حقائق عن الحزام العربي في كردستان – سوريا 3/3

عبدالباقي اليوسف*

       بدأ مشروع الحزام العربي مع مجيء حزب البعث الى السلطة عام 1963, وتحت غطاء قانون الإصلاح الزراعي ،والحملة الدعائية التي رافقت هذا القانون، والتي روجت بالخطوات الثورية لحزب البعث، شكلت لدى عامة الشارع امالا, لما كان لهذه الأفكار رواجاً وسمعة طيبة في الشارع السوري بشكل عام، والشارع الكردي بشكل خاص بسبب تأثيرات الدعاية والثقافة السوفيتية, ودور الحزب الشيوعي السوري آنذاك في نشر ثقافة الدعوة إلى العدالة الإجتماعية وتوزيع الأرض على الفلاحين, ومشاركة العمال في إدارة العمل ومؤسسات الدولة.

لهذا فأن قانون الإصلاح الزراعي لاقى إستحساناً من قبل العمال والفلاحين وسائر الفقراء ،خاصة وأن النظام قد روج بأن أفضلية الإنتفاع ستكون لفلاحي القرية المعنية, ثم الأقرب.

      مع بداية 1966 انتهت السلطات السورية من دراساتها وأبحاثها، وبدو مهيئين للبدء بتنفيذ المشروع السيء الصيت, من ناحية أخرى, ومنذ بداية الستينات, كان الحزب الديمقراطي الكردستاني_سوريا, يعاني من حملات الإعتقال الواسعة التي جرت ضده, وشملت معظم كوادر وقيادات الحزب, هذه الإعتقالات أحدثت شرخاً داخل الحزب, أدت فيما بعد إلى الإنشقاق عام 1965 وبروز تيارين, الأول سمي شعبياً باليسار الكردي, أما الأخر فسمي باليمين الكردي.

     منذ أن إنطلق التيار اليساري بدأ بحملة إعلامية واسعة ضد الحزام وحرض الفلاحين الكرد على المقاومة والوقوف صفاً واحداً ضد عمليات الإستيلاء على الأراضي الكردية, وقد شاركهم الشيوعيون الكرد ايضا.

     في حزيران عام 1966, أنكشفت غايات النظام حتى على مستوى الإنسان البسيط ،وتأكدت مقولات الحزب اليساري الكردي, عندما بدأ مدراء النواحي ورؤساء مخافر الشرطة بإبلاغ الفلاحين .حيث قاموا بتشكيل دوريات وعلى طول الحدود مع تركيا, تجوب القرى بحدود إدارتها تطالبهم للتهيؤ لمغادرة مناطقهم ، وإختيار مكان العيش الجديد في المناطق الجنوبية ذات الطابع العربي.
     حصلت مواجهات دامية بين الكرد والشرطة المجهزة بالأعتدة والسيارات والمدعومة بقوات من الهجانة في العشرات من القرى الكردية, رافضين الهجرة والتنازل عن أرضهم لصالح مايسمى بمزارع الدولة, فتعرضوا إلى التعذيب وإطلاق النار والإعتقال ، وقد سجل فلاحي العديد من القرى ملاحم نضالية ضد عمليات الإستيلاء حيث سيطروا على الآليات وحرقوها وتمكنوا من صد الشرطة بأسلحتهم البسيطة من الحجارة والعصي, مما أضطرت بالشرطة ومدراء النواحي أن يستعينوا بقوات كبيرة من الهجانة للسيطرة على الوضع ومن هذه القرى: تل خاتونك التابعة لناحية (تربة سبي), قام الفلاح فقير حسي Feqir Hissi,بالقاء الخطاب بين الفلاحين في القرية وتصدى الفلاحون لقوةً مؤلفة من خمسة عشر سيارة (زيل) تحمل حوالي مئتي عنصر مسلح من الهجانة والشرطة ، وحدث إشتباكٌ دام أكثر من ساعة وقع خلاله العديد من الجرحى بين صفوف الفلاحين , إلا إن سكان القرية أصبحوا أكثر إرتباطاً وتشدداً بأرضهم مفضلين الموت على الهجرة وترك الأرض وهكذا ايضا في قرية(Nef)   

       كانت لإنتفاضة (علي فرو) أصداء واسعة داخل سوريا وخارجها وبالغت الشرطة بوصف إنتفاضة الفلاحين بإندلاع ثورة كردية, حتى أن صحيفة اللوموند الفرنسية كتبت عنها في شهر آيار عام 1967, كما أن الصحفي الفرنسي جان بيير رينو الذي زار محافظة الحسكة عام 1972, تحدث عن ذلك في مقاله, وأستفسر عن مصير فلاحي قرية (علي فرو), عند إجتماعه ببعض قيادي الحزب اليساري الكردي في سوريا .
    في منطقة ديرك وتربسبي قام الفلاحون بأستخدام الزجاجات الحارقة في اشعال مزارع الدولة التي أنشأت على أراضيهم وأستمر هذا الغليان حتى عام 1969.

     عام 1969 حصل تآمر داخل قيادة اليسار ضد المؤسس و سكرتير الحزب أوصمان صبري، بسبب مواقف أوصمان العملية والنضالية الجدية, ومحاربته الفعلية لمشروع الحزام العربي, أدار خيوطها صلاح بدرالدين والذي فيما بعد أصبح سكرتير الحزب ومع مغادرة أوصمان صبري, يمكن القول بأن التمرد في وجه الإستيلاء توقف و أختصر النضال على المذكرات والوفود الجماهيرية التي كانت تراجع المسؤولين إن كانت في المحافظة أو في العاصمة مطالبين بإنصافهم.

       في عام 1973 عندما بدأت الخطوات العملية في بناء المستوطنات والتحضير لجلب المستوطنين العرب, كانت الساحة السياسية الكردية تضم ثلاث أحزاب سياسية, الحزب اليساري الكردي, الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) والحزب الديمقراطي التقدمي, الحزب اليساري والبارتي وقفوا في وجه تنفيذ الحزام، وأصدروا بيانات سياسية تدعو إلى مقاومة تنفيذ الحزام, وتعرضت قيادات وكوادر الحزبين إلى حملة إعتقالات واسعة على أثرها أعتقل العشرات ،وأحتفظ بأغلب قيادات البارتي بمن فيهم سكرتير الحزب وكوادر الحزب اليساري لمدة تزيد عن ثمانية أعوام.

      المعاناة مستمرة:
      جلب المستوطنون في اواخر عام 1974, وبدايات عام 1975.

في ظروف كانت سيئة جداً بالنسبة إلى الشعب الكردي, وبعد أن حصلت أجهزة الدولة الأمنية والإدارية على موافقات سرية من بعض الإقطاعيين والملاكين الكبار, وحتى من بعض رموز الحركة السياسية الكردية, ومنظمة الحزب الشيوعي السوري في محافظة الحسكة, خاصة وأن الحزب الشيوعي السوري في عام 1972 كان قد دخل في تحالف سياسي مع حزب البعث وأحزاب أخرى عربية سمي هذا التحالف بالجبهة الوطنية التقدمية.

     من الناحية المعاشية ، تردت الاوضاع الاقتصادية بشكل فظيع، لم يعد لمعظم الفلاحين أي مصدر للعيش سوى ما يملكون من  الحيوانات من اغنام وابقار ، حتى تربية الحيوانات اصبحت عبئا عليهم خاصة وبعد فترة بدا المستوطنون يمنعون حيواناتهم من الرعي في الاراضي التي منحتهم اياه الدولة ،في بعض الاراضي التابعة لمنطقة ديريك وجدت مناطق حجرية غير قابلة للزراعة ، بدا الفلاحون الكرد باستصلاحها وكل عائلة استحصلت بعض الدونمات لتامين قوتها من الحبوب، وبدا الشباب الكرد يتشردون في مدن الداخل السوري ، بحثا عن العمل لتامين سبل المعيشة لاسرهم الذين ابوا ان يغادروا قراهم .

       من الناحية النفسية :
       وجود المستوطنات الى جانب القرى الكردية وعلى محاذاة الطرقات من راس العين الى ديريك ، هي بمثابة اجسام او كيانات عربية دخيلة في ديمغرافية المناطق ، ماثلة امام اعينهم ليلا نهارا كالسكين تحز في قلوب ومشاعر سكان المناطق الاصليين، لقد مات العديد نتيجة هذه المعاناة والاعتداء البغيض من جانب السلطات .

      في البداية كان المستوطنون خائفون ويرفضون المجيء الى المناطق الكردية ، ويطالبون السلطات ان توزع عليهم الاراضي في حوض الفرات ، وعندما لم تحدث عمليات ضدهم حصل استقرار نسبي بينهم ، وفي اوائل الثمانينيات من القرن المنصرم  وبعد ان طاب لهم العيش في المنطقة ، وجنوا المحاصيل الوفيرة ، ولقوا المساندة والرعاية من الدولة ، بداووا يتطلعون الى المزيد من الاراضي ، واستثاغت شهيتهم الى بضع الدونمات التي استصلحها الفلاحون الكرد ، فابتكروا مقولة النقص في المخصصات وبمساندة اجهزة الدولة الامنية بداووا يعتدون على الفلاحين الكرد ، ويعملون على الاستيلاء حتى على تلك المساحات الزهيدة ، ومن جديد حصلت الاشتباكات والانتفاضات ، هذه الاعتراضات لاقت المساندة  من قبل بعض الاحزاب الكردية ، وشملت هذه المشاكل معظم القرى التي قامت باستصلاح الاراضي .


    
 يجدر الاشارة الى ان الدولة عندما قامت بتوزيع الاراضي الى المستوطنين قطعت حصصهم من الاراضي الزراعية والخصبة ، ولم تشمل حصصهم على الاراضي غير المستصلحة ، والوثيقة التالية تؤكد على ذلك :

قرار رقم 493/ق
من محافظ الحسكة…
تنفيذا لتكليف الرفيق الامين القطري المساعد ، رئيس لجنة الغمر ، واستنادا لقرار القيادة القطرية رقم /521/ تاريخ 24/6/1974 حول التفويض بتوزيع المحاصيل والاراضي للمستحقين من ابناء منطقة الغمر بعد تدقيق استماراتهم ………
يقرر ما يلي :
1-   توزيع الاراضي العائدة لمزارع الدولة والواقعة في منطقة المالكية على مستحقيها من اهالي منطقة الغمر المهجرين من محافظة الرقة ، وتخصص لكل وحدة مساحة 150 دونم بعل، يعتمد في توزيعها الاسس التالية :
–          يعتمد في التوزيع المساحات المستثمرة من قبل منشاة مزرعة الدولة بالمالكية حسب واقع الاستثمار الفعلي .
–          تستبعد الاراضي المحجرة والمشجرة والمروية والمحاور والاراضي المؤجرة والمفروض عليها اجر مثل من التوزيع .
القرار واضح وصريح ،  ان الشوفينية وغلات القومية العربية برغباتهم قطعوا سبل العيش على الكرد لدفعهم الى الهجرة من مناطقهم الاصلية واخلائها .

      ان ما قام به النظام السوري ، والمحاولات الاخيرة للاستمرار بنفس السياسة تتعارض تماما حتى مع الدستور السوري الذي فصله النظام البعثي على مقاسه ، فالمادة /12/ من الدستور تقول: ” ان الدولة في خدمة الشعب ، وتعمل مؤوسساتها على حماية المواطنين” كما تنص المادة /15/ على انه :” 1- لا تنزع الملكية الفردية الا للمنفعة العامة ، ومقابل تعويض عادل ووفقا للقانون.

2- المصادرة العامة في الاموال ممنوعة “
      كما ان مشروع الحزام العربي يعد انتهاكا صارخا للعهد الدولي والذي وقع عليه النظام السوري.
      لا شك ان الحزام العربي احدث شرخا في الوحدة الوطنية في البلاد الى جانب مجموعة اخرى من المشاريع والقوانين الجائرة بحق الكرد ، وان حزب البعث والنظام البعثي يتحملون المسؤولية مهما طالت الظروف لصالحهم ، لانه ماضاع حق وراءه مطالب ، ومثل ما توفرت لهم الظروف سوف ياتي اليوم الذي يرجع فيه الحق لاصحابه ، ويحاسب المسؤولون عن هذه الجرائم بحق الانسانية ، وهم يدركون جيدا انها باتت قريبة .


…………………………

*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا.

المراجع:
1-  الحزام العربي في الجزيرة – سوريا– برزان مجيدو.
2-      المسالة الكردية في سوريا- د.

عبدالباسط سيدا.
3-  دراسة عن مجافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية-محمد طلب هلال .
4-  دستور حزب البعث.

توضيح من الكاتب: ورد في الجزء الثاني خطأً مطبعياً وهو أن حافظ الأسد جاء إلى الحكم في سوريا بإنقلاب عام 1973 والتاريخ الصحيح هو 1970 لذا نرجو أخذ العلم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…