إلى أي هاوية تتجه الحركة …..؟

نور شوقي كوراني

عندما نستشهد بكلمة السياسة في نقاشاتنا, أو سجالاتنا فإننا نعتمد على تعريفها كما ورد في الكتب والمعاجم السياسية والفلسفية فنقول: بأن السياسة فن الممكن .

إذا فالسياسة قبل أن يحولها البعض إلى لعبة فهي فن كباقي الفنون لها مدارسها ومذاهبها , وأصبحت فيما بعد لعبة لمن تمكن من السيطرة على مفاتيحها وأدواتها مع الأخذ بعين الأعتبار وضع الحد الممكن لتلك اللعبة .

الشعب الكردي ككل الشعوب المضطهدة , تذوق مرارة لعبة هذا الفن بكل أشكاله وألوانه , ولازال .

كما توهم البعض من السياسيين الكرد و للوهلة الأولى بأنهم تمكنوا من اللعب بالسياسة كغيرهم (معها أو بها) إلا أن الحقيقة تقول: بأن السياسة هي التي لعبت بالمصير الفعلي للشعب الكردي منذ إتفاقية سايكس بيكو المشؤومة , وما زالت المؤامرات مستمرة الى يومنا هذا, والسبب يعود حسب رأيي إلى عدم إعطاء السياسيين الكرد في سوريا الأهمية , أو البعد الدلالي لكلمة (الممكن) .
فقد أولها كل منهم بشكل مبسط وسطحي .

فالبعض أعتبرها كلمة عابرة , والبعض الأخر خمن وجودها لتجميل وجوب التعريف , والبعض عربها بأنها فعل قاصر مبني على ألا شيء …………..

إلخ .

, ولولا ذلك لما إنهالت الويلات والفواجع على هذه الحركة منذ تأسيسها ولازالت تتلقى طعنات الغدر في ظهرها , وعلى أكثر من مستوى وفي أحلك الظروف التي مرت ولازالت تمر بها.


بهذا الصدد لن نرجع إلى الوراء إلا بما هو مفيد ومختصر, يكفي أن ننوه بأن فيروس الإنشقاقات لم يزرع في جسد الحركة دون هباء , والمفارقة التي تبكي وتضحك في آن معا ً , هي أن كل عملية إنشقاق حدثت وجدت لها المبررات المقنعة والحيثيات الضرورية هذا بالإضافة إلى الأهداف السامية المعلنة والغير معلنة , وللأسف كان يتم ذلك بعيدا ًعن منطق التفكير بوجود خلفيات رخيصة أو نزعات أنانية ضمن الإطار الشخصي أو مآرب سخيفة, أيضا ً وفي الآونة الأخيرة تم زرع فيروس آخر في إسفين الحركة هدفه الإطاحة هذه المرة بالنظام المؤوسساتي الموجود بين أطراف الحركة.

هل كل ماحدث كان بمحض الصدفة ؟!
قبل كل شيء ومع عدم إحترام كل من ساهم ولازال يساهم في الإساءة إلى الحركة الوطنية الكردية أقول : بأن شعوب العالم حين وجدوا ضالتهم في لعبة السياسة للأنعتاق من الظلم والاستبداد, ولنيل حقوقهم المشروعة , فقد خولوا حينها نخبهم الوطنية الواعية في ذلك الشأن وتوكلوا عليهم كل التوكل في مسيرة النضال السياسي .

إلا أنهم وقبل البدء بأي شيء , أجروا معادلة حسابية بسيطة بينهم وبين نخبهم فتم تحديد القيم والثوابت الأهداف وسبل تحقيقها , وذلك في الإطار القومي والوطني , وقد إتفق الطرفان على تلك المعادلة وبشروط قاسية حيث ألزمت الشعب بالتأييد الكامل والمطلق لتلك النخب (ماديا ً ومعنويا ً) , كما الزمت النخب مبدأ التضحية وبكل ماتعنيها تلك الكلمة من دلالات ومعانً , وبعد كفاح مرير إستطاع الطرفين جني ثمار إتفاقهم ونضالهم مما جعلهم فيما بعد أن يصبحوا أسياداً على أنفسهم , طبعا ضمن الحدود الممكنة لكل شعب وضمن ظروفهم الذاتية والموضوعية .أما البعض من قيادات الحركة الكردية , أو بالأحرى بعض النخب الكردية الواعية التي خولت نفسها بنفسها للسير بعبء قضية الشعب الكردي كما يفترض في مسيرة النضال السياسي .

سنلاحظ بكل الأسف , خاصة إن وضعنا معيار قومي ووطني لمشروعيتهم سنجد بأن أغلبهم فاقدين تلك الشرعية , حتى نستطيع أن نقول بأن أغلبهم لا نسب لهم على الساحة النضالية , ولأسباب لا تحصى ولا تعد .

يكفي أنهم تسببوا في خيبة أمل الشعب الكردي بهم طيلة الخمسون سنة المنصرمة , ويكفي أنهم تسببوا في سلسلة من الإنشقاقات منذ عام 1965 م.

وما بعد , حيث شاركوا بشكل فعلي ودون مناسبة أو ضرورة إلى تضخم أرقام الأحزاب أو وجود مبرر مقنع لذلك الأزدياد , بإستثناء مبرر واحد ووجيه , ويكمن ذلك في وجود عقلية عشائرية صرفة , إقصائية مفعمة بعقد نقص تحركها وتحرضها رموز عشائرية عفنة وعوائل تقليدية عفا الزمان عن وجودها بهذا الشكل ,حيث كانت ولا زالت تعيش في زمن ٍ مضى و وسط نخبة من البرجوازيين ممن يتفيئون في ظل الشعار القائل (أنا كبيركم ولكن لا تقتربوا منمحفظتي) , أيضاً وسط نخبة من المثقفين الإنتهازيين .

همهم الأكبر المحافظة على مكاسبهم ومصالحهم الشخصية , ودون الأعتبار إلى دورهم النضالي على المستوى القومي والوطني .
طبعا ًفي هذا السياق لن ننسى تلك الأيادي الخفية التي تبارك دوما ً إعلان حزب جديد هذا بالإضافة إلى وجود أرضية خصبة لدى القواعد لتقبل عملية الإنشقاق بصدر رحب , وعلى أنها عملية تجديد , أوعملية فكرية ستخدم القضية .

وهذا كله يعود إلى الموروث الإجتماعي البالي والمكتسب في آن واحد , أيضا ً، و إلى نمطية النفسية المركبة لدى الإنسان الشرقي بشكل عام والكردي بشكل خاص بما إنه معني بالموضوع أكثر من غيره .
هكذا وبهذه الأرقام التي تزايدت يوما بعد يوم في جسد الحركة .

حيث رجع عقلية البكوات والأغوات في مجتمعاتنا لكن هذه المرة بحلة جديدة تواكب تقدم هذا العصر , فأصبح كبير هذه العشيرة أميناً عاما وكبير العشيرة الثانية رئيسا وكبير العشيرة الأخرى سكرتيرا , أما العشائر الصغيرة فقد إكتفى كبارها ووجهائها بمنصب عضوية المكتب السياسي أو اللجنة المركزية وما دون .


أيضا ً لن ننسى في سياق ما ذكر إتكاء البعض على الرموز التاريخية والتبجح بها , حيث لازمت تلك الرموز الفكر القومي الكردي حتى ماقبل نشأته, وأصبحت مقدسات لدى الشعب الكردي , ولكن بالنسبة لمن ذكروا كانت العملية مجرد مزاودة على الغير أو متاجرة رخيصة بتلك الرموز وكما يقال:
فاقد الشيء لا يعطيه وهؤلاء لا شيء لديهم سوى التشبث بتلك المقدسات تحت ذرائع واهية أهمها الدفاع المميت عن تلك المقدسات وهم في الحقيقة لا يستطيعون حتى الدفاع عن أنفسهم , مما أدى بهم الحال أن يجعلوا تلك المقدسات علاقات ٍ يعلقون عليها خيبة أملهم وفرارهم الدؤوب عن دورهم المطلوب في كل مرحلة , ناهيك عن التلاعب بالأفاظ السياسية تارة ً, وتارة أخرى التبجح بالقيم الوطنية والقومية في الكثير من المحافل , وبالمقابل يقومون بنسف أي تقارب بين حزبين أو موؤسستين , أو حتى مشروع قد يخدم القضية بشكلها العام والخاص (المرجعية الكردية والمؤتمر الوطني) وصولا ً إلى نسف الرؤية المشتركة بين أطراف الحركة , وأخيرا وليس أخراً قاموا بتوجيه ذلك الفيروس المتطور إلى بنية هيكلية إحدى المؤسسات الموجودة (التحالف) فعطلوا ألياتها وهدموا هرمها التنظيمي محاولين تبخير مفعولها القومي والوطني لأسباب وإعتبارات غير واضحة المعالم .
وماذا بعد ؟ إلى أي هاوية تتجه الحركة الوطنية الكردية في سوريا بفضل البعض من أبنائها البررة ؟ , هؤلاء الذين لم يدركوا بعد معنى (الممكن) ؟ وماهو ؟
فقد حاولوا أن يلعبوا لعبة السياسة إلا أن إرادتهم الضعيفة أدت بهم أن يصبحوا مفرغي المضمون .

فقد تغاضوا في لهوهم عن ذلك الممكن ولأسباب أيضا غير واضحة المعالم ، او قد تكون واضحة المعالم.

حيث كان ذلك الممكن في يوم من الأيام بالنسبة للشعب الكردي كل القيم النبيلة والثوابيت القومية والوطنية , طبعا ولا زال , حيث بنى الرواد هيكلية أول تنظيم سياسي كردي عام 1957 م على أساس تلك القيم والثوابت .

بعد كل ماذكر هناك تنويه صغير يجب أن يذكر , وهو أن التاريخ سيذكر كل ماحدث بأدق التفاصيل , وما فعله كل مسيئ, و خاصة الذين يحاولون السيطرة على مؤسسة التحالف, و التفرد بقرراتها متناسين فائدة مبدأ التوافق في هذة المرحلة التاريخية, وهم متاثرين بالانماط السياسية السائدة.

كما سيذكر أن ما سيتمخض عن هذه المرحلة , وعن كل اللعب القائم بمصير الشعب الكردي في المرحلة القادمة , إطارين لاثالث لهما , أو توجهين أيضا لاثالث لهما .

إحداها ستسير في مسار الكردايتي الصرف , أما الأخرى وبقصد من الإمام الذي يتظاهر للملأ بأنه مبجل سيبتعد عن المسار الاول ولغاية في نفس يعقوب .

لكن من سيحاول الصلاة وراء ذلك الإمام أو السير في مساره كأنه يتوجه إلى هاوية التلاشي , أو إلى بوابة جهنم وهو متوهم بأنه متجه إلى بوابة الجنة.


لا زال هناك متسع من الوقت لكي نفكر فيما نحن قادمون عليه, ونستطيع أن نراجع حساباتنا ونعدل من قراراتنا .

لأن المرحلة حساسة وحرجة جدا ً, ونحن أحوج من أي وقت مضى إلى التكاتف إن كان ذلك على المستوى القومي أو الوطني .


يكفي عار الإنشقاقات والمهاترات واللعب بمصير الشعب الكردي , وقد يغسل ذلك العار في يوم من الأيام بنضال كردي وطني .

لكن حسابات التاريخ دقيقة ُجدا ولاتقبل الأعذار والمبررات , وعارالقيادات المهزوزة في التاريخ لايستطيع أحد غسله إلا التاريخ نفسه .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…