هوشنك أوسي
الحديث عن الحال المزرية والبؤس الذي تعانيه الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، ذو شجون!.
وقد يأخذ الحديث حول هذه الحركة وغرائبها وعجائبها، نصف قرن آخر!.
فهل سمع أحدكم في تاريخ الفكر أو الفعل السياسي عن حزب واحد، تحوَّل إلى 13 حزب وأكثر!؟.
يخبرنا التاريخ: حين ينشَّق الحزب على نفسه في هذا العالم، قد يتحوَّل إلى حزبين، أو ثلاثة، أو أربعة أو خمسة…، لكن، أن يصبح 13 أو 14 حزب، فهذا ما لا يمكن تسجيله إلاّ في كتاب غينيس للأرقام القياسيَّة!.
انقسام كهذا، لا يمكن تشبيهه بـ”الانقسام الخلوي” الذي ينشئ الأنسجة في جسم الإنسان، بل، هو أقرب وأشبه بانقسام الخلايا السرطانيَّة، التي أنهكت وأتلفت الجسم السياسي الكردي والمجتمع الكردي السوري على حدٍّ سواء!.
حين انشَّق السيّد فؤاد رشاد عليكو، عن حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية، بزعامة صلاح بدرالدين، وأعلن اتحاد شعبه الخاص به، قام عليكو بعقد سلسلة من الندوات، شارحاً ومبرراً ومفسِّراً فيها أسباب انشقاقه عن بدرالدين.
وفي إحدى الندوات، أشهر وثيقة، هي عبارة عن بطاقة شخصيَّة، “هويَّة”، لصلاح بدرالدين، قائلاً: إن الأخير، “عميل للمخابرات الألمانيَّة، وللمخابرات العراقيَّة”.
وحين سُئلَ عليكو عن “سبب بقائه تحت زعامة بدرالدين، طيلة هذه المدَّة، وهو تعلم بأنه عميل”!؟.
لوا عليكو شدقيه، مغمغماً مهمهماً متبرِّماً، محاولاً إيجاد مبرر لذلك، دون جدوى!.
واتَّحد عليكو مع اسماعيل عمُّو، (اسماعيل عمر)، مشكِّلاً حزب الوحدة….يكيتي.
ثمَّ انشقَّ عنه أيضاً، متَّهماً زعيمه الجديد (اسماعيل عمّو) بالتسلُّط والاستئثار بالقيادة.
طبعاً، قام عليكو مرَّة أخرى بعقد سلسلة ندوات، ليشرح فيها أسباب انشقاقه، مهاجماً زعيمه السابق، اسماعيل عمر، لكن، ليس بالجرعة التي كان يهاجم بها زعيمه الأسبق بدرالدين!.
فؤاد عليكو، مع اليساريين، ماركسي حتّى النخاع، ويوحي إليك، وكأنه قد كتب البيان الشيوعي مع كارل ماركس!.
ومع القوميين، قومي حتَّى النخاع، ومع المتدينين، متدّيّن، وينقصه إطلاق اللحى والسبحة ذات المئة والحبَّة والعمامة والجُبَّة، ومع اللبراليين، لبرالي، إلى ما بعد اللبراليَّة!.
إذن، هو يشبه كلَّ شيء، ولا شيبه أيّ شيء!.
يؤرِّقه حلم وهاجس القيادة، في أن يأتي اليوم الذي يدَّون فيه اسمه في عداد القادة الأكراد، ذوو الصولات والجولات!.
فؤاد عليكو، فعل سياسي منعكس، منقاد بنزعة الانشقاق.
وإنْ لم يجد أحد ينشقّ عليه، فقد ينشقّ على نفسه!.
فمَنْ مِن الأحزاب الكرديَّة باتت تأمن لعليكو، إنْ هو طرح عليها الانضمام أو الاندماج معها؟!.
والحقُّ أن إحدى عجائب وغرائب وطرائف هذه الحركة بامتياز، هو السيّد فؤاد عليكو!.
حال الأحزاب الكرديَّة كحال النظام السوري!.
صوتها رخيم، وفعلها سقيم.
والخشية والطامّة الكبرى أن يأتي اليوم الذي نقول فيه: إن إصلاحها عقيم.
أحزابٌ صغيرة، هي أقرب للعشيرة والعائلة منها إلى التعبير السياسي النشط الفاعل، الذي يخلق الأحداث!.
الزعيم فيها آبدٌ خالد، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
وحين يُسأل أحد زعمائها: “أما آن لك أن تترجَّل من على صهوة الزعامة الوهميَّة!!؟”.
يردُّ عليك، بمنتهى الصفاقة، وعلى طريقة قادة النظم الشموليَّة: “أكثر من مرَّة، قدَّمت استقالتي، لكن الرفاق في المؤتمر، رفضوها، وبـ99،99 من الأصوات، وأعادوا ترشيحي لقيادة الحزب!”.
أحد محازبي هذه الأحزاب، خانه خطأه في الكشف عنه، إذ توارى مراراً خلف اسم مستعار، ومهاجماً كاتب هذه السطور، بـ”شدوه السلسبيليّ الحنون”!.
والخطأ ذاك، هو استخدامه لحركة المدَّ “آ” في اللغة العربيَّة، بدلاً من تنوين النصب “اً”، وإذ به يكتب “حزبآ”، بدلاً من “حزباً”، وهكذا دواليك، على سبيل المثال لا الحصر.
وعليه، فقد فضحه خطأه هذا، إلى جانب ركاكة مدوَّناته، باسمه المستعار، حين تمَّ مقارنتها بالتي كتبها ونشرها باسمه الحقيقي!.
والحقُّ أن ما كتبه خلف اسم مستعار، كان أكثر جهلاً وغيَّاً وبغضاً وكراهية وعدوانيَّة…، مما كتبه باسمه الصريح!.
فماذا يرتجى من هكذا بشرٍ منكوبين كحال أحزابهم المنكوبة بهم، آفتهم الإفك والضلال والدجل والنفاق!؟.
هذا “الحقيقيُّ” المستعار، والمستعارُ “الحقيقيّ”، أطلق مشروعه لحلّ أزمة أحزابه المنكوبة، حاصراً رأيه ضمن الأحزاب المجتمعة تحت سقف الأطر الثلاث: “جبهة، تحالف، تنسيق”، دون التعريج على ما هو خارج هذه الأطر، بخاصَّة، عشرات، وبل مئات الألوف من أكراده السوريين، ممن لا يشاطرونه في الرأي، الذين اختاروا فكر وطروحات السيّد عبدالله أوجلان في حلّ القضيّة الكرديَّة في الشرق الأوسط منهجاً، والحراك السياسي الوطني السوري السلمي الديمقراطي خياراً نضاليَّاً، فماذا عن هؤلاء!؟.
هل نرميهم في البحر!؟، أم تنتظر هذه الأحزاب، والبعض من كتبتها الأفاضل، أن تؤوب هذه الألوف المؤلَّفة إلى بِرك ومستنقعات هذه الأحزاب، تائبةً نادمةً، طالبة العفو والمغفرة، لأنها ابتعدت عقدين من الزمن عن تطاحن وتشاحن وتناحر هذه الأحزاب الرثَّة!؟.
بعد احتفالات أبناء شعبنا الكردي في سورية بعيد النوروز، وعدم اكتراث قواعد الأحزاب الكرديَّة ببيان “الحداد الكاذب” الذي أعلنته الأحزاب الكرديَّة في سورية، قام وفد من التحالف والجبهة، وبـ”اقتراح” من السيّد عبدالحميد درويش، القيام بجولة، على بعض المناطق الكرديَّة في محافظة الجزيرة، واللقاء ببعض الفعَّاليات الآشوريَّة والعربيَّة، في مسعى التبرئة من حاملي الرايات الكرديَّة، وصور قادة الكرد وشهدائهم.
وضمَّ الوفد كل من السادة: “عبدالحميد دوريش، وإسماعيل عمر، عبدالحكيم بشَّار، طاهر صفوك”، وكلَّهم قادة أحزاب كرديَّة.
وبات متوقَّعاً أيَّ شيء من هذه الأحزاب، حين نراها، تضمَّ رموز بعض العشائر العربيَّة التي نهبت بيوت ومحال الكرد في الحسكة والقامشلي ورأس العين كـ”محمد فارس” من عشيرة طيّ العربيَّة، والمتَّهم بقتل نوري ابراهيم باشا الملّي، (ابن الحلو من عشيرة عدوان العربيَّة”، إلى قائمة “الوطنيين والديمقراطيين السوريين، الذين ينبغي إقناعهم بأنْ لا علاقة لهذه الأحزاب بحاملي الرايات الكرديَّة وصور قادة الكرد وشهدائهم!.
والحال هذه، أقصر الطرق لإرضاء مكتب الأمن القومي السوري، وإقناع الجهات الأمنيَّة، وطمأنتها بأن الأحزاب الكرديَّة بريئة من حاملي الرايات والصور، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، هو إقناع وإرضاء بعض الجهات والقوى الشوفينيَّة، و”الجنجويد” في محافظة الحسكة!؟.
نعم، وظيفة هذه الأحزاب الأولى حاليَّاً، هي ليس فقط إبراء ذمَّتها من حملة الرايات الكرديَّة وصور قادة الكرد (أوجلان) وصور شهداء الكرد، وبل الطعن في وطنيَّة هؤلاء الأكراد السوريين، والتشهير بهم، ووصفهم بالغرباء والمتطرِّفين!.
حين كان الوفد الكردي العرمرم (تحالف وجبهة) يجوب على عجر وبجر العرب والآشرويين في محافظة الحسكة، وبتوجيه حكيم وسديد من السيّدين حميد درويش واسماعيل عمر، وفي مسعى أخذ التبرئة من العرب والآشوريين، وخلق “الطمأنة” لديهم، كان الوفد يقول لهم، بما معناه: “أنتم المسؤولون عن طيش وشغب وعبث وتطرُّف هؤلاء.
أنتم من قمتم بحمايتهم بين أحضانكم.
وياما حذرناكم منهم!.
والآن، تشتكون منهم!”.
فهل بقي حقدٌ وكيدٌ أبلغ من هذا اتجاه معتنقي أفكار أوجلان ومناصريه، توزَّعه هذه الأحزاب، بالجملة والمفرَّق، هنا وهناك!.
الناظر لهذا الحقد والكيد، يخيّل له: أنه لو كانت الحدود التركيَّة، تضمُّ محافظة الحسكة، ولم يكن هنالك شيء اسمه كردستان سورية، لربما حملت هذه الأحزاب _ القبائل، السلاح في وجه حزب العمال، شأنها شأن “حماة القرى” المرتزقة في تركيا، لشدَّة الحقد الذين تكنَّه للعمال الكردستاني!.
الاختلاف في وجهات النظر، والتباين الفكري والإيديولوجي والسياسي بين الأفرقاء الساسيين، أمرٌ لا مناص منه، ومصدر للثراء والغنى والتنوُّع والاختلاف المجتمعي.
على ألاَّ يكون مقروناً بأحقاد مزمنة، مقيتة، مستبطنة، تطفو على السطح، ما أن تمَّ توجيه النقد لهذا المعشر أو ذاك.
في لبنان، انزلق الاختلاف والتباين الفكري والسياسي والمذهبي إلى التطاحن وحمل السلاح، وقتل العشرات وجرح المئات من بعض، والاصطفاف الإقليمي، وخدمة أجندات خارجيَّة متعارضة…الخ، لكن، في نهاية المطاف، هم لبنانيون، يتخاصمون ويتصالحون، ينقلبون على بعضهم، ويأتلفون فيما بينهم في حكومات وطنيَّة وبرلمانات وجمعيَّات أهليَّة ومدنيَّة…الخ!.
أمَّا في حال الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، فلا تستطيع الفكاك عن أحقادها المزمنة من حزب العمال الكردستاني وزعيمه، حتَّى بعد كل المتغيّرات التي طرأت على العمال الكردستاني!.
وخير دليل بسيط هذا هذا الأمر، الهجمات التي تتعرض لها فضائيَّة “روج تي في” من قبل ألمانيا.
إذ لم نجد حزباً كرديَّاً سوريَّاً أصدر بياناً مندداً بالقرار السياسي الذي أصدرته الداخليَّة الألمانية حيال حظر نشاط “روج تي في” على الأراضي الألمانيَّة!؟.
وكأن الأمر، لا يعني هؤلاء الأكراد!؟، وكأن هذا المنبر الإعلامي الكردستاني المستهدف، ليس يعني أمره شيئاً بالنسبة لهؤلاء النبلاء الأفذاذ من محزابي وقادة وكتَّاب الأحزاب الكرديَّة السوريَّة!!؟.
فلو كان قرار الداخليَّة الألمانيَّة يستهدف “كردسات أو كردستان تي في، أو زاغورس، أو أيَّ منبر إعلامي آخر، تابع أو مقرَّب من كردستان العراق، لبدأ سيلان البيانات والتنديدات والشجب والندب تلعلع، ولبدأ التباري المحموم من قبل هذه الأحزاب وكتبتها، في عملية تسجيل المواقف في سوق المزايدات والمضاربات الوطنيَّة والثقافيَّة!!؟.
أمَّا “روج تي في”، فهي قناة تابعة لـ”قبائل الزولو”، ولا علاقة لها بالكرد وكردستان، وعليه فلتذهب للجحيم!!؟.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إنْ دارت الأيَّام، وخيّرت هذه الأحزاب، بين ضمّ المناطق الكرديَّة السوريَّة إلى كردستان العراق أم لكردستان تركيا، فسيختارون كردستان العراق، خلافاً لمنطق الجغرافيا التي تعتبر كردستان سورية تتمة جغرافيَّة لكردستان تركيا، لسبب بسيط جدَّاً، هو منسوب الكيد والحقد العالي الذي تكنُّه هذه الأحزاب لحزب العمال وزعيمه أوجلان!، من جهة، ومن جهة أخرى، أن ولاء ومزاج هذه الأحزاب، كان ولا زال ميَّالاً لكردستان العراق.
وحتّى لو “حرر” لهم حزب العمال كردستان تركيا وكردستان إيران، فلن تكون فرحتهم بهذا الإنجاز، تضاهي فرحتهم بكردستان العراق وقياداتها!.
سؤال آخر يطرحه نفسه هنا: ما هو السبب الكامن وراء معاداة هذه الأحزاب لحزب العمال وزعيمه، ومناصريه من الأكراد السوريين الذين ينضوون تحت سقف حزب الاتحاد الديمقراطي!؟.
هل هو حقَّاً علاقات العمال الكردستاني مع النظام السوري سابقاً!؟.
حين أعلن حزب العمال الكفاح المسلّح ضدَّ النظام التركي في 15/8/1984، وقَّعت هذه الأحزاب، ما عدى الحزب الديمقراطي الكردي السوري، على بيان تنديد وشجب بهذه الخطوة، واصفة إيَّاها بالطيش والتهوّر والمغامرة، وخدمة الامبرياليَّة…الخ!.
وحين أعلن أوجلان وحزبه وقف إطلاق النار، دون إلقاء السلاح، قالت هذه الأحزاب: “أرأيتم كيف انهزم أوجلان واستسلم لمنطقنا، في حلّ القضايا بالطرق السلميَّة!”.
وحين تراجع الخيار المسلَّح لدى حزب العمال من الاستراتيجي إلى التكتيكي، قالوا: “لا، إن هذا تشجيع على زيادة غطرسة الشوفينيين الأتراك”.
وحين رفع حزب العمال شعار الدولة القوميَّة، قالو: “وهمٌ وحلمٌ، لن يتحقق، ولعبٌ بالعواطف، وتغريرٌ بالشباب”.
وحين نادى حزب العمال بالدولة الوطنيَّة الديمقراطيَّة، قالوا: حلم ووهم ويوتوبيا، أنه إفراطٌ بالحقوق وتصفية للقضيَّة، وانهزام واستسلام…!.
حين كان أوجلان وحزب العمال في سورية، كانت هذه الأحزاب تطالب برحيل أوجلان وحزبه، وتتهمه بأشنع التهم، وتطالب حزب العمال وزعيمه بنقد النظام السوري.
وحين خرج أوجلان وحزب العمال من سورية، وبدأ ينتقد النظام السوري، ويطالب بحقوق الديمقراطيَّة الوطنيَّة للشعب الكردي في تركيا، وينظم الجماهير الكرديَّة السوريَّة، ويعلِّمهم ثقافة التظاهر السلمي، قالت هذه الأحزاب: “كذب وتحايل ولعب بالعواطف، وتطرُّف”.
والأخطر والأدهى والأنكى من هذا، إن مسلك وخطّ وتوجُّه الكثير من هذه الأحزاب، بات متقاطعاً مع مسلك وخطّ وتوجُّه النظام السوري حيال التعاطي مع حزب العمال، ورديفه الكردي السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي!.
حين تُخضِع هذه الأحزاب للمساءلة والنقد، دعياً إيَّاها للمراجعة ونقذ الذات، ودفن أحقاد المزمنة من حزب العمال، والاعتراف بالكتلة السياسيَّة الكرديَّة السوريَّة النشطة والفاعلة، الموالية لأفكار اوجلان، يردُّ بعض الناقمين الجهلة: أوجلان قال في تصريح سابق كذا وكذا…!!؟.
نموذجاً، دائماًَ يستذكرون تصريح السيّد أوجلان في حواره مع نبيل ملحم (قائد وشعب: سبعة أيام مع آبو)، والذي قال فيه أن “غالبيَّة الأكراد السوريين هجروا من تركيا على سورية”، على أن هذا التصريح، هو نفي للوجود الكردي تاريخيَّاً في سورية.
وطبعاً، تصريح أوجلان، لم يكن نفياً للوجود الكردي، بدليل أن استخدم مفردة “غالبيَّة”، ولم يقل: “كل” أكراد سورية.
وهذا التصريح، وما عدم اتفاقي معه فيه، إلاَّ أنه قابل للأخذ والردَّ، في إطار الخوض في حقيقة أصول الكثير من القبائل والعشائر الكرديَّة السوريَّة.
مثلاً: عشيرة الأستاذ عبدالحميد درويش “آزيزان”، تعيد أصولها إلى شرف خان البدليسي، ولعبدالعزيز بدرخان، حسب ما أظنّ.
وعشائر الكوجر الرحُّل، الذي كانت تنتقل من الشمال إلى الجنوب، وقد لا يعود استقرارها في مناطق ديرك الحاليَّة بعد من مئة وخمسين سنة.
والكثير من العشائر الكرديَّة التي هاجرت من مناطق سرحد ووان وآمد وماردين… إلى سورية.
فضلاً عن العشرات من العوائل الكرديَّة الدمشقيَّة الحاليَّة كـ”الوانلي، المتيني، الملّي، الظاظا، الكرجوسلي، الدياربكرلي، المارديني، الأورفلي، البادكي، الموشي، الديركي (ديرك جبل مازي)، البارافي، الحسني، الحيدري…”، التي تشير إلى مناطق وعشائر كردستان تركيا.
كتبة الأحزاب الكرديَّة، يستوقفهم التصريح الآنف الذكر لأوجلان، ولا يستوقفهم تصريح آخر منشور في نفس الكتاب، حين يدعو أوجلان الحكومة السوريَّة إلى حل القضيَّة الكرديَّة بشكل سلمي وعادل، والتحاور مع الأكراد، ومنح حق الإدارة المحليَّة الذاتيَّة للشعب الكردي السوري، وإن الأكراد في سورية كانوا دوماً سنداً لهذا البلد، ومساهمين في تأسيسه…الخ!.
هذه الأقوال، يتعامون عنها!.
ويقولون: أن أوجلان مدح الرئيس الراحل حافظ الأسد، في حين يتعامون عن مدائح طالباني وبارزاني العديدة والمديدة للنظام السوري وزعيمه الراحل والحالي!.
يقولون: إن العمال الكردستاني، قد سطى على إرثهم!!، ولا يشيرون لماهيَّة وطبيعة وحجم هذا الإرث العريق والعظيم من الإنجازات!!؟.
يقولون: أوجلان نكر وجود الشعب الكردي في سورية، ويتناسون أن الحركة الحزبيَّة الكرديَّة قد أمضت عقد السبعينات، في مناقشة: هل الأكراد في سورية شعب أم جاليَّة!!؟.
يتحدثون غزييييراً عن الالتزام الوطني السوري، واستحقاقاته النضاليَّة الواجب إيفاءها من قبل الأحزاب الكرديَّة، ويصفون الأكراد الموجودين في دمشق وحلب بـ”الجالية الكرديَّة” في هاتين المدينين، وكأنهما مدن بلد آخر، وليس عاصمة ومدن الوطن السوري الذي تحت سقفه يلتئم شمل المواطنة السورية (الكرديَّة، والعربيَّة، الآشوريَّة، الشركسيَّة…)!!؟.
هم لا يعلمون أن مفهوم “الجاليَّة” لا ينطبق على الأكراد السوريين الموجودين في مدن وطنهم السوري!.
وإن استخدام مفهوم الجاليَّة، لا يطلق إلا على من تحقق عليه شرط الهجرة الطوعيَّة أو القسريَّة من بلده إلى بلد آخر، لا من منطقة إلى منقطة أخرى ضمن بلده.
ووفق وجهة نظر السالفة لبعض مثقفين وقياديين هذه الأحزاب، يجوز لنا إطلاق هذا الوصف على الجاليَّة العربيَّة في المدن الكرديَّة، او الجاليَّة العلويَّة او الإسماعيليَّة أو الدرزيَّة في القامشلي!!؟.
يتحدثون كثيراً عن اللُّحمة الوطنيَّة والتلاحم الوطني، في دولة المواطنة والقانون، وفي نفس الوقت: يقولون: “لا زلنا في طور التحرر”، دون الإشارة إلى التحرر من ماذا!؟.
أمن السلطة السوريَّة أم من الجهل أم من الفقر…أم من ماذا!!؟.
الكثير من الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، تتشدَّق بالوطنيَّة السوريَّة، لكنها تتجنَّب النشيد الوطني والعلم الوطني السوري في اجتماعاتها!.
ويظنُّ البعض من محازبي هذه الأحزاب، أن منسوب الانتماء أو الهويَّة القوميَّة لهذه الأحزاب، تقاس بضرورة وجود مفردة “الكردي” في اسم أيّ حزب كردي، حتَّى نتأكَّد من كونه حزباً كرديَّاً!.
وهنا، الكثير من منتسبي هذه الأحزاب، تعيب على حزب الاتحاد الديمقراطي عدم وجود مفردة “الكردي” في اسمه.
وعليه، فهو حزب ليس بكردي.
وكاتب هذه السطور، وجَّه فيما مضى نقداً كهذا لهذا الحزب.
لكن، فيما بعد، تيقَّنت بأن هذا الاسم، ودون ذكر مفردة “الكردي” في اسم الحزب، تقلل من توجُّس العربي والآشوري والسرياني من الانتساب لهذا الحزب أو التواصل معه، لأنه ليس حزب قوميَّة معنيَّة، بحدِّ ذاتها.
وعليه، تبقى أبواب هذا الحزب مفتوحة للعربي وباقي الأقليَّات القوميَّة الأخرى للانتساب إليه، إنْ هو أعجب ببرنامج هذا الحزب!.
وإن تحرِّيت وتقصِّيت في ماضي وحاضر الحركة الحزبيَّة الكرديَّة السوريَّة، لن تجد عربيَّاً أو آشوريَّاً قد انتسب لهذه الأحزاب، وشارك الأكراد نضالهم.
في حين، نجح حزب العمال في استقطاب العشرات من العرب والسريان والأرمن، والمئات من الأتراك والفرس على نضاله، والاستشهاد لأجل حقوق الأكراد، الشهيد عزيز من حلب نموذجاً، (ابن عم الكاتب والروائي السوري خالد خليفة)، والشهيد مظلوم من حمص، وكلاهما من المناضلين العرب السوريين الذين سقطوا شهداء في سبيل نصرة القضيَّة الكرديَّة.
حتى بعد تحوَّل الوئام بين حزب العمال والنظام السوري إلى خصام، ثم إلى صِدام، لم يسع حزب العمال إلى استثمار كتلته الجماهيريَّة الكبيرة في سورية، (تواجد هذه الكتلة في كل أماكن سورية من أقصاها قصاها)، على الثأر والانتقام من سورية، والتخابر مع الجهات المعادية لسورية، التي عقدت اتفاقات أمنيَّة ضد حزب العمال والقضيَّة الكرديَّة في تركيا، وتشكِّل تحالفاً ثلاثيَّاً مع كل من إيران وتركيا، مناهض للحقوق الكرديَّة حتى ولو كان في جزر المالديف!.
كان بإمكان حزب العمال، أثناء وجود زعيمه في سورية، وبعد خروج زعيمه منها، أن يكون ممرَّاً للمؤامرات المعاديَّة لسورية، لكن هذا الحزب رفض سابقاً وحاليَّاً ولاحقاً ذلك.
في حين أن علاقة صلاح بدرالدين مع النظام العراقي السابق، لم تعد خافية عن أحد، وعلاقة حميد درويش مع نفس النظام، هي محل شكَّ وشبهة، كانت هاتين العلاقتين ضد النظام السوري!.
وعليه، من الذي يجب أن يعطي دروساً في الوطنيَّة والانتماء والولاء الوطني!.
لكن، ما هو بات مفروغاً منه؛ إنه شتَّان بين خدمة أجندة النظام السوري، وخدمة الأجندة الوطنيَّة السوريَّة!.
فبعد الأحزاب الكرديَّة، قد سمحت لنفسها أن تكون ممراً لأجندة النظام السوري، بداعي الهموم والشجون والشوؤن الوطنيَّة السوريَّة!.
الكثير من قادة هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، باتت تردد كالببغاوات كلام قادة كردستان العراق عن حزب العمال وتركيا.
فحين يمدح مام جلال طالباني ونيجيرفان بارزاني ديمقراطيَّة تركيا وأردوعان وحزب العدالة والتنمية، نجد ان بعض هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة وقادتها وكتبتها يرددون نفس الكلام!.
ورغم أن حزب العمال، لم يدعم أيّ انشقاق حدث بين الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، ورغم أن حزبا كردستان العراق (الديمقراطي والاتحاد الوطني) دعما العديد من العمليات الانشقاقيَّة، إلا أن بعض هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، وبتوجيه من طالباني، وجهات أخرى، دعمت وآزرت وسوَّقت لبعض المجموعات المشبوهة المنشقَّة عن حزب الاتحاد الديمقراطي، التي تعمل كدكَّان سياسي لدى الاتحاد الوطني الكردستاني!.
على ضوء ما سلف؛ حاضر الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، هو مرآة تعكس ماضيها!.
ولن يقوم للشعب الكردي السوري قائمة، ما دامت هذه الحركة بعيدة عن النقد الذاتي والإصلاح الداخلي، وبقيت رهنية الأحقاد والضغائن والمساومات والصفقات والمزايدات والمناقصات والمؤامرات والمكائد.
دمشق 3/7/2008
وفي إحدى الندوات، أشهر وثيقة، هي عبارة عن بطاقة شخصيَّة، “هويَّة”، لصلاح بدرالدين، قائلاً: إن الأخير، “عميل للمخابرات الألمانيَّة، وللمخابرات العراقيَّة”.
وحين سُئلَ عليكو عن “سبب بقائه تحت زعامة بدرالدين، طيلة هذه المدَّة، وهو تعلم بأنه عميل”!؟.
لوا عليكو شدقيه، مغمغماً مهمهماً متبرِّماً، محاولاً إيجاد مبرر لذلك، دون جدوى!.
واتَّحد عليكو مع اسماعيل عمُّو، (اسماعيل عمر)، مشكِّلاً حزب الوحدة….يكيتي.
ثمَّ انشقَّ عنه أيضاً، متَّهماً زعيمه الجديد (اسماعيل عمّو) بالتسلُّط والاستئثار بالقيادة.
طبعاً، قام عليكو مرَّة أخرى بعقد سلسلة ندوات، ليشرح فيها أسباب انشقاقه، مهاجماً زعيمه السابق، اسماعيل عمر، لكن، ليس بالجرعة التي كان يهاجم بها زعيمه الأسبق بدرالدين!.
فؤاد عليكو، مع اليساريين، ماركسي حتّى النخاع، ويوحي إليك، وكأنه قد كتب البيان الشيوعي مع كارل ماركس!.
ومع القوميين، قومي حتَّى النخاع، ومع المتدينين، متدّيّن، وينقصه إطلاق اللحى والسبحة ذات المئة والحبَّة والعمامة والجُبَّة، ومع اللبراليين، لبرالي، إلى ما بعد اللبراليَّة!.
إذن، هو يشبه كلَّ شيء، ولا شيبه أيّ شيء!.
يؤرِّقه حلم وهاجس القيادة، في أن يأتي اليوم الذي يدَّون فيه اسمه في عداد القادة الأكراد، ذوو الصولات والجولات!.
فؤاد عليكو، فعل سياسي منعكس، منقاد بنزعة الانشقاق.
وإنْ لم يجد أحد ينشقّ عليه، فقد ينشقّ على نفسه!.
فمَنْ مِن الأحزاب الكرديَّة باتت تأمن لعليكو، إنْ هو طرح عليها الانضمام أو الاندماج معها؟!.
والحقُّ أن إحدى عجائب وغرائب وطرائف هذه الحركة بامتياز، هو السيّد فؤاد عليكو!.
حال الأحزاب الكرديَّة كحال النظام السوري!.
صوتها رخيم، وفعلها سقيم.
والخشية والطامّة الكبرى أن يأتي اليوم الذي نقول فيه: إن إصلاحها عقيم.
أحزابٌ صغيرة، هي أقرب للعشيرة والعائلة منها إلى التعبير السياسي النشط الفاعل، الذي يخلق الأحداث!.
الزعيم فيها آبدٌ خالد، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
وحين يُسأل أحد زعمائها: “أما آن لك أن تترجَّل من على صهوة الزعامة الوهميَّة!!؟”.
يردُّ عليك، بمنتهى الصفاقة، وعلى طريقة قادة النظم الشموليَّة: “أكثر من مرَّة، قدَّمت استقالتي، لكن الرفاق في المؤتمر، رفضوها، وبـ99،99 من الأصوات، وأعادوا ترشيحي لقيادة الحزب!”.
أحد محازبي هذه الأحزاب، خانه خطأه في الكشف عنه، إذ توارى مراراً خلف اسم مستعار، ومهاجماً كاتب هذه السطور، بـ”شدوه السلسبيليّ الحنون”!.
والخطأ ذاك، هو استخدامه لحركة المدَّ “آ” في اللغة العربيَّة، بدلاً من تنوين النصب “اً”، وإذ به يكتب “حزبآ”، بدلاً من “حزباً”، وهكذا دواليك، على سبيل المثال لا الحصر.
وعليه، فقد فضحه خطأه هذا، إلى جانب ركاكة مدوَّناته، باسمه المستعار، حين تمَّ مقارنتها بالتي كتبها ونشرها باسمه الحقيقي!.
والحقُّ أن ما كتبه خلف اسم مستعار، كان أكثر جهلاً وغيَّاً وبغضاً وكراهية وعدوانيَّة…، مما كتبه باسمه الصريح!.
فماذا يرتجى من هكذا بشرٍ منكوبين كحال أحزابهم المنكوبة بهم، آفتهم الإفك والضلال والدجل والنفاق!؟.
هذا “الحقيقيُّ” المستعار، والمستعارُ “الحقيقيّ”، أطلق مشروعه لحلّ أزمة أحزابه المنكوبة، حاصراً رأيه ضمن الأحزاب المجتمعة تحت سقف الأطر الثلاث: “جبهة، تحالف، تنسيق”، دون التعريج على ما هو خارج هذه الأطر، بخاصَّة، عشرات، وبل مئات الألوف من أكراده السوريين، ممن لا يشاطرونه في الرأي، الذين اختاروا فكر وطروحات السيّد عبدالله أوجلان في حلّ القضيّة الكرديَّة في الشرق الأوسط منهجاً، والحراك السياسي الوطني السوري السلمي الديمقراطي خياراً نضاليَّاً، فماذا عن هؤلاء!؟.
هل نرميهم في البحر!؟، أم تنتظر هذه الأحزاب، والبعض من كتبتها الأفاضل، أن تؤوب هذه الألوف المؤلَّفة إلى بِرك ومستنقعات هذه الأحزاب، تائبةً نادمةً، طالبة العفو والمغفرة، لأنها ابتعدت عقدين من الزمن عن تطاحن وتشاحن وتناحر هذه الأحزاب الرثَّة!؟.
بعد احتفالات أبناء شعبنا الكردي في سورية بعيد النوروز، وعدم اكتراث قواعد الأحزاب الكرديَّة ببيان “الحداد الكاذب” الذي أعلنته الأحزاب الكرديَّة في سورية، قام وفد من التحالف والجبهة، وبـ”اقتراح” من السيّد عبدالحميد درويش، القيام بجولة، على بعض المناطق الكرديَّة في محافظة الجزيرة، واللقاء ببعض الفعَّاليات الآشوريَّة والعربيَّة، في مسعى التبرئة من حاملي الرايات الكرديَّة، وصور قادة الكرد وشهدائهم.
وضمَّ الوفد كل من السادة: “عبدالحميد دوريش، وإسماعيل عمر، عبدالحكيم بشَّار، طاهر صفوك”، وكلَّهم قادة أحزاب كرديَّة.
وبات متوقَّعاً أيَّ شيء من هذه الأحزاب، حين نراها، تضمَّ رموز بعض العشائر العربيَّة التي نهبت بيوت ومحال الكرد في الحسكة والقامشلي ورأس العين كـ”محمد فارس” من عشيرة طيّ العربيَّة، والمتَّهم بقتل نوري ابراهيم باشا الملّي، (ابن الحلو من عشيرة عدوان العربيَّة”، إلى قائمة “الوطنيين والديمقراطيين السوريين، الذين ينبغي إقناعهم بأنْ لا علاقة لهذه الأحزاب بحاملي الرايات الكرديَّة وصور قادة الكرد وشهدائهم!.
والحال هذه، أقصر الطرق لإرضاء مكتب الأمن القومي السوري، وإقناع الجهات الأمنيَّة، وطمأنتها بأن الأحزاب الكرديَّة بريئة من حاملي الرايات والصور، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، هو إقناع وإرضاء بعض الجهات والقوى الشوفينيَّة، و”الجنجويد” في محافظة الحسكة!؟.
نعم، وظيفة هذه الأحزاب الأولى حاليَّاً، هي ليس فقط إبراء ذمَّتها من حملة الرايات الكرديَّة وصور قادة الكرد (أوجلان) وصور شهداء الكرد، وبل الطعن في وطنيَّة هؤلاء الأكراد السوريين، والتشهير بهم، ووصفهم بالغرباء والمتطرِّفين!.
حين كان الوفد الكردي العرمرم (تحالف وجبهة) يجوب على عجر وبجر العرب والآشرويين في محافظة الحسكة، وبتوجيه حكيم وسديد من السيّدين حميد درويش واسماعيل عمر، وفي مسعى أخذ التبرئة من العرب والآشوريين، وخلق “الطمأنة” لديهم، كان الوفد يقول لهم، بما معناه: “أنتم المسؤولون عن طيش وشغب وعبث وتطرُّف هؤلاء.
أنتم من قمتم بحمايتهم بين أحضانكم.
وياما حذرناكم منهم!.
والآن، تشتكون منهم!”.
فهل بقي حقدٌ وكيدٌ أبلغ من هذا اتجاه معتنقي أفكار أوجلان ومناصريه، توزَّعه هذه الأحزاب، بالجملة والمفرَّق، هنا وهناك!.
الناظر لهذا الحقد والكيد، يخيّل له: أنه لو كانت الحدود التركيَّة، تضمُّ محافظة الحسكة، ولم يكن هنالك شيء اسمه كردستان سورية، لربما حملت هذه الأحزاب _ القبائل، السلاح في وجه حزب العمال، شأنها شأن “حماة القرى” المرتزقة في تركيا، لشدَّة الحقد الذين تكنَّه للعمال الكردستاني!.
الاختلاف في وجهات النظر، والتباين الفكري والإيديولوجي والسياسي بين الأفرقاء الساسيين، أمرٌ لا مناص منه، ومصدر للثراء والغنى والتنوُّع والاختلاف المجتمعي.
على ألاَّ يكون مقروناً بأحقاد مزمنة، مقيتة، مستبطنة، تطفو على السطح، ما أن تمَّ توجيه النقد لهذا المعشر أو ذاك.
في لبنان، انزلق الاختلاف والتباين الفكري والسياسي والمذهبي إلى التطاحن وحمل السلاح، وقتل العشرات وجرح المئات من بعض، والاصطفاف الإقليمي، وخدمة أجندات خارجيَّة متعارضة…الخ، لكن، في نهاية المطاف، هم لبنانيون، يتخاصمون ويتصالحون، ينقلبون على بعضهم، ويأتلفون فيما بينهم في حكومات وطنيَّة وبرلمانات وجمعيَّات أهليَّة ومدنيَّة…الخ!.
أمَّا في حال الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، فلا تستطيع الفكاك عن أحقادها المزمنة من حزب العمال الكردستاني وزعيمه، حتَّى بعد كل المتغيّرات التي طرأت على العمال الكردستاني!.
وخير دليل بسيط هذا هذا الأمر، الهجمات التي تتعرض لها فضائيَّة “روج تي في” من قبل ألمانيا.
إذ لم نجد حزباً كرديَّاً سوريَّاً أصدر بياناً مندداً بالقرار السياسي الذي أصدرته الداخليَّة الألمانية حيال حظر نشاط “روج تي في” على الأراضي الألمانيَّة!؟.
وكأن الأمر، لا يعني هؤلاء الأكراد!؟، وكأن هذا المنبر الإعلامي الكردستاني المستهدف، ليس يعني أمره شيئاً بالنسبة لهؤلاء النبلاء الأفذاذ من محزابي وقادة وكتَّاب الأحزاب الكرديَّة السوريَّة!!؟.
فلو كان قرار الداخليَّة الألمانيَّة يستهدف “كردسات أو كردستان تي في، أو زاغورس، أو أيَّ منبر إعلامي آخر، تابع أو مقرَّب من كردستان العراق، لبدأ سيلان البيانات والتنديدات والشجب والندب تلعلع، ولبدأ التباري المحموم من قبل هذه الأحزاب وكتبتها، في عملية تسجيل المواقف في سوق المزايدات والمضاربات الوطنيَّة والثقافيَّة!!؟.
أمَّا “روج تي في”، فهي قناة تابعة لـ”قبائل الزولو”، ولا علاقة لها بالكرد وكردستان، وعليه فلتذهب للجحيم!!؟.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إنْ دارت الأيَّام، وخيّرت هذه الأحزاب، بين ضمّ المناطق الكرديَّة السوريَّة إلى كردستان العراق أم لكردستان تركيا، فسيختارون كردستان العراق، خلافاً لمنطق الجغرافيا التي تعتبر كردستان سورية تتمة جغرافيَّة لكردستان تركيا، لسبب بسيط جدَّاً، هو منسوب الكيد والحقد العالي الذي تكنُّه هذه الأحزاب لحزب العمال وزعيمه أوجلان!، من جهة، ومن جهة أخرى، أن ولاء ومزاج هذه الأحزاب، كان ولا زال ميَّالاً لكردستان العراق.
وحتّى لو “حرر” لهم حزب العمال كردستان تركيا وكردستان إيران، فلن تكون فرحتهم بهذا الإنجاز، تضاهي فرحتهم بكردستان العراق وقياداتها!.
سؤال آخر يطرحه نفسه هنا: ما هو السبب الكامن وراء معاداة هذه الأحزاب لحزب العمال وزعيمه، ومناصريه من الأكراد السوريين الذين ينضوون تحت سقف حزب الاتحاد الديمقراطي!؟.
هل هو حقَّاً علاقات العمال الكردستاني مع النظام السوري سابقاً!؟.
حين أعلن حزب العمال الكفاح المسلّح ضدَّ النظام التركي في 15/8/1984، وقَّعت هذه الأحزاب، ما عدى الحزب الديمقراطي الكردي السوري، على بيان تنديد وشجب بهذه الخطوة، واصفة إيَّاها بالطيش والتهوّر والمغامرة، وخدمة الامبرياليَّة…الخ!.
وحين أعلن أوجلان وحزبه وقف إطلاق النار، دون إلقاء السلاح، قالت هذه الأحزاب: “أرأيتم كيف انهزم أوجلان واستسلم لمنطقنا، في حلّ القضايا بالطرق السلميَّة!”.
وحين تراجع الخيار المسلَّح لدى حزب العمال من الاستراتيجي إلى التكتيكي، قالوا: “لا، إن هذا تشجيع على زيادة غطرسة الشوفينيين الأتراك”.
وحين رفع حزب العمال شعار الدولة القوميَّة، قالو: “وهمٌ وحلمٌ، لن يتحقق، ولعبٌ بالعواطف، وتغريرٌ بالشباب”.
وحين نادى حزب العمال بالدولة الوطنيَّة الديمقراطيَّة، قالوا: حلم ووهم ويوتوبيا، أنه إفراطٌ بالحقوق وتصفية للقضيَّة، وانهزام واستسلام…!.
حين كان أوجلان وحزب العمال في سورية، كانت هذه الأحزاب تطالب برحيل أوجلان وحزبه، وتتهمه بأشنع التهم، وتطالب حزب العمال وزعيمه بنقد النظام السوري.
وحين خرج أوجلان وحزب العمال من سورية، وبدأ ينتقد النظام السوري، ويطالب بحقوق الديمقراطيَّة الوطنيَّة للشعب الكردي في تركيا، وينظم الجماهير الكرديَّة السوريَّة، ويعلِّمهم ثقافة التظاهر السلمي، قالت هذه الأحزاب: “كذب وتحايل ولعب بالعواطف، وتطرُّف”.
والأخطر والأدهى والأنكى من هذا، إن مسلك وخطّ وتوجُّه الكثير من هذه الأحزاب، بات متقاطعاً مع مسلك وخطّ وتوجُّه النظام السوري حيال التعاطي مع حزب العمال، ورديفه الكردي السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي!.
حين تُخضِع هذه الأحزاب للمساءلة والنقد، دعياً إيَّاها للمراجعة ونقذ الذات، ودفن أحقاد المزمنة من حزب العمال، والاعتراف بالكتلة السياسيَّة الكرديَّة السوريَّة النشطة والفاعلة، الموالية لأفكار اوجلان، يردُّ بعض الناقمين الجهلة: أوجلان قال في تصريح سابق كذا وكذا…!!؟.
نموذجاً، دائماًَ يستذكرون تصريح السيّد أوجلان في حواره مع نبيل ملحم (قائد وشعب: سبعة أيام مع آبو)، والذي قال فيه أن “غالبيَّة الأكراد السوريين هجروا من تركيا على سورية”، على أن هذا التصريح، هو نفي للوجود الكردي تاريخيَّاً في سورية.
وطبعاً، تصريح أوجلان، لم يكن نفياً للوجود الكردي، بدليل أن استخدم مفردة “غالبيَّة”، ولم يقل: “كل” أكراد سورية.
وهذا التصريح، وما عدم اتفاقي معه فيه، إلاَّ أنه قابل للأخذ والردَّ، في إطار الخوض في حقيقة أصول الكثير من القبائل والعشائر الكرديَّة السوريَّة.
مثلاً: عشيرة الأستاذ عبدالحميد درويش “آزيزان”، تعيد أصولها إلى شرف خان البدليسي، ولعبدالعزيز بدرخان، حسب ما أظنّ.
وعشائر الكوجر الرحُّل، الذي كانت تنتقل من الشمال إلى الجنوب، وقد لا يعود استقرارها في مناطق ديرك الحاليَّة بعد من مئة وخمسين سنة.
والكثير من العشائر الكرديَّة التي هاجرت من مناطق سرحد ووان وآمد وماردين… إلى سورية.
فضلاً عن العشرات من العوائل الكرديَّة الدمشقيَّة الحاليَّة كـ”الوانلي، المتيني، الملّي، الظاظا، الكرجوسلي، الدياربكرلي، المارديني، الأورفلي، البادكي، الموشي، الديركي (ديرك جبل مازي)، البارافي، الحسني، الحيدري…”، التي تشير إلى مناطق وعشائر كردستان تركيا.
كتبة الأحزاب الكرديَّة، يستوقفهم التصريح الآنف الذكر لأوجلان، ولا يستوقفهم تصريح آخر منشور في نفس الكتاب، حين يدعو أوجلان الحكومة السوريَّة إلى حل القضيَّة الكرديَّة بشكل سلمي وعادل، والتحاور مع الأكراد، ومنح حق الإدارة المحليَّة الذاتيَّة للشعب الكردي السوري، وإن الأكراد في سورية كانوا دوماً سنداً لهذا البلد، ومساهمين في تأسيسه…الخ!.
هذه الأقوال، يتعامون عنها!.
ويقولون: أن أوجلان مدح الرئيس الراحل حافظ الأسد، في حين يتعامون عن مدائح طالباني وبارزاني العديدة والمديدة للنظام السوري وزعيمه الراحل والحالي!.
يقولون: إن العمال الكردستاني، قد سطى على إرثهم!!، ولا يشيرون لماهيَّة وطبيعة وحجم هذا الإرث العريق والعظيم من الإنجازات!!؟.
يقولون: أوجلان نكر وجود الشعب الكردي في سورية، ويتناسون أن الحركة الحزبيَّة الكرديَّة قد أمضت عقد السبعينات، في مناقشة: هل الأكراد في سورية شعب أم جاليَّة!!؟.
يتحدثون غزييييراً عن الالتزام الوطني السوري، واستحقاقاته النضاليَّة الواجب إيفاءها من قبل الأحزاب الكرديَّة، ويصفون الأكراد الموجودين في دمشق وحلب بـ”الجالية الكرديَّة” في هاتين المدينين، وكأنهما مدن بلد آخر، وليس عاصمة ومدن الوطن السوري الذي تحت سقفه يلتئم شمل المواطنة السورية (الكرديَّة، والعربيَّة، الآشوريَّة، الشركسيَّة…)!!؟.
هم لا يعلمون أن مفهوم “الجاليَّة” لا ينطبق على الأكراد السوريين الموجودين في مدن وطنهم السوري!.
وإن استخدام مفهوم الجاليَّة، لا يطلق إلا على من تحقق عليه شرط الهجرة الطوعيَّة أو القسريَّة من بلده إلى بلد آخر، لا من منطقة إلى منقطة أخرى ضمن بلده.
ووفق وجهة نظر السالفة لبعض مثقفين وقياديين هذه الأحزاب، يجوز لنا إطلاق هذا الوصف على الجاليَّة العربيَّة في المدن الكرديَّة، او الجاليَّة العلويَّة او الإسماعيليَّة أو الدرزيَّة في القامشلي!!؟.
يتحدثون كثيراً عن اللُّحمة الوطنيَّة والتلاحم الوطني، في دولة المواطنة والقانون، وفي نفس الوقت: يقولون: “لا زلنا في طور التحرر”، دون الإشارة إلى التحرر من ماذا!؟.
أمن السلطة السوريَّة أم من الجهل أم من الفقر…أم من ماذا!!؟.
الكثير من الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، تتشدَّق بالوطنيَّة السوريَّة، لكنها تتجنَّب النشيد الوطني والعلم الوطني السوري في اجتماعاتها!.
ويظنُّ البعض من محازبي هذه الأحزاب، أن منسوب الانتماء أو الهويَّة القوميَّة لهذه الأحزاب، تقاس بضرورة وجود مفردة “الكردي” في اسم أيّ حزب كردي، حتَّى نتأكَّد من كونه حزباً كرديَّاً!.
وهنا، الكثير من منتسبي هذه الأحزاب، تعيب على حزب الاتحاد الديمقراطي عدم وجود مفردة “الكردي” في اسمه.
وعليه، فهو حزب ليس بكردي.
وكاتب هذه السطور، وجَّه فيما مضى نقداً كهذا لهذا الحزب.
لكن، فيما بعد، تيقَّنت بأن هذا الاسم، ودون ذكر مفردة “الكردي” في اسم الحزب، تقلل من توجُّس العربي والآشوري والسرياني من الانتساب لهذا الحزب أو التواصل معه، لأنه ليس حزب قوميَّة معنيَّة، بحدِّ ذاتها.
وعليه، تبقى أبواب هذا الحزب مفتوحة للعربي وباقي الأقليَّات القوميَّة الأخرى للانتساب إليه، إنْ هو أعجب ببرنامج هذا الحزب!.
وإن تحرِّيت وتقصِّيت في ماضي وحاضر الحركة الحزبيَّة الكرديَّة السوريَّة، لن تجد عربيَّاً أو آشوريَّاً قد انتسب لهذه الأحزاب، وشارك الأكراد نضالهم.
في حين، نجح حزب العمال في استقطاب العشرات من العرب والسريان والأرمن، والمئات من الأتراك والفرس على نضاله، والاستشهاد لأجل حقوق الأكراد، الشهيد عزيز من حلب نموذجاً، (ابن عم الكاتب والروائي السوري خالد خليفة)، والشهيد مظلوم من حمص، وكلاهما من المناضلين العرب السوريين الذين سقطوا شهداء في سبيل نصرة القضيَّة الكرديَّة.
حتى بعد تحوَّل الوئام بين حزب العمال والنظام السوري إلى خصام، ثم إلى صِدام، لم يسع حزب العمال إلى استثمار كتلته الجماهيريَّة الكبيرة في سورية، (تواجد هذه الكتلة في كل أماكن سورية من أقصاها قصاها)، على الثأر والانتقام من سورية، والتخابر مع الجهات المعادية لسورية، التي عقدت اتفاقات أمنيَّة ضد حزب العمال والقضيَّة الكرديَّة في تركيا، وتشكِّل تحالفاً ثلاثيَّاً مع كل من إيران وتركيا، مناهض للحقوق الكرديَّة حتى ولو كان في جزر المالديف!.
كان بإمكان حزب العمال، أثناء وجود زعيمه في سورية، وبعد خروج زعيمه منها، أن يكون ممرَّاً للمؤامرات المعاديَّة لسورية، لكن هذا الحزب رفض سابقاً وحاليَّاً ولاحقاً ذلك.
في حين أن علاقة صلاح بدرالدين مع النظام العراقي السابق، لم تعد خافية عن أحد، وعلاقة حميد درويش مع نفس النظام، هي محل شكَّ وشبهة، كانت هاتين العلاقتين ضد النظام السوري!.
وعليه، من الذي يجب أن يعطي دروساً في الوطنيَّة والانتماء والولاء الوطني!.
لكن، ما هو بات مفروغاً منه؛ إنه شتَّان بين خدمة أجندة النظام السوري، وخدمة الأجندة الوطنيَّة السوريَّة!.
فبعد الأحزاب الكرديَّة، قد سمحت لنفسها أن تكون ممراً لأجندة النظام السوري، بداعي الهموم والشجون والشوؤن الوطنيَّة السوريَّة!.
الكثير من قادة هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، باتت تردد كالببغاوات كلام قادة كردستان العراق عن حزب العمال وتركيا.
فحين يمدح مام جلال طالباني ونيجيرفان بارزاني ديمقراطيَّة تركيا وأردوعان وحزب العدالة والتنمية، نجد ان بعض هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة وقادتها وكتبتها يرددون نفس الكلام!.
ورغم أن حزب العمال، لم يدعم أيّ انشقاق حدث بين الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، ورغم أن حزبا كردستان العراق (الديمقراطي والاتحاد الوطني) دعما العديد من العمليات الانشقاقيَّة، إلا أن بعض هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، وبتوجيه من طالباني، وجهات أخرى، دعمت وآزرت وسوَّقت لبعض المجموعات المشبوهة المنشقَّة عن حزب الاتحاد الديمقراطي، التي تعمل كدكَّان سياسي لدى الاتحاد الوطني الكردستاني!.
على ضوء ما سلف؛ حاضر الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، هو مرآة تعكس ماضيها!.
ولن يقوم للشعب الكردي السوري قائمة، ما دامت هذه الحركة بعيدة عن النقد الذاتي والإصلاح الداخلي، وبقيت رهنية الأحقاد والضغائن والمساومات والصفقات والمزايدات والمناقصات والمؤامرات والمكائد.
دمشق 3/7/2008