الدكتور شمدين شمدين
أمام إحدى السفارات الأجنبية رأيته يحمل حقيبته وجواز سفر في يده اليمنى ‘ هو نفسه رغم تغير ملامحه ونحوله الشديد ، صديقي الذي عرفته بابتسامته العريضة وتفاؤله الدائم ، أجده اليوم شخصا أخر غائر العينين بائس العزيمة كارها للدنيا وما عليها ، سألته بعد السلام إلى أين، وأين زوجتك ، فأجاب بحرقة لقد طلقتها وانوي ترك البلاد ، انتابتني حين سماع هذا النبأ دهشة كبيرة ، فهذا الشاب الذي ظل يحلم ليال طوال بحبيبته واليوم الذي يتزوجان فيه، كان يرى الدنيا من خلال ابتسامتها ،ويهوى الحياة من اجلها ، كان يردد دائما سأبني كوخا أو عشا متواضعا نحيا فيه أنا وهي ، وسنأكل خبزا يابسا وزيتون ، لن يهمنا البرد والأمطار ، سنظلل بعضنا بأهداب عيوننا ،سننام على سواعد بعضنا يدفئنا الحب ويحاوطنا الأمل والتفاؤل .
كيف تغير كل هذا ياصديقي سألته بتعجب ، كيف تحول الحب إلى كره والدفء إلى برد والسعادة إلى تعاسة ، أجاب بتنهد : آه ياصديقي عندما تصبح الزوجة شرطي المنزل ، تحاسبك على كل نظرة وتطليعة وتفرض عليك ما يجب لبسه وما لا يجب ، ما يجب قوله وما لا يجب ،عندها يصبح البيت الذي كان يعني لنا وطنا صغيرا جحيما لا يطاق ، وتصبح كل نساء الأرض صورة للغيرة ، وحب التملك ، والتحكم بإرادة ورغبات الحبيب ، والحجة في ذلك هو الحب ،آه من هذا الحب الذي يجعل البيت سجنا كبيرا .
كلمات صديقي وقعت كالصاعقة على مسامعي ، حقا ما قال ، عندما يتحول الحب في الأوطان إلى حق في تملك إرادة الأفراد ،والتحكم في مصائرهم عن طريق رجال ، باعوا ضمائرهم خدمة لمجموعة أو فئة اختصرت كل الوطن في أكمام عباءاتها، عندها تصبح الأوطان ، سجونا وزنازين كبيرة ، قضبانها أدمع الثكلى وجدرانها آهات المعذبين في الأرض ، الوطن هذه المعادلة التي يستقر توازنها بوجود الشعب والأرض ودون أي منهما لا تصح المعادلة ، والأوطان تنسب إلى شعوبها وتأخذ مدلولها الصحيح بانتسابها إليهم ، فيقال الوطن العربي نسبة إلى الشعب العربي ،ويقال الوطن الفرنسي نسبة إلى الشعب الفرنسي ، ويقال الوطن الكردي نسبة إلى الشعب الكردي ،ومعنى هذا أن الوطن الذي يتمتع بصديقته وكرامته ،لا بد وان يتبعه تمتع مواطنيه بالكرامة الإنسانية والمساواة والحرية ، لان الأوطان الحرة تبنى على أساس مواطنين أحرار، يتمتعون بالحرية الكاملة في إبداء آرائهم والتعبير عن مكونات نفوسهم ، يشاركون في الحياة السياسية والعامة وفق عقد اجتماعي بينهم وبين حكامهم ، أو ما بات يعرف في العصور الحديثة بالدستور الذي يحدد حقوق وواجبات الأفراد ،كما يحدد صلاحيات الحكومات ورئاسة هذه الحكومات ، وأساليب الحد من تسلط فئة على أخرى بوجود سلطة قضائية عادلة ، هذا يحصل بالطبع في الدول الديمقراطية التي وكما يقول جورج بيردو (إن جناحا الديمقراطية هما الحرية والمساواة ) ويتبع هذا المفهوم تعبير المواطن والوطنية التي تعني مساواة المواطنين جميعا أمام القانون، وتمتعهم جميعا بحقوق متساوية وهو ما يعبر عنه فقهاء القانون من إن المواطن هو (الفرد الذي يشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية أي يتمتع بكامل حقوقه السياسية ) لا كما يحصل اليوم في بعض بلدان الشرق التي يتم فيها فرز المواطنين على أساس الولاء للسلطة والحكم ، أو ما أصبح يعرف مجازا الولاء الوطني حيث يتم تصنيف المواطنين إلى وطني ولا وطني ، أي تنقلب الآية تماما فبدلا أن تنسب الأوطان إلى شعوبها ، تصبح الشعوب تابعة للوطن فيصبح هناك وطني وعميل ، شريف ودنيء، صالح وطالح ، موال وخائن ، ويصبح الوطن كله عيون للبعض على البعض الأخر ، يصبح الأخ جاسوسا على الأخ ، والمثقف هداما ومتواطئا، ويصبح العالم الناجح خبيثا وتابعا لأياد وقوى خارجية ، بالمختصر تصبح الأوطان محطة كبيرة بسلالم ودرجات كثيرة وكلما زاد ولاء المرء للوطن السلطة تم اصطفاؤه وترقيته وفقا لمبدأ اصطفاء سلطوي حتى الوصول إلى درجة مواطن من الدرجة الأولى ، ثم في النهاية وطني شريف وكما كان يعرف أرسطو المواطن في أثينا حيث يصفه انه (الأثيني الحر الذكر) ولهذا وحده دون غيره من الأجانب والمقيمين والعبيد والنساء حرية المشاركة في الحياة السياسية .
في الولايات المتحدة وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول ، كان يتمتع كل الأمريكيين من مجنسين ومقيمين ، بحق الحركة والتعبير والمشاركة في الفعاليات العامة ، دون أن يسألهم شرطي عن اسمهم أو أصلهم ،إلا في حال ارتكابهم لمخالفة قانونية ، ولم يكن هناك وجود للبطاقات الشخصية أو بصمات الأصابع أو طرق التصنت والمراقبة للأفراد والتضييق على الحريات العامة ، ولكن كل هذا تغير بعد أن قامت مجموعة من شباب الشرق الأوسط بهاجمة برجي مركز التجارة العالمي ، فاصدر الكونغرس الأمريكي ما يعرف اليوم بقانون الوطنية وكتقليد لما يحصل عندنا في الشرق منذ ألاف السنين ، باتت أمريكة كبلد من بلدان الشرق تشرع فيها كل الوسائل الممكنة للمحافظة على امن الوطن والمواطن ، ويتم فيها فرز المواطنين على أساس هذا القانون ، وطني ولا وطني ،معنا وضدنا ، خير وشر ، وتبعت أوربا أمريكا فظهرت قوانين مكافحة الإرهاب كتضييق للحريات العامة ، وذلك للمحافظة على امن هذه البلاد من الهجمات الإرهابية التي انتشرت في كل بقاع الأرض كما تنتشر النار في الهشيم،ومثلما فعلت الحكومات ا لشرقية ودأبت على فعله طيلة قرون طويلة من الزمن تعلمت دول الغرب الديمقراطي فنون الاصطفاء السلطوي ، والقمع السلطوي ، فبتنا نسمع عن تعذيب وانتهاك لحريات الأفراد على يد هذه الحكومات ،وبات الغرب والشرق سواء في تقييد الحريات وتحديد المواطنين الاصلاء والمواطنين البدلاء ،والفرق الوحيد بين الشرق والغرب أن الوطن في المفهوم الشرقي اختصر في شخص أونخبة منتقاة ، أما في الغرب فالوطن مازال وطن جميع الذين يدفعون الضرائب بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين.
تقول كتب التاريخ ،انه بعد اتصال الاسكندر بالفرس انبهر بالأبهة التي يتمتع بها ملوك فارس فحاول المزج بين تقاليد فارس الإمبراطورية وتقاليد المقدونيين الديمقراطية ،فأصبح المواطن تابعا ، وحل القصر محل الجمعية الوطنية وأصبح الملك هو الشريعة الحية ، وظهرت عبارات (إن ما يقره الملك هو عادل أبدا)واقتبس الاسكندر عادة السجود الشرقية التي رفضها المقدونيون وسخروا منها ،وطالبوا باقتصار استعمالها على الأسيويين وأصبح الاسكندر سيد أسيا كما كان ملك الفرس ملك الملوك .
حقا ما أشبه اليوم بالأمس فالشرق الذي أهدى العالم ، قوانينه التي تنص على أن السن بالسن ، والعين بالعين واللسان باللسان ، وان الناس سواسية أحرار ، ارتد ومنذ قرون طويلة عن قوانينه ، فأصبح المواطن الشرقي تابعا مطاعا ،وأصبح الاصطفاء السلطوي قانون مقدسا ، وأصبحت عين الملك بعيون كل الشعب ، وسن الملك بأسنان كل الشعب ،ولسان الملك بلسان وحياة كل الشعب ، وبالمختصر أصبح كل الشعب في خدمة الملك والتاج ، والسلطة والحكومة ، وانقسم الوطن إلى وطنيين وعملاء ، مخلصين وخونة ، موالين ومتمردين ،مواطنين درجة أولى وثانية وثالثة وعاشرة والى ما شاء الله من درجات.
كيف تغير كل هذا ياصديقي سألته بتعجب ، كيف تحول الحب إلى كره والدفء إلى برد والسعادة إلى تعاسة ، أجاب بتنهد : آه ياصديقي عندما تصبح الزوجة شرطي المنزل ، تحاسبك على كل نظرة وتطليعة وتفرض عليك ما يجب لبسه وما لا يجب ، ما يجب قوله وما لا يجب ،عندها يصبح البيت الذي كان يعني لنا وطنا صغيرا جحيما لا يطاق ، وتصبح كل نساء الأرض صورة للغيرة ، وحب التملك ، والتحكم بإرادة ورغبات الحبيب ، والحجة في ذلك هو الحب ،آه من هذا الحب الذي يجعل البيت سجنا كبيرا .
كلمات صديقي وقعت كالصاعقة على مسامعي ، حقا ما قال ، عندما يتحول الحب في الأوطان إلى حق في تملك إرادة الأفراد ،والتحكم في مصائرهم عن طريق رجال ، باعوا ضمائرهم خدمة لمجموعة أو فئة اختصرت كل الوطن في أكمام عباءاتها، عندها تصبح الأوطان ، سجونا وزنازين كبيرة ، قضبانها أدمع الثكلى وجدرانها آهات المعذبين في الأرض ، الوطن هذه المعادلة التي يستقر توازنها بوجود الشعب والأرض ودون أي منهما لا تصح المعادلة ، والأوطان تنسب إلى شعوبها وتأخذ مدلولها الصحيح بانتسابها إليهم ، فيقال الوطن العربي نسبة إلى الشعب العربي ،ويقال الوطن الفرنسي نسبة إلى الشعب الفرنسي ، ويقال الوطن الكردي نسبة إلى الشعب الكردي ،ومعنى هذا أن الوطن الذي يتمتع بصديقته وكرامته ،لا بد وان يتبعه تمتع مواطنيه بالكرامة الإنسانية والمساواة والحرية ، لان الأوطان الحرة تبنى على أساس مواطنين أحرار، يتمتعون بالحرية الكاملة في إبداء آرائهم والتعبير عن مكونات نفوسهم ، يشاركون في الحياة السياسية والعامة وفق عقد اجتماعي بينهم وبين حكامهم ، أو ما بات يعرف في العصور الحديثة بالدستور الذي يحدد حقوق وواجبات الأفراد ،كما يحدد صلاحيات الحكومات ورئاسة هذه الحكومات ، وأساليب الحد من تسلط فئة على أخرى بوجود سلطة قضائية عادلة ، هذا يحصل بالطبع في الدول الديمقراطية التي وكما يقول جورج بيردو (إن جناحا الديمقراطية هما الحرية والمساواة ) ويتبع هذا المفهوم تعبير المواطن والوطنية التي تعني مساواة المواطنين جميعا أمام القانون، وتمتعهم جميعا بحقوق متساوية وهو ما يعبر عنه فقهاء القانون من إن المواطن هو (الفرد الذي يشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية أي يتمتع بكامل حقوقه السياسية ) لا كما يحصل اليوم في بعض بلدان الشرق التي يتم فيها فرز المواطنين على أساس الولاء للسلطة والحكم ، أو ما أصبح يعرف مجازا الولاء الوطني حيث يتم تصنيف المواطنين إلى وطني ولا وطني ، أي تنقلب الآية تماما فبدلا أن تنسب الأوطان إلى شعوبها ، تصبح الشعوب تابعة للوطن فيصبح هناك وطني وعميل ، شريف ودنيء، صالح وطالح ، موال وخائن ، ويصبح الوطن كله عيون للبعض على البعض الأخر ، يصبح الأخ جاسوسا على الأخ ، والمثقف هداما ومتواطئا، ويصبح العالم الناجح خبيثا وتابعا لأياد وقوى خارجية ، بالمختصر تصبح الأوطان محطة كبيرة بسلالم ودرجات كثيرة وكلما زاد ولاء المرء للوطن السلطة تم اصطفاؤه وترقيته وفقا لمبدأ اصطفاء سلطوي حتى الوصول إلى درجة مواطن من الدرجة الأولى ، ثم في النهاية وطني شريف وكما كان يعرف أرسطو المواطن في أثينا حيث يصفه انه (الأثيني الحر الذكر) ولهذا وحده دون غيره من الأجانب والمقيمين والعبيد والنساء حرية المشاركة في الحياة السياسية .
في الولايات المتحدة وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول ، كان يتمتع كل الأمريكيين من مجنسين ومقيمين ، بحق الحركة والتعبير والمشاركة في الفعاليات العامة ، دون أن يسألهم شرطي عن اسمهم أو أصلهم ،إلا في حال ارتكابهم لمخالفة قانونية ، ولم يكن هناك وجود للبطاقات الشخصية أو بصمات الأصابع أو طرق التصنت والمراقبة للأفراد والتضييق على الحريات العامة ، ولكن كل هذا تغير بعد أن قامت مجموعة من شباب الشرق الأوسط بهاجمة برجي مركز التجارة العالمي ، فاصدر الكونغرس الأمريكي ما يعرف اليوم بقانون الوطنية وكتقليد لما يحصل عندنا في الشرق منذ ألاف السنين ، باتت أمريكة كبلد من بلدان الشرق تشرع فيها كل الوسائل الممكنة للمحافظة على امن الوطن والمواطن ، ويتم فيها فرز المواطنين على أساس هذا القانون ، وطني ولا وطني ،معنا وضدنا ، خير وشر ، وتبعت أوربا أمريكا فظهرت قوانين مكافحة الإرهاب كتضييق للحريات العامة ، وذلك للمحافظة على امن هذه البلاد من الهجمات الإرهابية التي انتشرت في كل بقاع الأرض كما تنتشر النار في الهشيم،ومثلما فعلت الحكومات ا لشرقية ودأبت على فعله طيلة قرون طويلة من الزمن تعلمت دول الغرب الديمقراطي فنون الاصطفاء السلطوي ، والقمع السلطوي ، فبتنا نسمع عن تعذيب وانتهاك لحريات الأفراد على يد هذه الحكومات ،وبات الغرب والشرق سواء في تقييد الحريات وتحديد المواطنين الاصلاء والمواطنين البدلاء ،والفرق الوحيد بين الشرق والغرب أن الوطن في المفهوم الشرقي اختصر في شخص أونخبة منتقاة ، أما في الغرب فالوطن مازال وطن جميع الذين يدفعون الضرائب بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين.
تقول كتب التاريخ ،انه بعد اتصال الاسكندر بالفرس انبهر بالأبهة التي يتمتع بها ملوك فارس فحاول المزج بين تقاليد فارس الإمبراطورية وتقاليد المقدونيين الديمقراطية ،فأصبح المواطن تابعا ، وحل القصر محل الجمعية الوطنية وأصبح الملك هو الشريعة الحية ، وظهرت عبارات (إن ما يقره الملك هو عادل أبدا)واقتبس الاسكندر عادة السجود الشرقية التي رفضها المقدونيون وسخروا منها ،وطالبوا باقتصار استعمالها على الأسيويين وأصبح الاسكندر سيد أسيا كما كان ملك الفرس ملك الملوك .
حقا ما أشبه اليوم بالأمس فالشرق الذي أهدى العالم ، قوانينه التي تنص على أن السن بالسن ، والعين بالعين واللسان باللسان ، وان الناس سواسية أحرار ، ارتد ومنذ قرون طويلة عن قوانينه ، فأصبح المواطن الشرقي تابعا مطاعا ،وأصبح الاصطفاء السلطوي قانون مقدسا ، وأصبحت عين الملك بعيون كل الشعب ، وسن الملك بأسنان كل الشعب ،ولسان الملك بلسان وحياة كل الشعب ، وبالمختصر أصبح كل الشعب في خدمة الملك والتاج ، والسلطة والحكومة ، وانقسم الوطن إلى وطنيين وعملاء ، مخلصين وخونة ، موالين ومتمردين ،مواطنين درجة أولى وثانية وثالثة وعاشرة والى ما شاء الله من درجات.