التقـرير السياسـي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

   أوردت وسائل الإعلام بأن المفاوضات السورية الإسرائيلية غير مباشرة، بإشراف تركيا، لا تزال تتواصل، وأن الجولة الثالثة منها سوف تجري قريباً في استانبول.

 ومع أن الرهان على نجاحها غير وارد الآن، نظراً لمعطيات الواقع السياسي في المنطقة، فإن هذه المفاوضات تعتبر تطوراً ملحوظاً في تحريك الأحداث، خاصة أنها تأتي في سياق تحرك إقليمي نشط بدأ في الدوحة، وامتد مؤخراً إلى سلة الحوافز الأوربية والأمريكية لإيران في موضوع الملفّات الخلافية معها، مثل الملف النووي ودورها في العراق ودعمها لمنظمات حماس وحزب الله
لكن ورغم تراجع فرص السلام حالياً فإن كل الإشارات الصادرة من دمشق وتل أبيب تشير إلى أن المفاوضات قطعت شوطا مهماً في القضايا الأساسية (الأمن – والحدود – والتطبيع – والمياه ) وأنها تحقّق للطرفين، إضافة للوسيط التركي، أهدافا خاصة، فبالنسبة لإسرائيل، فإن بعض المراقبين يعتبرون أن هذه المفاوضات قد تعتبر مؤشراً لاحتمال ضربة عسكرية إسرائيلية أو أمريكية، أو أمريكية- إسرائيلية للمنشات الإيرانية، وهي تأتي حسب هذا التحليل، في إطار تهدئة الجانب السوري، ومن ورائه كل من حزب الله وحماس في حال تنفيذ تلك الضربة التي تدل عليها زيادة الوجود العسكري الأمريكي في مياه الخليج والتدريبات التي يخوضها سلاح الجو الإسرائيلي لهذا الغرض..

ورغم وجود قراءة عكسية تتضمن احتمال عقد صفقة إيرانية إسرائيلية أمريكية شاملة، تأتي هذه المفاوضات في سياقها، فإن الاحتمالات السلبية تطغى على التحليل السياسي لهذا الموضوع، خاصة إذا علمنا أن التجربة أثبتت بأن الاستثمارات السياسية والانتخابية الداخلية في إسرائيل تتدخل الآن كعامل أساسي في إحياء المسار التفاوضي مع سوريا، وذلك في سياق ما تجري من صراعات حزبية داخل الائتلاف الحكومي، وتثبيت مكانة أولمرت المهتزة، ومعه باراك ..

ورغم أن الجولان فقد أهميته الأمنية بالنسبة للجيش الإسرائيلي بعد دخول الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ميدان القتال، فإن موضوع الانسحاب منه يعتبر قضية حسّاسة لا تزال تصطدم بمعارضة ثلاثة أرباع الإسرائيليين الذين قد يرضون مقابل الانسحاب بثمن فك الارتباط السوري مع إيران والكف عن دعم حزب الله الذي تضاعفت قدراته القتالية بعد حرب تموز 2006 وبات الحديث عن ضربة استباقية لتدمير قواته العسكرية يتردد في دوائر القرار الإسرائيلي في حال انتفاء إمكانية ضرب إيران، نظراً للانعكاسات الإقليمية الخطيرة واقتراب إدارة بوش من نهايتها، أو عدم التوصل مع سوريا إلى اتفاقية سلام ينهي دورها اللوجستي في تزويد حزب الله بالدعم الإيراني بوصفه العامل الأساسي في قوة الحزب .
  أما بالنسبة للجانب السوري، فإن المفاوضات لا تعني له مجرد استعادة الجولان، بل أنها قد تفتح الطريق إلى الحوار مع الإدارة الأمريكية التي يعتبر مشاركتها شرطاً أساسياً لضمان نجاح المفاوضات المباشرة، من وجهة النظر السورية، إضافة إلى ذلك، فإن هذا الجانب يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويعيش حالة من العزلة الدولية رغم محاولات الانفتاح التي برزت مؤخراً خاصة في الدوحة، التي كان لهذا الجانب مساهمة واضحة في توصل  الأفرقاء في لبنان الى اتفاق أريد منه التوقف عند انتخاب رئيس الجمهورية مقابل منح سوريا تأشيرة الانفتاح على أوربا من خلال البوابة الفرنسية حيث تحاول إدارة ساركوزي العودة الى استرجاع النفوذ الفرنسي عن طريق لبنان، كما تسعى لإنجاح المؤتمر الأورو – متوسطي، الذي سوف ينعقد في 13 تموز، ودعت إليه سورياً كعربون على تقدير موقفها المتجاوب في الدوحة، مما شكل إحباطاً لقوى الأكثرية في لبنان وتشجيعاً للمعارضة على التشدّد في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي تعترضها صعوبات جدية وخلافات على توزيع الحقائب الوزارية حيث يتمسّك الطرفان بمفاتيح هذه الحكومة، ويتسبب في تعادلهما سلبياً، وبقاء رئيس الجمهورية وحيداً ضمن دائرة الحياد، مما يحد من دوره في إنقاذ تأليف الحكومة من الفشل .
    أما الوسيط التركي في المفاوضات السورية الإسرائيلية، فإن أهدافه من هذا الدور تصب في لعب دور إقليمي، خاصة في هذه الظروف التي تتم فيها إعادة رسم خريطة المنطقة، مستفيداً في ذلك من خطأ الاعتراض السابق على تقديم تسهيلات للجيش الأمريكي في حرب العراق عام 2003، الذي أثر سلباً في حينه على تراجع الدور الإقليمي لتركيا، ومن هنا فإنه يرمي من مهمة الوساطة لتنشيط الدبلوماسية التركية على المستوى الدولي، إضافة إلى أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب آردوغان يحاول الآن مواجهة المصاعب الداخلية التي تعصف بحزبه الذي يواجه خطر الحظر، وذلك من خلال هذا الدور الذي يستمده من التوسط بين جهتين متصارعتين..

لكن يظل هناك جانب آخر يحفز الوسيط التركي هو أن السلام في الشرق الأوسط يمكّنه من تصدير المياه العذبة إلى كل من سوريا وإسرائيل، ولاسيما أن الصراع على المياه بات أحد الصعوبات الأساسية في طريق حل النزاع الشرق أوسطي، كما تأتي منافسة إيران وتحجم دورها كإحدى خلفيات توسط الجانب التركي، الذي لم يتمكن حتى الآن من الحصول على موطئ قدم في العراق الذي تنصب الاهتمامات فيه الآن على مناقشة (اتفاق التعاون والصداقة ) لتنظيم الوجود العسكري الأمريكي بعد انتهاء التفويض الدولي لهذا الوجود آخر العام الحالي، حيث تتباين آراء الكتل السياسية بشأن الاتفاق المذكور الذي تعيقه أمور عديدة، منها عدم استكمال المصالحة الوطنية، وافتقار الجيش العراقي للقوة الكافية، وكذلك الدخول الإيراني على خط الاتفاق، لأن استمرار هذا الوجود العسكري يحد من نفوذ نظام طهران ويشكل خطراً يتهدد إيران في ظل الأزمة الناشبة عن ملفها النووي .
   وفي الداخل السوري، ورغم الحديث عن ضرورة حصول انفراجات داخلية تواكب التطورات الإقليمية والدولية، التي تعني النظام في بعض جوانبها، خاصة ما يتعلق منها بالدور السوري في عملية تسهيل اتفاق الدوحة أو بالمفاوضات السورية الإسرائيلية، وما تتطلبه من ضرورة تعزيز الموقع التفاوضي للجانب السوري، فإن الأوضاع على الأرض لا تزال على حالها، من وجود أزمة اقتصادية خانقة ووضع معاشي متردّي وحريات مقموعة، فالإدارة السيئة للاقتصاد وسياسة القمع والاستبداد والأحوال الجوية والجفاف، إضافة لتبعات أزمة الغذاء العالمية، ساهمت جميعها في رسم صورة قاتمة للوضع الداخلي الذي يئن تحت وطأة حالة الطوارئ والتسلط الأمني والاعتقالات السياسية والملاحقات والمحاكم الصورية والأحكام الموجهة وقرارات منع السفر..

وكان يفترض بالسلطة خاصة بعد المباشرة بحل الأزمة اللبنانية على أساس التوافق الوطني، أن تقدم على معالجة الوضع الداخلي والتخفيف من حالة الاحتقان السائدة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم كوادر إعلان دمشق، والكف عن توريط القضاء المدني وتوظيفه في تنفيذ سياسة القمع ومصادرة حرية الرأي والتعبير، والإقرار بأن التغيير الديمقراطي السلمي هو حاجة وطنية ملحّة، بعد أن فشلت كل المراهنات القائمة على الإصلاح، الذي لم تر فيه السلطة سوى تغيير الحكم، والذي يجب أن يبدأ بإلغاء احتكار حزب البعث لقيادة الدولة والمجتمع في إطار دستور جديد يعيد دور السلطة التشريعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ويصون استقلال القضاء، وطرح مشروع قانون عصري لتنظيم عمل الأحزاب، وإفساح المجال أمام القيام بحملة واسعة لمكافحة الفساد الذي استفحل كثيراً، وتشعبت مخاطره في مختلف مؤسسات الدولة والقطاع العام، وذلك من خلال الاعتماد على الرقابة الشعبية وإطلاق الحريات الديمقراطية، والبحث عن السبل الكفيلة بإنقاذ المواطنين من خطر تردّي الوضع المعاشي، وخاصة خلال العام الحالي الذي يتعرّض فيه الأمن الغذائي الوطني للخطر، بسبب المساس بالأركان الأساسية للنظام الاجتماعي الذي اعتمد أصلاً على تقديم الدعم الحكومي للموارد الضرورية، مثل المازوت والخبز والرز والسكر، في ظل الأجور والرواتب المنخفضة لأصحاب الدخل المحدود والعاملين بالدولة، لكن رفع سعر المازوت بقرار غير متوازن ومقتطع عن المحيط الاقتصادي الاجتماعي، تسبّب في فلتان الأسعار واتساع دائرة البطالة وبروز شبح المجاعة التي باتت تهدد قطاعات واسعة، خاصة في المحافظات الشرقية المنكوبة- الحسكة – ديرالزور – الرقة- والتي نتج عنها نزوح جماعي لعشرات الآلاف من المواطنين المهاجرين، سواء إلى أوربا ولبنان والعراق، أو إلى ضواحي دمشق التي باتت مسكونة، ليس فقط بالفقر، بل كذلك بمختلف الأمراض الاجتماعية نتيجة غياب فرص العمل وأزمة السكن والحرمان من التعلم..

وفي هذا الإطار يبقى لجماهير شعبنا الكردي شأن آخر، حيث تتدخل السياسة الشوفينية لتتعاون مع الجفاف وسوء الإدارة في تأزيم الوضع المعاشي، خاصة في محافظة الحسكة التي تكاد العديد من القرى فيها أن تخلو من سكانها .
     وفي الساحة السياسية الكردية، فإن الاستدعاءات والتحقيقات الأمنية تتواصل في إطار الترهيب والتهديد الدائمين، وجاء التعميم الصادر عن مكتب الأمن القومي، والذي يقضي بمنع أي نشاط أو تجمع سلمي أو حراك ديمقراطي في المناطق الكردية، تعبيراً عن تصعيد السياسة الشوفينية وزيادة الضغط والتضييق على النضال الوطني الكردي، وإمعاناً في وضع المزيد من العراقيل أمام نضال الحركة الكردية التي تقف الآن أمام استحقاقات سياسية وتنظيمية تستدعي التحسب لتطورات قد تداهمها في وضع مشتت، والإسراع في التقدم نحو المرجعية الوطنية الكردية التي يشترط فيها أن تنبثق من مؤتمر وطني كردي يشارك فيه ممثلو الفعاليات الاجتماعية والثقافية بنسبة عادلة..

والى أن يتم ذلك، فإن حزبنا أكد في محافله على ضرورة العمل تحت قيادة المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي الذي يشكل نموذجاً لتلك المرجعية في إقراره بأن مشاركة تلك الفعاليات في صياغة القرار الكردي إلى جانب ممثلي الحركة الكردية تعتبر حاجة وطنية، ونعتقد بأن تنظيم من يمثلها في إطار المجالس المحلية والإكثار منها، يخدم مهمة تحويل السياسة الى شأن عام، بدلاً من الاحتكار الحزبي الخاص، مثلما يخدم مهمة التحضير لعقد المؤتمر الوطني المنشود …
في 2/7/2008
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…