محمد محمد – المانيا
من خلال الاطلاع على مجرى الأحداث الأليمة, بل على مشاهد الحرب التي يشنها النظام الشوفيني الجيورجي منذ عدة أيام على الشعب الأوسيتي الجنوبي المهدد والتي أودت حتى الآن وفق المصادر الاعلامية المتعددة الى قتل حوالي 2000 شخص أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ من سكان أوسيتيا الجنوبية وتشريد نحو 30000 آخرين منهم الى أوسيتيا الشمالية فضلا عن تدمير وحشي لعاصمة الأقليم وللعديد من القرى والضواحي هناك، أي يعيد ذلك بذاكرة المهتمين مباشرة الى حقبة توتاليتارية وعنجهية جوزيف (ستالين) الجورجي على رأس السلطة السوفيتية السابقة.
ذلك الدكتاتور الذي كان يتباهى بوحشية جرائمه الخاصة على الأقل باطلاق أحكام تفتيت وتشريد وترانسفير العديد من الشعوب المضطهدة والمهددة من مواطنها ومناطقها الأصلية في القفقاس ومحيط الفولغا الى كازخستان والى محازات براري منغوليا والى سيبيريا النائية، ومنها الكورد… وألمان روسيا وغيرهم، تحت حجج وأباطيل كاذبة خاصة بضرورة توزيع تلك الشعوب لجلب عوامل تهيئة الاندماج الأممي ولئلا يتعاون البعض منها مع القوات الألمانية مستقبلا، وذلك بنفس طريقة ودوافع السلطة العثمانية التورانية السابقة قبل واثناء الحرب العالمية الأولى، عندما أبادت وشردت المئات الألوف من الأرمن والكورد الألاويين والزرادشتيين بحجة ابعادهم من التعاون مع القوات الروسية أو الغربية حينئذا وفي المستقبل أيضا.
وهنا، وانطلاقا من استراتيجية EU – USA الجديدة منذ انتهاء الحرب الباردة السوداء، والتي تتضمن في احدى فصولها على دعم مساعي الشعوب المقموعة والمهددة المطالبة بالحريات والديموكراتية, والشعب الأوسيتي الجنوبي يعتبر أحد تلك الشعوب والذي يسعى الى التخلص من الحكم الجيورجي والاتحاد بجغرافيته مع أشقائه في جمهورية أوسيتيا الشمالية، أي تحتار EU – USA بل ويتعرض موقفها الى حرج كبير بصدد كيفية التصرف الموضوعي بين مشروعية التحرر الأوسيتي الجنوبي وبين شوفينية وعنجهية وعدوانية النظام الجيورجي الذي بدوره يحاول منذ عدة سنوات بشكل غير طبيعي ومن دوافع الابقاء على التسلط على الشعب الأوسيتي الجنوبي والأفخاذي، التقرب مع EU- NATO لتأمين الدعم اللازم مقابل الدعم الروسي للأوسيتيين وللأفخاذيين.
وهذا ما يتشابه كثيرا مع نفس دوافع مساعي السلطات التورانية التركية القديمة والحديثة بالعضوية وبالانضمام في و الى EU- NATO بغرض ابعاد الدعم الغربي للقضية الكوردية وللمطالبات الأرمنية واليونانية الخاصة بارجاع مناطق معينة في شمال شرق وفي غرب تركيا لهم، والتي تؤيد روسيا تلك المطالبات أيضا.
وهذا ما يتشابه كثيرا مع نفس دوافع مساعي السلطات التورانية التركية القديمة والحديثة بالعضوية وبالانضمام في و الى EU- NATO بغرض ابعاد الدعم الغربي للقضية الكوردية وللمطالبات الأرمنية واليونانية الخاصة بارجاع مناطق معينة في شمال شرق وفي غرب تركيا لهم، والتي تؤيد روسيا تلك المطالبات أيضا.
لذلك، فان موضوعية موقف الغرب الذي أيد بقوة بل تدخل سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا من أجل بوسنا وكوسوفو ومن ثم الاعتراف باستقلال دولة كوسوفو أخيرا، هي في المحك، ان كان سيدعو الى ضرورة الاعتراف باستقلال ووحدة أوسيتيا الجنوبية مع شقيقتها الشمالية أو سيؤيد عدوانية وشفونية النظام الجيورجي من دوافع التناظر المصلحي ضد روسيا!
وفي هذا الاطار، من الأهمية بمكان أن يتمسك الغرب منطقيا نسبيا وفق ذاك الفصل من استراتيجيته الجديدة الداعم لحرية الشعوب المقموعة والمضطهدة، بممارسة الضغط على النظام الجيورجي العدواني للانسحاب من أقليم أوسيتيا الجنوبية وتشكيل هيئات تحقيق دولية بخصوص الحرائم التي ارتكبتها القوات الجورجيا ضد المدنيين العزل هناك، ومن ثم العمل على اصدار قرار دولي عادل حول ايجاد حماية دولية للأقليم والاعتراف باستقلاله واتحاده المراد مع جمهورية أوسيتيا الشمالية، وذلك بحيث لا يتصف الموقف بالازدواجية السلبية وبحيث أن يبين المصداقية في ذلك أمام الرأي العام العالمي وخصوصا أمام الشعوب المقموعة والمضطهدة والمهددة الأخرى أيضا.
حيث يبدو أن هناك تذمرا يتزايد من قبل العديد من تلك الشعوب حول ازدواجية بعض تلك المواقف الغربية بخصوص قضاياها المشروعة هنا وهناك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بخصوص الموقف الغربي السلبي من قضية الشعب الكوردي المضطهد من قبل السلطة التركية الشوفينية العضوة في الناتو والساعية الى الانضمام المزعوم للاتحاد الأوربي، هذا مع الايمان بأن الغرب لا يستطيع دفعة واحدة تصعيد الضغوط على كافة الأنظمة القامعة الدكتاتورية الشوفينية في العالم، ولكن لا يتطلب منه بنفس الوقت أن يعزز العلاقات والتحالفات العسكرية والاقتصادية والسياسية مع تلك الأنظمة أيضا.
فان هذا الظرف الموءاتي منذ انتها الحرب الباردة السوداء هو في مصلحة الدول الديموكراتية وتلك الشعوب معا، بأن يتم استثماره جيدا وصادقا ولمصلحة الكل قبل أن تتمكن أقطابا دولية جديدة من تعكير هذا الظرف على الجميع مرة أخرى.