محمد قاسم
تعليق:
تعليق:
إذن – وبشكل عام – فإن المجتمع الكردي كان يتكون من هذه الحالات – مع الإشارة إلى تعقيد الحياة الاجتماعية، وتداخلها، وتفاعل عناصرها بشكل أو بأخر … يطبع ذلك كله، غلبة الدين الإسلامي، والذي لم يسلم من حالة التفاعل مع الواقع الاجتماعي المتخلف، فأثر الفهم والممارسة الخاطئين أحيانا، سلباً على المجتمع، وتأثر سلباً أيضاَ به (لعب المجتمع -عبر الرموز الدينية المختلفة- دورا في تشويه طبيعة الحقيقة الدينية أحيانا، كما تشوه هو من التأثير الخاطئ للدين عليه بسبب سوء الفهم لطبيعة الدين).
هذا التكوين الاجتماعي- بخصائصه النفسية، والذي ساهم فيه تاريخ طويل – كوَّن المصدر لطبيعة العلاقات السائدة داخليا، بين أفراد وشرائح وطبقات المجتمع الكردي.
كما كان هناك دور هام للمؤثرات الخارجية (ظروف علاقة الكرد بالسلطة غير الكردية عادة، وفي أغلب حالاتها) هذه المؤثرات التي حددت الطبيعة الأخلاقية للسلطات الحاكمة للكرد، ومصالحها جميعا، حيث أن الكرد كانوا دوما محكومين من قبل غيرهم، منذ فجر الإسلام، وفي القرنين الأخيرين خاصة، إلا إذا اعتبرنا وجود مجموعة إمارات كردية في مراحل مختلفة نوعا من الاستقلالية في الإدارة).وهناك قراءات بان الكرد قبل الإسلام كانت لهم ممالكهم ومنها مملكة ميديا العظيمة..مثلا..
كما كانت الظروف التي كانت فاعلة في صدر الاستقلال السوري عن الاستعمار الفرنسي –كعامل موضوعي- ذات تأثير واضح للمساهمة في تكوين الحزب الكردي الأول.
لذا فقد كانت هذه البيئة -بتعقيداتها وخصائصها- هي التي نشأ فيها الحزب الكردي الأول في سوريا، ونما، يغذي شرايينه هذا الخليط غير المتجانس، بل والمتناقض في الرؤى والسلوكيات – أحيانا- والنابعة من الظروف العملية والتربوية التي عاشها هؤلاء، ودون وجود حالة فكرية معمقة تسمح بتكوين رؤى عميقة ذات بعد أيديولوجي – بمعنى ما – مما افرز نوعا من (السكونية) في تصنيف هؤلاء .فمثلا:
– الإقطاعي هو من نسل فيه الخصائص الأفضل (دماء خاصة و أصالة) – وله دوما حق الإدارة – وفي جميع الظروف- وكذلك الشيخ، والملا، والسيد..الخ – وإن تفاوتت الدرجات في تقدير المكانة لكل فئة إذا جاز التعبير- وبالمقابل، فإن الفلاح، والعامل، والفقير.الخ.
هم في مستوى أدنى، وبنظرة تكاد ترى الأمر واقعا وراثيا.
وبالتالي: لا يسهل على من ينتمي إلى هذه الفئات، أن يتبوأ مكانة قيادية في المجتمع – ومهما علا شأنه، علما، أو كفاءة إدارية، أو غير ذلك..! ( واحدة من مفرزات الثقافة الاجتماعية الممتدة في الزمان والمكان ولا تزال آثاره سائدة نسبيا، وللسلطة دورها في بقاء هذا الواقع).
ولم يفلح واقع انتماء هذه الطبقات والشرائح إلى دين واحد هو: الإسلام- على الأغلب- في إذابة الفوارق والحواجز بينهم، وقد بقي تأثير الدين من هذه الناحية سطحيا في العموم؛ لم يتعمق بسبب سيطرة القيم العشائرية وقلة العلم المؤهِل للفهم الأفضل والأدق.
ولكن الدين –مع ذلك-قد نجح في جوانب أخرى، إيجابيا وهي :(تثبيت مفاهيم أخلاقية قيمية) مع الأخذ بعين الاعتبار وجود كرد من ديانات أخرى-كحالة قومية- (مسيحية- يهودية- إيزيدية-..الخ).
وإن تعمق الإيمان الديني بحسب تأثيره (لا بحسب عقلانيته إذا جاز التعبير) قد وفر أرضية صالحة لاستقرار أخلاقي، من تجلياته:
قيم إيجابية روحية، مثل التعاون والتعاطف.
(والعاطفة أبرز سمة في ميدان العلاقات الحياتية اليومية).
ولكنها -العاطفية كسمة- أضرت أشد الضرر عندما بقيت سمة في الشخصية الكردية، استطاع الأعداء استثمارها أيما استثمار لمصالحهم، بل ولا تزال هذه الخاصة تسم النسبة الكبيرة في المجتمع.
وكان هذا الأمر-العاطفية- أشد في الحالة السياسية، باعتبارها حالة قيادية اجتماعية، ومن المفترض أنها تبنى على حالة أو مستوى من وعي كاف لطبيعة المهمة السياسية.
ومن جهة أخرى فإن سطحية الإيمان، واستقرار تلك القيم الأخلاقية (التلقينية) الممتزجة بالحالة العاطفية كسمة للشخصية الكردية كلها، قد جمّدت الذهنية الكردية بدرجة كبيرة، وحددت سقف تطلعه الفكري، وساهمت في نوع من ضعف الثقة بالذات، سواء في بعض الأعمال الإجرائية، كالفلاحة والقتال والأعمال اليومية عموما..أو غيرها؛ كإدارة الأداء الحزبي النضالي، والذي كان الجانب الأبرز فيه، قوة الممانعة وتحمل الأذى أساسا، مما حرمهم من روح المبادرات في الأداء الحزبي تجاه الخصم (أو العدو) سياسيا وعمليا.
فكانت النتيجة الفعلية؛ قبول الاستسلام للطبقتين الأقوى (الإقطاع وشيوخ الطريقة ومن يتصل بهما).
وهذا انعكس على نمط الحياة المعاشة والموقف من القوي عموما داخليا–سلطة إقطاعية أو دينية ..- وخارجيا –سلطة الأنظمة الحاكمة..وخاصة في أوساط الطبقات أو الشرائح الغنية(إقطاع-مختار- بعض رجال دين..الخ) ولا تزال هذه الخاصة متحكمة في كثير من هذه الأوساط ،وبطريقة مخزية لهم، عندما يتحولون إلى حالة تنفذ ما تطليه أجهزة النظام منهم في الغالب..مع الإشارة إلى أن السبب يرتبط-إلى حد كبير – بضعف الأحزاب السياسية وأدائها السيئ..بدليل أن بعض هذه الحالات –عندما ترى ما يسندها من الأحزاب السياسية تشتد في مواقفها..بما يحقق بعض رضا..قوميا.
ولعل مواقف بعض هؤلاء في أحداث 12 آذار يفسر هذه الظاهرة،سواء من بعض الأحزاب أو من هذه الشرائح-أو الطبقات- في الاجتماعات التي أجرتها بعض مراكز النفوذ السلطوية..مع التنويه إلى مواقف للبعض تبقى علما في حياتها القومية.
ظروف تكوين الحزب
هذا الأمر (الواقع) الذي ميز ظروف تكوين الحزب الكردي الأول، غاب فيه، المناخ الفكري النقدي والمستقل، كبيئة ملائمة لبلورة حزب سياسي ناضج، في ظروف تأسيسه، ومن ثم ظروف استمراره.
فكان وجوده استجابة لواقع -لم تتوفر فيه شروط النضج الكافي- وجاء تأسيسه لذلك، أشبه بتقليد لأحزاب سابقة الوجود بالنسبة إليه، لا كحزب، اكتمل لديه شروط النضج اللازم؛ فلم تتوفر فيه حالة إبداع في شكل وجوده، ولا في صياغة أهدافه، ولا في العوامل الناظمة لأدائه (أساليب العمل)..الخ.
مما أفقده خاصية الانطلاق بثبات وقابلية للتطور.
وبدلا من التطور المتصاعد كان التراجع أكبر فيه.
فمثلا صاغ الحزب الأول برنامجه في وقت تأسيسه-1957-باللغة الكردية، بينما في المراحل اللاحقة كتب باللغة العربية، وكان حزبا واحدا، هو الآن أكثر من اثني عشر حزبا.وهي أحزاب متنافسة سلبيا (متصارعة).
لكي لا يكون التباس
ولكي نتجنب الوقوع في فهم خاطئ للمقصود؛ فإننا نؤكد على تقديرنا العالي لمؤسسي الحزب الكردي الأول – على الرغم من ملاحظاتنا على واقع تكوينه- فليس الغرض من ذلك اتهاما، وإنما الغرض – فقط- هو (محاولة التحليل لواقع ظروف هذا التكوين) بقصد الاستفادة من التجارب والأخطاء، وهذا هو منهج كل من يريد التقدم في أي ميدان كان- كما نفهم-.
مصطلح ضروري
ونحن نقترح تسمية ((الحالة التي رانت على نمط الفكر السائد في عمل الحزب الكردي الأول- الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي) (أو ربما الكردستاني بحسب محمد ملا احمد في كتابه صفحات من تاريخ حركة التحرر الكردية في سوريا) – وإفرازاته العملية في العلاقات السائدة فيه)) نقترح تسميته بالفكر السكوني، أو (الفهم السكوني للعلاقات).
ونعني بذلك:
شعور الشخصية ذات المركز الاجتماعي – الديني أو القبلي أو المالي-بأنه متميز عن غيره، وله حق القيادة؛ حتى في العمل السياسي، دون مراعاة لتوفر المؤهلات الشخصية القيادية لديه.أو محاولة التأثير اجتماعيا على السياسة عبر هذه الحالات ..وقد تكون-غالبا- تلعب دورا مثبطا بحكم الدور المزدوج لها بين السلطة الحاكمة وبين الأحزاب السياسية الكردية…!
ومما يؤسف له أن (الفهم السكوني للعلاقات) هذا، هو نفسه الذي كان يجعل أبناء الطبقات الكادحة يتقبلون هذا التوجه، بسبب انعدام الروح الثقافية النقدية (العقل النقدي) في الفكر لدى الجميع.
والأشد إيلاما هو أن هذا (الفهم السكوني للعلاقات) لا يزال مؤثرا في ممارسة معظم متطلبات الحياة الاجتماعية والفردية- بما فيها الأداء السياسي(النضالي).
ولعل السبب – وهو معلوم- بأن طبيعة القيادة في الحالات الاجتماعية التقليدية مبنية على السكونية (الوراثة).
فهل يصلح هذا النمط في قيادة حالة سياسية هي، مختلفة عن الحالة الاجتماعية التقليدية كالعشائرية وغيرها..؟
إذ من المعلوم أن طبيعة القيادة في الحالة السياسية، هي أكثر تطورا وعمومية، من حيث أنها تقود (حالة قومية واسعة وجامعة) يفرزها واقع التطور الاجتماعي والسياسي في مراحل معينة من حياة الشعوب، كما هو الحال في القرن العشرين وما بعده، مما يستلزم أن تكون الحالة القيادية متناسبة معها، كأن تكون حالة قيادية تتميز بـ (فهم حيوي للعلاقات المتجددة كمرتكز للأداء السياسي) يستند إلى خبرة عملية وعميقة، وشروط في تكوين شخصية القائد، وفق متطلبات المرحلة.
يقال أن /ونستون تشرشل/رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، كان قائدا ممتازا، ولكنه لم ينجح في انتخابات جرت بعدها، فقيل لبعض الانكليز: لمَ، لم تصوتوا لمن أحسن قيادتكم في الحرب، وبذل جهدا كبيرا في ذلك؟ فكان الجواب: ربما لا يكون من أحسن في الحرب؛ قادرا على أن يحسن في السلم..!
يتبع…………….
كما كان هناك دور هام للمؤثرات الخارجية (ظروف علاقة الكرد بالسلطة غير الكردية عادة، وفي أغلب حالاتها) هذه المؤثرات التي حددت الطبيعة الأخلاقية للسلطات الحاكمة للكرد، ومصالحها جميعا، حيث أن الكرد كانوا دوما محكومين من قبل غيرهم، منذ فجر الإسلام، وفي القرنين الأخيرين خاصة، إلا إذا اعتبرنا وجود مجموعة إمارات كردية في مراحل مختلفة نوعا من الاستقلالية في الإدارة).وهناك قراءات بان الكرد قبل الإسلام كانت لهم ممالكهم ومنها مملكة ميديا العظيمة..مثلا..
كما كانت الظروف التي كانت فاعلة في صدر الاستقلال السوري عن الاستعمار الفرنسي –كعامل موضوعي- ذات تأثير واضح للمساهمة في تكوين الحزب الكردي الأول.
لذا فقد كانت هذه البيئة -بتعقيداتها وخصائصها- هي التي نشأ فيها الحزب الكردي الأول في سوريا، ونما، يغذي شرايينه هذا الخليط غير المتجانس، بل والمتناقض في الرؤى والسلوكيات – أحيانا- والنابعة من الظروف العملية والتربوية التي عاشها هؤلاء، ودون وجود حالة فكرية معمقة تسمح بتكوين رؤى عميقة ذات بعد أيديولوجي – بمعنى ما – مما افرز نوعا من (السكونية) في تصنيف هؤلاء .فمثلا:
– الإقطاعي هو من نسل فيه الخصائص الأفضل (دماء خاصة و أصالة) – وله دوما حق الإدارة – وفي جميع الظروف- وكذلك الشيخ، والملا، والسيد..الخ – وإن تفاوتت الدرجات في تقدير المكانة لكل فئة إذا جاز التعبير- وبالمقابل، فإن الفلاح، والعامل، والفقير.الخ.
هم في مستوى أدنى، وبنظرة تكاد ترى الأمر واقعا وراثيا.
وبالتالي: لا يسهل على من ينتمي إلى هذه الفئات، أن يتبوأ مكانة قيادية في المجتمع – ومهما علا شأنه، علما، أو كفاءة إدارية، أو غير ذلك..! ( واحدة من مفرزات الثقافة الاجتماعية الممتدة في الزمان والمكان ولا تزال آثاره سائدة نسبيا، وللسلطة دورها في بقاء هذا الواقع).
ولم يفلح واقع انتماء هذه الطبقات والشرائح إلى دين واحد هو: الإسلام- على الأغلب- في إذابة الفوارق والحواجز بينهم، وقد بقي تأثير الدين من هذه الناحية سطحيا في العموم؛ لم يتعمق بسبب سيطرة القيم العشائرية وقلة العلم المؤهِل للفهم الأفضل والأدق.
ولكن الدين –مع ذلك-قد نجح في جوانب أخرى، إيجابيا وهي :(تثبيت مفاهيم أخلاقية قيمية) مع الأخذ بعين الاعتبار وجود كرد من ديانات أخرى-كحالة قومية- (مسيحية- يهودية- إيزيدية-..الخ).
وإن تعمق الإيمان الديني بحسب تأثيره (لا بحسب عقلانيته إذا جاز التعبير) قد وفر أرضية صالحة لاستقرار أخلاقي، من تجلياته:
قيم إيجابية روحية، مثل التعاون والتعاطف.
(والعاطفة أبرز سمة في ميدان العلاقات الحياتية اليومية).
ولكنها -العاطفية كسمة- أضرت أشد الضرر عندما بقيت سمة في الشخصية الكردية، استطاع الأعداء استثمارها أيما استثمار لمصالحهم، بل ولا تزال هذه الخاصة تسم النسبة الكبيرة في المجتمع.
وكان هذا الأمر-العاطفية- أشد في الحالة السياسية، باعتبارها حالة قيادية اجتماعية، ومن المفترض أنها تبنى على حالة أو مستوى من وعي كاف لطبيعة المهمة السياسية.
ومن جهة أخرى فإن سطحية الإيمان، واستقرار تلك القيم الأخلاقية (التلقينية) الممتزجة بالحالة العاطفية كسمة للشخصية الكردية كلها، قد جمّدت الذهنية الكردية بدرجة كبيرة، وحددت سقف تطلعه الفكري، وساهمت في نوع من ضعف الثقة بالذات، سواء في بعض الأعمال الإجرائية، كالفلاحة والقتال والأعمال اليومية عموما..أو غيرها؛ كإدارة الأداء الحزبي النضالي، والذي كان الجانب الأبرز فيه، قوة الممانعة وتحمل الأذى أساسا، مما حرمهم من روح المبادرات في الأداء الحزبي تجاه الخصم (أو العدو) سياسيا وعمليا.
فكانت النتيجة الفعلية؛ قبول الاستسلام للطبقتين الأقوى (الإقطاع وشيوخ الطريقة ومن يتصل بهما).
وهذا انعكس على نمط الحياة المعاشة والموقف من القوي عموما داخليا–سلطة إقطاعية أو دينية ..- وخارجيا –سلطة الأنظمة الحاكمة..وخاصة في أوساط الطبقات أو الشرائح الغنية(إقطاع-مختار- بعض رجال دين..الخ) ولا تزال هذه الخاصة متحكمة في كثير من هذه الأوساط ،وبطريقة مخزية لهم، عندما يتحولون إلى حالة تنفذ ما تطليه أجهزة النظام منهم في الغالب..مع الإشارة إلى أن السبب يرتبط-إلى حد كبير – بضعف الأحزاب السياسية وأدائها السيئ..بدليل أن بعض هذه الحالات –عندما ترى ما يسندها من الأحزاب السياسية تشتد في مواقفها..بما يحقق بعض رضا..قوميا.
ولعل مواقف بعض هؤلاء في أحداث 12 آذار يفسر هذه الظاهرة،سواء من بعض الأحزاب أو من هذه الشرائح-أو الطبقات- في الاجتماعات التي أجرتها بعض مراكز النفوذ السلطوية..مع التنويه إلى مواقف للبعض تبقى علما في حياتها القومية.
ظروف تكوين الحزب
هذا الأمر (الواقع) الذي ميز ظروف تكوين الحزب الكردي الأول، غاب فيه، المناخ الفكري النقدي والمستقل، كبيئة ملائمة لبلورة حزب سياسي ناضج، في ظروف تأسيسه، ومن ثم ظروف استمراره.
فكان وجوده استجابة لواقع -لم تتوفر فيه شروط النضج الكافي- وجاء تأسيسه لذلك، أشبه بتقليد لأحزاب سابقة الوجود بالنسبة إليه، لا كحزب، اكتمل لديه شروط النضج اللازم؛ فلم تتوفر فيه حالة إبداع في شكل وجوده، ولا في صياغة أهدافه، ولا في العوامل الناظمة لأدائه (أساليب العمل)..الخ.
مما أفقده خاصية الانطلاق بثبات وقابلية للتطور.
وبدلا من التطور المتصاعد كان التراجع أكبر فيه.
فمثلا صاغ الحزب الأول برنامجه في وقت تأسيسه-1957-باللغة الكردية، بينما في المراحل اللاحقة كتب باللغة العربية، وكان حزبا واحدا، هو الآن أكثر من اثني عشر حزبا.وهي أحزاب متنافسة سلبيا (متصارعة).
لكي لا يكون التباس
ولكي نتجنب الوقوع في فهم خاطئ للمقصود؛ فإننا نؤكد على تقديرنا العالي لمؤسسي الحزب الكردي الأول – على الرغم من ملاحظاتنا على واقع تكوينه- فليس الغرض من ذلك اتهاما، وإنما الغرض – فقط- هو (محاولة التحليل لواقع ظروف هذا التكوين) بقصد الاستفادة من التجارب والأخطاء، وهذا هو منهج كل من يريد التقدم في أي ميدان كان- كما نفهم-.
مصطلح ضروري
ونحن نقترح تسمية ((الحالة التي رانت على نمط الفكر السائد في عمل الحزب الكردي الأول- الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي) (أو ربما الكردستاني بحسب محمد ملا احمد في كتابه صفحات من تاريخ حركة التحرر الكردية في سوريا) – وإفرازاته العملية في العلاقات السائدة فيه)) نقترح تسميته بالفكر السكوني، أو (الفهم السكوني للعلاقات).
ونعني بذلك:
شعور الشخصية ذات المركز الاجتماعي – الديني أو القبلي أو المالي-بأنه متميز عن غيره، وله حق القيادة؛ حتى في العمل السياسي، دون مراعاة لتوفر المؤهلات الشخصية القيادية لديه.أو محاولة التأثير اجتماعيا على السياسة عبر هذه الحالات ..وقد تكون-غالبا- تلعب دورا مثبطا بحكم الدور المزدوج لها بين السلطة الحاكمة وبين الأحزاب السياسية الكردية…!
ومما يؤسف له أن (الفهم السكوني للعلاقات) هذا، هو نفسه الذي كان يجعل أبناء الطبقات الكادحة يتقبلون هذا التوجه، بسبب انعدام الروح الثقافية النقدية (العقل النقدي) في الفكر لدى الجميع.
والأشد إيلاما هو أن هذا (الفهم السكوني للعلاقات) لا يزال مؤثرا في ممارسة معظم متطلبات الحياة الاجتماعية والفردية- بما فيها الأداء السياسي(النضالي).
ولعل السبب – وهو معلوم- بأن طبيعة القيادة في الحالات الاجتماعية التقليدية مبنية على السكونية (الوراثة).
فهل يصلح هذا النمط في قيادة حالة سياسية هي، مختلفة عن الحالة الاجتماعية التقليدية كالعشائرية وغيرها..؟
إذ من المعلوم أن طبيعة القيادة في الحالة السياسية، هي أكثر تطورا وعمومية، من حيث أنها تقود (حالة قومية واسعة وجامعة) يفرزها واقع التطور الاجتماعي والسياسي في مراحل معينة من حياة الشعوب، كما هو الحال في القرن العشرين وما بعده، مما يستلزم أن تكون الحالة القيادية متناسبة معها، كأن تكون حالة قيادية تتميز بـ (فهم حيوي للعلاقات المتجددة كمرتكز للأداء السياسي) يستند إلى خبرة عملية وعميقة، وشروط في تكوين شخصية القائد، وفق متطلبات المرحلة.
يقال أن /ونستون تشرشل/رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، كان قائدا ممتازا، ولكنه لم ينجح في انتخابات جرت بعدها، فقيل لبعض الانكليز: لمَ، لم تصوتوا لمن أحسن قيادتكم في الحرب، وبذل جهدا كبيرا في ذلك؟ فكان الجواب: ربما لا يكون من أحسن في الحرب؛ قادرا على أن يحسن في السلم..!
يتبع…………….
نشرت هذه الحلقة والحلقات الأخرى جميعا في موقع ثروة – سوريا إلى أين