مشروع المرجعية الكوردية في سوريا

 بقلم : م .

رشــيد

    سئم الشعب الكوردي حالات التمزق والانقسام المتكررة في حركته السياسية  منذ أن انقسم أول تنظيم على نفسه بين يمين ويسار وإلى تاريخه ، فقد كان مطلبه الدائم والأساسي  هو توحيد الصف والخطاب الكورديين ، مدركا ً تماما ً أن قوة الحركة وفاعليتها  في وحدة فصائلها ، ولكن كلما زاد من ضغوطاته تقوم القيادات  ( للأسف ) بالعمل ضد رغباته ، وذلك بالالتفاف على دعواته وافراغها من محتواها من خلال تشكيل أطر تجميعية بمسميات متعددة ( ميثاق ، جبهة ، تحالف ، تنسيق ، ….

) على أساس التمحور والاصطفاف ، من منطلق تصفية الحسابات الشخصية ، و الانتقام  لمصالح حزبوية ضيقة ،  بناء ً على ردود أفعال آنية حاصلة ، وظروف موضوعية طارئة ، بعيدا ً عن العلمية والواقعية والشعور بالمسؤولية  … ، تبتغي من تشكيلها  :
     أولا ً : إما لاعطاء الشرعية لانشقاق حاصل ، أو لمواجهة تيار صاعد في دوره ومتعاظم في تأثيره  وطنيا ً أو قوميا ً ( والذي من شأنه جلب المتاعب لها وجرها إلى مواقع هي بغنى عنها  ) .
     ثانيا ً : أو لتبرير ضعفها و اخفاقاتها ، وبالتالي حماية ذاتها  من خلال تلك التجمعات  .


     ثالثا ً : أو للتغطية على أزماتها الخانقة  من تنظيمية وسياسية وثقافية ….

، و تبرير اخفاقاتها ، وبالتالي حماية وجودها كحزب معترف به ضمن التكتلات القائمة  .
     رابعا ً : أو لارضاء قوى خارجية مؤثرة في تكوينها و متحكمة بمصيرها وإرادتها  .
     خامسا ً : او لتوافق تغيرات جارية في واقع ومواقع قوى كوردستانية  ، تراها أحزابنا  أبا ً شرعيا ً يمنحهم الحياة والحركة ويرشدهم إلى ما يفكرون ويعملون   .

     كل انقسام جديد في جسد حزب كوردي ، أو انهيار جديد لكيان متكتل قائم ، هو بمثابة كارثة تعمق الأزمات وتزيد المصاعب والمتاعب ، فتخلق الأحقاد والضغائن ، وتهدر الطاقات والامكانات ، وتضيع الفرص ، وتحدث الفوضى والاضطراب ، وتحصل الاختراقات في مفاصل التنظيمات ومراكزها  من قبل أشرار أو أناس غير مناسبين وغير أكفاء ، وهكذا يستمر النخر والتخريب في أوصال الأحزاب ، وتصبح عاجزة على الشفاء والاصلاح والنهوض ، فتبقى رهينتة بيد قوى الظلام من انتهازيين ومتربصين بحيث تكون مهيأة لانقسامات أخرى وأخرى كلما دعت الحاجة والطلب ، بمعنى آخر إن الولادة الغير طبيعية لمعظم الأحزاب  جعلتها تنمو مشوهة في امكاناتها و ناقصة في مقوماتها وبذلك تبقى عاجزة عاى التجدد والتطور تبعا ً للأوضاع والظروف المتغيرة … فتتحول بالنهاية إلى تجمعات بشرية مناسباتية  غير منسجمة في التركيب والتشكيل ( غير مؤسساتية ) ، مختزلة في ذروة نضوجها في شخص الأمين العام العتيد ( أو الرئيس ) الذي تسمى وتعرف باسمه في جميع المواقع والمحافل ، وتصبح تلك التجمعات غاية ووسيلة لاستملراريته وبقائه على رأس الهرم الذي أنشأه على مقاسه ومذاجه ، ويصبح هو وسلوكه وتفكيره أسباب رئيسية وأساسية في دوام أزمة الحركة وتفاقمها  ، وتبقى  القضية بهمومها وشجونها جسرا ً لتوطيد وترميم ذاك الهرم  .

     إن الانهماك في المشاكل الداخلية ، والانشغال بالشؤون الذاتية ( من تشرذم وتصارع ) يجردان الأحزاب من الأهلية والشرعية والصلاحية لقيادة الجماهير الكوردية ، لأنها تفتقد إلى مشروع واضح وموحد لحل القضية الكوردية في سوريا   ، ولا تمتلك الأداوات المناسبة والكفيلة من مؤسسات ومنظمات وهيئات  لترسم البرامج والخطط وتسعى لتنفيذها  ، فالارتجال والانفعال ورد الفعل المرافق للأحداث تتدخل بشكل أوبآخر على آليات اتخاذ القرارات والمواقف وطبيعتها ومضامينها  ، إلى جانب المنطلقات الحزبية و التأثيرات الشخصية  …
     مهما كانت الذرائع والحجج …  فلا تبرر مطلقا ً الانقسامات والانشقاقات العشوائية المتكررة ، ومهما كانت الأسباب والعوامل فلا تسمح بهذا العدد الهائل للأحزاب ، فلا قوانين المنطق تبيحه ، ولا قواعد الاجتماع والفلسفة والسياسة تجيزه ، ولا البيت الكوردي  يستوعبه ….


    
     لم يكن نبأ انهيار التحالف مفاجئا ً بقدر مأساويته ، لأن الشارع الكوردي اعتاد على هكذا مصائب ، لا بل يعيبه ويستنكره ، ليس تشفعا ً لأحد أو دفاعا ً عن أحد مهما كان موقفه وموقعه ، ولا نستثني أحدا ً من تحمل المسؤولية ،  إنما حزنا ً ورثاء ً  على حالة الحركة الكوردية المريضة والمأزومة فعلا ً وحقيقة ً ، فالانقسام الحاصل  ( كسابقاته)  لم يكن وليدة موقف مبدئي وحسم سياسي  لفرز قومي أو صراع طبقي أو خلاف فكري   ….

 ، بل هي نتيجة لتراكمات واحتقانات قديمة سبق ذكرها  ،  ففي الوقت الذي كان الشارع الكوردي  ينتظر بفارغ الصبر اعلان خبر تشكيل مرجعية كوردية  لتأخذ الحركة الكوردية موقعها المناسب والمطلوب على الساحة في ظل التحولات والتغيرات الجارية محليا ً واقليميا ً ودوليا ً ، تتلقى الضربة موجعة وقاسية أكثر من أي مرة ، لأن الأوضاع حرجة والتحديات كبيرة والمنطقة تمر بظروف صعبة في ظل النظام العالمي الجديد بمفاهيمه وتقنياته  ،  وكذلك لأن الأحزاب قد اقحمت ( ورّطت ) مستقلين   ( بغض النظر عن هوية ونوعية المقحمين في هذا الحدث  ، فمسألة المستقلين تحتاج إلى دراسة ومناقشة ، فلنا تحفظات عديدة عليها  )  في تحمل مسؤولية الانقسام ، وهذه سابقة خطيرة في التعامل مع ممثلي باقي شرائح المجتمع الكوردي  و في محاولات اشراكهم في القضايا القومية والوطبية ،  فإن شرخا ً قد حصل ، و أشار بوضوح و مباشرة  إلى زعزعة الثقة و الريبة  والحذر والتخوف ….

لدى المستقلين   قبل الاقدام على أية مغامرات مع الأحزاب … ، هذا على المستوى القومي الكوردي ، أما على المستوى الوطني  فقد كانت الضربة إنذاراً مؤلما ً وبليغا ً للعمل المشترك بين الأحزاب الكوردية من جهة والقوى الوطنية والديموقراطية  المعارضة من باقي القوميات والتيارات والفعاليات  من الشعب السوري  ( إعلان دمشق ) ، فآثارها ستكون وخيمة وثقيلة  على السوريين عامة والكورد خاصة  .
    
     أما في الجبهة المقابلة فمازالت المشاريع التمييزية ترسم باتقان شديد ووتيرة عالية ، والقوانين الاستثنائية تطبق بشكل منظم على قدم وساق وبوسائل وأدوات محكمة التخطيط والتنسيق :  
     أولها : زرع روح الفتنة والشقاق والفرقة في جسد الحركة الكوردية وتنشيطها متى ما استدعت الضرورة ، وثانيها : تطبيق سياسة التجويع والتغريب والتهجير بشكل أو بآخر ، و ثالثها :  السعي الجاد  لتخوين الكورد وعزلهم وطنيا ً واتهامهم بمشاريع وأجندات خارجية ، و رابعها : معاقبة الكورد وممارسة كافة أشكال العنف والارهاب ضدهم  ، ….

إلى آخرالقائمة من الاجراءات والممارسات .


     فأين هي الأحزاب الكوردية بمواقفها ومواقعها من تلك القائمة  ومن نفسها  ؟
     كما أن عجز الأحزاب من تحقيق أي انجاز من قائمة المطالب والحقوق القومية والوطنية المشروعة والعادلة  خلال مسيرة الأربعين سنة الماضية ، ألا يثير الاستفهام والاستغراب ؟

     وكذلك بقاء الشعب الكوردي مضطهدا ً ومظلوما ً ومحروما ً يئن تحت وطأة المشاريع الاستثنائية العنصرية الجائرة المطبقة بحقه وفي مناطقه  منذ نشأة الدولة السورية وحتى تاريخه ، أليست هناك من أطراف تتحمل المسؤولية  ( قانوبية كانت  أوأخلاقية أو انسانية  …..

 ) تجاهه  ؟  أجل ، فإذا كانت إرادة الدول العظمى في العالم  ومصالحها  هي المسببة والراغبة  باستمرار هذا الواقع  ، وكذلك الأنظمة الحاكمة المتعاقبة هي المستفيدة من عدم معالجته  ، ألا يتحمل الجانب الكوردي المسؤولية أيضا ً ؟ بلى ، لأن العامل الذاتي ضروري وحاسم في حل القضايا القومية والتحررية ، وتجارب الشعوب كثيرة ومتعددة في هذا المجال ،  ومن الجانب الكوردي تنحصر المسؤولية في الأحزاب السياسية وحدها  ، وذلك للأسباب التالية :
1-  البقاء في قوالب جامدة وكلاسيكية  تنظيميا ً وفكريا ً ، وعدم القابلية للتطوير والتحديث تلازما ً مع الظروف والمعطيات المستجدة على الساحات جميعها .
2-  احتكار الأحزاب الكوردية  للعمل والنضال ، واعتبار نفسها ممثلة حصرية  للحركة الكوردية ، وعدم الانفتاح على باقي الفعاليات والشرائح الاجتماعية  من مثقفين ومهنيين ورجال دين …..

إلخ ، وعدم اشراكها في صنع القرارات  ووضع البرامج ….

 
3-  عدم التقيد بالمنهج الديموقراطي المؤسساتي والعلمي  في بناء أحزابها وتكتلاتها ، والاخفاق في ايجاد ممثلية شرعية للشعب الكوردي في المحافل الوطنية والكوردستانية والعالمية .
4-   عدم تبني رؤية كوردية موحدة لحل قضية الشعب الكوردي في سوريا  .
5-  الفشل في تمكين الوجود الكوردي وتفعيل دوره على الساحة الوطنية السورية ، استنادا ً على مبدأ الشراكة الحقيقية مع باقي أطياف الشعب السوري في الوطن من حيث الحقوق والواجبات ، باعتباره جزء لا يتجزأ من الشعب السوري وتاريخه .
6-  عدم توصيف وتنظيم العلاقات مع القوى الكوردستانية  وتحديد طبيعتها وأبعادها  على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية  ، من منطلق احترام خصوصية حركة كل جزء واستقلاليته  .

 إضافة لماسبق ذكره  ،  إن ادعاء كل طرف  بأنه الشرعي والأصل والوريث والوصي والصواب …..

بعد كل شرخ أو تمزق حاصل  يوسع الهوة ويقلل من مساحة الحوار والتفاهم ، وبالتالي استحالة ايجاد صيغ واقعية ممكنة  من التعامل ضمن اطار جامع لكل القوى المتواجدة على الساحة  ، لذلك أقترح مشروعا ً للمناقشة والدراسة لأجل خلق فرصة لعقد مؤتمر وطني عام وشامل لكل الفصائل السياسية بدون استثناء أو تهميش أو إقصاء  ، مهما بلغت أوزانها وأحجامها  ، إضافة إلى مستقلين حقيقيين ومهتمين بشكل فعلي بشؤون الحركة والقضية  ،  بحيث يمثلون مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية الأخرى ، لتشكيل مرجعية كوردية قادرة على قيادة نضال شعبنا  وفق رؤى ومبادئ عمل  واضحة وموحدة  في مختلف الظروف والأحداث  ، وليصبح المشروع المقترح واقعيا ً وعمليا ً  أقترح مايلي :
1-  تسمية لجنة تحضيرية للمؤتمر من مستقلين من قبل الأحزاب و بالتوافق  .
2-  اعتماد الرؤية المشتركة المتفقة عليها سابقا ً من قبل التكتلات الثلاث ( جبهة – تحالف – تنسيق ) كأساس للنقاش والحوار .
3-  يحدد عدد المؤتمرين بثلاثة أشخاص من كل حزب ( من الصف الأول ) ، وثلثهم عددا ً من المستقلين ، بحيث يكون الجميع متساوين في حقوق المناقشة والمداخلات والتصويت .
4-  يشارك موفد كل حزب بصورة مستقلة  كممثل لحزبه فقط  ، ويمنع  التمثيل الجماعي أو المشترك  لأي تكتل أواطار  .

 
5-  تعتمد القرارات والتوصيات بأكثرية الثلثين ، وتكون ملزمة للجميع .
6-  يتم انتخاب رئيس و أعضاء هيئة المتابعة والتنسيق  وتحدد عددهم وتبين مهامهم  في المؤتمر  .


7-  يحافظ كل حزب على خصوصياته الحزبية في نشاطاته الاعتيادية ، بشرط ان لا تعارض مقررات وتوجهات المرجعية ، ويلتزم بشكل تام بمواقفها في القضايا المصيرية التي تتطلب التشاور والتنسيق والتعاون .
8-  تعتمد القواعد الديموقراطية التوافقية في تشكيل اللجان الاستشارية والعاملة ( أعلامية ، سياسية ، مالية ، …..

)  ، مع الأخذ بعين الاعتبار المهنية و الكفاءة والتخصص  .
9-  يجب توخي الحذر والتأني والدقة والهدوء   في مرحلة الاعداد والتحضير لعقد المؤتمر ، تسبقه مساع ٍ حميدة لتهدئة النفوس وتلطيف الأجواء وتصفية القلوب وتهيئة العقول لتبني هكذا مشروع لكونه هام وضروري على الأقل في المرحلة الراهنة .
10-  يحتاج المشروع إلى جهود الجميع  بجدية وفعالية و نية صافية  وعزيمة صادقة  وشعور بالمسؤولية التاريخية  تجاه الوطن والقضية .
         
     وختاما ً : نؤكد على ضرورة وجود الأحزاب الكوردية بمختلف توجهاتها وأحجامها ومواقعها ، واحترام خياراتها في أساليب النضال وأشكاله ، وقد تناولنا الموضوع كمساهمة مكملة لمساعي الآخرين ( وليس تجاوزا ً لهم ولا انتقاصا ً لمكانتهم وقدراتهم ولا بديلا ً عنهم ) ، من الخيرين من أبناء هذا الشعب المظلوم والمضطهد ، والغيورين على مصلحته وقضيته ، وكلنا أمل وثقة بأن الحركة تستطيع تجاوز الأزمة إذا …..

، وهي جديرة باحتلال موقعها اللائق بها والمطلوب منها ، لتوصل شعبنا إلى بر الأمان والنجاة .

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…