مرجعية ((النقد)) كردياً

روني علي

ليس العيب فيما إذا كنا قد أخطأنا، أو نمارس الخطأ، لكن القباحة تكمن في أن نقر بالخطأ ونعيد إنتاجه مرةً تلو الأخرى ..
   قد نرتكب جريمة بحق الحقيقة، حينما نتحدث عن مفاعيل النقد ضمن آليات التعامل في الوسط الكردي، وبشقيه السياسي / التنظيمي، والسياسي / الثقافي، كون هذا المصطلح – النقد – وإن كان قد أخذ حجماً ومكانة في أدبيات الأحزاب الكردية وأنظمتها الداخلية، وكذلك يتصدر مجمل المواضيع التي تقف على أداء الأطر الكردية، إلا أنه لا يجد لنفسه طريقةً للترجمة، ويبقى رهن القول وحبيس المخطوطات، وذلك لسبب بسيط
وهو أن ممارسة هذا المصطلح، وجره من حالة القولبة الكتابية إلى مكنة الفعل والممارسة، يتطلب ارتقاءً معيناً في البنية المعرفية، وتطوراً أكيداً وحقيقياً في البنيان المجتمعي، وهذا ما لم نلمسه بعد في واقعنا الكردي، وذلك لأسباب وعوامل، ليست كلها في متناول اليد، أو خاضعةً لإرادتنا وحدنا، وإن كانت هناك ما يمكن لنا التصدي لها، والتي هي الأخرى قد دخلت – بحكم التشوه – مع غيرها في حكم الخارج عن السيطرة أو اللا مقدور عليها ..
   وإذا أردنا أن نتحدث عن النقد، وفيما إذا كان له دوره ومفاعيله في الحياة العملية، وأنه يشكل جزأً من أدوات البناء، كان علينا أن نستدعي الحالة التي عليها الحركة الحزبية الكردية، من مظاهر التشظي والتشرذم، وبعض حالات التمرد التي تحصل هنا وهناك، وأيضاً ظاهرة الطعن أو التشكيك بالآخر، إذا ما مد بإصبعه تجاهنا، وحاول أن يحيلنا إلى حقيقتنا، وإن كنا لا نستسيغ بعض الأشكال التي تتخذ طابع الانتقام بدلاً من المساهمة في تصحيح ما هو متراكم، وقد يجد ذلك تبريراته، كون النقد في واقعنا يأخذ مجراه عبر آلية ردود الأفعال، بحكم أنه لا توجد عندنا مناخات للفعل، تؤهلنا كي نقوم حياله بعملية الممارسة النقدية، وعلى ضوء ما ذكر، هل لنا أن نعتبر بأننا نتخذ من النقد مرجعية لنا في كل ما نقدم عليه ..؟.

وإذا ما أراد البعض أن يدفع إلينا على أنه يحترم النقد ويتعامل ضمن أدائه استناداً إلى تلك المرجعية، كان يتحتم علينا أن نعتبر، بأن مجمل ما حصل من حالات التآكل في الجسم الحزبي الكردي على مر العقود، والصيغة التي نعتاد عليها في مواجهة الآخر المختلف، هي من إفرازات النقد وتفاعلاته واستحقاقاته ..؟!.
   لا شك أن الحركة الحزبية الكردية قد عملت وناضلت وساهمت، وأنها أرادت وأدارت وقررت وأدانت وشجبت واستنكرت، وكذلك اتحدت وتوحدت وتأطرت وانقسمت ..

إلخ، وهذه كلها يمكن اعتبارها على أنها جزء من صيرورتها، أو أنها نتاج الواقع المفروض عليها، كونها تحارب على عدة جبهات حسب ما يدعيه البعض، وأن لها من المهام ما تفوق طاقاتها، وعليها من الأعباء ما يجعل التباين في داخلها مبرراً، وفيها من الأجندات ما تجعلها خاضعة لظاهرة الانكسار والانشقاق، كونها تواجه مشاريع السلطة من جهة، وتجابه الركود الاقتصادي والتخلف الاجتماعي من جهة أخرى، إلى جانب البعد القومي في خطابها  والصراع الطبقي والإيديولوجي، الذي شكل جزأً من منظومتها الفكرية والسياسية على مدى عقود من الزمن، والذي أفرز بعضاً من الإشكالية في طريقها، وشيئاً من التداخل والخلط في مفاهيمها، بمعنى آخر، نستطيع القول، وبغض النظر عما أصابت الحركة، فإن الشارع الكردي مدين لها بحفاظها على الهوية القومية، وبنائها للإنسان الكردي وفق بعض القيم النضالية ..
   وإذا اعتبرنا أن ما ذكر آنفاً هي من المسلمات، أو هي النتاج الحقيقي الذي ثابرت عليها الحركة، أو ذلك هو المعتمد من لدن القائمين على إدارة الشأن الحزبي، كان علينا أن نفتش عن البوصلة ونبحث عنها، لأن المفترض بالحركة وهي تناطح وتصارع، أن تستند إلى بوصلتها، وأن تبرمج أداءها اعتماداً على منهجية معينة، هي التي تفتح أمامها الأبواب والآفاق، وإلا فإن المسألة برمتها تكون خاضعة لما يمكن تسميتها بالعبثية أو التحليق في الفراغ، وبناء على ذلك، ومن خلال الوقوف على المنطق الذي يعتمده الحركة في البناء والتفاعل، وأيضاً في الأداء ورسم الموقف، ونبحث من خلالها عن دور النقد في إعادة النظر أو الصياغة، لمجمل الأحداث التي رافقت القضية الكردية، وكذلك الانكسارات التي حلت بالأجسام الحزبية، إلى جانب عمليات التغيير في المواقع والمواقف والمنابع، لوجدنا أنه لم نكن ولو لمرة واحدة أمام جسم حزبي وهو يتصدى لتجربته، سواء السياسية منها أو التنظيمية، انطلاقاً من مبدأ المراجعة النقدية، بل نكون دائماً أمام أسطوانات هي على شاكلة؛ موقفنا السديد ورأينا الصحيح وحزبنا المناضل، وذلك حتى إذا ما كان الأمر متعلقاً بمسائل القسمة والتقسيم، نرى أنه يحدث عبر ديباجات التخوين والتشكيك وكيل التهم المتبادلة، وسرعان ما تنقلب الأمور، ليصبح المشكوك فيه جزأً من فعل نضالي مشترك، ومسببات التشرذم تدخل في سبات ليكون ذلك بمثابة مناخ آخر أكثر تهيئة لعمليات التفقيس والتشرنخ، وإن كنا نميل إلى حالة التراص ووحدة الصف، لكن لا بد في ذلك من طرح المسببات ومعالجة ركائزها، بمعنى من المعاني، يمكن القول، بأن الحركة لا تمتلك قدرة المواجهة مع أخطائها، وإذا ما جاءتها ملاحظة من هنا أو هناك، أو دفع البعض إليها برأيه على شكل (النقد) تجاه طرف من أطرافها، نراها تنحاز إلى فكرة المؤامرة، وأن خطه النضالي أو قائده مستهدفان، وعليه نرى الردود تأتي على شاكلة؛ (إذا أتتك مذمة من ناقص ..) أو (أن الذين يتناولون تجربتنا بهذا الشكل هم ليسوا سوى بعض من الحاقدين أو الموتورين ..) وعلى أقل تقدير، وفي خطاب أكثر تهذيباً سيكون الرد على شاكلة (وفر نصائحك).


   باعتقادي أننا لا نغالي فيما إذا ذهبنا صوب تحديد مرتكزات الحزب الكردي على أنه تجسيد لفكرة المشيخة، وأن الشكل الذي يعتمده هو ذاته المعتمد في العلاقات القبيلة من حيث التراتبية وإطلاق الأوامر، إلى جانب المشكلة الأكثر خطورة والتي تتمثل في ربط مفهوم الكرامة بالموقع والمركز، وعليه نكون أمام أزمات حقيقية حينما نحاول أن نمس المركز حتى ولو بوردة، أو نحاول أن نترجم قناعاتنا المدعى بها على أنه لا بد من تداول في السلطة، فنكون وأمام ذلك، واستناداً إلى عملية ربط الكرامة بالموقع حائرين في أمرنا، ونقع بين فكي كماشة، إما اختيار جانب القناعة وإدخال الحزب في لعبة شد الحبل حتى الانقطاع، أو السكوت على الترهل والاستمرار على ما هو متراكم، ولا نغالي أيضاً لو قلنا بأن هذه المعضلة تجد تجسيداتها في كل الجسم الحزبي، خاصةً حين تجد القاعدة الحزبية الحالة التي عليها الحزب، وأن هناك توازنات لا يمكن المساس بها، فنراها هي الأخرى تعتمد اللعبة وتتمرد على أبسط قرار لعلمها أنه لا ضوابط تحد من تصرفاتها ..

   خلاصة القول، وكون الحركة على مفترقات جديدة من حالات التمحور والتكتل والاصطفاف، وأن هناك بوادر أزمة جديدة ستعصف بالسكون الذي استمر فترة لا بأس بها، أعتقد أن المنطق يستدعي منا أن نفعل مسارات النقد قبل الدخول في تشكيل واجهات اسمية جديدة، لأن المطلوب في الحالة النضالية هو الفعل أكثر مما هو مطروح من خيارات، وبناء على ذلك، نرى أن المهمة الأساسية التي ينبغي علينا التصدي لها، هي مراجعة الوقائع والأحداث، وإعادة النظر في الكثير من المفاهيم التي تعتمدها الحركة، وهذه المسؤولية ليست مسؤولية الأطر وحدها، وإنما هي مسؤولية الكل الكردي، ومن هنا أرى لزاماً علينا أن ننفتح على الرأي الآخر الذي يهدف التصحيح، وخاصةً من جانب المثقفين أو الذين يمتلكون أدواتهم المعرفية، وإن كنا نعتقد أن البعض منهم يناقش القضايا من زوايا لا تخدم قضايا التطور أو تصحيح المسارات، بقدر أنها تميل إلى حالات الشخصنة ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…