ضرورات البحث في ترتيب البيت الكردي لصياغة خطاب سياسي مشترك

نشرة يكيتي *

لاشك أن العمل السياسي الكردي على الساحة السورية يرتبط بشكل وثيق بمجمل الوضع السياسي السوري أولاً وقبل كل شيء، بحيث أصبح من المتعذر الحديث عن أي عمل أو نشاط كردي خارج الحراك السياسي السوري العام، ومن خلال جدلية هذه العلاقة بين الخاص الكردي والعام السوري تظهر الكثير من النقاط ذات الإشكالية السياسية، تكون جديرة بالمناقشة وإعادة صياغة وتقويم، من خلال إخضاعها لمعايير مستجدات المتغيرات الدولية والإقليمية.

 

وإذا عمدنا إلى استعراض التاريخ السياسي لسوريا بدءاً من آخر انقلاب في سوريا لحزب البعث في عام 1963 نلاحظ وبوضوح أن هذا الحزب –ذا الإيديولوجية الشموليــــة- قام باحتكار كل السلطــة، وكل مراكز القرار السياسي، واختزالها في جهاز سلطوي مركزي واحد مكون من مجموعة قوى أمنية عسكرية سياسية مهيمنة على المفاصل الأساسية في الدولة، على شكل استلاب كامل، دون السماح لأية قوى أو فعالية وطنية حقيقية بالحراك، مهما كان نوع هذا الحراك، حيث أصبح الوطن، والدولة،… والحزب..

القائد..

والدستور..

والمؤسسات والقوانين مرادفات ومعاني لشيء واحد “مقدس” اسمه النظام السياسي.

وكل من يتجرأ بالحديث في هذه المصطلحات فهو بالتأكيد يعمل لصالح جهات أجنبية معادية للوطن، وتهمة الخيانة الوطنية جاهزة في كل مناسبة.

وبناء على هذه المعطيات يمكن القول بأن الحياة السياسية في سوريا لم يكن لها وجود بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة، فإما أن تصفق وتسير مع ركب النظام وممارساته، أو تسكت، وإلا فالسجون وكل أساليب القمع والردع بانتظارك، لذا فمن الصعوبة بمكان الحديث عن حالة سياسية صحية أو معارضة أو ديمقراطية –على الأقل- في سوريا، وهذا ما كان السبب الأساس في غياب حراك سياسي ديمقراطي فاعل (أحزاب ومنظمات) على الساحة السياسية السورية، وبالتالي كان السبب في غياب رؤية سياسية سورية واضحة، من خارج موقف النظام حول مسألة الديمقراطية في البلاد أو حول القضية القومية الكردية أو قضايا المجتمع السوري عموماً –باستثناء بعض التطورات الأخيرة لمواقف بعض القوى السياسية خارج سوريا- مما ساهم إلى حد كبير في التشويش على موقف الشارع السوري عن القضايا الأساسية للبلد عموماً والقضية الكردية في سوريا بشكل خاص.

لكن ربما الحالة السياسية الكردية كانت لها بعض الخصوصية المغايرة، إذ أعطت لنفسها فضاء مقبولاً للتحرك خارج المألوف السياسي للنظام، مستعيناً بالبعد الجيو سياسي الكردستاني، هذا في بدايات التأسيس، وبدايات العمل السياسي في الستينات والسبعينات، لكن ومع الأسف، ومن خلال مسيرة العمل السياسي الكردي عبر السنوات الماضية تعرضت الحركة إلى انتكاسات جوهرية أصابتها في الصميم تمثلت بوباء الانقسامات الحزبية السرطانية في جسد الحركة السياسية الكردية، مما ساهمت في إضعاف هذه الحركة بشكل ملحوظ حيث تحولت الحركة إلى مجموعة أحزاب ضعيفة إلى حد كبير، ليس لها إلا مواكبة التيار ومسايرة سياسات النظام، سياسات العصا دون الجزرة، بهدف الحفاظ على الذات الحزبية بأي ثمن، وبكل أسف أخذت هذه السياسات مع الزمن وبقوة القمع طابعاً “شرعياً”، “وطنياً”، وبدأت بعض القوى بشرعنة هذه السياسات من خلال محاربة السياسات والمعترضة على ممارسات النظام وسلوكيته، وأوجدت لها عناوين ارتجالية وسهلة التناول شبيهة بتهم النظام الجاهزة؛ مثل: التطرف والتشدد..، العمالة..الخ.
لكن، وبعد مرور سنوات طويلة على منظومة العلاقات والتحالفات التقليدية الدولية، وتداعياتها الإقليمية على منطقتنا، والضغوط الكبيرة من قبل المجتمع الدولي على النظام، أصبحنا أمام خيارات مصيرية واستحقاقات تاريخية لابد من الجرأة بالانفتاح على الذات الحزبية بآفاق وطنية واسعة، وتشخيص مواطن الضعف والخلل في الجسد السياسي الكردي، وتجاوز كل المعوقات التي تحول دون تصعيد العمل السياسي الكردي باتجاه المصلحة الوطنية للشعب الكردي، وربما نحتاج في هذا المجال إلى الكثير من الجهد والعمل لتصحيح موقف الشارع السوري أولاً، وإزالة حالة الغموض التي أوجدها النظام في السنوات السابقة عبر الهيمنة الفكرية لثقافة الخوف التاريخية، وقوى الممانعة المتحالفة مع النظام تحت مسميات شتى (أحزاب، جمعيات، منظمات، شخصيات…) مازالت تملك الكثير من أوراق القوة المستمدة من هيمنة ثقافة النظام المعادية لأي مشروع وطني حقيقي في سوريا، أو أي طموح كردي في التحرر وحق الحياة، فهي أخطر من النظام نفسه، فهي من جهة تدعي أنها لا تنتمي إلى المؤسسات الرسمية للنظام أو أجهزة الدولة، ومن جهة أخرى تعمل على تبرير ممارسات النظام ضد الشعب الكردي دون استثناء.

والجدير ذكره أن النظام نفسه لا يخفي سياساته العدائية تجاه الشعب الكردي في كل مناسبة، حتى وصل به الأمر إلى اختلاق ذرائع صِدامية هنا وهناك، أو في هذه المناسبة أو تلك ليقوم بالتصفية الجسدية بحق مناضلي أبناء شعبنا الكردي ناهيك عن زج العشرات وإبقاءهم في غياهب سجونه، بغية إرهابهم وتطويعهم وفق سياسات الخنوع التي رسمها في السابق، وسياسات النظام باتت معلنة اليوم أكثر من أي وقت سابق، ويعلنها هو دون تردد، وتجلت بوضوح صارخ في مواقف النظام من التدخل التركي في العراق، ومحاولات النيل من الكيان الفدرالي الكردي الناشئ في كردستان العراق، والموقف العدائي الدائم من النظام السياسي في العراق الجديد بعد سقوط صدام حسين، حتى إذا جاءت على حساب العراق “الدولة العربية” لصالح دولة أجنبية مثل تركيا عدوة الأمس!! إلى جانب تصعيد الممارسات القمعية ضد مناضلي أبناء الشعب الكردي في سوريا..

كسلوكية استفزازية ممنهجة في كل يوم، بمناسبة أو غير مناسبة أحياناً، فهو لا يكلف نفسه كثيراً في إيجاد المبررات اللازمة أو الكافية لتبرير سياساته المعادية لكل طموح كردي، وفي كل مكان أو زمان، فشعارات البعث التقليدية كافية دائماً على الإجابة عن كل الأسئلة، وهي تصلح لكل زامن ومكان!!؟
لذا نجد أنفسنا أمام مرحلة تاريخية مصيرية حساسة تستدعي كل الجهود لترتيب البيت الوطني الكردي من الداخل وصياغة خطاب سياسي ولغة مشتركة للارتقاء بالموقف السياسي إلى مستوى القضية القومية لشعبنا، ولتستطيع الحركة السياسية مخاطبة كل خصومها بلغة التحدي المشروعة والمستمدة مشروعيتها من قوة مشروعية قضيتنا كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية.
——-
* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – 156 نيسان 2008

لمتابعة مواد العدد انقر هنا  yekiti_156

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…