الضرورة الوطنية و الحد المطلوب من الاتفاق في الحركة الكوردية في سوريا

افتتاحية صوت الكورد *

في الوقت الذي يزداد الإلحاح على ضرورة معالجة واقع التشرذم و التأزم في الحركة الكوردية في سوريا و لجم وتيرة الصراع, و الدفع باتجاه رأب الصدع, و في الوقت الذي فشلت فيه التجارب الوحدوية المباشرة..

في زمن يزداد حجم الاحتراف و الذاتية و الفردية, و النزعات القبلية رواجا و تفشيا..

كان لا بد من توضيح المسار الحقيقي, و لملمة الشمل, و البحث عن مخرج مشرّف, يرضي طموحات الحركة و منطلقاتها الأساسية, و يلبي الثوابت و الضرورات الوطنية الكبرى

 

و التي كانت القواسم المشتركة العليا جامعا و مؤسسا, بل دافعا محرّضا على الإسراع في بناء لحمة تؤسس لمرجعية الحد المطلوب, بما يترجم الاتفاق على الأسس و القواعد التي تؤكد المسار الوطني, و تبرمج لموقف قومي مرن و قوي و حازم..

كان لا بد من توضيح هذا المسار, و تلبية دواعيه, في وقت يزداد الموقف الذي تبناه البارتي منذ بداياته الأولى, في مساراته و محطاته و لقاءاته النظامية منذ المؤتمر التأسيسي الأول في الرابع عشر من حزيران عام 1957 ( 14 – 6 – 1957 ), يزداد هذا الموقف وضوحا و قوة و تألقا مع مرور الزمن, و مع صلابة و مبدئية قياداته و كوادره و مناضليه, بما يعيد إلى الأذهان, كون الشعب الكوردي في سوريا شعبا أصيلا, غير مهاجر و لا أقلية, و لا مقتلعا من أرض أخرى..

و كون هذا الشعب يعيش على أرضه التاريخية, إلى جانب شقيقه العربي, و المكونات الأخرى المشكلة للمجتمع السوري, بما لهذا الشعب من وجود متميز لغة و عادات و تقاليد و سمات أثنية ظاهرة و واضحة..

و أن طريقه إلى النضال يستوجب الاعتراف الكامل دستوريا بهذا الوجود و تلك الشراكة, و ذلك التمييز دون منحة أو منة..

و كون هذا الاعتراف يعد موخلا  إلى حياة تعددية ديمقراطية في سوريا, تجعل الممارسة السياسية, و الشراكة التنفيذية و التشريعية و القضائية جزءا من العملية الديمقراطية التي ناضل الحزب من أجل ترجمتها إلى واقع سياسي حركي, كان لمؤتمره الأخير البصمة الواضحة في تبني هذا الخط و إعلانه, و توسيع قاعدته الفكرية بما يتناسب مع التطور العام في مجال حق الإنسان الدستوري, و المصانة بالشرائع و القوانين الدولية, و تطور الحركة الكوردستانية عامة, بما يتطلب نقلة نوعية في ترجمة ذلك, و  نقله إلى الميدان العملي, و إعطاء الحركة الكوردية دفعا باتجاه بلورة فكر تحرري سياسي مدني يمكن أن تلتقي عليه, و تعمل من أجله, و تحرّك قاعدته, و تؤسس لمرجعية يمكن تحديد آفاقها في ضوء هذه الأسس و القناعات التي تعزز المواقف, و تمتحن الإرادات, و تصنف الحركة, ما بين فصيل أو آخر في مدى اقترابه أو ابتعاده من هذا الخط الذي بات محدد المعالم, و موضوعا على الطاولة, لمن يشاء أن يختار, و يفرز  الأوراق, و يصنف المواقف..
لقد ارتأينا منذ البداية, في وقت كان الناس يسخرون مما نعلنه, و يستهزؤون بنهج أصبح من ثوابت الفكر الكوردستاني و آفاقه التحررية, و رؤيته المعاصرة, نهج البارزاني الخالد, هذا الذي ارتأيناه, ليكون مرادفا للكوردايتي, بما تحمل هذه الكلمة من معاني الالتقاء, و هندسة البناء الديمقراطي, و الرؤية الوطنية الجامعة, و المرجعية الفاعلة في تشييد صرح  قادر على الصمود في وجه النزعات الفردية, و الرؤى القاصرة, و الافتراء و عدم الوفاء بالعهود و المواثيق, و احترام القرارات, و اتخاذ المعيار الوطني الموحد و الجامع بين الكورد و الشعوب المتآخية و المتجاوزة أساسا فاعلا للحوار و تبادل المواقف, و تقارب المسافات, و ردم كل عوامل التوتر و الأحقاد و الكراهية, و نبذ كل ما هو مرتكز إلى الإرهاب و الإكراه و القسر و ارتكاب الفظائع بحق الآمنين..
لقد بات واضحا و خاصة في الآونة الأخيرة, و مع تصاعد الأزمات, و اهتزاز أي إطار لا يخدم المصلحة الوطنية العليا, لقد بات واضحا و جليا ضرورة إعادة النظر في جملة المواقف لكل طرف من أطراف الحركة, للدفع باتجاه بناء مرجعية جامعة, و لو في إطار المطلوب من الحدود المقربة و المؤسسة و الدافعة باتجاه تحريك يستند إلى القاعدة الأساسية للانطلاق منها إلى بناء أوسع و أشمل ..تحت أي مسمى سواء كان ( ميثاق عمل وطني ) أو ( مجلسا سياسيا ) أو ( هيئة تأسسية وطنية ..

) شرط أن يترجم إلى عمل مباشر و فاعل و محرّك , لا يقتصر على مظلة واهية , لا تكاد تجمع إلا في نطاق ” مصلحة حزبية أو رؤية ضيقة , أو ردات مباشرة أو غير مباشرة , بقدر ما يكون عملا ناضجا واعيا و منظما يستند إلى معايير سياسية تحمل جوهر النضال الحقيقي للحركة, و تلبي طموحاتها, و تحقق الأهداف الوطنية و القومية العليا , في رؤية واضحة المعالم, و منسجمة مع القيم و المعايير الدولية لحقوق الإنسان , و ملبية المواقف الثابتة و المبدئية, و بلا تردد و لا مساومة, راسخة في مرونة قوية , تحمل سيماء العمل السياسي الناضج, و تؤكد على القيمة العليا للفكر الوطني الجامع و الموحد مع طاقات و إمكانات الشعب السوري, بما يستحقه من حياة حرة كريمة و مشرفة, تحمل كل إمكانات التطور و الازدهار العلمي و الاقتصادي و العيش المشترك في عقد اجتماعي جديد, يعتمد التعددية و التنوع و الرؤية الديمقراطية و تكافؤ الفرص و تحقيق مقومات العدل و المساواة في إطار مواطنة حرة و صحيحة, و بعد عن التمييز  و الاضطهاد بسبب عرق أو لون أو انتماء أو اعتقاد, و توفير أسباب الحرية الشخصية في التعبير و الاحتجاج و التظاهر, و مختلف أشكال الحريات المدنية و السياسية وفق قواعد و أسس العهد الدولي لحقوق الإنسان و اللوائح الدولية الناظمة, و ما يؤهل المواطن لممارسة حقه في الكسب و التنقل و التملك و حرية تشكيل الجمعيات و الانخراط في الأحزاب, و الإيمان بالقضية الكوردية في سوريا كقضية وطنية واضحة الأسس و المعالم و البرامج الناظمة لمشروع وطني متكامل.
إن التحرك باتجاه بناء علاقات وطنية و ديمقراطية راسخة تجمع شمل الحركة و توحد طاقاتها , و تحرك جماهيرها, و تعيد إليها اللحمة و الثقة و تبادل المشورة و إشراك القوى الوطنية و الجماهيرية بشكل فعلي و عادل في صناعة قرار سياسي موحد مع قيادة الحركة, يوفر الحد المطلوب في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة بما يحافظ على استراتيجية الحركة, و خطها المبدئي و رؤيتها الناصعة و تراثها النضالي المتمثل في مسيرة تاريخية تجاوزت نصف قرن من الزمان دون تلكؤ أو تراجع أو ترهل, مع ما في ذلك من صعوبة ينبغي توفير مستلزمات تخطيها, سواء كانت ذاتية أو موضوعية.
إن هذا التحرك بات من ألزم الضرورات و أكثرها تلبية لمقاييس ( الكوردايتي ), حسا وطنيا رفيعا و مسؤولية تفرض نفسها, و أداة نضالية و وسيلة مجدية إلى تلبية الطموحات المشروعة.
و البارتي – بما يملك من إمكانات و استعدادات – يجد نفسه توّاقا إلى عملية البناء هذه و السعي مع رفاق الدرب و أصدقائه و حلفائه و جماهيره ممن يعتزّ بعلاقاتهم للوصول إلى صيغة عمل مشترك, و ترجمته إلى موقف ميداني يتجسد في آلية ضبط تنظيمية تنظم عمل الأطراف التي تجد في نفسها القدرة على مواكبة ثوابت الحركة و قيمها النضالية, و عوامل تطور و تقدم الحركة باتجاه تجاوز حالة التشرذم المزرية, و ضعف الثقة, و تراجع الأداء و انكفائه , و الدخول في مآزق لا تحمد عقباها, بما يحفظ للحركة وجودها و تأثيرها و حسن توجهها نحو الخط المبدئي الرفيع , و تثبيت دعائم نهج الكودايتي,  بما يعزز الالتفاف الجماهيري , و يعيد الثقة بين الحركة و النخبة و المثقفين و الأكاديميين و حملة الأقلام والشخصيات الوطنية المؤثرة, ليكون ذلك بمثابة قاعدة انطلاق لبناء جبهة نضالية متكاملة و معمقة و مفعلة, مما يعد من ألزم القواعد النضالية التي أقرها مؤتمرنا العاشر, و أكدت عليه لقاءاتنا و مشاوراتنا و أدبياتنا, على أمل أن يلقى هذا التحرك الأرضية المناسبة لعمل جاد ميداني و قد آن أوانه و دنت ساعة البدء بالتحرك المطلوب.
——-
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا

لقراءة مواد العدد انقر هنا  denge_kurd326

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…