جريمة السفاح ترتكب في عباءة الرجل وظل القانون

المحامي حسن برو
 
– الواقع الأليم : تعيش سورية وبشكل عام إلا (باستثناءات قليلة) في ظل قيم وأعراف شرقية ترتكب في ظلها جرائم باسم العادات والتقاليد، ودون أن يقدم أحد إلى محاكم أو يصدر القاضي حكماً وهذا مايحصل في جريمة السفاح في المناطق الشرقية لسورية (الحسكة والرقة ودير الزور) تقتل فتاة أو امرأة في كثير من الأحيان وبحماية المجتمع والقانون فلا يعاقب الجاني سوى عدة أشهر ليستقبل فيما بعد استقبال الأبطال بين ذويه وأقاربه على أنه (غاسلٌ للعار) الذي لحق بالعائلة
وهذا مانشهده في كثير من الجرائم التي تتعلق بالشرف ربما تنقصنا المصارحة والشفافية في مجتمعنا بين الأخوة بين الأم وابنتها أو الأب وأولاده ليتم الكشف عن مثل هذه الحالات قبل أن تقع الجرائم، ويمكن معالجتها أو تكون حالة مرضية موجودة لدى أحد أفراد الأسرة وتوجب استشارة طبيب نفسي أو حتى جنسي ….ولكن في ظل الأوامر الجامدة وسلطة الخوف بين الأب والأولاد وبخاصة البنات منهن وخوف الأب من المجتمع وعاداته البالية يجعل من هذه الجرائم في كثير من الأحيان غامضة وغير واضحة المعالم في ظل تكتم الأفراد والمجتمع والإعلام لها وهنا سأقوم بالوقوف على حالتين بدون تسمية بسبب الواقع الذي ذكرته محاولاً الوقوف عليها كحالات موجودة في الواقع …..مكررة بأشكال مختلفة.
– صور من الواقع : امرأة تقتل وتزغرد نسوة أخريات لأنها قتلت، ومرتكب الجريمة أخ أو عم أوحتى أب يعيش حياته الطبيعية دون ان يرف له جفن ونقصد بمرتكب الجريمة الشخص الذي قام باغتصابها، ومن ثم قتلها ملخص عن القصة التي جرت في يوم ما في إحدى قرى الجزيرة (الأسرة مؤلفة من عشرة أشخاص بينهم بنين وبنات وتعمل هذه الأسرة في الزراعة وتساعد الأخت أخاها في سقاية الأرض وتأخذ له الغذاء أثناء الظهيرة ، وفي إحدى المرات يقوم الأخ بمد يده على أخته التي تمانع كثيراً ولكنها تستسلم له في النهاية، خوفاً من الفضيحة ولوجود جيران يعملون بين الأقطان بجوارهم تنتهي المسألة المرة الأولى بالملامسة والقبل ولكنها لا تقف عند هذا الحد ….وتتكرر محاولات الأخ الكبير في البيت بين المزروعات إلى أن ينتهي بهما المطاف إلى الممارسة الجنسية ….وعندما تحس الأخت بأن الدورة الشهرية تأخرت لديها تحاول ملاطفة ابن الجيران الذي كان يتودد إليها وبعد لقاءات متكررة وبعلم والدتها ولكي تداري فضيحتها هربت معه، و لكن الوالدة وباتفاق مع ابنها (الجاني الأساسي) يقومون بملاحقة الفتاة والتي قتلت بعد مدة ليست بطويلة حيث طويت الصفحة واعتبر الأخ مخلصاً لشرف العائلة والذي دنسها مع أقرب المقربين له وبمباركة الوالدة والمجتمع والقانون الذي لم يعاقبه سوى (عام واحد وتم إخلاء سبيله بعد ثمانية أشهر)
وابن الجيران قام بدفع الدية ومهر الفتاة المغدورة وتم إجلائه من منطقة الجزيرة كلها وبمباركة العشائر في المنطقة دون أن يرتكب ذنباً سوى أنه أحب الفتاة.
– صورة ثانية : مرضت زوجة رجل ما في المنطقة ما من مناطق الجزيرة  فاضطرت أختها المطلقة أن تقف إلى جانب أختها الكبرى لتشفى من مرضها وباعتبار الزوجة تأخذ أدوية مهدأة فكانت تغط في نوم عميق ، بينما يقوم زوجها بتودد مرة لشقيقتها ومرة أخرى يحاول فتح باب الحمام عليها ويمسك يديها ، وفي كثير من الأحيان يستيقظ بعد منتصف الليل ليندس في فراشها، وعندما تحاول أخبار أهلها لا تستطيع ولاتستطيع أخبار أختها المتألمة أصلاً في مرضها، وعندما تعود ليوم أو يومين إلى منزل ذويها تحاول أن لاتعود لمرة ثانية إلى شقيقتها ولكنها لا تستطيع أن ترفض طلب والديها وأخويها وتضطر إلى العودة لمنزل أختها المريضة متحملة زوجها وهي مكرهة ……وهي محتارة بين أمور ثلاثة (الواقع الاجتماعي الذي يجرم المرأة لأتفه الأسباب….ووضعها باعتبارها مطلقة سابقاً وما يصاحب حالة الطلاق من أقاويل ……وبين حالة أختها المريضة)
– هنا يمكن التساؤل هل لهذه المرأة ذنب في مايرتكب بحقها، وهل هناك حالات يمكن للقانون أن يحميها دون أن تتعرض للقتل ؟ من هو الجاني ؟ المجتمع أم الأهل ؟ أم الجاني المحدد كشخص بعينه.؟
– فالقانون يقف على هذه الحالات الخطيرة ويعتبرها جنحوية وقد نص المشرع السوري في المادة /476/ ق.ع.س على مايلي:
” 1- السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات .

2- إذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية فلا تنقص العقوبة عن سنتين .

3- يمنع المجرم من حق الولاية وهنا  فقد قرر المشرع السوري عقوبة مشددة نسبياً لجرم السفاح مقارنةً مع الزنا وهي الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات ، وهي عقوبة جنحية طبعاًكما ذكرنا سابقاً.

أما القانون العقوبات الأردني في المواد /285-286/ عالج جريمة السفاح وشدّد العقوبة في هذه الجريمة ولم يتساهل لخطورة هذه الجريمة لأن الأصل أن يكون الإنسان أمين على نفسه في بيته وبين أهله وأقاربه المقربين فالفتاة التي تنام في بيت والدها تكون مطمئنة أن هذا البيت لا يحتاج إلى حماية وقد لا تصل فيها درجة الحرص إلى أخذ الاحتياطات اللازمة فقد تنام دون أن تغلق الباب عليها لأنها تعلم أن هذا البيت هو مصدر حمايتها ، ومن هنا جاء التشديد ولذلك نجد أن المشرع يعاقب مرتكب هذا الفعل بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات .

ولقد أضاف القانون حماية في حالة السفاح بين شخص وآخر خاضع لسلطته الشرعية والقانونية أو الفعلية بجعل الحد الأدنى 10 سنوات( ونجد أن المشرع الأردني انتهج نهجاً أفضل من المشرع السوري بتشديد عقوبة السفاح وذلك بجعلها 7 سنوات أشغال شاقة مؤقتة كحد أدنى وذلك لخطورة هذه الجريمة
كل ذلك تقف على الشكوى التي تقدمها المجني عليها وهي في ظل الظروف الاجتماعية التي ذكرناها سابقاً معدومة الإرادة تقريباً وهناك حالات قليلة جداً على مستوى سوريا ككل تقوم المجني عليها بالشكوى وقد حدد القانون السوري الشكوى بالشروط التالية:
1يجب أن تكون إرادة الشاكي حرة غير خاضعة لأي إكراه مادي او معنوي 2-يجب أن يكون الشاكي متمتعاً بالأهلية القانونية التي تؤهله لاقامة الشكوى أو الدعوى أمام القضاء .
3-يجب أن تتوافر في الشاكي الصفات التي يستلزمها المشرع حين يتقدم بالشكوى وهي تختلف من جريمة لأخرى
وتقدم الشكوى من أحد الأشخاص الذين ذكرهتم المادة (476) ق ع وهم (الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة( .

 بشرط أن يكونوا أحد المجني عليهم .
عندئذ تحرك النيابة العامة الدعوى ضد مرتكب الجرم أو الشريك أما إذا تم الإبلاغ عن الشريك لوحده فإن هذا لا يكفي بل يعتبر تنازلاً عن الدعوى فيستفيد الشريك من ذلك  إذ لا يمكن رفع الدعوى عليه وحده.
بعد هذا الاستعراض للقانون والواقع المعاش وفي ظل العباءة الرجولية لسلطة الذكر فهل هناك أمرأة تستطيع أن تقدم شكوى ما بحق أحد الذين ذكرتهم المادة (476) من قانون العقوبات السوري أسئلة برسم  القانون والدين والمجتمع  نطرحها ربما سيقف عليها المجتمع يوماً ويكون صريحاً مع ذاته قبل أن يكون صريحاً مع القانون ليلقى المجرم جزاءه.


كلنا شركاء 4/7/2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…