عبد الرحمن آلوجي
يختلف التجمع الإنساني اختلافا كبيرا عن أي تجمع آخر ..
بدافع الاحتشاد والحماية أو نشأة الكلأ أو احتضان اليئة في القطيع , لأن التجمع الإنساني – بما وهب من فكر وعقل وحاجة إلى الاجتماع – يهدف بطبيعثه المتطورة هذه إلى هدف ونشاط يرتقي بهما إلى اهتمامات أكبر من الحاجة العضوية والضرورة الحياتية المحدودة , كما هو حاصل في نطاق القطيع وضروراته, ولأن لهذا التجمع ضرورات في الالتقاء والتوافق والتعارف , أو التدابر والتعارض والصدام ..
يختلف التجمع الإنساني اختلافا كبيرا عن أي تجمع آخر ..
بدافع الاحتشاد والحماية أو نشأة الكلأ أو احتضان اليئة في القطيع , لأن التجمع الإنساني – بما وهب من فكر وعقل وحاجة إلى الاجتماع – يهدف بطبيعثه المتطورة هذه إلى هدف ونشاط يرتقي بهما إلى اهتمامات أكبر من الحاجة العضوية والضرورة الحياتية المحدودة , كما هو حاصل في نطاق القطيع وضروراته, ولأن لهذا التجمع ضرورات في الالتقاء والتوافق والتعارف , أو التدابر والتعارض والصدام ..
والكائن الإنساني -باستعداداته وإمكاناته وميوله – قابل للتأقلم والتطور, بدءا بالحلقة الأولى (الأسرة) ككيان اجتماعي حاضن يشكل الخلية الأولى , ليتابع تطوره وارتقاءه في الحلقات الاجتماعية اللاحقة, والمتفاعلة مع ارتقائه تأثرا وتأثيرا, في الحي والمدرسة والبيئة والصقع والمحيط العام , وفقا لمعايير تطوره ودرجة الاستعداد لهذا التطور ومداه وشروطه ومقتضياته, بما يتناسب مع الموقع الاجتماعي ودرجة ارتقاء الكائن الإنساني في هذا الموقع( في إطار البيئة الاجتماعية التي يسبغها معاصروالفرد ..
وذلك في إطار المجتمع الذي يعيش فيه ..
في إطار نظام خاص في لحظة معينة ..
) – القاموس السياسي ص 433 – وهو ما يدعوه إلى التكيف مع عناصر المحيط والتفاعل مع قيمه وأهدافه وإرادته ودرجة طموحه , محققا وجوده الاجتماعي وتطوير موقعه والتأثير المحدد وفق الطاقات والاستعدادات في ذلك الوجود والتحرك من خلاله بما يهيئ للعب هذا الدور , وتغطية العناصر المساهمة في التكوينة الاجتماعية وترقية العمل الاجتماعي بمخنلف أبعاده واعتباراته وقيمه وتعاليمه ومعاييره وفق درجة ارتقائه وتمدنه, بما يحقق التكيف ( مع الوسط الطبيعي والشروط المادية للحياة ..
في انضبا ط لمعايير السلوك ..
وفق قيم ثقافية محددة يلزم الشخص والجماعة بالتكيف من جهتها ..
القاموس السياسي ص156 ) وهو ما يؤهل لعملية التطور والارتقاء , ويبرز دور الفرد – من خلال تجمعه ومحيطه – ومدى فعاليته وتأثيره , وحسن توجيهه وقيادته , ليتوضح الدور الريادي للفرد الفاعل , ومدى قدرته على قيادة العمل النضالي وبلورة أهدافه وصياغة موقفه المبدئي ووضع ملامح رؤيته ومنظومته الفكرية والعقائدية … و الإنسان الفرد مطالب منذ اللحظة الأولى بانخراطه في تجمعه ووعيه بمحيطه بإدراك موقعه و دوره ووضوح فكره و تيقّظ مشاعره , و احتضان المجتمع لهومدى تفاعله مع حلقاته, و هو مطالب بممارسة هذا الدور , و تنمية هذا الشعور ورفع سوية احساسه ليصل إلى درجة التأثير , و القدرة على مضاعفة دوره , بما له من مزايا و ما وهب من إمكانات و ما أوتي من استعداد لتطوير و إغناء هذه الإمكانات , و مدى استجابته لهذه المؤثرات المحيطة به , في الحلقات التربوية المتتابعة ليتمكن من القدرة على التفعيل و التحريك , ليكون في صف أولئك المصطفين و المختارين من الافراد ( مناضلين و مفكرين و قادة و علماء و مبدعين ) ممن يمتلكون مواهب خاصة تؤهلهم لحمل الأمانات , و ترجمة الافكار و المثل النضالية الرفيعة ليحظوا بمكانة محددة في الخط الاجتماعي والإبداعي و السلم المعرفي , قدوة صالحة تشتمل على حظ وافر من السمات و الخصال التي تثبت خصائص الشخصية الاجتماعية و النضالية و العلمية المؤثرة , حتى يمكن معرفتهم بتميزهم , و قدرتهم على حمل الأمانة و اعبائها , و الاستعداد لتكاليفها و بلورة خطها , و توضيح سبل الاندفاع إلى بناء حضاري متكامل .
إن أي تجمع إنساني ينبغي ألا يخلو ,بحكم تكامل الحياة من مثل هذه العناصر المتميزة , في ضرورة تصدّيها لحاجات الجماعة و سبل تطويرها , بما تملك من استعداد فطري للاستجابة , و سرعة التمثل , و الاستعداد لخوض التجربة الإنسانية , و الالتحام بالحاجة الإنسانية التي تدعو إلى رفع دعائم الفكر و العلم و المعرفة و الاستقرار و الازدهار , ردا لغائلة الاعتداء على كرامة المجموع ( في أرضه و عرضه و ماله و عقيدته و فكره ,وحرية تعبيره, والحقوق الإنسانية الملازمة لوجوده .) إعلاء لشأن قيمة من القيم الوطنية أو القومية أو الديمقراطية أو المذهبية أو الفكرية الأوسع , و رسما لمعالم تاريخ صحيح , و ترقية للمنهج العلمي و البحث في مناخ صحي يخدم البشرية , و آفاق التحرر العقلي مما يعد من ألزم الحاجات و أكثرها ضرورة , في وقت تتعزز قيم الحرية و العدل و المساواة , و تستهجن كل أوضار و أوهاق العنصرية و الفاشية و النازية و الاستبداد و القمع و الهمجية و الوحشية الضارية , و كل آثار الاستبداد و الوصاية و الذهنية الإقصائية المتخلفة وكل أشكال وصور النفاق والتزلف المرضي والميكافيلية الممجوجة, واشكال التسلق والارتماء على الرخيص والقريب والباطل المنتفج والمتورم …
إن القيم و الحاجات و الضرورات التي تعد من مستلزمات الحياة الاجتماعية و الفكرية والإبداعية بمختلف آفاقها وصورها وأعلامها والمنتجين الرائدين في مناحيها وجنباتها معا , بما يعد من رواسخ المجتمع , و من ثوابته و خطوطه التي تستلزم اتخاذها منهجا أو طريقا , دون أن يكون ذلك محلّ إجماع أو اختلاف بين هذه البيئة أو ذلك التجمع , مما يفترض رجالا ذوي قدرات و مواهب تدافع عن حالة التجمع هذه والقدرة على دفعها في سبل الارتقاء والإشراق والتألق ..
مما يستوجب أن نطرح خصائص أولئك الرجال , ذوي الأهداف المشتركة , و القيم الجامعة , و القواعد و النظم و الأوضاع التي ارتأوها و اختاروها , ليتفاضل الناس حينها في نقلها سلوكا عمليا , و طاقة ميدانية , و قدرة على التمثل و إخلاصا لهذا التوجه , حتى يوسم هؤلاء بالمناضلين المدافعين عن هذه الثوابت و تلك القيم … فما هي هذه الصفات , و ما هي تلك المؤهلات حتى يقال أن هؤلاء هم المناضلون ؟! وأؤلئك هم المبدعون ؟ !
إننا إذ نطرح هذه السمات , ونعزز تلك القيم , لنماذج فريدة في التاريخ الإنساني بمختلف الأزمنة والأمكنة والمجتمعات الإنسانية, نحاول تعزيزهذه القيم الجما عية , ورفع أعمدتها وصواها , بغرض تأملها واستلهامها, من خلال خصال مشتركة جامعة تحقق رسوخها في نفوس الأعلام والقادة والمصلحين والمفكرين, ممن ناضلوا وكافحوا ونافحوا عن قيم رفيعة ومثل عالية , وبذلوا جهودا خارقة لإرساء دعائم فكر متألق, بغض النظر عن الانتماء الفكري أو العقائدي, باذلين كل نفيس لخدمة الإنسان وقضاياه , في التطور والإعمار والبناء ورفع الظلم والاستغلال عن كاهل البشرية والدعوة إلى النور تبديد ظلمات القهر والاستعباد وإذلال الإنسان وقمعه..
إن المناضلين و العلماء و المبدعين هم أولئك الذين أدركوا – قبل كل شيء – أن لهم دورا فاعلا ينتدبون إليه في تحديد مهامهم الموكلة إليهم , و إناطة الأعباء بهم , و حملهم على النهوض بتكاليف النضال و قيمه , فالخطوة الأولى في الدرب النضالي و المعرفي و الإبداعي عامة , هي في إدراك الهدف , و تحديد الغاية و التعمق في فهم الحاجة النضالية و الارتقائية , و الإيمان المطلق بها , بعد إدراكها و حسن تعريفها و تعميقها في النفس , و الشعور بضرورتها في الأعماق , و مدى توغلها في كيان المناضل و المقاتل بالقيم و الريشة المبدعة , حتى يستيقن تماما أنه خلق لها , و نذر نفسه من أجلها , ليكون مبدؤه أكبر من همه الذاتي , و لتكون قيمه أعلى قيمة , و أكبر تصور يمكن أن يعيش من أجله , و ينذر كل طاقاته و إمكاناته , في تلبية طموحاته , و تلبسه بكيانه , و توغله في إحساسه , ليكون سلوكه ترجمانا عمليا لأفكاره و مبادئه , و منظومته العقائدية التي آمن بها فكرا و مذهبا و طريقة تناول , و حسا رفيعا , يتنافى تماما مع مصالح قريبة , أو رؤى ذاتية محدودة , أو هبوط إلى درك المناورة و التضليل و إشاعة هالة من المبالغة و التهويل و الضجة المفتعلة الخارجة عن نطاق الحقيقة الناصعة , و الإيمان الراسخ , و الفكرة الرابضة في الأعماق في رسوخ ووضوح , و استقلال شخصية و بعد عن التبعية و رجولة فذة , و حماسة من غير تردد , أو تصنع أو مداراة مفتعلة .
تلك هي المقدمة الكبرى و الضرورية في حياة المناضل و العالم المبدع و الفيلسوف المفكر و المؤرخ العظيم الذي يجد من نفسه و فكره و إحساسه و شعوره جزءا من الحقيقة التي يسعى لترسيخها و ترجمتها و التأثير بها في الآخرين , و هي نقطة الفصل الحاسمة في ما يلحق من سمات و خصائص , تترجم في المرحلة اللاحقة و قد أدرك فيها أنه انخرط في عمل نضالي يستوجب حسا آخر و دفعة أخرى و قدرة و حيوية على تخطي الصعاب , و الاستعداد لها , و التضحية من أجلها , و الصبر و احتمال المكاره , و الترفع عن القلق و التوتر و الارتكاس و الركون إلى دواعي التواني و التراخي و الانكفاء , مما يستلزم وضوحا و قوة تألق و بيان , و قدرة على نقل هذا البيان , و إبلاغ هذه الفكرة , و التأثير في المحيط , بلا تقاعس أو خوف أو تلكؤ .
وهي من ألزم خصائص المناضل و أكثرها التصاقا بشخصيته إلى جانب حس أخلاقي رفيع , و نزاهة و ترفع عن الدنايا , و سمو فوق الرغائب الهابطة , و السمات التي تسف و ترذل بالإنسان و تمرّغه , و مراعاة لقيم الجماعة و مواضعاتها و تقاليدها , و حسها الاجتماعي الرافض لكل تقزز يشين , و يسيء إلى الشخصية المناضلة و المؤثرة في الخط التطوري و إغناء آفاق المجتمع التي تعد في هذا المجال قدوة فاعلة , بعيدة عن البذاءة و الرديء من القول والفعل , و التمرغ في أوحال الافتراء و نقض العهود , والإخلال بالمواثيق , و التشكيك و التلويح بالتشهير و ممارسة الشعوذة ومجافاة المعاييرالأخلاقية ..
مما يجعل محيطه موبوءا تفوح منه رائحة الكراهية و الحقد و الاستعلاء ..
و هي أبعد الشناعات و اكثرها بؤسا و قتامة و إضرارا بالشخصية المناضلة , وإساءة لصومعة المفكرين و رهبنة المنقطعين إلى فضاءات الإبداع , و رفرفة و شفافية الروح الإنسانية و سموها,إبعادا للأذى الكبيرالذي يمكن ان يلحق بدعوته و فكرته و قيمه و معارفة و مناهجه العلمية و ابحاثه و إبداعاته التي يناضل من أجلها ..
ليبقى الحس الأخلاقي و الممارسة الخلقية الرفيعة دافعا مؤثرا لتقريب فكرته و التفاف الناس من حوله و الإيمان بصدقه و مصداقيته و أمانته و نقائه و ترجمة حية لسلوك نضالي رفيع و مخلص , تجعل من المناضل محركا و مؤثرا و قوة فاعلة في المحيط الاجتماعي الخاص به , و في المحيط النضالي الذي يتحرك من خلاله ليكون سلوكه و إحساسه و تصرفه و اندفاعه و توازنه ترجمانا ميدانيا لمبدئه و عقيدة راسخة تتحرك على أرض الواقع بعيدا عن النفاق و انتهاز الفرص و الذاتية و الأنانية و تضخم الشخصية.
كما تبرز صفة أخرى شديدة القرب , بارزة في حياة الإنسان الذي آمن بدوره , و أدرك خطورة هذا الدور , و أهميته في بلورة اتجاهاته , و ترجمة مبادئه , هذه الصفة تعد من ألزم و أكثر الخصائص قربا إلى حياة المناضلين و إبداعات الصف الأول , لترسم هالة مشرقة مضيئة من حولهم , و هي أسلوب الخطاب و طريقة الأداء , و يسر التناول و الحوار , بلا نفور و إعراض أو فظاعة أو فحش في القول , أو دنو و هبوط في التعبير, أو رداءة في نقل الأفكار , بالابتعاد عن بؤس المطلب و خوائه و سذاجته و ارتكاسه و منزلقاته و انحداره ..
مما ينفرّ و يباعد بين الإنسان و هدفه ..
ليكون لين المعشر و بساطة الأداء و روعة العبارة , و سلامة النقل , و دقة الضبط , و صدق النقل , من لوازم النضال , و مستلزمات العمل الفكري , و ليكون بذلك محط انظار , و مرتجى لقاء , فيجد الناس – من خلاله – إقبالا واعيا و عميقا لما يدعو إليه و يؤمن به و يناضل من أجله , تلك سمات أولية و أساسية تتعلق بشخصية المناضل, لتكون لنا أسوة و قدرة و مركز تأثير و مثار إعجاب ..
تجلى في شخصيات عالمية سطرت في سفر الخلود صحائف خالدات, لا تزال مصدر إلهام, و مبعث إعجاب و اقتداء, و لندرك أين نحن من هذه الشخصيات المناضلة ؟! و هذا الخط النضالي المفعم بالقوة الممتلئ بالعافية , و نعلم أين نحن من هؤلاء المناضلين , و أولئك هم المبدعون ؟!
وذلك في إطار المجتمع الذي يعيش فيه ..
في إطار نظام خاص في لحظة معينة ..
) – القاموس السياسي ص 433 – وهو ما يدعوه إلى التكيف مع عناصر المحيط والتفاعل مع قيمه وأهدافه وإرادته ودرجة طموحه , محققا وجوده الاجتماعي وتطوير موقعه والتأثير المحدد وفق الطاقات والاستعدادات في ذلك الوجود والتحرك من خلاله بما يهيئ للعب هذا الدور , وتغطية العناصر المساهمة في التكوينة الاجتماعية وترقية العمل الاجتماعي بمخنلف أبعاده واعتباراته وقيمه وتعاليمه ومعاييره وفق درجة ارتقائه وتمدنه, بما يحقق التكيف ( مع الوسط الطبيعي والشروط المادية للحياة ..
في انضبا ط لمعايير السلوك ..
وفق قيم ثقافية محددة يلزم الشخص والجماعة بالتكيف من جهتها ..
القاموس السياسي ص156 ) وهو ما يؤهل لعملية التطور والارتقاء , ويبرز دور الفرد – من خلال تجمعه ومحيطه – ومدى فعاليته وتأثيره , وحسن توجيهه وقيادته , ليتوضح الدور الريادي للفرد الفاعل , ومدى قدرته على قيادة العمل النضالي وبلورة أهدافه وصياغة موقفه المبدئي ووضع ملامح رؤيته ومنظومته الفكرية والعقائدية … و الإنسان الفرد مطالب منذ اللحظة الأولى بانخراطه في تجمعه ووعيه بمحيطه بإدراك موقعه و دوره ووضوح فكره و تيقّظ مشاعره , و احتضان المجتمع لهومدى تفاعله مع حلقاته, و هو مطالب بممارسة هذا الدور , و تنمية هذا الشعور ورفع سوية احساسه ليصل إلى درجة التأثير , و القدرة على مضاعفة دوره , بما له من مزايا و ما وهب من إمكانات و ما أوتي من استعداد لتطوير و إغناء هذه الإمكانات , و مدى استجابته لهذه المؤثرات المحيطة به , في الحلقات التربوية المتتابعة ليتمكن من القدرة على التفعيل و التحريك , ليكون في صف أولئك المصطفين و المختارين من الافراد ( مناضلين و مفكرين و قادة و علماء و مبدعين ) ممن يمتلكون مواهب خاصة تؤهلهم لحمل الأمانات , و ترجمة الافكار و المثل النضالية الرفيعة ليحظوا بمكانة محددة في الخط الاجتماعي والإبداعي و السلم المعرفي , قدوة صالحة تشتمل على حظ وافر من السمات و الخصال التي تثبت خصائص الشخصية الاجتماعية و النضالية و العلمية المؤثرة , حتى يمكن معرفتهم بتميزهم , و قدرتهم على حمل الأمانة و اعبائها , و الاستعداد لتكاليفها و بلورة خطها , و توضيح سبل الاندفاع إلى بناء حضاري متكامل .
إن أي تجمع إنساني ينبغي ألا يخلو ,بحكم تكامل الحياة من مثل هذه العناصر المتميزة , في ضرورة تصدّيها لحاجات الجماعة و سبل تطويرها , بما تملك من استعداد فطري للاستجابة , و سرعة التمثل , و الاستعداد لخوض التجربة الإنسانية , و الالتحام بالحاجة الإنسانية التي تدعو إلى رفع دعائم الفكر و العلم و المعرفة و الاستقرار و الازدهار , ردا لغائلة الاعتداء على كرامة المجموع ( في أرضه و عرضه و ماله و عقيدته و فكره ,وحرية تعبيره, والحقوق الإنسانية الملازمة لوجوده .) إعلاء لشأن قيمة من القيم الوطنية أو القومية أو الديمقراطية أو المذهبية أو الفكرية الأوسع , و رسما لمعالم تاريخ صحيح , و ترقية للمنهج العلمي و البحث في مناخ صحي يخدم البشرية , و آفاق التحرر العقلي مما يعد من ألزم الحاجات و أكثرها ضرورة , في وقت تتعزز قيم الحرية و العدل و المساواة , و تستهجن كل أوضار و أوهاق العنصرية و الفاشية و النازية و الاستبداد و القمع و الهمجية و الوحشية الضارية , و كل آثار الاستبداد و الوصاية و الذهنية الإقصائية المتخلفة وكل أشكال وصور النفاق والتزلف المرضي والميكافيلية الممجوجة, واشكال التسلق والارتماء على الرخيص والقريب والباطل المنتفج والمتورم …
إن القيم و الحاجات و الضرورات التي تعد من مستلزمات الحياة الاجتماعية و الفكرية والإبداعية بمختلف آفاقها وصورها وأعلامها والمنتجين الرائدين في مناحيها وجنباتها معا , بما يعد من رواسخ المجتمع , و من ثوابته و خطوطه التي تستلزم اتخاذها منهجا أو طريقا , دون أن يكون ذلك محلّ إجماع أو اختلاف بين هذه البيئة أو ذلك التجمع , مما يفترض رجالا ذوي قدرات و مواهب تدافع عن حالة التجمع هذه والقدرة على دفعها في سبل الارتقاء والإشراق والتألق ..
مما يستوجب أن نطرح خصائص أولئك الرجال , ذوي الأهداف المشتركة , و القيم الجامعة , و القواعد و النظم و الأوضاع التي ارتأوها و اختاروها , ليتفاضل الناس حينها في نقلها سلوكا عمليا , و طاقة ميدانية , و قدرة على التمثل و إخلاصا لهذا التوجه , حتى يوسم هؤلاء بالمناضلين المدافعين عن هذه الثوابت و تلك القيم … فما هي هذه الصفات , و ما هي تلك المؤهلات حتى يقال أن هؤلاء هم المناضلون ؟! وأؤلئك هم المبدعون ؟ !
إننا إذ نطرح هذه السمات , ونعزز تلك القيم , لنماذج فريدة في التاريخ الإنساني بمختلف الأزمنة والأمكنة والمجتمعات الإنسانية, نحاول تعزيزهذه القيم الجما عية , ورفع أعمدتها وصواها , بغرض تأملها واستلهامها, من خلال خصال مشتركة جامعة تحقق رسوخها في نفوس الأعلام والقادة والمصلحين والمفكرين, ممن ناضلوا وكافحوا ونافحوا عن قيم رفيعة ومثل عالية , وبذلوا جهودا خارقة لإرساء دعائم فكر متألق, بغض النظر عن الانتماء الفكري أو العقائدي, باذلين كل نفيس لخدمة الإنسان وقضاياه , في التطور والإعمار والبناء ورفع الظلم والاستغلال عن كاهل البشرية والدعوة إلى النور تبديد ظلمات القهر والاستعباد وإذلال الإنسان وقمعه..
إن المناضلين و العلماء و المبدعين هم أولئك الذين أدركوا – قبل كل شيء – أن لهم دورا فاعلا ينتدبون إليه في تحديد مهامهم الموكلة إليهم , و إناطة الأعباء بهم , و حملهم على النهوض بتكاليف النضال و قيمه , فالخطوة الأولى في الدرب النضالي و المعرفي و الإبداعي عامة , هي في إدراك الهدف , و تحديد الغاية و التعمق في فهم الحاجة النضالية و الارتقائية , و الإيمان المطلق بها , بعد إدراكها و حسن تعريفها و تعميقها في النفس , و الشعور بضرورتها في الأعماق , و مدى توغلها في كيان المناضل و المقاتل بالقيم و الريشة المبدعة , حتى يستيقن تماما أنه خلق لها , و نذر نفسه من أجلها , ليكون مبدؤه أكبر من همه الذاتي , و لتكون قيمه أعلى قيمة , و أكبر تصور يمكن أن يعيش من أجله , و ينذر كل طاقاته و إمكاناته , في تلبية طموحاته , و تلبسه بكيانه , و توغله في إحساسه , ليكون سلوكه ترجمانا عمليا لأفكاره و مبادئه , و منظومته العقائدية التي آمن بها فكرا و مذهبا و طريقة تناول , و حسا رفيعا , يتنافى تماما مع مصالح قريبة , أو رؤى ذاتية محدودة , أو هبوط إلى درك المناورة و التضليل و إشاعة هالة من المبالغة و التهويل و الضجة المفتعلة الخارجة عن نطاق الحقيقة الناصعة , و الإيمان الراسخ , و الفكرة الرابضة في الأعماق في رسوخ ووضوح , و استقلال شخصية و بعد عن التبعية و رجولة فذة , و حماسة من غير تردد , أو تصنع أو مداراة مفتعلة .
تلك هي المقدمة الكبرى و الضرورية في حياة المناضل و العالم المبدع و الفيلسوف المفكر و المؤرخ العظيم الذي يجد من نفسه و فكره و إحساسه و شعوره جزءا من الحقيقة التي يسعى لترسيخها و ترجمتها و التأثير بها في الآخرين , و هي نقطة الفصل الحاسمة في ما يلحق من سمات و خصائص , تترجم في المرحلة اللاحقة و قد أدرك فيها أنه انخرط في عمل نضالي يستوجب حسا آخر و دفعة أخرى و قدرة و حيوية على تخطي الصعاب , و الاستعداد لها , و التضحية من أجلها , و الصبر و احتمال المكاره , و الترفع عن القلق و التوتر و الارتكاس و الركون إلى دواعي التواني و التراخي و الانكفاء , مما يستلزم وضوحا و قوة تألق و بيان , و قدرة على نقل هذا البيان , و إبلاغ هذه الفكرة , و التأثير في المحيط , بلا تقاعس أو خوف أو تلكؤ .
وهي من ألزم خصائص المناضل و أكثرها التصاقا بشخصيته إلى جانب حس أخلاقي رفيع , و نزاهة و ترفع عن الدنايا , و سمو فوق الرغائب الهابطة , و السمات التي تسف و ترذل بالإنسان و تمرّغه , و مراعاة لقيم الجماعة و مواضعاتها و تقاليدها , و حسها الاجتماعي الرافض لكل تقزز يشين , و يسيء إلى الشخصية المناضلة و المؤثرة في الخط التطوري و إغناء آفاق المجتمع التي تعد في هذا المجال قدوة فاعلة , بعيدة عن البذاءة و الرديء من القول والفعل , و التمرغ في أوحال الافتراء و نقض العهود , والإخلال بالمواثيق , و التشكيك و التلويح بالتشهير و ممارسة الشعوذة ومجافاة المعاييرالأخلاقية ..
مما يجعل محيطه موبوءا تفوح منه رائحة الكراهية و الحقد و الاستعلاء ..
و هي أبعد الشناعات و اكثرها بؤسا و قتامة و إضرارا بالشخصية المناضلة , وإساءة لصومعة المفكرين و رهبنة المنقطعين إلى فضاءات الإبداع , و رفرفة و شفافية الروح الإنسانية و سموها,إبعادا للأذى الكبيرالذي يمكن ان يلحق بدعوته و فكرته و قيمه و معارفة و مناهجه العلمية و ابحاثه و إبداعاته التي يناضل من أجلها ..
ليبقى الحس الأخلاقي و الممارسة الخلقية الرفيعة دافعا مؤثرا لتقريب فكرته و التفاف الناس من حوله و الإيمان بصدقه و مصداقيته و أمانته و نقائه و ترجمة حية لسلوك نضالي رفيع و مخلص , تجعل من المناضل محركا و مؤثرا و قوة فاعلة في المحيط الاجتماعي الخاص به , و في المحيط النضالي الذي يتحرك من خلاله ليكون سلوكه و إحساسه و تصرفه و اندفاعه و توازنه ترجمانا ميدانيا لمبدئه و عقيدة راسخة تتحرك على أرض الواقع بعيدا عن النفاق و انتهاز الفرص و الذاتية و الأنانية و تضخم الشخصية.
كما تبرز صفة أخرى شديدة القرب , بارزة في حياة الإنسان الذي آمن بدوره , و أدرك خطورة هذا الدور , و أهميته في بلورة اتجاهاته , و ترجمة مبادئه , هذه الصفة تعد من ألزم و أكثر الخصائص قربا إلى حياة المناضلين و إبداعات الصف الأول , لترسم هالة مشرقة مضيئة من حولهم , و هي أسلوب الخطاب و طريقة الأداء , و يسر التناول و الحوار , بلا نفور و إعراض أو فظاعة أو فحش في القول , أو دنو و هبوط في التعبير, أو رداءة في نقل الأفكار , بالابتعاد عن بؤس المطلب و خوائه و سذاجته و ارتكاسه و منزلقاته و انحداره ..
مما ينفرّ و يباعد بين الإنسان و هدفه ..
ليكون لين المعشر و بساطة الأداء و روعة العبارة , و سلامة النقل , و دقة الضبط , و صدق النقل , من لوازم النضال , و مستلزمات العمل الفكري , و ليكون بذلك محط انظار , و مرتجى لقاء , فيجد الناس – من خلاله – إقبالا واعيا و عميقا لما يدعو إليه و يؤمن به و يناضل من أجله , تلك سمات أولية و أساسية تتعلق بشخصية المناضل, لتكون لنا أسوة و قدرة و مركز تأثير و مثار إعجاب ..
تجلى في شخصيات عالمية سطرت في سفر الخلود صحائف خالدات, لا تزال مصدر إلهام, و مبعث إعجاب و اقتداء, و لندرك أين نحن من هذه الشخصيات المناضلة ؟! و هذا الخط النضالي المفعم بالقوة الممتلئ بالعافية , و نعلم أين نحن من هؤلاء المناضلين , و أولئك هم المبدعون ؟!