حقائق عن الحزام العربي في كُردستان – سوريا ( 1/3 )

عبد الباقي اليوسف*

      سوريا كدولة نشأت بموجب اتفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا بعد إنهزام الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، و بموجب هذه الإتفاقية ضمت جزء من كوردستان إلى الدولة الناشئة و بعد ترسيم الحدود بشكل نهائي بين سوريا و تركيا عام 1928 ضمت منطقة (ديريك) أيضاً.

    عدد الكورد في الوقت الحالي حوالي 3 ملايين من أصل 18 مليون نسمة، الهوية الكوردية غير معترف بها، اللغة و الثقافة الكوردية محظورة، المناطق الكوردية مهمشة من الناحية التنموية و الخدمية رغم أنها مصدر أهم الثروات الوطنية مثل الحبوب و القطن و الزيتون و الفواكة بالإضافة إلى النفط.
     توجد جملة من المشاريع العنصرية في سوريا التي تستهدف صهر الكورد ضمن بوتقة القومية العربية .

ما سنتحدث عنه هو الحزام العربي الذي طبق في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكوردية و التي تقع بمحاذاة الحدود مع تركيا و العراق و التي تشتهر بأراضيها الخصبة، معظم الحبوب و القطن ينتج من هذه المحافظة و ينبع منها نهر الخابور كما تجري من جانبها الشرقي نهر الدجلة، أكتشف فيها النفط في أواخر الخمسينيات، و  تم إستثماره في أواسط الستينات من القرن المنصرم، و لذلك إستهدفت بشكل أكثر من قبل القومويين العرب.

الحزام العربي :احدى المشاريع العنصرية التي وضعها حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ، وبدأوا يروجون له منذ ان سيطر حزب البعث على السلطة عام 1963 ، وهذا المشروع هو احدى حلقات مشروع اكبر يستهدف تغيير ديمغرافية المنطقة الكُردية في محافظة الحسكة، المشروع كما اكده حزب البعث من خلال مؤتمراته القطرية هو السيطرة على كل الشريط الحدودي مع تركيا ابتداء من حدود محافظة الحسكة مع محافظة الرقة في الغرب انتهاء بنهر دجلة شرقا، وبطول 375 كم وعرض من 10 الى 15 كم على ان يجلى السكان الكُرد من هذه المنطقة ، وتسكن بعرب يجيء بهم من محافظات اخرى بعد ان تبنى لهم مستوطنات نموذجية، على غرار المستوطنات الاسرائيلية، مجهزة بكافة وسائل العيش ، المدارس النموذجية وشبكات المياه الصحية والمرافق الصحية والكهرباء لتشكل حاجزاً بشرياً بين الكُرد في كُردستان سوريا وإخوتهم في كُردستان تركيا والعراق .
      تبلغ مساحة المحافظة 23333.59 كم2 من اصل مساحة سوريا البالغة 185180 كم2 ,تتكون المحافظة من اربع مناطق : منطقة الديريك , منطقة القامشلي ومنطقة رأس العين ومنطقة المركز الحسكة.


     منذ عهد الوحدة بين سوريا ومصر, جرت الخطوات الأولى ضد الكُرد  بتصفية ضباط الكُرد من الجيش ، حيث تم طرد العشرات منهم، كما بدأت عمليات تغيير ديمغرافية المناطق الكُردية تحت غطاء قانون الاصلاح الزراعي الذي بدأ تنفيذه في سوريا عام 1958.

منذ تلك الفترة بدأ توطين العرب في المناطق الكُردية ففي عامي 1959- 1960 تم إنشاء مستوطنات للعرب في مناطق سريكانية ودرباسية وديرك وجلب المستوطنون من محافظات درعا وسويداء وحماة وادلب وأسكنوهم في مستوطنات: العريشة – المناجير – الأهراس – العامرية – الاربعين – ليلان – أم الخير …..

كل هذه المستوطنات تقع في منطقة الخابور وعلى حدود محافظة الحكسة مع محافظة الرقة ، بهدف فصل منطقة الجزيرة عن كوباني الكُردية.

وقد سبق انشاء هذه المستوطنات الإستيلاء على أملاك عائلة إبراهيم باشا الملي, وصدرت فيما بعد قوانين إستكمالية منع بموجبها رخص السكن و شراء العقارات للكرد في منطقة تل ابيض ، لتشكيل حواجز بشرية عربية، كما مُرست نفس السياسات في منطقة جرابلس لتشكيل أغلبية عربية بين منطقتي عفرين و كوباني الكورديتيتن .
      كما انشأت مستوطنة قصرك في منطقة الدرباسية ومستوطنتي الزهيرية و الاحمدية في منطقة الديريك بمحاذاة نهر دجلة  .


في عهد الانفصال عام 1962ألغي قانون الإصلاح الزراعي و توقفت عمليات السيطرة على الأراضي الكُردية وبناء المستوطنات للعرب فيها ، إلا أن السياسات والمشاريع المناهضة للكرد لم تتوقف .
 بعد انقلاب آذار ومجيئ حزب البعث إلى السلطة عام 1963، صدر المرسوم التشريعي /88/ الذي أعاد الحياة الى قانون الإصلاح الزراعي المذكور مع إدخال بعض التعديلات.

وجاءت في التعديلات المذكورة فقرة تقول : “ان الأفضلية بالإنتفاع في أراضي الاستيلاء هي للفلاح أو العامل الزراعي وحامل الشهادة الزراعية من أهل القرية اولا ثم من القرية الاقرب” ، لكن الممارسة الفعلية كانت عكس ذلك.
    رافقت عملية الإصلاح الزراعي جملة من القرارات الشوفينية و العنصرية والتي صدرت عن المسؤولين في دمشق والحسكة، هذه القرارات التي انتهت بإنشاء ما سمى بالحزام العربي في الجزيرة ، واستمر إستخدام هذه التسمية بشكل رسمي حتى عام 1966,بعد إنقلاب الجناح اليساري في حزب البعث، وسيطرته على السلطة عام 1967 تم تغيير الاسم الى (الحزام الأخضر) الا ان المضمون بقي كالسابق.
المساحات التي تم الاستيلاء عليها والتي خصصت لمزارع الدولة في محافظة الحسكة كانت كبيرة مقارنة مع باقي المحافظات السورية، مثلاً دمشق 614 هكتار ، حلب 167 هكتار ، الاذقية وطرطوس 300 هكتار، مجموع هذه المساحات والمخصصة لمزارع الدولة هي 1081 هكتار ، اما في الجزيرة وحدها 138853 هكتار، أي تساوي  130ضعف مجموع مساحات مزارع الدولة في المحافظات الاربعة.
الظروف والمقدمات التي أدت الى إنشاء الحزام العربي:
      يتذرع الشوفونيون العرب بأن  تأسيس الحزب الديمقراطي الكُردستاني في سوريا عام 1957, كان السبب الاول لإستيقاظ  الفكر القوموي العربي الشوفيني ، أما السبب الثاني هو قيام الثورة الكُردية بقيادة الزعيم الكُردي المرحوم ملا مصطفى البرزاني في كُردستان العراق 1961.

وقد روج لهذه الفكرة بعض المثقفيين وبعض الشخصيات الكُردية المقربة من السلطة، مستغلين ظروف ضعف الحركة الكُردية.
حقيقة ميلاد الحزب الديمقراطي الكُردستاني في حزيران 1957 جاء بعد الدعوات العنصرية ضد الشعب الكُردي بسنوات ، وأيضا نتيجة الاجحاف بحق الكُرد وحرمانهم من ابسط حقوق المواطنة وحقوق الانسان ، رغم الدور المهم للشعب الكُردي في استقلال سوريا.
   في الواقع أفكار ومشاريع الشوفينيين العرب تعود الى ما قبل هذا التاريخ بكثير، تعود إلى ثلاثينيات القرن المنصرم، فزكي الأرسوزي الذي أصبح احد مؤسسي حزب البعث فيما بعد،  كان ينظر الى ثورة ابراهيم هنانو بعين الشك، حيث كان يعتبر ابراهيم هنانو اكثر خطرا من الفرنسيين لكونه كُردي، أما ميشيل عفلق المؤوسس الآخر لحزب البعث العربي وأمينه العام ، لم يرضى على ضم الكُرد في الحزب الإشتراكي العربي الذي كان يترأسه أكرم الحوراني عند توحيد الحزبين المذكورين ، وإنشاء حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1952.
    حزب البعث يرفض التعددية القومية، حيث أن المادة السابعة من دستوره ينص ”  الوطن العربي هو البقعة من الأرض التي تسكنها الأمة العربية والتي تمتد ما بين جبال طوروس وجبال زاغروس والخليج العربي والبحر العربي وجبال الحبشة والصحراء الكبرى والمحيط الاطلسي والبحر المتوسط  ”  انطلاقا من هذه المادة ومواد اخرى كالمادة 11 والمادة 15, يرفض حزب البعث وجود أي أرض غير عربية في تلك البقعة الجغرافية ، ويؤكد انه سيجلي عن الوطن العربي كل من دعا إلى تكتل عنصري ضد العرب ، كما انه وحسب هذا التعريف يطالب حتى بمناطق أمد ( ديار بكر) من أراضي كُردستان تركيا.
 
 يأتي الى جانب هذه الافكار المتطرفة و العنصرية الموقف التركي و الإيراني و العراقي العنصري تجاه الشعب الكُردي ، هذه الدول التي  تشارك سوريا في تقاسم كُردستان، وترفض الاعتراف بالهوية القومية الكُردية، بشكل خاص تركيا و إيران .

هذه الدول شاركت بعضها في مشاريع خاصة حيال القضية الكُردية في المنطقة و سبل طمسها بهدف القضاء عليها .كما أن ظروف الحرب الباردة في ذلك الحين ساعدت أيضا سوريا لتنفيذ مشاريعها ضد الكُرد رغم المعارضة الكُردية لهذه المشاريع ، و انتفاضات القرى و الفلاحين الكُرد لسياسات النظام في الإستلاء على أراضيهم ، و منحها لعرب من محافظات بعيدة ، لم تلقى الآذان الصاغية من قبل المجتمع الدولي .
     إنطلاقأ من تلك الافكار العنصرية أصدر الملازم الأول محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية  في محافظة الحسكة كتاباً في أوائل الستينيات بعنوان ” دراسةعن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية و السياسية ” مليئاً بالتلفيقات والاضاليل ينبع عن الحقد والعنصرية والشوفينية القومية العمياء ضد ابناء الشعب الكُردي في سوريا.اذ يقول :
.

إنه قد آن الأوان لوضع خطة راسخة لهذه المحافظة ، وتنقيتها من العناصر الغريبة كي لا يبقى الأغيار ومن ورائهم الأستعمار يعثون فسادا في هذه الرقعة الغالية ذات الثروات الكبيرة من الداخل القومي  وخاصة أن روائح البترول قد أخذت تفوح فيها …ص4
….

إذا يمكننا القول بأنه ليس هناك شعب بمعنى الشعب الكُردي ولا أمة بكاملها بمعنى الأمة الكردية … ولغته ليست بأصل الا لهجات خاصة كلغة ” النور ” ليس أكثر ……ص8
….

لا يتعدى الشعب الكوردي هذا المجال، حيث لا تاريخ لهم ولا حضارة ولا لغة ولا جنس حتى … اللهم ألا صفة القوة والبطش والشدة ……ص9
ليست المشكلة الكوردية الآن وقد أخذت في تنظيم نفسها إلا أنتفاخ ورمي خبيث،نشأ أو أنشئ في ناحية من جسم هذه الأمة العربية وليس له علاج سوى بتره ….ص10
لذا وبناء على ذلك يجب أن ننظر إلى الأكراد بأنهم قوم يحاولون بكل جهدهم وطاقاتهم وما يملكون لأنشاء وطنهم الموهوم حيث يترتب على هذه النظرة كونهم أعداء ولا فرق بينهم وبين إسرائيل ورغم الرابطة الدينية فأن ( يهودستان ) و ( كوردستان ) صنوان ….ص44
  بعض مقترحات  محمد طلب هلال:
1-     أن تعتمد الدولة على عمليات التهجير إلى الداخل، مع التوزيع في الداخل ومع ملاحظة عناصر الخطر أولاً بأول, ولابأس أن تكون الخطة ثنائية أو ثلاثية السنين تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقل خطورة وهكذا..
       2- الأكثرية الساحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية ، لذا يجب سحب الجنسية  السورية منهم
       3-  سد باب العمل: لابد لنا أيضاً المساهمة في الخطة، من سد أبواب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع: أولاً :غير قادر على التحرك، وثانياً: في وضع غير مستقر ومستعد للرحيل في أي وقت.

وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزراعي أولاً في الجزيرة بأن لايؤجر ولايملك الأكراد, والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد الله.
4- إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكُردية على الحدود فهم حصن المستقبل ورقابة بنفس الوقت على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم ونقترح أن تكون هذه العناصر من شمر لأنهم أولاً أفقر القبائل بالأرض وثانية مضمونين قومياً مئة بالمئة.

5- جعل الشريط الشمالي للجزية منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة حيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب واجلاء الأكراد وفق ماترسم الدولة من خطة.

      * عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردي في سوريا
المراجع:
1-     الحزام العربي، مقدمات ومراحل التنفيذ – برزان مجيدو.
2-     المسالة الكُردية في سوريا- د.

عبدالباسط سيدا.
3-     دراسة عن مجافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية-محمد طلب هلال .

4-     دستور حزب البعث.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…