رجل استخبارات مديراً لقناة تركية بالكردية

هوشنك أوسي 

منذ أكثر من سنة والحديث جارٍ في تركيا حول اقتراب موعد تخصيص قناة من قنوات هيئة الإذاعة والتلفزة التركيَّة «تي آر تي» الرسميَّة، للبث باللغة الكرديَّة.

وسوِّق غزيراً لهذه الخطوة، باعتبارها، «انفتاحاً على الثقافات غير التركيَّة الأخرى، الموجودة في تركيا»، وأنها ثمرة «الجهود» الأردوغانيَّة الراميَّة للإصلاح والتغيير، وأن عقدة الأقليَّات القوميَّة على وشك الحل، على يدّ رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان.

وقبل فترة، عدل البرلمان التركي بعض المواد المتعلِّقة بالبثِّ التلفزيوني، لإجازة البث باللغات المحليَّة.

وأعلنت مؤسَّسة الإذاعة والتلفزة الرسميَّة التركيَّة «تي آر تي»، عن رغبتها في تكليف إدارة القناة المخصَّصة للبثّ باللغات المحليَّة لشخص يحمل الشرطين: أولاً ان يكون كرديّ الأصل.

وثانياً ان يجيد اللغة الكرديَّة الفصحى ولهجاتها في شكل جيّد.

إلى جانب شروط سياسيَّة، منها: «أن يتمتع بحس قومي تركي عالٍ، وأن يكون مناهضاً للنزعات الانفصاليَّة».
طبعاً، من دون أن تشير «تي آر تي» للمهنيَّة والحرفيَّة في العمل الإعلامي اللتين ينبغي وجودهما في المسؤول المطلوب، المأمول تعيينه كمدير لقناتها.
 ومن هذه الشروط، يستشفُّ فحوى المنتوج الإعلامي الذي ستقدِّمه هذه القناة المرتقبة.

وقبل أيام، كشفت «تي آر تي» عن اسم الشخص الذي رسى عليه الاختيار، وهو سنان إيلهان، والكاتب الكردي أوموت فرات مستشاراً له.

وسنان إيلهان، كرديُّ الأصل من مواليد روها سنة 1961.

يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة أتاتورك.

بدأ العمل في دائرة الاستخبارات في وزارة الخارجيَّة التركيَّة منذ أن كان عمره 26 سنة، وتجوَّل بين البعثات الديبلوماسيَّة التركيَّة، في الوظيفة ذاتها.

ففي سنة 1996 كان في السفارة التركيَّة في تل أبيب، وسنة 2002 في الإمارات، وقبل أن يتقلَّد هذا المنصب، كان يعمل الوظيفة ذاتها في السفارة التركيَّة في بغداد.

ويُقال أنه يجيد الكرديَّة، العربيَّة، الفارسيَّة، العبريَّة، الإنكليزيَّة، وكذلك التركيَّة بطلاقة.
بعض المراقبين، ينظر بعين الشكِّ والريبة الى هذه الخطوة التركيَّة.

إذ يعتبر القسم الكرديّ فيها، لزوم الاستهلاك السياسي المحلِّي والإقليمي، بخاصَّة لدى الأوروبيين الذين يطالبون تركيا برفع الحجْر عن الثقافات الأخرى الموجودة في تركيا، بغية منحها تذكرة الدخول للنادي الأوروبي.

أمَّا القسم العربي والفارسي، فيعتبرونها أيضاً لزوم التسويق للسياسة الرسميَّة التركيَّة لدى الشعبين العربي والفارسي.
قصارى القول: تسعى تركيا، بإطلاق هذه القناة، لإصابة عصافير عدة، بـ «حجر» سياسي، إعلامي، واحد.

لكن، يبدو أنها أصابت نفسها، بذلك الحجر.
وما بات في الحكم المفروغ منه، إنه وحتَّى لو كانت هذه القناة الرسميَّة التركيَّة، كرديَّة بالكامل، فإنها، لن تمتلك فرصة منافسة القنوات الكرديَّة الأخرى التي تبثُّ برامجها من أوروبا وكردستان العراق، خصوصاً بعدما انكشف أن مدير هذه القناة، رجل استخبارات، من الطراز الرفيع.

الحياة     – 25/06/08

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…