لقاء مع الأستاذ جان كورد حول تفعيل ونجاح الحوار العربي الكردي*

 

أجرى الحوار: زنار كوباني

ـ ما إشكالية الحوار العربي الكردي ومعايير نجاحه ؟



إشكالية الحوار العربي – الكوردي تكمن في أن جهات عديدة من الطرف العربي – في معظمه يؤمن بحق الأمة العربية في السؤدد والانتشار وصهر القوميات الأخرى .

هؤلاء يستندون في دعواهم على تفسيرات خاطئة لجوهر الدين الإسلامي الذي يستخدمونه كقميص عثمان لتبرير كل أنشطتهم القومية والدينية… وكأن الدين نزل لتفضيل العرب على غيرهم من الشعوب وكذلك تفضيل لغتهم على غيرها من اللغات، مع أن الدين صريح في هذا المجال ويرفض أن تكون قومية أعلى من أخرى وشعب أهم من شعب ولغة أفضل من أخرى… ومعايير نجاحه هي قبل كل شيء : الاعتراف بالآخر كمحاور من مستوى النظر ذاته وعدم الاستهانة به واحترام رأيه… فهذه معايير أي حوار كان، إلا أن ما يجعل الحوار ذا نتيجة هو مدى امتلاك المحاور لأسباب القوة قبل الحوار وأثناءه حتى يفهم الطرف الآخر أنه يواجه خصماً قديراً أو محاوراً قوياً، تماما كما هي الحال لدى لعبة الشطرنج.

ـ إلى أي مدى يمكن أن يشكل الحوار العربي الكردي حلاً لإزالة الفجوة والمشاكل العالقة بين الطرفين العربي والكردي  في المنطقة .

وما أهمية ذلك عربياً وكردياً ودولياً ؟


الحوار العربي – الكوردي بدأ إسلامياً عام 1989 أثناء المؤتمر الإسلامي الأول حول القضية الكوردية في مدينة كولون الألمانية حيث شارك فيه عدد كبير من
العلماء والاخصائيين والسياسيين ورجال الإعلام، وذلك على أثر فاجعة حلبجة بشهور قلائل، ثم انتقل إلى القاهرة فيما بعد ليدخل فيه القوميون واليساريون
واليمينيون ، وبعدها تشكلت دوائر حوارية أخرى، حتى شمل ذلك أطرافاً سورية من مختلف الاتجاهات السياسية مع أطراف في الحركة الوطنية الكوردية – السورية…
طبعاً هذا كان مفيداً للغاية ، حيث سمع بعض المثقفين العرب من أفواه الكورد صوتهم الذي كان قبل ذلك مخنوقاً إلى حد كبير، وتأكدوا بأن الكورد ليسوا من كوكب
آخر وليسوا أبناء الجن والشياطين ويعبدون مثلهم إله إبراهيم عليه السلام، ويؤمنون بالحوار والحياة المشتركة على أساس الاحترام المتبادل وفي جو من التآخي
وعلى قاعدة التعارف… ولكن الفجوة لاتزال كبيرة..

فنحن نسمع بين الحين والحين أن النظام السوري – مثلاً- يرغب فعلاً في توطين الفلسطينين المتواجدين في
سوريا، ومعهم المطرودين من العراق في محافظة الحسكة دون غيرها من محافظات البلاد، وكأن كل ما قاله الكورد في حوارات عربية – كوردية ذهب أدراج الرياح، والمثقف العربي ساكت ، حتى بدأ بعضنا يتساءل: “هل فلسطين في جنوب سوريا أم في شمالها؟…” هذه الفجوة ستتوسع بدل أن تضيق إن سارت الأمور على هذه الشاكلة… أهمية الحوار العربي – الكوردي تكمن في الشرق الأوسط ، أما دولياً فلا أعتقد أنه ذا تأثير يذكر، فالعالم يعطي اليوم أهمية كبيرة للحوار العربي – الإسرائيلي، أما حوار الكورد مع العرب فهذا بعيد عن الغرب مثلاً، والغرب له أولويات ومصالح واهتمامات أخرى غير التي لدينا، وهذه حقيقة مؤلمة…ـ من هم أصحاب القرار / الجهات والأطراف / التي يمكن أن تكون أكثر فعالية وتأثيرًاوقدرة في تحقيق نتائج إيجابية للحوار ؟



أصحاب القرار في الحوار العربي – الكوردي هم العرب والكورد الذين تمثلهم أحزابهم وقواهم ومنظماتهم ومثقفوهم … ولكن لايمكن لهذا الحوار أن يكون ذا
فعالية أو تأثير مالم يؤمن به القائمون به، وهم قلة حقيقة… وما نقرأه من مواقف لكثيرين من المثقفين العرب حول الكورد وكوردستان ، رغم كل حلقات الحوار
والدم المراق في كوردستان يجعلنا نشعر أحياناً بالقرف من كل هذه الأعشاب الوحشية التي كادت تغطي وجوه المحاورين الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين للوجه
الحضاري للثقافة العربية.

منهم من يلعب باستمرار دور الناصح الأمين للكورد متناسياً زعامته العربية، ومنهم من لايزال يخلط بين كوردستان ويهودستان ، ومنهم
من يعتبر الكورد مرتدين ومتصهينين، كما أن منهم من يرغي ويزبد ويقول بأن مصير الكورد أسود قاتم إذا ما رحلت أمريكا عن المنطقة… وفي الحقيقة إن حكوماتهم تتمسح بأردية الأمريكان والانجليز ولكن هؤلاء المثقفين لايرون ذلك، والمجرم الوحيد في المنطقة هو الكوردي… فأي نتائج إيجابية لحوار وسط هذا المستنقع المليء بالبعوض السام اللسعات؟..

ـ أسباب إخفاق وفشل الحوارات السابقة وغيابه حالياً بين الجهتين العربية والكردية ؟



الحوار لا يمكن أن يكون فاشلاً أو مخفقاً في أي وقت من الأوقات، ولكنه بطيء ويصب في معظمه في طاحونة الطرف العربي.

الكوردي يعترف بحق الأمة العربية في الوحدة والحرية والاستقلال، ولكن العربي – سوى فئة صغيرة حقاً- لايعترف للأمة الكوردية بهذه الحقوق المعترف بها دولياً لكل الشعوب، صغيرة كانت أم كبيرة… هناك حوار غير مباشر عن طريق نشر بعض المثقفين العرب مقالاتهم في مواقع ومجلات كوردية أو تحاورهم تلفزيونات كوردية، ولكن هل رأيت يوماً فناناً كوردياً يقدم أغنية بالكوردية في تلفزيون عربي، ناهيك عن مثقفين أكراد يدافعون في تلفزيون عربي – إلا ما ندر – عن حق الأمة الكوردية في الوحدة والحرية والاستقلال؟….
أنا غير متحمس للمؤتمرات التي تكاد تكون شكلية ، والاعتراف بالآخر لايحتاج إلى مؤتمرات ، فالقضية الكوردية قد تجاوزت بعد مأساة حلبجة عهد التعارف بين
المثقفين وانتقلت إلى مستوى عالمي لايمكن عنده تجاهل الوجود القومي الكوردي كأمة عريقة في المنطقة، ولكنني من أنصار مزيد من الانفتاح الاعلامي العربي على المثقف الكوردي  لييخاطب أبناء وبنات الأمة العربية التي لن تقف في وجه شقيقتها وجارتها الأمة الكوردية إن تم شرح كل ما يتعلق بالكورد وكوردستان لها… الحرية ستأتي بكثير من أسباب نجاح الحوار، وبدون الحرية لن يفيد الحوار أيضاً إلا قليلاً..

لذا علينا أن نسعى قبل كل شيء إلى نيل حرية الرأي والعقيدة والتنظيم
والنقد والصحافة والسياسة في بلادنا، وعن طريق ذلك ستظهر أسس جديدة لحوار متمدن ونافع وإيجابي على كافة المستويات.

———

 * عضو في بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا وعضو نادي القلم الكوردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…