حقائق عن الحزام العربي في كردستان- سوريا 2/3

عبدالباقي اليوسف*

  ذكرنا سابقا بان الحزام العربي هو جزء من مشروع يستهدف منه تغيير ديمغرافية المنطقة الكردية في محافظة الحسكة، واقامة حاجز بشري من العرب لفصل أكراد سوريا عن اخوتهم في كردستان تركيا والعراق على طول الشريط الحدودي بمحاذاة الحدود مع تركيا، إبتداءً من حدود محافظة الحسكة مع محافظة الرقة في الغرب الى نهر دجلة في الشرق وبطول 375كم وعرض (10-15) كم، ويجلى الأكراد من هذا الشريط ويسكن مكانهم عرباً من محافظات أخرى.
منذ أن سيطر حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في سوريا عام 1963, حتى سارع إلى إحياء قانون الإصلاح الزراعي، وإصدار دعوات لإخلاء حدود محافظة الحسكة مع تركيا من الأكراد، واسكان عرب مكانهم، كما تم التصديق على نتائج الاحصاء الاستثنائي التي اجرته حكومة الانفصال في محافظة الحسكة عام 1962، بموجبه سحبت الجنسية من 120 الف انسان كردي.
ففي المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث العربي الاشتراكي في ايلول عام 1966، جاءت في الفقرة الخامسة توصية بخصوص محافظة الحسكة ، تقول ” إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية، وعلى إمتداد 350 كم وبعمق 10- 15 كم وإعتبارها ملكاً للدولة، وتطبق فيها أنظمة الإستثمار الملائمة، بما يحقق أمن الدولة ” وعادةً ما يستخدم حزب البعث عبارة (أمن الدولة) ضد الكورد بشكل خاص و المعارضة السورية عموماً.
لم يمضى على قرار المؤتمر المذكور سوى شهرين حتى طالعتنا نشرة (المناضل) وهي نشرة دورية سياسية، يصدرها مكتب الدعاية والأعلام في التوجيه القومي لحزب البعث العدد/11 /، وتحت عنوان ” تقرير لخطة إنشاء مزارع حكومية في محافظة الحسكة “ ” إن المخاطر التي واجهت ويواجهه شعبنا العربي في شمال العراق، والتي خلقت من قبل الأمبريالية بدأت تهددنا ايضا منذ بضعة أعوام اخيرة، في محافظة الحسكة أهملتها الحكومات السابقة ولكن اليوم نحتاج الى حل جذري وصريح، ان حجم القسم الذي ندرسه من الحزام العربي يبلغ حوالي /3001911/ دونم، ويمتد من المالكية الى الحدود بين محافظتي الحسكة والرقة ….

, وبسب وجود عناصر غير عربية وغالبيتهم من الأكراد ،والذين يحاولون جاهدين أن يؤسسوا بلد قومي لهم في حدودنا الشمالية بمساعدة الإمبريالية……
بعض من هذه المقترحات:
1- يجب أن تصدر الحكومة مرسوما جديدا، يعتبر كل قرى المنطقة كأملاك دولة، وأن الدولة لها الحق في إستثمارها كما تراه مناسباً..
2- إن التجمع العرقي للسكان يجب ان يتبدل بنقل ونفي العناصر الغير عربية.


3- إنشاء قرى نموذجية للعناصر العربية الهاجرة من قبل الدولة.


       لقد طرأ بعض التجميد على تنفيذ الحزام العربي، وكان السبب في ذلك هزيمة سوريا في حرب حزيران 1967، بدأ خلال هذه الفترة ,إجراء الإصلاح الزراعي، والسيطرة على الأملاك الكردية بشكل عنصري وهمجي، دون مراعاة مصادر عيش الأخرين، اللجان التي تشكلت من أجل تنفيذ هذه المهام كانوا من البعثيين .

فقد إقتطعوا عشرات الألاف من الهيكتارات من الأراضي الزراعية وسلموها الى مؤسسة مزارع الدولة حيث أصبحت إحدى مظاهر الفساد بيد المتنفذين من المسؤولين الكبار في الحزب والدولة في محافظة الحسكة، وبمشاركة مسؤولين كبار في دمشق.

لكن الجزء الثاني من المشروع, أي مرحلة توطين العرب مكان الكرد, قد تاخرت نتيجة عوامل داخلية، بسبب التناحر حول السلطة بين أجنحة الحزب، فقد جرت محاولات إنقلابية عديدة.

وفي عام 1967 جرت الحرب بين اسرائيل والدول العربية، خسرت فيها الدول العربية وأصبحت دمشق على مرمى المدفعية الإسرائيلية، هذه التطورات أدت الى تأخير التنفيذ الكامل للمشروع إلى حين مجيء الرئيس حافظ الأسد إثر حركة إنقلابية عام 1967.
بعد سيطرة حافظ الأسد على السلطة بإنقلابٍ عام 1973, لم يطرأ أي تغير في موقف النظام السوري تجاه المسألة الكُردية في سورية، لا بل أخذ طابعا تصاعدياً ففي المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث العربي الإشتراكي الذي انعقد في أيار عام 1971, جرى بحث المسألة الكُردية من زاوية كيفية تطويق الكُرد وتجريدهم وتهجيرهم.

 
  جاءت الفقرة / 12/ من توصيات المؤتمر مايلي:
” العمل على أصلاح الخلل القائم في التوزيع السكاني في القطر وبما يحقق الأنتاج الزراعي والأقتصاد والأمن القومي بشكل عام”
   الخطاب السياسي لحزب البعث وممارساته العملية منذ أن سيطر على السلطة في سوريا, يتميز بالشوفينية القومية العربية، بعيدة عن الحقائق الجغرافية و التاريخية.

فهو لا يعترف بالقضية الكًردية إن كان على صعيد الأرض أو الإنسان لذا فإن سياسته ترتكز على محورين:
1- تغيير ديمغرافية المنطقة الكُردية بالأساليب القسرية من خلال السيطرة على الأرض دون مكافئة أصحابها، و تغيير أسماء المعالم و القرى و البلدات الكُردية.
2- سياسة صهر الكُرد داخل المجتمع العربي من خلال تهجيرهم بشتى السبل، و التعتيم الإعلامي على كل ما هو متعلق بالكورد، و يرفض إستخدام مصطلح كُردستان حتى إذا ما تعلق الأمر بكُردستان العراق.

حيث يسميه شمال العراق، كما فرض النظام البعثي عن طريق أجهزته الأمنية على أحزاب الحركة الكُردية عدم إستخدام مصطلح (كُردستان سوريا).

بعد قرابة 25 سنة أعيد استخدام هذا المصطلح من قبل حزب يكيتي إلى الخطاب السياسي في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، اليوم أصبحت هناك ثلاث أحزاب كردية تستخدم هذا المصطلح، لكن من المؤسف تُحارب هذه الاحزاب من قبل فصائل كردية اخرى متهمة الاحزاب الثلاثة بالتطرف، والاساءة الى العلاقات الكردية العربية.
  مع بداية عام 1973 بدأت الأعمال التحضيرية لجلب العرب الى منطقة الحزام بعد تهيئة الأرضية لذلك:
– الأستيلاء الكامل على مساحات الشريط الحدودي بطول / 275/كم وبعمق 15- 20كم وتسليمها الى مايُسمى بمزارع الدولة  لحين البت فيها نهائياً وأعطاءها لعرب في وقت لاحق.
–  إيجاد ذريعة في الأراضي التي غمرها سد الفرات في محافظة الرقة وذلك بنقل اولئك العرب الساكنين هناك الى هذا الشريط
– التفكك والضعف الكبير في الحركة السياسية  الكُردية في سوريا
– الحصول على موافقات خفية من بعض كبار الملاكين والإقطاعين الكرد وحتى من أحد أطراف الحركة الكردية والحزب الشيوعي السوري.
   بعد انتهاء حرب تشرين عام 1973 بدأت الخطوات الأولى التحضيرية لجلب المستوطنين الى منطقة الحزام فقد بدأت حملة لبناء المستوطنات كما أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث القرار رقم / 521 / بتاريخ 24/6/1974, والقاضي بتوزيع الأرض والمحاصيل الزراعية على المستوطنين العرب حيث أعطيت لكل عائلة 150 , ,300 دونم وذلك حسب موقع المستوطنة وجودة الأراضي، كما أن بعض العوائل حصلت على إستثمارين أي  / 300 ـ 600 / دونم.

هذا وقد بلغ طول الحدود المغطاة بالمستوطنين والمستوطنات / 275 كم / وعمق من /10-20 كم / وبلغ إجمالي الأراضي المعطاة  لهم /702018/ دونم موزعة على /35/ مستوطنة كما بلغ عدد العوائل المستفيدة من هذه المساحات اكثر من /4000/ عائلة، وإن عدد القرى  الكردية الداخلة في منطقة الحزام /335/ قرية عدد سكانها أكثر من 150 الف نسمة يعانون من حرمان الأرض و سبل العيش.
………….
*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا.
المراجع:
1-    الحزام العربي، مقدمات ومراحل التنفيذ – برزان مجيدو.
2-    المسالة الكردية في سوريا- د.

عبدالباسط سيدا.
3-    دراسة عن مجافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية-محمد طلب هلال .

4-    دستور حزب البعث.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…