أسباب أزمة الأحزاب الكردية ( الحلقة الخامسة) تتمة للحلقة الرابعة, محاولة تشخيص الأسباب…

محمد قاسم

    فماذا كانت الحصيلة..؟ 
   كانت الحصيلة: ِصِدامٌ مع الموجود اجتماعيا( مع الواقع) من مستورَد بأيد من داخل المجتمع).

فأصبحت العلاقة النضالية صراعا داخليا, يفتت ويشتت المجتمع الكردي وقواه… ويفرز نماذج أخرى من التفتيت والتشتيت, مدعمة بمنظومات فكرية مصطنعة (مستوردة) وغير واضحة المعالم , خلفت ساحة اجتماعية ملأى بالانقسامات (الانشقاقات) سياسيا واجتماعيا وحتى فكريا (فرديا).

هذه الظروف شكلت خير مناخ؛ تقاطعت فيه هذه الحالة مع مناخ ثقافي سلطوي استبدادي (أيديولوجي) مما وفر الإمكانية للسلطات -بما ملكت من وعي و قدرات … وغيرها- لتسخير هذه الأفكار لمصلحتها.
 وعندما انهارت المنظومة الماركسية, وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي… نشأ فراغ مؤلم, لا يزال الفكر الكردي- كغيره- يتخبط في متاهاته.

فبرز سبب آخر هو نتيجة أيضا وهو :
   سادسا)- ارتباك الشخصية الكردية عموما, وغموض الرؤية لديها, إضافة إلى أن ضعف الثقة بالنفس ينعكس ضعف ثقة بالآخرين- الكرد خاصة-.!

 فقد ساهمت تحولات سلبية في حياة الكرد- حاصلة وقائمة – مثلا: انهيار الثورة الكردية في العراق عام 1975 والصراع الدموي بين PDK و YNK و PKK (في الثمانينات من القرن العشرين), والتعدد المفرط في الأحزاب (الانشقاقات) …الخ.

ساهمت هذه التحولات السلبية في تكوين مناخ؛ استبيحت فيه الشخصية الكردية, وأصبحت كالكرة – بلا حول- يتقاذفها السياسيون-كردا وغير كرد- بل وسهل حتى الاختراق إلى كيانها من جهات تساهم في استلابها وتسخيرها أيضا(أمن السلطات خاصة), وأصبحت هذه الشخصية الكردية- في حالات كثيرة- متهيئة لقبول قيم غريبة وضارة أيضا-للأسف- خلاصتها (ضعف القيم الروحية لصالح المنفعة الرخيصة قياسا إلى قيمة الشخصية الفردية، والشخصية الاجتماعية (القومية-الإنسانية)وقيمها الإيجابية عموما!.).
 لذا لا نجد غرابة في تطلع-وبإلحاح- أفراد إلى مواقع, لا تتوفر لديهم القدرة والكفاءة على إشغالها, أو في تشبث البعض بمواقع وصلوا خطأ إليها, وتنصب الجهود على كيفية تأمين ارتباط الجمهور الحزبي بهم, وكذلك الجمهور الوطني, وبأية وسيلة كانت, ودون مراعاة للنتائج السلبية التي يخلفها مثل هذا المسعى (الأناني).

خاصة وأن هذا الجهد يخدم -في النتيجة – أهداف حكام الشعب الكردي، والمتمثلة في الإبقاء على حالة التخلف الكردي عموما، وكل ما يلحق به، وفي غياب مؤسسات المجتمع الأهلي (المدني) والتي يمكن أن تؤدي وظائف اجتماعية.
 وبمناسبة الحديث عن مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني فإن الأحزاب الكردية في سوريا خاصة؛ تكاد تتوازى مع السلطة ذاتها في تعويق قيام مثل هذه التكوينات المجتمعية الضرورية في النظم الديمقراطية، وتسعى إلى تشكيل أشكال مسخة منها تخضع لهيمنتها، أشبه تماما بما في المادة الثامنة في الدستور الذي صاغه حزب البعث في سوريا والذي مضمونه (حزب البعث يقود الدولة والمجتمع..) لا غيا بذلك كل نشاط حر من المجتمع، وجميع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي..

ونتائجه واضحة كما يعلم الجميع.وكمثال ميداني الموقف السلبي لبعض الأحزاب الكردية في سوريا من محاولة تشكيل لجنة اجتماعية بهدف الاهتمام بالحياة الاجتماعية ومشاكلها المحتملة كأحداث ديرك المؤسفة بين بعض شباب الكرد وبعض شباب السريان وكان نتيجتها مقتل شاب كردي كاد ان يتحول إلى مواجهة لولا تسارع الجميع على تداركها، ومثل هذه المشاكل مرشحة دائما للحدوث.
   فلماذا- إذاً تصر الأحزاب الكردية أن تخوض غمار تجربة أثبت الواقع فشلها ،والأحزاب ذاتها تؤكد ذلك دائما..؟!.
ومثل ذلك محاولة احتكار المتجمعات الثقافية أيضا..بأداء لا يرقى الى ما هو مطلوب..

بدلا من تحرير هذه التجمعات من هيمنة السياسة الحزبية، ودعمها..!
   أن هذه العوامل جميعا وما يتصل بها..

مهدت لحالة ربما كانت قريبة من المأسوية أن لم نقل مأسوية فعلا-من الناحية السياسية على الأقل-.

حيث تهيأت الفرصة لاختراقات مختلفة للحزبية, سواء في صورة شخصيات لا تتوفر فيها مستلزمات العمل النضالي, وبخاصة القيم النضالية..

أو حتى شخصيات واضحة الذبول الأخلاقي، وربما الارتباط بالشبهات المختلفة…!
   فكيف يتم اتخاذ موقف (أو قرار) جاد في بيئة (مناخ) لا تضمن حفاظه..

ولا حفظ أصحابه، في جو من السرية تتطلبها الضرورة أحيانا (غياب الثقة).


إن النتيجة العامة هي – و كما سلف القول- فقدان الفعالية الحزبية..

والعجز عن مواكبة الأحداث المتلاحقة سواء في التشخيص أو في اتخاذ الموقف والقرار.

ومن ثم سادت حالة من اللاجدية في العمل الحزبي..! فكيف يثمر العمل الحزبي في ظروف كهذه؟!.


   وكفكرة (أو اقتراح) ترتبط بهذه الحالة؛ فإن مسألة سرية العمل الحزبي أو علنيته تطرح نفسها وبقوة..

فإما سرية لازمة..

أو علنية ينبغي أن تقتحم..

ويكيف العمل الحزبي مع الحالة؛ بأهدافه..

ووسائله..

وما تستلزمه..


[إن الحركة السياسية – وكما هو المفترض – قائدة للمجتمع.
   ونحن – كمجتمع كردي، بمختلف شرائحه وطبقاته- نسلِم قيادَنا إليها, وفي ممارسات لا نعلم – دوما- طبيعتها ولا نتائجها..

فمن حقنا على الحركة – إذاً- أن نتوخى وجود مجموعة خصائص في هذه الحركة ،لتوفر لنا الثقة بها – كشعب أو مجتمع أو جماهير (وطنية وحزبية)].
 ومن هذه الخصائص التي ينبغي أن يتحلى بها الحزبي(في الحركة)، والحزبي القيادي خاصة: (الوعي الكافي..

الإخلاص للقضية القومية والوطنية..

الشعور العالي بالمسؤولية, وتحمل نتائجها بشجاعة نبيلة،القدرة على الاعتراف بالخطأ والعودة عنه..والجرأة النبيلة في اتخاذ القرار على أساس المصلحة القومية لا الشخصية او الحزبية الضيقة ..

إضافة إلى تربية الذات /الكادر/ القيادية خاصة؛ تربية نضالية تتجلى في:
 التواضع مع الجماهير, الدأب في العمل والتعلم والاكتساب ..

النزاهة..

الأمانة..

الخ.-لا قضاء معظم الأوقات في المقاهي والمطاعم أو المناسبات الاجتماعية التي يمكن إيجاد بدائل  للقيام بها دون التفريط في وقت وجهد النضال السياسي ..بمقوماته الثقافية الضرورية.-.
 ويمكن قياس ذلك كله بمعيار المبادئ المعلنة المتفق عليها (الشعارات، الأفكار…) عبر إنجازات ملموسة ميدانيا ويمكن تشخيصها فعلا..! ومن ثم التطبيق العملي لهذه المبادئ، بل ينبغي أن يصبح هذا المعيار مقياسا لتطور الفرد الحزبي ضمن تنظيمه أيضا.مثلا كأن لا يرتقي أحد إلا إذا أدى عملا ملفتا في خدمة الشعب،أو لا يسمح لشخص ان يكون في موقع قيادي ما لم يتقن لغته القومية،ولا يرتقي عضو من هيئة إلى أخرى إلا بشروط كتلك..الخ.
 باختصار: القائد قدوة لمن يقودهم.

فإذا لم يستطع تحقيق هذا المعنى في نفسه، ويكتسب بذلك ثقة الآخرين به- كفاءة – على مستوى المسؤولية، تترجم نتائج ملموسة في الواقع.

إذا لم يستطع القائد ذلك..

فليتق الله في شعبه وأبناء أمته).
 وإن هذه المواصفات تظهِر بوضوح, ضرورة التفاعل بين الحزبي وغير الحزبي، وبروح أخوية حميمة..

واعية لقدراتها، ومدركةً لعناصر الاشتراك في المصلحة بين الجميع، فضلا عما يفترضه الخلق المتين..!!
   فهل توفرت هذه الخصائص- دوما- في حالة الحركة السياسية الكردية (الحزبية) وخاصة في السنوات الأخيرة؟!.
…………………………………………..

*وجدت في ظل الأحداث التي تحاول ان تشغل الشارع-أو الجمهور الكردي- بما لا يعود عليه بالفائدة سياسيا..

لأنها ليست سبلا نضالية جديدة ومنتجة..

وإنها لعبة قديمة جديدة في سياسة  المتنفذين –او المتلاعبين حتى – ضمن الأحزاب الكردية في سوريا ..نتيجة عجزهم عن انجاز مفيد لجمهور الشعب الكردي..فينساقون-كما زعماء العرب والشعوب المتخلفة- الى ألاعيب موهمة بشيء..وهي ليست سوى الهاء الشعب بلا شيء.

فوجدت ان التذكير بأسباب أزمة الأحزاب الكردية قد يجعل الاهتمام بما هو أساسي بدلا مما هو هامشي وثانوي..الاهتمام بمصلحة الشعب وطبيعة التفكير السياسي بدلا من الانشغال بزعامة هذا او ذاك-

وأي زعامة..؟؟؟!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…