كلمة لابد منها :
الجزيرة غنية عن التعريف بها والحديث عن مواردها المائية والزراعية والنفطية , فهي أرض العطاء و أبناؤها لا يحتاجون شهادات حسن السلوك من أدعياء العدل والإيمان في زمن الرياء .
لكن قيل ما كل ما يتمناه المرء يدركه …
فالتأثيرات المناخية التي تعرضت لها المنطقة , أثرت سلباً على المنطقة وقاطنيها , حيث تزامن موسم الجفاف مع الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والتي أدت بدورها إلى انخفاض مستوى المعيشة لشرائح واسعة حتى جاز أن نسمي المنطقة بالمنكوبة إضافة إلى ما يعانيه الكثيرون منهم من حرمان من الهوية والأرض والوظيفة ما زاد الطينة بلة.
مما اضطرت العوائل الفقيرة- وهي الغالبية –التي لا تجد ما يسد حاجتها إلى الهجرة المشؤومة من الديار إلى المدن الداخلية تاركة الأهل والدور والذكريات ؟! .
نعم … عيون بائسة تذرف الدموع الساخنة على أرصفة المحطة المكتظة بالقلوب المفجوعة , كمن تحطمت بهم السفينة في عرض البحر , وقد فرق الموج بينهم وكل قد تمسك بخشبة النجاة بيد وبالأخرى يلّوح وصرخاتهم تدوي فتملأ الأرض حزناً والفضاء رهبةً , ثم يجد كل منهم نفسه بعد ليل طويل في زاوية لا يعلم متى وكيف وصل وما الذي حصل أو قد يحصل .
نعم هكذا بدأت الهجرة المشؤومة للأفئدة والعقول من جزيرة الحب والسلام والعطاء إلى المناطق التي وهبتها الطبيعة بعضاً من عطاياها ..فمنهم من وجد ملاذاً آمناً بالقرب من مكان عمله أو عند صاحب العمل عند الكرام منهم وهم قلة .
ومنهم من بقي في العراء يبحث عن رحمة في الأرض وعين ترقب السماء , ما دفعهم إلى نصب الخيام أملاً في أن تقيهم حر الصيف الساخن , وثورة المناخ المتقلب .
لكن أصحاب النفوس المريضة , و أدعياء الإيمان , وتجار الأزمات الذين باتوا بحق ((حيتاناً)) سرعان ما تفتقت مواهبهم عن أساليب جديدة للابتزاز والظلم … فسنوا قوانينهم الخاصة بهم , وفرضوا على أصحاب الخيم – الذين استجاروا من الرمضاء بالنار ضرائب ريع العقارات المهجورة التي يشغلونها … فردد البؤساء مقولتهم : ((العين الرمداء خير من العوراء)) وهكذا قبلوا سياسة الأمر الواقع , في ظل ظروف معيشية – لا يحسدون عليها – قاسية قسوة قلوب المستغلين ……
سخرية القدر :
مع كل ما نكنه من احترام ((للغجر)) فهم مثلنا من البشر , وقد اعتادوا أن يحطوا رحالهم في تجمعات خاصة بهم لغايات يعرفونها … وقد تعارف الناس على تسميتهم ب ((الغجر)) وهن الراقصات على الجمر .
نقول : نعم … فقد لحقت بمهاجري الجزيرة سخرية القدر …؟! فقاطنو تلك البلاد ينادونهم باسم ((غجر الجزيرة)) .
دون حياء يسخرون , ولمنظر البؤس لا يأبهون …؟! .
آه يا شريعة الغاب ما أقساك , فحماة الديار و أصحاب أوسمة الشرف على صدر الوطن يبيعون على الأرصفة أعواد الكبريت .
أهل الكرم في دار الغربة يبحثون عن لقمة العيش في ضواحيك يا شام, أهل المروءة في خيم الأشجان تنالهم في الصميم عن قرب وعن بعد سهام اللئام .
صدقت يا أم كلثوم حين رددت : (( دارت الأيام )), حيتان الأزمات و لصوص المال العام بمصير الملايين يتحكمون , فما تقولونه عن (( غجر الجزيرة )) كفر وإجرام وليس بعد الكفر يا سادة إثم أو حرام .
ليتكم أيها المسؤولون في الدولة , من غفوتكم تصحون لتشاهدوا قسوة ظلمكم ونتائجها , فتتمثلوا بالعالم المتحضر في الدول الغربية , وهي تؤمن أسباب الحياة للمهاجرين الغرباء , لعل العقل يسمو وهذا محال .
ليتكم أيها المسؤولون أمام الله والشعب للغشاوة عن أعينكم ترفعون , لتبصروا حقيقة المأساة وحجمها , لعل الضمير يصحو وهذا احتمال .
يا من ظلمكم التاريخ الأسود , يا من ظلمتكم السياسة في لعبة المصالح , يا من لم يشفع لكم إيمانكم في الانتماء للدين , نحن نعلم جيداً قسوة الجوع ومدى الظلم بأيدي الأنام .
نحن ندرك حجم المعاناة , وعمق جراحات الكرامة حين تضام , تنحني هاماتنا أمامكم … فقلوبنا معكم … وحبنا لكم ….
يا أهلنا الكرام .
لم أجد ما أختتم به القول إلا ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه :
((اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت فالخير فيها أصيل , ولا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت فالخير فيها دخيل))
————-
* نشرة دورية تصدرها اللجنة المنطقية للحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الجزيرة _العدد /92 / أيار 2008