كركوك ضحية الحسابات الخاطئة

زيور العمر

حسن ما فعله عرب العراق بخصوص كركوك, عندما مرروا قانون في مجلس النواب العراقي , رفضه التحالف الكردستاني, و نقضه الرئيس جلال الطالباني و نائبه عادل عبد المهدي , يجعل كركوك مقسماً بالتساوي بين الكرد و العرب و التركمان و المسيحيين, لأن تصرف القيادة الكردستانية كان يشير كما لو أن كركوك و مسألة ضمها الى إقليم كردستان, ما هو إلا تحصيل حاصل , سيحدث في نهاية المطاف, مهما طال الزمن ! .
مشكلة كركوك  ما كانت, لتكون بهذه الخطورة , كما هي الآن, لو أن القيادة الكردستانية إدركت إستحقاقات  المرحلة الإنتقالية في بناء الدولة العراقية الجديدة .

فعندما دخلت القوات الأمريكية الى بغداد في 9 أبريل 2003 , و إنهار النظام العراقي السابق , ساد العراق فوضى عارمة  تمثلت في عمليات السلب و النهب التي طالت مؤسسات الدولة العراقية , بما فيها الوزارات و القصور الرئاسية و مراكز الإستخبارات, لم تسلم منها حتى المتاحف و المراكز الثقافية و المكتبات العامة, و دور العبادة من مساجد و كنائس.

العراق تحول في خضم هذه الفوضى الى أرض مشاعة ينتظر من يضع اليد عليها, و كان من الممكن, في ظل إهتمام الأمريكيين بحماية حقول النفط و وزارة النفط فقط , أن تسيطر قوات البيشمركة على كركوك و تضمها الى إقليم كردستان.


إلا أن إنهماك الكرد في العملية السياسية الجارية بشكل مفرط , كما لو أنهم أكثر عراقيين من باقي الأطياف الأخرى , في الوقت الذي كان فيه العراق يشهد  تحولات سريعة في معادلة التوازنات الداخلية, المرتبطة, إرتباطاً وثيقاً, بدول الجوار  و مصالح الأمريكيين و مساعيهم لتأمين الأمن و الإستقرار , جعلهم , أي الكرد , يتقاعسون عن مهمة تنفيذ الفقرة 140 في المهلة المحددة لها.


و لكن تطور الأحداث في الإتجاه الذي سمح بتفاهم أمريكي سني , جراء تدخل إيران في الشأن العراقي, عبر بوابة الأحزاب الشيعية الموالية لها في ا لجنوب, و تزايد أعداد القتلى في صفوف القوات الأمريكية على يد التنظيمات السنية المتطرفة في غربي العراق و مدينة بغداد , سمح برؤية معادلات سياسية أخرى في العراق , كانت بعيدة كل البعد عن حسابات الكرد في العراق.
الإدارة الأمريكية  سعت الى جرد حساباتها السياسية في العراق, و ترتيب أوراق جديدة, و إعتماد إستراتيجية مغايرة, عملت على بلورتها أعلى المستويات السياسية و العسكرية في واشنطن .

فإيران التي تشكل تدخلها في الشأن العراقي حساسية من نوع خاص لدى العراقيين , كانت بالنسبة للإدارة الأمريكية سبباً و مبرراً  لفتح قنوات, و إجراء إتصالات مع الجهات السنية , بغية إقناعها بضرورة مشاركتها في العملية السياسية, و إلا أصبح العراق مسرحاً للنفوذ الإيراني بالكامل .

و في سبيل إقناع السنة لجأت الولايات المتحدة الى مساعدة  دول إقليمية لها تأثير على السنة  كتركيا و الأردن و المملكة العربية السعودية و مصر.

و من أجل إنجاح هذه المهمة, عقدت مؤتمرات للحوار و الوفاق الوطني العراقي في كل من مصر و السعودية , نجحت في لجم بعض القوى المتطرفة  في صفوف السنة , لصالح قوى سياسية معتدلة , رأت في الأفق بوادر مصالح مشتركة مع الأمريكيين, خاصة فيما يتعلق بالدور الإيراني .

أما بالنسبة للدور التركي , في ظل المتغيرات الأنفة الذكر, فإنه  تغير لصالح إمكانية عقد مقايضة سياسية مع الأمريكيين تقوم على  مساعدة  تركيا للأمريكيين على مواجهة النفود و الخطر الإيراني, مقابل وضع حد للمطالب الكردية العراقية في كركوك, ومحاربة حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق.
الإدارة الأمريكية إضطرت, بالطبع, الى أخذ كل هذه المعادلات الإقليمية بعين الإعتبار, و حاولت علاوة على ذلك الإستفادة منها.

بالنتيجة  تغيرت موازين القوى في العراق, و تحول العنصر الأضعف في المعادلة السياسية العراقية, اي السنة , الى عنصر مهم , نتيجة للغطاء العربي بسبب إيران, و تركيا بسسبب مخاوفها من تطلعات الكرد, و حاجة الأمريكيين لهم , لإضعاف نفوذ القاعدة و من لف حولها في العراق.

هذه القوى هي نفسها التي تعيق الحل في كركوك, و تحول دون ضمها الى إقليم كردستان, و ذلك من خلال دعم السنة لعرب كركوك , و مساندة تركيا للتركمان, و خشية الأمريكيين من تسبب كركوك بحرب اهلية لا تحمد عقباها, و لا بإستطاعتها أخماد حريقها.
في الحسابات الإستراتيجية  لا يجد إصرار الكرد على مشاركة السنة في العملية السياسية  أي تفسير, و في لغة المصالح لا يمكن فهم التنازلات التي قدمتها القيادة الكردستانية لتركيا.

في الجانب الأول  كان حرياً بالكرد الإستفادة من إستمرار عملية سياسية  متعثرة, كان من شأن إستمرار الفوضى السياسية ان توفر للكرد المزيد من الوقت لنسج تحالفات, و علاقات, و ترتيب البيت الكردي , كان من المهم للكرد أن تتورط الإدارة الأمريكية أكثر في المستنقع العراقي حتى تتضطر للتقرب اكثر منهم.

أما في الجانب الثاني فإن التنازلات التي قدمتها القيادة الكردية  لتركيا مكنت لهذه الأخيرة فرصة أكبر للتدخل في الشأن العراقي, و الذي لا يتوقف حدود هذا التدخل عند مسألة حزب العمال الكردستاني حصراً, و إنما تتجه الى المسألة الأهم بنظرها, إلا وهي مسألة كركوك.

كان من الممكن إستخدام حزب العمال الكردستاني و مساعدته على إلهاء تركيا من داخلها.

كان من شأن التقارب و التفاهم الكردي الكردي في هذه الظروف أن تدفع تركيا الى أحضان إيران.
بالمحصلة يمكن القول أن الكرد أخطأوا في حساباتهم.

و لا شك أنهم إرتكبوا خطأً قاتلاً منذ البداية, و هم يدفعون الآن فاتورة باهظة الثمن.

كركوك تبتعد أكثر عن كردستان, فهل بإستطاعة القيادة الكردية تدارك أخطاءها, و أن تعيد النظر في حساباتها ؟
بلجيكا 14/08/2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…