تمرُّ الحركة السياسية الكردية في مرحلةٍ لا يُحسَد عليها ، بل إنّ مراحلها المختلفة متشابهة ، منذ ولادتها (القيصرية) مروراً بمراحل حبْوِها ، وطفولتها ، وإلى الآن ، إنّها في تشرذمٍ دائم ومتجدّد ، تختلف على المبادئ والشعارات العامة (عكس ما يراها الكثيرون بأنَّها متفقةٌ فيها) وتتفق على التَّباعد و الانهيار ، والحفاظ على التّشتّت، حتى أصبحَ سمةً من سماتها ، تختلف على بناء وتأسيس إطارٍ عامٍ جامعٍ ، يوحِّدُ الخطاب السِّياسي ، ويقضي على حالة الانقسام ، لتسخير الطاقاتِ الخلاقةَ للشَّعب الكردي من أجل تحقيق أهدافه ، في العيش المشترك مع الأطياف السورية الأخرى
كلُّ الأطراف المنضوية في الأطر الموجودة على السّاحة الكردية (التّحالف ، الجبهة ، التنسيق) جاءتْ لتُثبتَ نفسَها ، وتحميَ وجودَها من الضّياع والتناثر، باحثةً عن مَوْطِئ قدمٍ لها، قبل أنْ تفكِّر بتقديمِ شيءٍ محمودٍ ، أو عملٍ سياسيٍّ أو ثقافيٍّ ، أو غير ذلك إلى هذا الشّعب.
التمَّتْ هذه الأطر، تهرُّباً من الملامات الموجّهة إليها ، وتحتَ ضغط الشّارع الكردي المصابِ بالغثيان نحوها ، وليس لجعل نفسها المِرْوَد في تكحيل عيون الشّعب في مآسيه.
انبثقت الأُطـر الثلاث من ركام الحركة الكردية ، فتسابقت في مباراة ماراثونية لبناء مرجعية كردية ، تكونُ وثائقُها الكتاب السِّياسي المقدّس لدى الشعب الكردي ، ومن يخرُجْ من قوسِ دائرتها ، تلحقْهُ لعنة الشَّعب والمناضلين ، لكنّهم اختلفوا في الكثير ، واتّفقوا على القليل ؛ وأخفوا وثائقها في أدراجهم ، منتظرين إلى يوم الدّين، وهنا أختلفُ مع السيد العزيز شهاب عبدكي في قوله: (فالأوضاع تسير نحو بلورة فكر جامع مبني على تحالف موضوعي قائم على تبني مصلحة الشعب الكردي في إطار مصلحة جميع السوريين) من مقالته المنشورة في موقع (welate me) بعنوان (فوضى الحركة الكردية في سوريا) فالأوضاع لا تسير نحو ذلك الفكر الجامع ، لأنَّ الحركة الكردية مازالت تحتاج إلى سنين طوال لتصل إلى ذلك .
أكتفي بهذا من مقولات الزميل شهاب رغم أنَّ لديه الكثير من الأخطاء ، والتّصورات غير الموضوعية ، ويا ليتني أقتنع مثله.
فواضحٌ للجميع أنَّ الأزمة التي تعصفُ بالتّحالف ليستْ وليدة اليوم ، ولا هي من نتاج وانعكاس التصريح الصادر من سكرتير التّقدمي ، بل هي (كومة) من التّراكمات الخلافية السّابقة ، لذلك لن تجدَ المناشدات الموجّهة إلى قيادات تنظيماته (مناشدات العزيز إبراهيم يوسف ، وموسى موسى ، وآخرين من الدّاخل والخارج) أيَّ صدىً إيجابيٍّ منهم ، وأتّفقُ مع العزيز موسى موسى في مناشدته (بشأن أزمة التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا) في موقع (welate me) بأنَّ هذه الأزمة (آثارها لا تقف عند العصف بالتحالف فقط بل ربما تمتد لتلقي بظلالها على الأطر الأخرى أيضاً) وقريباً قد نتفيَّأ تحت ظلال غصونها المتهاوية.
كذلك لا بدَّ من القول ، وردّاً على العزيز قهار رمكو ، بأنَّ ما تطرحَهُ من حلول ، هي أقرب إلى الحلّ الطوباوي منه إلى حلٍّ واقعيٍّ يمكن التّفكير به والعمل على إنجاحه ، صحيحٌ أنَّ التّنظيمات الموجودة قد أصابَها العقم والخراب السِّياسي ، وما أن تخرج من أزمة حتى تدخل أخرى أشدّ ويلاً ، لكن ليس هناك من بديل لها في الوقت نفسه ، والسّؤال الذي يمكن أنْ يطرحَهُ الكثيرون على دعوتك تلك ، هل يمكن تفسير وتفكيك بنية هذه الجملة دونَ أنْ نسلك متاهاتٍ لا نعرف الخروج منها ؟ : (الدعوة إلى عقد مؤتمر عام مفتوح غير محدد خارج سوريا!.) ما معنى عام ؟ ومفتوح ؟ وغير محدّد ؟ هل يمكن لعشرة مثقفين الاتّفاق على هذه الصّيغة ؟ وعلى آليات تنفيذها ؟ من الذي يستحقّ حضور المؤتمر؟ ومن الذي سينظّمه ؟ وكيف ؟ لا أرى ذلك مجدياً .
لأنَّ هذه الدعوة هلامية ، وضبابية ، تتماهى مع الانفلات والفوضى .
وفي مقالٍ آخر ، يَنْظرُ العزيز شادي حاجي ، في مقاله المعنوان (معدة الكرد والمطبخ السياسي الكردي في سوريا) والمنشور في موقع (welate me) إلى الحركة الكردية بسوداوية قاتمة، ورغم ضعف المقال من حيث اللُّغة والبنية الفنية ، والطَّرح الفكري السَّطحي ، أتّفق معه على استفراد القيادات الكردية بالمطبخ الكردي الذي لا يُنتجُ طعاماً يفيد حتى المريض ، لكن لا يعني النّظر إليها بهذه السوداوية السميكة، فالشَّعب الكردي لديه طاقاتٌ خلاقة ، ويستطيع إحداثَ تغييرٍ كبيرٍ في بنية هذه الأحزاب التنظيمية .
ومن الخطأ التّفكير بالبحث عن البدائل لها ، التي قد تأخذ الشّعب شططاً ، وتجرّهُ إلى مزالقَ غيرِ محمود العواقب ، وقد تفعل عملاً إدَّاً ؛ وعلى الجميع تقع مسؤولية العمل على إصلاح الحركة من الدّاخل ، بدءاً من بناها التنظيمية ؛ فالمطبخ الكردي ليس مصمماً وفق مقاساتٍ محددة ، ولا على قاماتٍ مُدَجَّنة ،كما يراها السَّيد شادي حاجي.
أمّا القيادات (الدَّاهية) من الصَّف الأول فهي الأخرى ، ثمرةُ تكتلاتٍ و ولاءاتٍ ، و لا تملك تصوَّراً لأي مشروع مرحليٍّ أو استراتيجي ، ومن لديه طروحات من هذا القبيل فعاجزٌ عن إيجاد آليات لتنفيذها ، وعند سؤالهم عن دورهم في الحركة ، يجعلون من أنفسهم غيفارا العصر.
هؤلاء انتهت أوراقهم ، ويجب حرقُهَا دون رَأْفة .
إذاً ، هل هذا الواقع يمكن أنْ نسمِّيه بالفوضى أم بالخراب السياسي ؟؟؟