جاء هذا الحزب رداً على سياسة التجاهل والحرمان تلك التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة حيال الشعب الكردي ، وتعبيرا حيا عن مشاعر هذا الشعب القومية والوطنية ، وأداة لتحقيق تطلعاته وأمانيه القومية كشعب يعيش على أرضه التاريخية ، إسوة ببقية الشعوب ينبغي أن يتمتع بالحقوق مثلما عليه من الواجبات تجاه هذا الوطن الذي ارتوى بدماء مجموع أبنائه وتحرر بجهود وكفاح جميع الوطنيين من أبناء المجتمع السوري ، و لذلك فقد جاء هذا الحزب محملا بالأفكار والمبادئ التي تراعي واقع الطيف الاجتماعي في سوريا من تعددية قومية ودينية وسياسية تلك التي تساهم في تعزيز التآخي والتعايش وبما يخدم تقدم البلاد وتطورها ، حيث كان هذا الحزب سباقا منذ ولادته في مسألتين أساسيتين الأولى هي مسألة الديمقراطية وقد جاء اسم الحزب مقترنا بها وتعبيرا واضحا عنها ” الحزب الديمقراطي الكردستاني” والثانية هي مسألة النضال السياسي السلمي بعيدا عن أبسط أشكال العنف ، وقد أولى الحزب إلى جانب الأدب الكردي والثقافة الكردية اهتماما متزايدا ومنذ البدء بالعقلانية والموضوعية وبالحوار والتفاهم سبيلا سويا نحو معالجة مختلف القضايا والمشاكل الوطنية منها والقومية وفي حل قضايا الخلاف ومسائل الوضع الداخلي للحزب أيضا ..
لكن وجود هكذا حزب كردي لم يكن موضع ارتياح الأوساط الشوفينية التي قد ذرت قرونها للتو وترعرعت في أحضان شعاراتها الحماسية ، وكذلك الجهات السياسية الأخرى التي رأت في توسيع قاعدته الجماهيرية تقليصا لدورها وانكماشا في أدائها السياسي مما أثار حفيظتها، والتقت في نظرتها هذه مع الأوساط الشوفينية تلك ، لتشنا معا حملة شعواء ضد هذا الحزب الفتي وكوادره وقياداته ، ولم يكن كل ذلك يهن من عزمه بل يزيده إصرارا وصلابة على مواقفه والمضي قدما في سياسته مستمدا قوة نضاله من شرعية حقوقه القومية والوطنية وتطلعاته النبيلة نحو غد أفضل، إلى أن جاء عهد الرئيس جمال عبد الناصر أي عهد الوحدة بين سوريا ومصر في شباط عام 1958وما نتج عنها من أوضاع جديدة وممارسات سياسية وعسكرية داخلية وخارجية تغالي في القضايا القومية العربية وتساهم في توفير مناخات تغذي العقلية الشوفينية وتصعدها، وما زاد في توتير الأجواء بروز سطوة عبد الحميد سراج وجهاز الأمن (مكتب ثاني) في سوريا (الإقليم الشمالي) مترافقا مع صدور مرسوم تشكيل الاتحاد القومي عام 1960 الذي يقضي بحل الأحزاب السياسية كافة ، الأمر الذي رفضه بعض الأحزاب الوطنية ومن بينها الحزب الشيوعي السوري والحزب الديمقراطي الكردي اللذين تعرضت قياداتهما وكوادرهما للتعسف والملاحقة، إلى أن تم اعتقال بعض كوادر هذا الحزب الكردي ومعظم أعضاء قيادته أبرزهم المرحومين الدكتور نورالدين زازا رئيس الحزب وأوصمان صبري سكرتير الحزب وما حصل من تباين في إفادتهما أمام المحكمة أدى إلى نشوب خلافات بين صفوف الحزب ،..
وقد تخلل في الفترة بين انتهاء عهد الوحدة في أيلول عام 1961 واستيلاء حزب البعث على السلطة في البلاد في 8 آذار عام 1963 ظهور بوادر مشاريع وسياسات عنصرية وشوفينية ، ومع فرض الأحكام العرفية وحالة الطوارئ في عهد البعث ازدادت وتيرة السياسة الشوفينية حدة تجلت بوضوح في كراس محمد طلب هلال السيئ الصيت ودراسته العنصرية حول محافظة الجزيرة التي استهدفت الوجود الكردي وما نتج عنها من ممارسات عملية كاستمرار نتائج الإحصاء الاستثنائي لعام1962 ووضع أسس لتنفيذ مشروع الحزام العربي الاستيطاني وسياسة التعريب ..الخ ، وتزامنا مع هذه السياسة الشوفينية ازدادت حدة الصراعات بين صفوف الحزب الكردي وصولا إلى انقسام 1965..
واليوم وبعد المتغيرات التي حصلت في أنحاء المعمورة ، وما تشهده منطقتنا من انعكاسات لهذه المتغيرات والتحولات التي تدشن عصرا سياسيا جديدا سماته الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، والذي يفرض مهام سياسية جديدة وابتكار أساليب متطورة في العمل السياسي والنضال السلمي الذي يرمي إلى لم الشمل ووحدة الصف والكلمة على مبدأ الوحدة في الزمان والمكان ، وممارسة الخلاف والاختلاف بأسلوب حضاري متقدم بعيدا عن الإساءة والتجريح وبما يخدم عملية التطور والتقدم ، وفي هذا السياق فإن لجنة التنسيق الكردية تؤكد تصميمها على الاستمرار في النضال الديمقراطي حتى انتزاع الحقوق القومية لشعبنا وحل قضيته كقضية ارض وشعب ، و تدعو الأطراف المعنية إلى المزيد من الحوار الأخوي للتفاهم والتعاون على الأسس التي تخدم قضية شعبنا وبما يجدد الولاء لمبادئ وأهداف أول تنظيم سياسي في 14 حزيران عام 1957 الذي نحن بصدد ذكراه الحادية والخمسين ، وبما يعزز تلاحمنا ويمكن حركتنا السياسية الكردية والوطنية من تحقيق تطلعات شعبنا الكردي وأماني مجتمعنا السوري في غد أفضل ملؤه الوئام والمحبة في دولة عصرية جديدة خالية من الاستبداد والتمييز مبنية وفق قواعد الديمقراطية وعلى أسس العدل والمساواة..
تحية إلى الرواد الأوائل ..
وكل عام وشعبنا الكردي ومجتمعنا السوري بألف خير
في14 حزيران 2008