الحوار العربي ـ الكوردي .. ضرورة وطنية ، ومهمة عاجلـة

  افتتاحية صوت الكورد *

الحقيقة الناصعة لكل متابع للقضية الكوردية و تاريخها , و تاريخ شعبنا هي أنه  كان للكورد دائما باب مفتوح للحوار مع جيرانه من الشعوب سواء كان هذا الحوار مباشرا , أو غير مباشر في المشاركة الثقافية والنضالية ،و روافدها المشتركة ..

و ما يهمنا في هذا الشأن هو الحوار العربي الكردي بكونه المفصل الأساسي باتجاه التفهم العربي لحقيقة القضية الكوردية في سوريا , و أن الكورد – عبر تاريخهم الطويل في المنطقة الذي يمتد إلى آلاف السنين ,  و قبل الوجود العربي بكثير – لم يأتوا إلا بكل خير و فعل حسن تجاه العرب , بل أضافوا الانجازات المختلفة إلى الإرث التاريخي و الحضاري المشترك بين العرب و الكورد و الشعوب التي جمعتها الحضارة المشتركة .

 

لكن و عندما تمكن العرب من القرار السياسي , و استطاعوا طرد الغزاة بالتعاون الكامل مع الكورد , كان رد النظام العربي معاكسا تجاه هذا الشعب الشقيق , و كان الظلم و الاضطهاد و القمع و الفتك هو خيار النظام العربي تجاهه وتجاه  تاريخه و ثقافته , بل تجاه وجوده الحياتي و الدستوري , بتجاهل مطلق لهذا الوجود , على أرضية الاستعلاء القومي العربي على بقية الأقوام و الشعوب المتعايشة  , و قد مورس بحق هذا الشعب خاصة أبشع السياسات العنصرية و الشوفينية ,  ليتأسى النظام العربي في ذلك بكل حملات التتريك التي كانت تطال العرب و الكورد و الصرب و البلغار إبان العهد العثماني , ورغم هذا ظل الحوار و التفاهم القائم على أسس ديمقراطية , و حضارية هو الخيار الكوردي على الدوام , في رفض لكل ألوان الظلم و الاضطهاد و الإلغاء المرتبط  بتلك الأنظمة العربية القائمة  و ليس بالشعب العربي , لأن الشعب العربي نفسه لم ينجُ من ذلك الظلم و الاستبداد و تداعياتهما, فالأنظمة هي التي تسد أبواب الحوار و تهدم دعائم التعايش السلمي و التآخي بين أبناء البلد الواحد حرصا على ديمومتها المستندة على التناقضات أصلا ً , وهو ما لا مستقبل له,و لا أمل بتعايش متكافئ مع بقاء التنكر والتجاهل والاستعلاء,والتفكير الأحادي, ونفي الآخرين و إذا كان الحوار مطلبا ملحا على الدوام فإنه في هذه المرحلة بات أكثر إلحاحا مع تزايد وتيرة المتغيرات في المنطقة و تناحر المصالح الإقليمية و تصادمها , مما ينذر بالخطر, و يستوجب إيجاد صيغ راسخة للتفاهم و التكافئ و الاحترام المتبادل بين المتحاورين في إدراك  ووعي للمسؤوليات التاريخية إزاء المستقبل المشترك لكافة مكونات المجتمع السوري , على أساس علاقات مصيرية تتعزز و تتطور و تخلق أرضية لتبادل الآراء , تتمحور حول تعزيز أواصر الوحدة الوطنية , بإيجاد السبل و الوسائل الممكنة إلى ذلك , و فتح قنوات الحوار الهادئ بالتي هي أحسن , تداركا لكل مستلزمات الخروج من النفق المظلم , القائم على تفشي الفساد الإداري و الاقتصادي و تعاظم موجة الغلاء , ونذر انعدام الثقة و تميع الواقع الاجتماعي نتيجة لذلك , و تاثير كل ذلك في مفاصل الحياة و جوانب المجتمع , مع تهميش واضح للسلطتين التشريعية و القضائية , و الإبقاء على الأحكام العرفية و قوانين الطوارئ , الأمر الذي يشيع حالة من التخلخل يهدد البنية المجتمعية برمتها , ليكون الحوار مدخلا حقيقيا لتدارك هذا التخلخل في البنى التحتية و الفوقية و تبعاتها و آثارها , مع بروز ظاهرة بالغة الأهمية تستوجب البحث عن الأمن الغذائي , و عن حالة الكفاف في تلبية الحاجات الضرورية الأولى , و الدوافع العضوية الحافظة لبقاء الإنسان السوري بمختلف شرائحه , و امتداد هذا البقاء حضاريا , و على نسق الاستقرار و الأمن و اكتمال الظروف الموضوعية المواتية لبناء حالة وطنية جامعة توفر الحد الضروري لتلك المقدمات التي لا بد منها .إن الارتفاع المفرط لمادة الديزل , بنسبة 257% و ما يلحق ذلك من ارتباطات تطال نحو 500 مادة أخرى في الصناعات الغذائية و التحويلية و المواد اللاحقة و التدفئة و النقل و التشغيل و التسويق , و سائر المركبات الإنتاجية , و ما تبع ذلك من التفريط بالمخزون الاستراتيجي لمادة القمح , في ظل ظروف و عوامل اقتصادية متعددة , إن ذلك كله يدعو إلى حوار وطني حقيقي بين مختلف المكونات و النخب و الشرائح و الفعاليات الاجتماعية و المهنية و الاقتصادية , و الأطراف و الحركات و المسؤولين في مختلف القطاعات و السويات , لتدارك الوضع و الالتزام بذلك الحس الوطني الرفيع , في تخل عن منطق الإلغاء و الإقصاء و التهميش و نفي الآخر,  مما لا يجدي  و لا يفيد و لا يثمر إلا مزيدا من التناحر و التأزيم و تعقيد الموقف و تثبيت حالات الكراهية و الحقد , و إثارة المزيد من التراكمات , الأمر الذي يفرز ضرورة فتح كل الملفات العالقة , و إشاعة روح من الانفتاح و الالتفات إلى الواقع الآخر و المعاناة و درجة تذمره , في ظل منهج ديمقراطي حقيقييرى في الحوار أداة فاعلة , و تطويعا للكفاءات و الطاقات و زجها في الأطر الحضارية المفعمة بكل أسباب الازدهار العلمي و التقني و المنهجي المقبول .
إن المثقف و السياسي العربي الذي يؤيد حقوق شعوب و أمم بعيدة ( كالشيشان و التاميل و الباسك و الصرب و البلقان ..

و ..

و ..

إلخ ) و لا يكاد يبصر قضية شعب شقيق يشاركه
التاريخ و الجغرافيا , و الآلام و الآمال , و المحن و الشدائد , و التراث و الكفاح النضالي المشترك , كالشعب الكوردي , لا يمكن إلا أن يعيش ازدواجية في معايير التعامل , و إسقاطا لمصلحة قومية , لم يدرك عمقها , و لم يصل إلى حسها الإنساني الرفيع , في تناقض لا يليق به , و لا يكاد يلبي الدوافع الوطنية و التاريخية المشتركة العليا , غير مدرك أن هذا الشعب الذي عاش على أرضه منذ آلاف السنين , و تميز بلغته و ثقافته و عاداته و تقاليده , لا يمكن أن يلغى من المعادلة السياسية في المنطقة و العالم , بما يملك من قدرة و إمكانات و إبداعات حضارية و إنسانية , و عراقة مشهودة , و إخلاص منقطع النظير لكل ما هو رفيع و مسؤول و مشترك , لا يكاد يضير بالقوميات الأخرى و لا بالثقافات المجاورة , بقدر ما يغنيها بالحوار و يؤسس لمواثيق و عهود دولية , و يغيب كل ما من شأنه أن يشكل إضرارا بهويته القومية , و إرادته الحرة في الحياة مهما أمعن الآخرون في التمييز و الاضطهاد و الملاحقة و الإلغاء , و فرض حالة الاغتراب عليه , و تجريده من هويته الوطنية , و فرض حزام عربي عليه , باستجلاب عوائل و عشائر عربية من مناطق أخرى ( حلب و الرقة ) وتوطينها في منطقة الجزيرة  ومحاولة جعل هؤلاء أمرا واقعا بفعل عامل الزمن ، و دفعهم إلى حالة حوار من خلال تجمع عشائري يوازي الحركة التحررية الكوردية في سوريا إلى جانب بعض الرموز الوطنية و الاجتماعية العربية المهمة , رغم إقرارنا بأهمية هذه الرموز و دورها الاجتماعي , دون أن تملك حق التمثيل السياسي , ليطرح الحوار نفسه باسلوب متكافئ و متكامل يحمل كل إمكانات تحريك العملية السياسية , و إعطائها البعد الوطني الأمثل , من خلال النخب السياسية و الأكاديمية و العلمية المسؤولة .
إن أي حوار يطرح نفسه ينبغي أن يكون فاعلا و حقيقيا و مسؤولا , و قادرا على  نقل المعاناة المشتركة و الهم الوطني و القومي الاعلى , بما يطال أهم معضلة في سوريا , هي القضية الكوردية , بأبعادها الوطنية و التاريخية و المجتمعية و الثقافية في ظل تشارك سياسي و نخبوي رفيع .
———–
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي ــ سـوريا – العدد (325)

لقراءة مواد العدد انقر هنا  dengekurd325

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…