افتتاحية صوت الكورد *
الحقيقة الناصعة لكل متابع للقضية الكوردية و تاريخها , و تاريخ شعبنا هي أنه كان للكورد دائما باب مفتوح للحوار مع جيرانه من الشعوب سواء كان هذا الحوار مباشرا , أو غير مباشر في المشاركة الثقافية والنضالية ،و روافدها المشتركة ..
لكن و عندما تمكن العرب من القرار السياسي , و استطاعوا طرد الغزاة بالتعاون الكامل مع الكورد , كان رد النظام العربي معاكسا تجاه هذا الشعب الشقيق , و كان الظلم و الاضطهاد و القمع و الفتك هو خيار النظام العربي تجاهه وتجاه تاريخه و ثقافته , بل تجاه وجوده الحياتي و الدستوري , بتجاهل مطلق لهذا الوجود , على أرضية الاستعلاء القومي العربي على بقية الأقوام و الشعوب المتعايشة , و قد مورس بحق هذا الشعب خاصة أبشع السياسات العنصرية و الشوفينية , ليتأسى النظام العربي في ذلك بكل حملات التتريك التي كانت تطال العرب و الكورد و الصرب و البلغار إبان العهد العثماني , ورغم هذا ظل الحوار و التفاهم القائم على أسس ديمقراطية , و حضارية هو الخيار الكوردي على الدوام , في رفض لكل ألوان الظلم و الاضطهاد و الإلغاء المرتبط بتلك الأنظمة العربية القائمة و ليس بالشعب العربي , لأن الشعب العربي نفسه لم ينجُ من ذلك الظلم و الاستبداد و تداعياتهما, فالأنظمة هي التي تسد أبواب الحوار و تهدم دعائم التعايش السلمي و التآخي بين أبناء البلد الواحد حرصا على ديمومتها المستندة على التناقضات أصلا ً , وهو ما لا مستقبل له,و لا أمل بتعايش متكافئ مع بقاء التنكر والتجاهل والاستعلاء,والتفكير الأحادي, ونفي الآخرين و إذا كان الحوار مطلبا ملحا على الدوام فإنه في هذه المرحلة بات أكثر إلحاحا مع تزايد وتيرة المتغيرات في المنطقة و تناحر المصالح الإقليمية و تصادمها , مما ينذر بالخطر, و يستوجب إيجاد صيغ راسخة للتفاهم و التكافئ و الاحترام المتبادل بين المتحاورين في إدراك ووعي للمسؤوليات التاريخية إزاء المستقبل المشترك لكافة مكونات المجتمع السوري , على أساس علاقات مصيرية تتعزز و تتطور و تخلق أرضية لتبادل الآراء , تتمحور حول تعزيز أواصر الوحدة الوطنية , بإيجاد السبل و الوسائل الممكنة إلى ذلك , و فتح قنوات الحوار الهادئ بالتي هي أحسن , تداركا لكل مستلزمات الخروج من النفق المظلم , القائم على تفشي الفساد الإداري و الاقتصادي و تعاظم موجة الغلاء , ونذر انعدام الثقة و تميع الواقع الاجتماعي نتيجة لذلك , و تاثير كل ذلك في مفاصل الحياة و جوانب المجتمع , مع تهميش واضح للسلطتين التشريعية و القضائية , و الإبقاء على الأحكام العرفية و قوانين الطوارئ , الأمر الذي يشيع حالة من التخلخل يهدد البنية المجتمعية برمتها , ليكون الحوار مدخلا حقيقيا لتدارك هذا التخلخل في البنى التحتية و الفوقية و تبعاتها و آثارها , مع بروز ظاهرة بالغة الأهمية تستوجب البحث عن الأمن الغذائي , و عن حالة الكفاف في تلبية الحاجات الضرورية الأولى , و الدوافع العضوية الحافظة لبقاء الإنسان السوري بمختلف شرائحه , و امتداد هذا البقاء حضاريا , و على نسق الاستقرار و الأمن و اكتمال الظروف الموضوعية المواتية لبناء حالة وطنية جامعة توفر الحد الضروري لتلك المقدمات التي لا بد منها .إن الارتفاع المفرط لمادة الديزل , بنسبة 257% و ما يلحق ذلك من ارتباطات تطال نحو 500 مادة أخرى في الصناعات الغذائية و التحويلية و المواد اللاحقة و التدفئة و النقل و التشغيل و التسويق , و سائر المركبات الإنتاجية , و ما تبع ذلك من التفريط بالمخزون الاستراتيجي لمادة القمح , في ظل ظروف و عوامل اقتصادية متعددة , إن ذلك كله يدعو إلى حوار وطني حقيقي بين مختلف المكونات و النخب و الشرائح و الفعاليات الاجتماعية و المهنية و الاقتصادية , و الأطراف و الحركات و المسؤولين في مختلف القطاعات و السويات , لتدارك الوضع و الالتزام بذلك الحس الوطني الرفيع , في تخل عن منطق الإلغاء و الإقصاء و التهميش و نفي الآخر, مما لا يجدي و لا يفيد و لا يثمر إلا مزيدا من التناحر و التأزيم و تعقيد الموقف و تثبيت حالات الكراهية و الحقد , و إثارة المزيد من التراكمات , الأمر الذي يفرز ضرورة فتح كل الملفات العالقة , و إشاعة روح من الانفتاح و الالتفات إلى الواقع الآخر و المعاناة و درجة تذمره , في ظل منهج ديمقراطي حقيقييرى في الحوار أداة فاعلة , و تطويعا للكفاءات و الطاقات و زجها في الأطر الحضارية المفعمة بكل أسباب الازدهار العلمي و التقني و المنهجي المقبول .
إن المثقف و السياسي العربي الذي يؤيد حقوق شعوب و أمم بعيدة ( كالشيشان و التاميل و الباسك و الصرب و البلقان ..
و ..
و ..
إلخ ) و لا يكاد يبصر قضية شعب شقيق يشاركه
التاريخ و الجغرافيا , و الآلام و الآمال , و المحن و الشدائد , و التراث و الكفاح النضالي المشترك , كالشعب الكوردي , لا يمكن إلا أن يعيش ازدواجية في معايير التعامل , و إسقاطا لمصلحة قومية , لم يدرك عمقها , و لم يصل إلى حسها الإنساني الرفيع , في تناقض لا يليق به , و لا يكاد يلبي الدوافع الوطنية و التاريخية المشتركة العليا , غير مدرك أن هذا الشعب الذي عاش على أرضه منذ آلاف السنين , و تميز بلغته و ثقافته و عاداته و تقاليده , لا يمكن أن يلغى من المعادلة السياسية في المنطقة و العالم , بما يملك من قدرة و إمكانات و إبداعات حضارية و إنسانية , و عراقة مشهودة , و إخلاص منقطع النظير لكل ما هو رفيع و مسؤول و مشترك , لا يكاد يضير بالقوميات الأخرى و لا بالثقافات المجاورة , بقدر ما يغنيها بالحوار و يؤسس لمواثيق و عهود دولية , و يغيب كل ما من شأنه أن يشكل إضرارا بهويته القومية , و إرادته الحرة في الحياة مهما أمعن الآخرون في التمييز و الاضطهاد و الملاحقة و الإلغاء , و فرض حالة الاغتراب عليه , و تجريده من هويته الوطنية , و فرض حزام عربي عليه , باستجلاب عوائل و عشائر عربية من مناطق أخرى ( حلب و الرقة ) وتوطينها في منطقة الجزيرة ومحاولة جعل هؤلاء أمرا واقعا بفعل عامل الزمن ، و دفعهم إلى حالة حوار من خلال تجمع عشائري يوازي الحركة التحررية الكوردية في سوريا إلى جانب بعض الرموز الوطنية و الاجتماعية العربية المهمة , رغم إقرارنا بأهمية هذه الرموز و دورها الاجتماعي , دون أن تملك حق التمثيل السياسي , ليطرح الحوار نفسه باسلوب متكافئ و متكامل يحمل كل إمكانات تحريك العملية السياسية , و إعطائها البعد الوطني الأمثل , من خلال النخب السياسية و الأكاديمية و العلمية المسؤولة .
إن أي حوار يطرح نفسه ينبغي أن يكون فاعلا و حقيقيا و مسؤولا , و قادرا على نقل المعاناة المشتركة و الهم الوطني و القومي الاعلى , بما يطال أهم معضلة في سوريا , هي القضية الكوردية , بأبعادها الوطنية و التاريخية و المجتمعية و الثقافية في ظل تشارك سياسي و نخبوي رفيع .
———–
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي ــ سـوريا – العدد (325)