فوضَى أم خرابٌ سياسيٍّ ؟ موسى موسى، قهار رمكو، شَهاب عبدكي، وآخرون

صبري رسـول

تمرُّ الحركة السياسية الكردية في مرحلةٍ لا يُحسَد عليها ، بل إنّ مراحلها المختلفة متشابهة ، منذ ولادتها (القيصرية) مروراً بمراحل حبْوِها ، وطفولتها ، وإلى الآن ، إنّها في تشرذمٍ دائم ومتجدّد ، تختلف على المبادئ والشعارات العامة (عكس ما يراها الكثيرون بأنَّها متفقةٌ فيها) وتتفق على التَّباعد و الانهيار ، والحفاظ على التّشتّت، حتى أصبحَ سمةً من سماتها ، تختلف على بناء وتأسيس إطارٍ عامٍ جامعٍ ، يوحِّدُ الخطاب السِّياسي ، ويقضي على حالة الانقسام ، لتسخير الطاقاتِ الخلاقةَ للشَّعب الكردي من أجل تحقيق أهدافه ، في العيش المشترك مع الأطياف السورية الأخرى
متمتعاً بحقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية في إطار وحدة البلاد المقدَّسة ، وتَتَّفقُ على تشْتيتِ الطَّاقات الكردية ، وبَعْثَرة أُطرِها غير الصَّالحة ، والمنتهية صلاحيتُهَا منذ أمدٍ بعيد ؛ هكذا هي الحركة الكردية ، تختلفُ على ما يخدم الشَّعب الكردي ، وتتَّفقُ على ما ينسف ويهدر حقوقه ، منذ أواسط الستينات وحتى الآن ؛ وهي في حركة انقسامية (تَوْلِيديَّة مُتواليّة) بالمفهوم اللغوي لدى تشومسكي ،ومازالت (تتكاثر وتتناسلُ كالأرانب ، دون مرورها بالدورة السنوية) بالمفهوم العلمي للزيادة ، كما أنّها بدأت ببناء تحالفاتٍ منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن ، لكنْ دون أنْ تقدِّم شيئاً ملموساً لهذا الشَّعب المختلف بخلافاتها.

كلُّ الأطراف المنضوية في الأطر الموجودة على السّاحة الكردية (التّحالف ، الجبهة ، التنسيق) جاءتْ لتُثبتَ نفسَها ، وتحميَ وجودَها من الضّياع والتناثر، باحثةً عن مَوْطِئ قدمٍ لها، قبل أنْ تفكِّر بتقديمِ شيءٍ محمودٍ ، أو عملٍ سياسيٍّ أو ثقافيٍّ ، أو غير ذلك إلى هذا الشّعب.

التمَّتْ هذه الأطر، تهرُّباً من الملامات الموجّهة إليها ، وتحتَ ضغط الشّارع الكردي المصابِ بالغثيان نحوها ، وليس لجعل نفسها المِرْوَد في تكحيل عيون الشّعب في مآسيه.


انبثقت الأُطـر الثلاث من ركام الحركة الكردية ، فتسابقت في مباراة ماراثونية لبناء مرجعية كردية ، تكونُ وثائقُها الكتاب السِّياسي المقدّس لدى الشعب الكردي ، ومن يخرُجْ من قوسِ دائرتها ، تلحقْهُ لعنة الشَّعب والمناضلين ، لكنّهم اختلفوا في الكثير ، واتّفقوا على القليل ؛ وأخفوا وثائقها في أدراجهم ، منتظرين إلى يوم الدّين، وهنا أختلفُ مع السيد العزيز شهاب عبدكي  في قوله: (فالأوضاع تسير نحو بلورة فكر جامع مبني على تحالف موضوعي قائم على تبني مصلحة الشعب الكردي في إطار مصلحة جميع السوريين) من مقالته المنشورة في موقع (welate me) بعنوان (فوضى الحركة الكردية في سوريا) فالأوضاع لا تسير نحو ذلك الفكر الجامع ، لأنَّ الحركة الكردية مازالت تحتاج إلى سنين طوال لتصل إلى ذلك .

أكتفي بهذا من مقولات الزميل شهاب رغم أنَّ لديه الكثير من الأخطاء ، والتّصورات غير الموضوعية ، ويا ليتني أقتنع مثله.

فواضحٌ للجميع أنَّ الأزمة التي تعصفُ بالتّحالف ليستْ وليدة اليوم ، ولا هي من نتاج وانعكاس التصريح الصادر من سكرتير التّقدمي ، بل هي (كومة) من التّراكمات الخلافية السّابقة ، لذلك لن تجدَ المناشدات الموجّهة إلى قيادات تنظيماته (مناشدات العزيز إبراهيم يوسف ، وموسى موسى ، وآخرين من الدّاخل والخارج)  أيَّ صدىً إيجابيٍّ منهم ، وأتّفقُ مع العزيز موسى موسى في مناشدته (بشأن أزمة التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا) في موقع (welate me) بأنَّ هذه الأزمة (آثارها لا تقف عند العصف بالتحالف فقط بل ربما تمتد لتلقي بظلالها على الأطر الأخرى أيضاً) وقريباً قد نتفيَّأ تحت ظلال غصونها المتهاوية.

كذلك لا بدَّ من القول ، وردّاً على العزيز قهار رمكو ، بأنَّ ما تطرحَهُ من حلول ، هي أقرب إلى الحلّ الطوباوي منه إلى حلٍّ واقعيٍّ يمكن التّفكير به والعمل على إنجاحه ، صحيحٌ أنَّ التّنظيمات الموجودة قد أصابَها العقم والخراب السِّياسي ، وما أن تخرج من أزمة حتى تدخل أخرى أشدّ ويلاً ، لكن ليس هناك من بديل لها في الوقت نفسه ، والسّؤال الذي يمكن أنْ يطرحَهُ الكثيرون على دعوتك تلك ، هل يمكن تفسير وتفكيك بنية هذه الجملة دونَ أنْ نسلك متاهاتٍ لا نعرف الخروج منها ؟ : (الدعوة إلى عقد مؤتمر عام مفتوح غير محدد خارج سوريا!.) ما معنى عام ؟ ومفتوح ؟ وغير محدّد ؟ هل يمكن لعشرة مثقفين الاتّفاق على هذه الصّيغة ؟ وعلى آليات تنفيذها ؟ من الذي يستحقّ حضور المؤتمر؟ ومن الذي سينظّمه ؟ وكيف ؟ لا أرى ذلك مجدياً .

لأنَّ هذه الدعوة هلامية ، وضبابية ، تتماهى مع الانفلات والفوضى .

وفي مقالٍ آخر ، يَنْظرُ العزيز شادي حاجي ، في مقاله المعنوان (معدة الكرد والمطبخ السياسي الكردي في سوريا) والمنشور في موقع (welate me) إلى الحركة الكردية بسوداوية قاتمة، ورغم ضعف المقال من حيث اللُّغة والبنية الفنية ، والطَّرح الفكري السَّطحي ، أتّفق معه على استفراد القيادات الكردية بالمطبخ الكردي الذي لا يُنتجُ طعاماً يفيد حتى المريض ، لكن لا يعني النّظر إليها بهذه السوداوية السميكة، فالشَّعب الكردي لديه طاقاتٌ خلاقة ، ويستطيع إحداثَ تغييرٍ كبيرٍ في بنية هذه الأحزاب التنظيمية .

ومن الخطأ التّفكير بالبحث عن البدائل لها ، التي قد تأخذ الشّعب شططاً ، وتجرّهُ إلى مزالقَ غيرِ محمود العواقب ، وقد تفعل عملاً إدَّاً ؛ وعلى الجميع تقع مسؤولية العمل على إصلاح الحركة من الدّاخل ، بدءاً من بناها التنظيمية ؛ فالمطبخ الكردي ليس مصمماً وفق مقاساتٍ محددة ، ولا على قاماتٍ مُدَجَّنة ،كما يراها السَّيد شادي حاجي.

فالمسؤولية يجب أنْ تأخذَ منحىً جماعياً ، فإذا كانَ التَّغريدُ من داخل الرَّفِّ يكونُ معزوفاً مُحَارَبَاً ونشازا، فكيف إذا كان الصِّياحُ والعويل من خارج السّرب ؟ لأنّ ذلك لن يفيد شيئاً، لوجود منتفعين وانتهازيين وأميين أكثر مما نتصور، فهناك من لا يُجيدُ القراءةَ بمعناها المعْرفي ، في قيادات كردية ومنذ عشرات السنين ، ولا يملكون القدرة على إصدار تصريحٍ ، ولا التَّعبير عن رأيهم في صحيفةٍ ما كتابياً ، و هناك أميّون لا يجيدون القراءة بمعناها التِّقني (كثيرون منهم لا يعرفون استخدام الحاسب والموبايل).

أمّا القيادات (الدَّاهية) من الصَّف الأول فهي الأخرى ، ثمرةُ تكتلاتٍ و ولاءاتٍ ، و لا تملك تصوَّراً لأي مشروع مرحليٍّ أو استراتيجي ، ومن لديه طروحات من هذا القبيل فعاجزٌ عن إيجاد آليات لتنفيذها ، وعند سؤالهم عن دورهم في الحركة ، يجعلون من أنفسهم غيفارا العصر.

هؤلاء انتهت أوراقهم ، ويجب حرقُهَا دون رَأْفة .

إذاً ، هل هذا الواقع يمكن أنْ نسمِّيه بالفوضى أم بالخراب السياسي ؟؟؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…