أفاق بين الانتكاسات و الانجازات للحركة السياسية الكردية في سوريا

أحمد قاسم

   يبدو لي أن الحركة التحررية الكردية في مجملها وصلت إلى مفترق صعب ، تحاصرها معالم متعددة من المفاهيم ، حديثة في تكوينها ، ومعقدة في بنيتها التي تتفاعل يوم بعد يوم وتفرز ردات فعل غير طبيعية .

تقذف بالماضي و بكل انجازاته وتتهيأ للمستقبل من حاضر تشوبه الضبابية في الوصف و التقييم لدى الكثيرين من المهتمين ذوي الانتماءات المختلفة حين تحمل في طياتها عقلية الانتقام وحيناً أخر هرباً من دفع فاتورة الانتكاسات .

   ففي المحيط الذي تتخبط فيه الحركة السياسية الكردية هذه الأيام وكأننا نعيش ظرفاً انتكاسيا نحاول من خلاله إيقاع اللوم على الأخر .

والكل يتبرأ من خلال إبداء رأيه حول هذه المرحلة ليتبرأ من الماضي و الحاضر وكأنه يحمل بين جوانحه الفاعل المستقبل ويحمل في جعبته التفاؤل من خلال خطاباته التي لا تتجاوز في معانيها خطابات تعودنا عليها منذ استلام حزب البعث السلطة في سوريا مع شيء من التجميل قد تواكب مرحلتنا الراهنة …
   فهل الانتكاسة واقع أم افتعال  ، فإذا كانت واقعة، علينا أن نوضح معالمها بشكلٍ دقيق و تفصيلي لتشخيص المقدمات و لتشريح مفاصلها من دون إعطاءها جرعات مهدئة لتظهر عوارضها بعد فترة وجيزة قد تكون في ظروف أصعب و أحرج بحيث لا نستطيع التمكن من التفكير في الإسعافات الأولية حتى .


    ففي حالتنا هذه علينا الاستعانة بالاستقراء الهادئ للواقع و الرجوع إلى مراحل ما قبل الأزمة لتلافي الأخطاء ، ونحدد مواقع الجرم لمعالجتها سريرياً  .

حينها يصعب على المرض التفشي في جميع أعضاء حركتنا السياسية ، ويتم السيطرة على استفحال الحالة  و وقاية الجسم العام من الوباء .

أما إذا كانت الانتكاسة مفتعلة ، وأنا أميل إلى هذه التسمية اعتماداً لقراءتي للواقع المعاش مع تفاصيل المجريات وبالتالي فهي ليست إلا افتعال متعمد وكل ذلك بغية تعكير الأجواء من خلال الاتهامات جزافاً من قبل بعض الأطراف ، وبمساعدةٍ  عدد من الشخصيات المتورطة داخل أطراف أخرى ، وهي مقدمة لمشاريعٍ تتعارض مع تفعيل الشارع الكردي بما يجب تفعيله .

وان ما يشاع هنا و هناك ليس إلا مبررات تصب في خدمة الفاعل الأساسي الذي يدفع بالمفتعل لخلق مثل هكذا وضع الذي من شانه نسف كل الانجازات التاريخية لهذه الحركة …
   وبين هذا وذاك ، تتفاعل الأطراف وتتهم بعضها البعض لتعميق الجرح المندمل وتنفتح على مصراعيه، لتنزف على الشارع الكردي أزمات لاحقة…
   أما الذي نراه اليوم ، ليس وليد صدفة .

بل إنما نتيجة للأخطاء المتراكمة في المراحل السابقة التي نظمت كل العلاقات الحزبية – الحزبية بشكل خاطئ أو هش تفتقد إلى الثقة البينية والتي انعدمت في تركيبتها التوافق الفكري والاستراتيجي لتحديد الأهداف و الغايات المشتركة بين الأطراف ، تخللها بعضاً من المشايع المهمة كمجلس العام للتحالف و مبادرة المشاركة في تأسيس إعلان دمشق .

وهذا الأخير على ما يبدو كخطً احمر أمام التحرك السياسي الكردي، وضعتها السلطة السورية منذ سبعينيات القرن الماضي ، لعزل الكرد عن المجتمع السوري و محاصرته في موقعه الهامشي على مستوى الوطن .

ولكن المتغيرات و المستجدات التي طرأت على المنطقة شجعت بعضاً من القيادات الكردية لتخطي المحظور و الانخراط مع المجموعة العربية و الأشورية لتشكل المعارضة السورية المعلنة في قلب العاصمة السورية ( دمشق ) .
   وذلك ما أدى إلى تحريك أجندة النظام السوري داخل الأحزاب الكردية بدون استثناء لخلط الأوراق ، ونبش الجراح من جديد بين أطراف حركتنا السياسية بعيد حملة الاعتقالات التي استهدفت قيادات إعلان دمشق .
   حيث أنني نوهت في مقالتي السابقة عن مدى خطورة الاختراقات الحاصلة من قبل النظام الأمني السوري داخل قيادات حركتنا الكردية .

ومن هنا أتوقع أن القرار الكردي محكومٌ عليه ، فلا أتوقع أن ترجع الحالة إلى ما كنا عليه سابقاً .

وان الانجازات التي تحققت أصبحت للماضي والتي نسفها الحاضر .

أما المستقبل ، يقع على عاتق البقية الباقية من قياداتنا الغير مخترقين من قبل النظام للتحرك قدماً لأخذ المبادرة و بشكل فاعل ، لإنقاذ ما تبقى من الانجازات إن بقيت ، حيث علمنا التاريخ إن وراء كل انتكاسة اندفاع جديد لتحقيق انجازات خلاقة .

وان حركة شعب مضطهد ستصطدم بمآس مختلفة في حياته ولكن النصر ينتظره في النهاية مادامت دماء الحياة تجري في عروقه وشبابً يؤمنون بتقديم التضحيات .

عندها ستخيب آمال المخترقين وتسود وجوههم أمام انتصارات شعبهم مهما تحايلوا و تلبسوا نفاقاً …

السليمانية24-6-2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…