كلمة الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) في ذكرى تأسيسه

يــا جماهيــر شــعبنا الكـردي في ســـــوريا

أيتها القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية
نحتفل اليوم بالذكرى السنوية التاسعة والأربعين لميلاد حزبنا الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) ، الذي تأسس في الرابع عشر من حزيران عام 1957م ، بمبادرة من نخبة من المتنورين الكرد .

تلبية لرغبة الجماهير الكردية ، واستجابة للظروف الموضوعية الإيجابية السائدة آنذاك في أعقاب الإطاحة بدكتاتورية العقيد أديب الشيشكلي ، وإجراء انتخابات حرة عام 1954م في مناخ من الحرية والديمقراطية .

فضلاً عن الظروف التي خلفتها الحرب العالمية الثانية ، والتي تجلت بظهور مواثيق الأمم المتحدة ، ولوائح حقوق الإنسان ، وحق الشعوب والأقليات في التعايش مع شعوب أخرى في كيانات سياسية ، وكذلك رداً على تجاهل الأحزاب الوطنية السورية التي تجاهلت وجود شعب كردي في سوريا ، له خصائصه القومية من ( سياسية وثقافية واجتماعية ) وتنكرها لما قدمه هذا الشعب من تضحيات جسام ضد الاحتلال الأجنبي ، في سبيل تحقيق الاستقلال الوطني وحماية مكتسباته ، إضافة إلى ذلك عدم تفهم الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم القضية الكردية .
وانطلاقاً من تلك الحقائق التاريخية ، وعلى ضوء ذلك الواقع الذي عاشه الشعب الكردي كان لابد من وجود حزب سياسي يجسد تطلعات الشعب الكردي، ويمثل إرادته وآماله وأمانيه في مجتمع تسوده العدالة والمساواة التامة بين المواطنين .
واعتمد الحزب منذ تأسيسه برنامجاً وطنياً وقومياً ، حيث اعتبر نفسه جزءاً من مجمل الحركة الوطنية في البلاد ، وأن الشعب الكردي هو جزء من النسيج الاجتماعي السوري ، وأن قضيته هي قضية وطنية تهم كافة الأحزاب والشرائح الوطنية في المجتمع السوري كما تهم الأكراد نفسهم ، إلا أنه رغم ذلك فقد تعرضت قيادته وكوادره النشيطة للملاحقات والاعتقالات والتعذيب الجسدي .

وذلك في محاولة لطمس نضاله الوطني ، والاستمرار في سياسة الاضطهاد والتنكر لوجوده القومي ، وتطبيق المشاريع العنصرية والتدابير التمييزية بحق أبنائه ، مستنداً إلى حجج ومخاوف ليس لها وجود على أرض الواقع ، لكن كل ذلك لم يثن من عزيمة شعبنا من ممارسة سياسته الوطنية ، ولم ينجر إلى ممارسة أساليب تلحق الضرر بالمصلحة العامة ، وتسيء إلى الوحدة الوطنية ، بل وقف في وجه التيارات القومية المتعصبة التي كانت تدعو إلى اضطهاد الشعب الكردي ، ومحو خصائصه القومية ، واستمر في أداء واجبه الوطني ودفاعه عن البلاد ، ولاسيما في تلك المرحلة التي اشتدت فيها وتيرة التآمر عليها ، وعلى الوضع الديمقراطي القائم فيها .
كما استمرت الحركة الوطنية الكردية بفعالية كبيرة من أجل توسيع دائرة التواصل والتفاعل مع الوسط الوطني السوري ، بغية إشاعة الحياة الديمقراطية والحريات العامة ، وإلغاء الأحكام العرفية والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ، والإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري والاهتمام الجدي بالوضع المعيشي للمواطنين وتحقيق المساواة التامة بينهم ، ووضع حل ديمقراطي عادل لكافة القضايا والمشاكل التي تعاني منها البلاد ، ومنها قضية الشعب الكردي وتضمين حقوقه القومية والديمقراطية العادلة ، وإزالة المشاريع الشوفينية المطبقة بحق أبنائه ، ودعا حزبنا في جميع مناسباته الوطنية والقومية إلى ضرورة مشاركة كافة الأحزاب الوطنية والفعاليات المجتمعية في صنع القرار السياسي للبلاد ، بغية ترسيخ الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالبلاد .
غير أن هذا النشاط الوطني المتنامي أثار حفيظة الوسط الشوفيني الذي أراد وضع حد له ، هذه المرة بشكل آخر عندما أقدم على تأجيج نار فتنة مفتعلة في الثاني عشر من آذار 2004م ومحاولة استغلالها لتحجيم النضال الوطني الديمقراطي السلمي للحركة الوطنية الكردية ، وقمع إرادتها، لكن وحدة الموقف الكردي وجهود الخيرين من القوى الوطنية والفعاليات المجتمعية أفشلت تلك المؤامرة ، ونقلت الوضع الكردي إلى موقع متقدم .

واستثمرت الحركة الكردية علاقتها مع الوسط الوطني السوري إلى أن توصلت إلى قواسم مشتركة في إطار ( لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ) ثم ارتقت هذه العلاقة إلى ( إعلان دمشق ) ، الذي كان خطوة متقدمة أكثر من ( لجنة التنسيق ) عندما أقر بضرورة إيجاد حل وطني ديمقراطي عادل للقضية الكردية .
لذلك ينبغي على الحركة الكردية أن تحافظ على هذه العلاقة الإيجابية، وأن تسعى لتوسيعها وتعميقها، التي طالما حاول الوسط الشوفيني نسفها بهدف عزل شعبنا عن الوسط الوطني السوري ، إضافة إلى هذه النشاطات للحركة الكردية فإن المستجدات الإقليمية والدولية ساهمت بشكل فعال في إخراج القضية الكردية في سوريا من عزلتها لتأخذ مكانها في أجندة بعض الأحزاب الديمقراطية ، والمنظمات الإنسانية والحقوقية ..

لذلك يجب على الحركة الكردية، مواكبة هذه المستجدات بخطى متوازية وسريعة ، وتوفير ما تنتظرها من استحقاقات وفي مقدمتها ، تأطير نضالها الوطني والقومي ، عبر حوار ديمقراطي مسؤول بين كافة أحزاب الحركة الكردية بغية الوصول إلى خطاب سياسي واقعي ، وفي هذا المجال فقد قرر التحالف والجبهة الكرديين عرض رؤيتهما المشتركة للحل الديمقراطي للقضية الكردية على الأطراف الأخرى خارجهما لمناقشتها وإغنائها واعتمادها رؤية مشتركة للحركة الوطنية الكردية ، ومن ثم العمل على إيجاد مرجعية قومية تمتلك حق التمثل والقرار السياسي الكردي في سوريا .والانطلاق منها لتفعيل وتنشيط التواصل مع الوسط الوطني السوري ، بهدف الوصول إلى تحقيق الحقوق القومية والديمقراطية لشعبنا الكردي في سوريا ، وإزالة المشاريع العنصرية والتدابير التمييزية المطبقة بحق أبنائه .
ويقيناً أن أي تباطؤ في هذا السعي سيفوت فرصة تحقيق أي مكسب وطني وقومي للشعب الكردي في سوريا .
وفي المجال القومي الكردستاني: وقف حزبنا في جميع المراحل موقف المؤيد والمساند لنضال الحركة التحررية الكردستانية في كل من تركيا وإيران والعراق ، وأدان السياسات الظالمة التي انتهجتها أنظمة هذه الدول بحق الشعب الكردي ، وطالب بوضع حلول ديمقراطية وسلمية للقضية الكردية في هذه الأجزاء .
وهنا لا يسعنا ونحن أمام هذه الذكرى الكريمة، إلا أن نهنئ الشعب العراقي عامة والشعب الكردي خاصة بمناسبة وضع الدستور الدائم للعراق، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة وتشكيل حكومة عراقية توافقية من كافة مكونات الشعب العراقي، تضمن حقوق كافة القوميات والأقليات المتآخية ، وتأمين الأمن والاستقرار في عراق ديمقراطي فيدرالي برلماني موحد .
كما يسعدنا أن نهنئ شعب كردستان العراق بمناسبة توحيد إدارتي كردستان وإعلان التشكيلة الوزارية الخامسة الموحدة ، اللذين جاءا تتويجاً للجهود الكبيرة التي بذلها سائر المخلصين من أبناء الشعب الكردي والإرادة الموحدة لقواه المناضلة في التحالف الكردستاني .
عاشــــت الذكـرى التاســعة والأربعـيـن لتـأسيـــس ( البارتي )
تحية من الأعماق لكل مناضلي شعبنا الكردي وجماهيره الوطنية
وكل عام والجميع بألف خير
 

14 حزيران 2006م   
   
   المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا   ( البــارتي ) 
                                                                                               

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…