء من الأمة العربية.
–         الشعب الكردي في سوريا جزء من الأمة الكردية.
–    إذا كان العرب السوريون يصرون على كون الأرض السورية جزءاً من «الوطن العربي» فعليهم أن يقبلوا بأن هنالك أرض كردية في سوريا هي عبارة عن جزء كردستاني ولا يمكن للكرد أن يقبلوا باعتباره جزءاً من الوطن العربي، كما لا يمكنهم قبول اعتبارهم جزءاً من الأمة العربية.
إن ما يجب أن لا يغيب عن بال المعارضة السورية – ومن ضمنها جبهة الخلاص الوطني – هو أن الشعب الكردي في سوريا لم ولن يرضى باعتبار قضيته قضية مواطنة وحسب، بل هو يصر على كونه شعباً يعيش على أرضه ويحق له أن يقرر مصيره بنفسه كما تقرها له العهود والمواثيق الدولية.
وللتأكيد على هذا الكلام يكفينا ذكر مثال واحد فقط ولكن كبير جداً ولا يمكن تجاوزه، ألا وهو نشوء وتأسيس البارتي الديموقراطي الكردستاني في سوريا عام 1957م.

فقبل تأسيس هذا الحزب كانت الدساتير السورية – ومنها دستور عام 1950م الذي تدعو إليه جبهة الخلاص الوطني – لا تميز بين المواطنين السوريين مهما كانت انتماءاتهم القومية والطائفية، بل كان الاسم الرسمي والدستوري للدولة هو: «الجمهورية السورية»، وكان الكرد السوريون متساوين مع إخوانهم العرب السوريين من حيث حقوق المواطنة وواجباتها، فكانوا يحتلون أرقى المناصب السياسية والعسكرية والإدارية وأكثرها حساسية، وكانوا يعيشون مع السوريين الآخرين في ظل نظام ديموقراطي برلماني استمر فترة ما بين عامي 1954 – 1958م، وما يزال السوريون جميعاً يذكرون بحسرة تلك الفترة الذهبية بعد عقود مازالت مستمرة من الاستبداد والتمييز العنصري.
فلو كان الكرد راضين بمضمون خطاب جبهة الخلاص الوطني – وكذلك خطاب إعلان دمشق – لما بادروا إلى تأسيس حزبهم في 14/6/1957م، ذلك الحزب الذي دعا إلى حل القضية الكردية في سوريا كقضية شعب وأرض، وما تزال الأحزاب الكردية الموجودة على الساحة السورية تعتبر أنفسها أمتداداً للتجربة النضالية لذاك الحزب الأم.

فهل تكون هذه الأحزاب وفية وأمينة على تلك التجربة فلا تنجر أو تنزلق إلى مستنقع المساومة على الوجود؟؟!!..


في 14/6/2006م

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…