أحزاب كرديَّة سوريَّة عاطلة عن العمل وبرسم الشقاق والشرذمة والعطب

هوشنك أوسي

حجم الخراب والعطب والقفر والعطالة والتشتت والشرذمة السياسيَّة الكرديَّة في سورية، لم يعد خافياً على القاصي والداني.

ولم يعد خافياً أيضاً، أن ما سلف ذكره، هو نتاج وتركة الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، خلال خمسين سنة، من الانشقاقات والاشتقاقات والمنازلات الفارغة، والنزاعات السخيفة، والملاسنات السفيهة، التي هبطت بالحراك السياسي الكردي السوري إلى الحضيض.

ولا يخفى أن الكرديَّ السوريَّ، بات يشعر بالخجل من هذه الخيم السياسيَّة، والإقطاعات القبليَّة المتنازعة، التي تسمِّي نفسها “أحزاب كرديَّة سوريَّة”، أثناء النظر لخراب حالها، وبؤس مآلها، وشحُّ مبرراتها وحجَّجها وأعذارها، إن واجهها أحدهم بمدى فداحة ما ترتكبه بحقِّ الشعب الكردي في سورية من تقسيم للمجتمع، وتحطيم للمعنويات، وتبديد الطاقات!.
هذه الشلل السياسيَّة الموبوءة، لا همَّ لها، سوى التطاحن والتشاحن والتناحر وكيل الشتائم، وتوجيه التهم لبعضها، وتكريس ثقافة الشقاق.

وقد اتَّفقت هذه الأحزاب المعطوبة على ألاَّ تتفق، إلاَّ على ترسيخ ثقافة الانقسام والانهدام بدلاً من الوئام والتواصل والاجتماع حول كلمة سواء!، هذه الأحزاب الكرديَّة، آخر ما يهمُّ قادتها، هو الصالح الكردي السوري العام، ووحدة الكلمة الكرديَّة، وترتيب البيت الكردي السوري، والدفع باتجاه تشكيل رأي عام كردي وسوري ضاغط على النظام السوري، لجهة تحفيزه على إيجاد حل عادل للقضيَّة الكرديَّة في سورية.

وذلك، بالاعتراف الدستوري بالكُرد كثاني قوميَّة، بعد الشعب العربي، في سورية، وتضمين حقوقهم السياسيَّة والثقافيَّة في الدستور السوري، إلى جانب الحضّ على عملية التحوُّل الديمقراطي في سورية، بإلغاء المادة الثامنة في الدستور، وإطلاق الحريات العامَّة، وسنّ قانون للأحزاب، وطيّ ملفّ الاعتقال السياسي، وتبييض المعتقلات…الخ.
والحقُّ إن النظام السوري، راضٍ تماماً عن أداء هذه الأحزاب.

وبل ليس من المجازفة القول: إن هذه الأحزاب، مخترقة، منذ نشأت أول حزب كردي في سورية، ولغاية اللحظة.

ولعل الكثير من قواعد هذه الأحزاب، تضمُّ في صفوفها الكثير الوطنيين والمخلصين والشرفاء الأفاضل، ممن يقرُّون ويعترفون بأن حالة التشرذم والانقسام المسرطن في جسم الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، لَهو من صنع النظام.

ولكنهم، لا يحركون ساكناً أمام امتداد هذا الخراب السياسي في المجتمع الكردي، ولا يسائلون قياداتهم حيال دورهم في استشراء هذا العطب والخراب، ولا يبدون موقفاً واضحاً وصريحاً رادعاً، يعيد هذه الأحزاب لجادة المصلحة القوميَّة الكرديَّة والوطنيَّة السوريَّة!!؟.
حاول كاتب هذه السطور، إثارة أكوام من الأسئلة حول أداء الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، ومراجعتها نقديَّاً، عبر سلسلة من المقالات، وصلت لحوالي 15 مقالاً، ابتداءاً بمقال لي، عنونته بنداء: “قاطعوا الحركة الكرديَّة في سورية”.

فتدفقت عليَّ نفائس القول الذميم، ومن شتمٍ وسبٍّ واتهامات، من أفواه محازبي الأحزاب الكرديَّة، بدلاً من الردِّ على تلك الأسئلة!.

وتراوحت تلك التهم بين “الخيانة، والارتزاق، والعمالة، والمدسوس والمدفوش من قبل المخابرات السوريَّة….”، والتطاول على القيادات المقدَّسة، والعوائل المقدَّسة، والقبائل المقدَّسة، والأحزاب المقدَّسة، والأفكار المقدَّسة، والتراث المزعوم المتوَّهم لهذه الأحزاب المنكوبة!!؟.

هذا النسق من البشر، يرتعب من الحقائق أو الأسئلة التي ربما تقوده للحقائق.

مَثَلُهُ مَثَلُ البومِ الذي إنْ واجهته بالنور، ارتجف خائفاً، ناعباً، معنِّفاً مَنْ عكرَّ عليه صفو عتمهُ ببقعةِ ضوء!.
ذكرت لهم معلومات موثَّقة عن ولادة ونشأة أول حزب كردي في سورية في 14/6/1957، بأنه كان مدعوماً من حزب البعث آنئذ، كي يخلق القلاقل في تركيا، لأنها كانت حليفة لأمريكا، وعضو في حلف بغداد المعادي للسوفيت (حلفاء البعثيين).

وذكر المتنوِّر والمثقف الكردي الراحل ملا حسن كرد، هذه المعلومة، في مخطوط كتابه “فلسفة الكفاح في سبيل الوطن”، أثناء تناوله نشأة أول حزب كردي في سورية.

إذن، كان أول حزب كردي في سورية، موجَّهاً ضد تركيا، وليس لخدمة القضيَّة الكرديَّة في سورية، بلد المنشأ.

وإلا لحال البعث والقوميين العرب وقتها دون نشأته.

لكنهم وافقوا، فقط لإثارة القلاقل في تركيا.

وما يدلُّ على ذلك، اتجاه الراحل محمد باقي ملا محمود على كردستان تركيا سنة 1958، بغية تشكيل خلايا الحزب هناك، إذ كان اسمه وقتها “الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية” وكان شعاره “تحرير وتوحيد كردستان”، وكتب نظامه الداخلي، جلال طالباني، الرئيس العراقي الحالي.

ولقد كان هذا الحزب الكردي “السوري”، مدعوماً من قيادة الجمهوريَّة العربيَّة المتَّحدة، ورئيسها جمال عبدالناصر.

والدليل، افتتاح قسم كردي في الإذاعة المصرية وقتها، ورفض الطلب التركي لإغلاق هذا القسم.

وزيارة جمال عبدالناصر للمحافظات السوريَّة الشماليَّة وقتئذ.

وقد كان لجلال طالباني الدور البارز في التنسيق لولادة أول حزب كردي في سورية، نتيجة علاقاته مع البعثيين السوريين وجمال عبدالناصر.

ويعزو ملا حسن كرد، في نفس المصدر السابق، انقلاب الأوساط البعثيَّة والقوميَّة على الحزب الكردي السوري، مطلع الستينات، بسبب “بيان تضامني أصدره الحزب الكردي مع الحزب الشيوعي السوري الذي رفض حلَّ نفسه، وفق قرار دولة الوحدة بين سورية ومصر”.

بالإضافة إلى ان المخاوف من حلف بغداد قد زالت، والخشية العربيَّة من أن ينقلب السحر على الساحر، ويصبح الحزب الكردي السوري وبالاً على سورية مستقبلاً.

فعمدت إلى موجة اعتقالات لغالبيَّة قياداته الرئيسة.

وإن دلَّ على شيء، أنما يدُّ على أن نشاط الحزب كان مكشوفاً للسلطات السوريَّة وقتها.

ويقول: نجل ملا حسن كرد، كوركين، عن تلك الحقبة: “إن الحزب الكردي، وصل لكافة المناطق الكرديَّة، وانتشر بشكل سريع، انتشار النار في الهشيم، خلال ستة أشهر فقط.

وكان النشاط علنيَّاً، خلال السنتين الأوليتين من عمر الحزب الكردي”.

يعني، إن الحزب الكردي الناشئ في سورية، كان شبه رسمي!.

والسؤال: في زمن الجمهوريَّة المتحدة، كانت الأحزاب منحلَّة وممنوعة، والحزب الشيوعي كان محارباً، لأنه رفض حلَّ نفسه، بناء على قرار دولة الوحدة، فلماذا كانت نشاط الحزب الكردي مباحاً ومسموحاً وقتئذ، إن كان نشاط هذا الحزب موجَّهاً للداخل السوري!!؟.

إذن، سمح للحزب الكردي السوري بالنشاط العلني وقتذاك، لأنه كان أداة ومخلب قطع في مواجهة تركيا.

والرعيل الأول من الحركة الحزبيَّة، مدعوون للإدلاء بشهادتهم حول هذا الأمر، خاصَّة، الأستاذين حميد درويش ورشيد حمو، بعد أن تجاهل محازبو الأحزاب الكرديَّة تناول هذه الفكرة بحثاً وتنقيباً، إمَّاً عن جهل، أو خوف من حقائق نشأة الحراك السياسي الكردي السوري.
ذكرت في مقال سابق، في هذا الصدد، حدثين اثنين، متعلقان بحزب كردي سوري، هو الحزب الديمقراطي التقدمي، ولم ألقَّ أي ردٍّ حول الأسئلة التي قمت بطرحها، لا من الحزب المذكور، ولا من غيره!!.

والحدثان هما:
الأول: سنة 1974، أصدر نظام أحمد حسن البكر، وصهره صدام حسين، قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق، دون أن يشتمل منطقة الحكم الذاتي على مدينة كركوك المتنازع عليها حاليَّاً.

فأبرق الحزب الديمقراطي الكردي في سورية _ اليمين (التقدمي حاليَّاً)، رسالة تهنئة وتبريك وإشادة بقانون الحكم الذاتي ذاك، مادحاً النظام العراقي السابق، ومنتقداً المعترضين على القانون.

ومعلوم أن الزعيم الراحل، الملا مصطفى بارزاني، رفض القانون، لعدم اشتماله على منطقة كركوك.

يعني، أن الحزب التقدمي، مدح صدام، وانتقد بارزاني الأب وقتها.

ولم يأتني أحد بما يفنِّد هذه الحادثة!؟.

إذن، هي حقيقة، إلى أن يثبت التفنيد القطعي، المدعوم بالدليل الدامغ.

والسؤال: ماذا كان ثمن تلك الرسالة!؟.

وأحد أمرين؛ إمَّا أن السيد عبدالحميد دوريش كان على خطاً بإرسال تلك الرسالة، أو أن الملا مصطفى بارزاني كان على خطأ، لأنه رفض قانون الحكم الذاتي؟!، إذ لا يمكن أن يكون كلاهما على خطأ أو كلاهما على صواب!.

يعني، لأحدهما أن يكون صائباً، والآخر خاطئ.

وهذا ما تجنِّب محازبو الأحزاب الكرديَّة الإجابة عليه، لأسباب معروفة، أقلُّها شأناً، الرعب والخوف من جلاء الحقيقة.

ثمَّ أن أكراد العراق أدرى بخياراتهم السياسيَّة، في قبول قانون الحكم الذاتي أو رفضه، فما دخل التقدمي وزعيمه وقتئذ، بذلك!؟.

في حين، أن هذا الحزب وزعيمه، لا يكلاَّن ولا يملاَّن، قياماً وقعوداً، بتوجيه الانتقادات لحزب العمال الكردستاني، بضرورة عدم التدخُّل في الشأن الكردي السوري والعراقي، إلا أن الحزب التقدمي الكردي في سورية، تدخَّل في الشأن الكردي العراقي، ومنذ منتصف السبعينات، فيللمفارقة!؟.
الحدث الثاني: هو تواجد زعيم الحزب التقدمي الأستاذ عبدالحميد درويش في نفس العام، أي 1974 في بيروت، يسكن مع مجموعة من رفاقه في شقَّة فارهة في شارع الحمرا وسط بيروت، يقال أن من استأجرها هو الأستاذ صالح كيلو نعسان من منطقة كوباني.

ثم زعم أن مصاريف السيد عبدالحميد درويش وصحبه الكرام، كانت على نفقة الحزب!!.

فهل يعقل هذا!؟.

وثمة معلومات تشير أن السيد دوريش كان مقيماً في بيروت على نفقة السفارة العراقيَّة في العاصمة اللبنانيَّة.

يعني أن درويش، قد سبق صلاح بدرالدين في التخابر مع السفارة العراقيَّة، إنْ ثبُتت صحَّة هذه المعلومة!.

واللافت في الأمر، أنه بعد عودة درويش لسورية، وفي سنة 1977، قدَّم أكثر من 27 من الكوادر المتقدِّمة في الحزب التقدمي استقالة جماعيَّة للحزب، اعتراضاً على مسلك قيادته في التعاطي مع الشأن الكردي في العراق، وما قيل عن الشبهات حول العلاقات مع السفارة العراقيَّة وقتئذ.

ومن بين المستقيلين “صالح كيلو نعسان، محمد صالح مسلم، أنور علي”، وآخرون من الجزيرة وعفرين.

وهؤلاء الثلاثة، هم من منطقة كوباني.

وسعت هذه المجموعة لتشكيل بديل، عبر عقد بعض الندوات الثقافيَّة في الجزيرة وحلب، إلا أن مساعيهم لاقت وأداً.

وكان لجلال طالباني دوراً في هذا الوأد، عبر استمالة صالح نعسان كيلو وغيره!؟.

والأساتذة المذكورة أسماءهم، بالإضافة للسيد عبدالحميد دوريش وعزيز داوود وتمر مصطفى… مدعوون للإدلاء بشهادتهم حول تلك المرحلة، بغية إزالة اللبس والغموض حيال الحدثين المذكورين أعلاه.
في الآونة الأخيرة، بدأ بعض المثقفين الأكراد الأفاضل بإرسال الرسائل المفتوحة، إلى قيادات الأحزاب الكرديَّة السورية، وبخاصَّة في التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، يطوونها على سيل من النصائح والمناشدة والترجِّي كي يلتفتوا لمصلحة الشعب الكردي السوري، ويبتعدوا عن الأنانيات والحزازات الشخصيَّة، والالتفاف حول كلمة كرديَّة واحدة، والكفّ عن التخبُّط في مستنقعات الشقاق… إلى آخره، من هذه النداءات والمناشدات التي دأبنا على سماعها وقراءتها منذ 50 سنة.

لكن، لا حياة لمن تنادي.

حال هؤلاء المثقفين، كحال النافخ في قربة مقطوعة.

فصنَّاع الخراب السياسي الكردي في سورية، وبناته الأعلون، لن يردعهم قول دمث، ودباجة مناشدة، فيها من الإنشاء وطراوة الحديث، ما يحفَّز على العطب، أكثر من أن يكون حافزاً على الإصلاح.

فالإصلاح في الحال السياسيَّة الكرديَّة، يبدأ بوقفة حازمة، صارمة، جريئة، وصريحة، دون لفٍّ أو دوران، او مناورة أو مداورة، أو تحايل أو تخاذل أو تكاسل، أو خشية من مواجهة الخراب.

يبدأ إصلاح الخراب، بإعلان القطيعة معه، ثم نقده، بحياديَّة وأمانة، بهدف البناء، بعد إزالة الردم والركام السياسي الحاصل.

وهنا، يبرز دور المثقف الكردي السوري الملتزم بقضايا ومعاناة شعبه الكردي ووطنه السوري، بأن يقف في وجه أحزابه الكرديَّة بنفس الشحنة والحزم الذي يقف فيها لمواجهة النظام السوري.

أن يقف في وجه الخطأ، أيَّاً كان مصدره.

وألاَّ يكون لسان حال أداءه، المثل العربي الشائع: “أنا وأخي على ابن عمِّي، وأنا وابن عمِّي على الغريب”.

لكن، اعتقد أن طبقة التكلُّس والصدأ التي باتت تغلِّف الأحزاب الكرديَّة في سورية نفسها بها، لن ينفع معها، لا الرسائل المفتوحة ولا المغلقة، لا لغة الرجاء والمناشدة ولفت الأنظار…الخ، لمصلحة الشعب الكردي، والمخاطر المحدقة به، لأنَّ هذه الطبقة المذكورة، بلغت من السماكة، لدرجة باتت تستوجب الطرق ثمَّ الطرق ثمَّ الطرق ثمَّ الكيّ، لأنَّ آخر الدواء هو الكيّ.

هذه الأحزاب الخردة، لم يعد ينفع معها اللين والمهادنة، لأنها الأكثر حديثاً عن مصالح الشعب الكردي في سورية، وضرورة التوحُّد والتحلِّي بالديمقراطيَّة، لكنها، أيّ الأحزاب، هي الأكثر إضراراً بالشعب الكردي في سورية، ولم تنجز شيئاً لهذا الشعب منذ 50 سنة، عدى الخراب والشقاق والتخاذل والتناحر الفارغ.

لم تنتج إرثاً ثقافياً عليه القيمة!.

المرأة في هذه الأحزاب مغيَّبة بشكل مرعب، وهذه الأحزاب تتحدث عن حرية المرأة بغزارة طافحة!.
الشعب الكردي في سورية، مغلوب على أمره، بفعل الاستبداد والفساد الآتي من النظام السوري من الأحزاب الكرديَّة السورية.

كلمة الديمقراطية لا تفارق أسماء الكثير من الأحزاب الكرديَّة في سورية، ولا نجد في أدائها، أيَّ مظهر من مظاهر الديمقراطيَّة وتقبُّل الرأي الآخر.

وفي الوقت عينه، تتحدَّث غزيراً، وتنظِّر كثيراً في الديمقراطيَّة، وتطالب النظام السوري بالديمقراطيَّة، وهي فاقدة لهذه الحال الحضاريَّة.

وهي تعلم، إنَّ فاقد الشيء، لا يعطيه.

النظام، ليس بديمقراطي حتى يمنح الديمقراطيَّة، والأحزاب الكرديَّة، ليست ديمقراطيَّة، حتَّى يحقَّ لها أن تنتقد استبداد النظام.
لا يخفى على أيّ متتبع ومهتمّ بالشأن العام في سورية، تدهور الواقع السياسي والاقتصادي، بشكل خطير.

ومظاهر الفساد المستشري في كافة مفاصل ومؤسَّسات الدولة، وحالة القمع والاستبداد والسياسات والممارسات العنصريَّة والشوفينيَّة، ما هي إلا تعبير عن ذهنيَّة النظام، الرافضة لأيَّة عمليَّة إصلاح داخلي، أو إيجاد حلول لكافة القضايا والإشكالات الداخليَّة والوطنيَّة العالقة.

وثمَّة إصرار ونزوع واضح على المضي في هذا السلوك، دون الالتفاتة للنداءات والمناشدات الوطنية من قبل السوريين عموماً والأكراد خصوصاً، بضرورة تجنيب البلاد من منزلقات خطيرة، قد تطيح بالنسيج الاجتماعي بين مكونات المجتمع السوري، وتدخل البلاد في نفق مظلم، يشبه النفق العراقي.

ولسان حال النظام وأداءه في التعاطي مع مشاكله، يفيد بأنَّه مستعدٌّ للرضوخ والانصياع للضغوط الخارجيَّة، ويبحث عن وسطاء سلام بينه وبين إسرائيل.

في الوقت عينيه، يرفض الانفتاح على الداخل، وإيجاد حلول ديمقراطيَّة للقضايا الوطنية، كرفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وتبييض السجون، وإطلاق الحريات العامة، وإصدار قانون للأحزاب والجمعيات، وحلِّ القضيَّة الكرديَّة في سوريَّة، والتي تتمثل  بالاعتراف الدستوري بحقوق الأكراد السوريين السياسيَّة والثقافيَّة العادلة، تحت سقف الوطني السوري الواحد، وإعادة الجنسيَّة للمجرَّدين منها على خلفيَّة إحصاء 5/1/1962، وتعويضهم على الضرر الذي لحق بهم طيلة هذه السنين، وإلغاء المشاريع العنصريَّة، كالحزام العربي، وتعريب المناطق الكردية شمال سورية، وإعادة تطبيعها، بما ينسجم ومعطيات الحال في سنة 1963.

لكن، وللأسف الشديد، لقد صمَّ النظام آذانه أمام كل النداءات والمناشدات الوطنية، ومواصلة سياسة التجاهل والإقصاء والإنكار، ودفن الرأس في الرمال، وزيادة حالة القمع والمنع، وعصر المجتمع ومحاصرته من كافة الجوانب، وخاصَّة منها الاقتصاديَّة.

وليس سرَّاً القول: إن حجم الضغوط والقمع التي يواجهها الشعب الكردي في سورية، هو مضعَّف، لسببين: أولاً، لأنهم سوريون، وثانياً، لأنهم أكراد.

واستمرار هذا الوضع، سيزيد من حالة الشحن القومي، وحالة الشعور بالغبن والظلم والاضطهاد عند الأكراد السوريين، ربما تؤدي إلى انفجارات جماهيريَّة، قد تتجاوز آثارها، لما جرى في انتفاضة 12 آذار 2004.
يتضح من سلوك وسياسات وممارسات النظام السوري في المناطق الكرديَّة شمال البلاد، أن الشعب الكردي ومجتمعه وشبابه، مستهدف في الصميم.

وما تفشّي مظاهر تعاطي المخدرات، وانتشار الزعرنة والانحلال الأخلاقي، وازدياد البطالة بين الشباب الكردي، إلا دليل على أن حاضر المجتمع الكردي مستهدف، وإن شبابه وأمل مستقبله مستهدفون.

ولا يمكن تدمير مجتمع ما، إلا عن طريق تدمير شبابه.

وهذا ما يفعله النظام، والأحزاب الكرديَّة تتفرَّج!.

وفي الوقت عينه، لا يمكن إنقاذ المجتمع الكردي من الحالة المترديَّة التي يعاني منها، إلا بتحصين شريحة الشباب فيه.
خلال السنوات الأخيرة، شهدت المناطق الكردية في الجزيرة موجة جفاف شديدة، أثّرت بشكل خطير على تهدور فرص العمل والمعيشة في المنطقة، مما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة، لكون هذه المناطق، هي مناطق زراعيَّة موسميَّة، ولا توجد فيها مشاريع تنمويَّة اقتصاديَّة، صناعيَّة أو تجاريَّة أخرى.

وقد تفاقمت حالة الفقر والجفاف في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ازدياد حركة نزوح وهجرة كبيرة من هذه المناطق، بحثاً عن لقمة العيش.

وإذا كان العامل البيئي والمناخي وشحِّ الأمطار قد ساهم في ذلك.

إلا أنه لا يمكن إنكار والتغاضي عن الممارسات والسياسات العنصريَّة التي تمارسها السلطة، بهدف إفراغ المنطقة من الأكراد، وتغيير التركيبة الديموغرافيَّة فيها.

ولجأ لإتباع سلسلة من الإجراءات الاقتصاديَّة بحقِّ هذه المناطق، لتحقيق أهداف سياسيَّة.

يمكن تلخيصها هذه السياسات في الآتي:
1.

   رغم أن المناطق الكرديَّة، هي أغنى المناطق السوريَّة من حيث الثروات الباطنيَّة “نفط وغاز”، ومن حيث المحاصيل الزراعيَّة الاستراتيجية “حبوب، قمح، شعير، والقطن”، إلا أن الدولة، لا تقيم مشاريع صناعيَّة في هذه المناطق، بهدف تشغيل الأيدي العاملة فيها.

وتوفير أجور نقل المحاصيل إلى المناطق الداخليَّة عن كاهل ميزانيَّة الدولة، وإقامة معامل ومصانع البيتروكيماويات بالقرب من حقول النفط…الخ.

وتصرُّ على أن تكون هذه المناطق خالية من أية مشاريع تنمويَّة هامَّة، تتناسب من أهميَّة المنطقة وثرواتها.

ولذا ليس غريباً أن نجد سكان أغنى محافظة في سوريا هم الأكثر فقراً في هذا البلد!.

وهذه سياسة رسميَّة متَّبعة من قبل السلطة بشكل ممنهج.
2.

   رغم أن هذه المناطق، هي حدوديَّة، ومحاذية لحدود دولتين جارتين، ترتبط سورية معهما باتفاقيات اقتصاديَّة وتبادل تجاري، إلا أننا لا نشهد فيها، مناطق التجارة الحرَّة، وأسواق كبيرة، تسهم في انتعاش المنطقة، وتغير طبيعة اقتصادها من اقتصاد زراعي، إلى اقتصاد تجاري صناعي.

ويمكن أن يوجد في كل مدينة حدوديَّة سورية، سوق للتجارة الحرَّة مع تركيا، ومع كردستان العراق والعراق.

إلا أن النظام يتعمّد عدم إقامة هذه الأسواق، لأسباب معروفة، وهي عدم انتعاش الحالة الاقتصاديَّة لأهل المنطقة، والسعي الدوؤب إلى تفقيرها وتفريغها من الأكراد.

وطبعاً، هنالك نسبة من الضرر تلحق بالعرب المتواجدين في المنطقة أيضاً.

إلا أن الأكراد، هم الأكثر تضرراً وتأذياً من هذه السياسات.
3.

   رغم أن تربة المنطقة، هي من أخصب الترب في سوريا، إلا أن الدولة تمنع حتى زراعة الخضراوات على مسافة 5 كيلو متر، جنوب الحدود السورية _ التركية، بحجج واهية، أن هنالك بكتيريا او جرثومة ستنتقل من تركيا إلى سوريا!؟.
4.

   رغم أن تربة ومناخ منطقة الجزيرة مناسبة لزراعة الأشجار المثمرة وأشجار الزيتون، إلا ان الدولة تمنع ذلك، بحجَّة أن هذه المحافظة، مختصَّة بمحاصيل القمح والقطن!؟.
5.

   بالرغم من أن المنطقة تحوي على العديد من المواقع الأثريَّة والمناطق السياحيَّة، “عين ديوار، رأس العين، تل موزان…”، ومنابع المياه المعدينة “عين كبريت”، إلا أن الدولة لا تسعى لتنشيط الحركة السياحيَّة في الجزيرة، وجعلها إحدى روافد اقتصاد المنقطة، منعاً من انتعاشها اقتصادياً.
6.

   الدولة تمنع منح تراخيص لإقامة مشاريع اقتصادية، مصانع معامل في المنقطة، وتعرقل مساعي بعض رؤوس الأموال المحليَّة الكرديَّة التي تحاول إقامة هكذا مشاريع.
7.

   رغم أن الدولة تعلم أن حالة الجفاف في ازدياد، وباتت تهدد قوت الناس في الزراعة وتربية المواشي، إلا أنها لا تحاول الاستفادة من استجرار مياه نهر دجلة، عبر إقامة شبكة من قنوات الري في المنطقة، والاستفادة من مياه نهر الخابور، أو استجرار مياه نهر الفرات للمنطقة، والاستفادة من التجربة التركيَّة في هذا المجال.

لكنها، تكتفي فقط، بإقامة هكذا مشاريع في محافظة الرقة ومحافظات أخرى، وتجاهل محافظة الجزيرة _ الحسكة!؟.

والسبب بات معروفاً ومكشوفاً.
8.

   الدولة تسعى لتدمير بقايا الطبقة الوسطى في المناطق الكردية، ومحاصرة بعض الرساميل الكرديَّة القليلة الموجودة هناك، وهي أيضاً باتت على مشارف الاحتضار!؟.

في حين، تشجع هجرة الرساميل العربيَّة إلى هناك واستملاك الأراضي والعقارات.
9.

   أتى رفع أسعار المحروقات، وخاصة المازوت، لتكون بمثابة الضربة القاضية للمنطقة، لأنها زراعيَّة، ومادة المازوت هي الأكثر استعمالاً في مشاريع الري والنقل، فضلاً عن أن ارتفاع سعر المازوت، ورفع الدعم عنه، قد أدى إلى رفع أسعار المواد التموينيَّة والغذائيَّة والخضروات والفواكه بشكل جنوني.
10.

                     موجة الجفاف المرعبة التي تشهدها المنقطة باتت تهدد الثورة الحيوانيَّة هناك.

والدولة تتفرج، ولا تحاول مدَّ يد العون لأهالي المنطقة ممن يعتاشون على تربية الأغنام والأبقار والمواشي!؟.
إن واقع الحال في المناطق الكردية شمال سوريا، يشير إلى أنها باتت على مشارف كارثة إنسانية، وإنها باتت مناطق منكوبة بفعل الجفاف وسياسات النظام السوري.

كل ما سبق، والأحزاب الكرديَّة، تتفرَّج، وهي منشغلة بنقاشات بيزنطيَّة سقيمة وعقيمة: “هل شتم حميد دوريش قيادات كردستان العراق في أعرضاهم وشرفهم أم لا”!؟.

ولا تحرك ساكناً حول ضرورة إجبار الدولة على تغير سياساتها وممارساتها حيال المناطق الكردية والشعب الكردي.

هذه السياسات والممارسات التي ربما تدفع بالكثير ليس فقط للهجرة، وامتهان بعض الأعمال المهينة، كالعمل في الملاهي الليليَّة في المدن الكبرى، كـ”دمشق، حلب حمص، اللاذقية”، (وقد أشيع مؤخراً عن تزايد أنباء عمل الكثير من الفتيات الكرديات في هذه الملاهي، كراقصات، بعد أن انسدت في وجوههم أبواب العيش الكريم)، وبل ربما يتجه الكثير للعمالة والاسترزاق والخيانة وبيع الذمم والضمائر، بغية الحصول على امتيازات من السلطة، او حتى للحصول عى لقمة العيش.

ليس هذا وحسب، بل أن المناطق الفقيرة، ستكون بيئة خصبة لنشوء بؤر التطرف الأصولي والسلفي بين الأكراد السوريين.

ويصبح المجتمع الكردي المنفتح، الذي كان عصيّاً على تسرب الأفكار السلفيَّة الأصوليَّة المتطرِّفة، ليصبح مجتمعاً منغلقاً، وربما مرتعاً للإرهاب الآتي من الفقر والاستبداد.

ولأن النظام السوري هو مهندس هذه المؤامرة التي تستهدف المجتمع الكردي، فأن الأحزاب الكرديَّة تعاضده بتخاذلها وانقيادها لثقافة الشقاق والتخبُّط والعطب والعطالة.
ولعل آخر الكلام هو: يا وطني السوريّ، وشعبي الكرديّ، أعوذُ بكما من حزبٍ لا ينفع، وخرابٍ لا يقنع، ومثقفِ لا يردع، ومن قلمٍ يركع، ومن صوتٍ لا يُسمع، ومن ألمٍ لا يجمع، ومن حقيقةٍ لا تسطع، ونتاجٍ لا يشفع، وعزمٍ لا ينزع.

أعوذ بكما من شرِّ العقل المنكوب، والقول المعطوب، وقساةِ القلوب، واللسان المثقوب، والرأي المقلوب.

أعوذ بكما من فضائل العقل الخائف، والصمت الزائف، والقول الراجف، والمدح الراعف.

أعوذ بكما من صنَّاع اليباب، ساسةً ومثقَّفينَ أولي الألباب والألقاب والأعقاب، من باعةِ القضايا والتراب، ومن سفاهة الدناة، وسخافةِ وسفالةِ سدنة الخراب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…