يتجه الوضع الدولي نحو التوتر، فبالإضافة إلى الملف الإيراني الذي بات يشغل الرأي العام، ويشكل أحد المحاور الأساسية للتصادم مع السياسة الأمريكية، فإن الأنظار تتجه منذ فترة إلى روسيا- وريثة الإتحاد السوفييتي السابق والطامعة لاستعادة دوره ونفوذه، وتزداد احتمالات انجرارها إلى دائرة التوتر خاصة بعد الاجتماع الأخير لمنظمة حلف الأطلسي في بوخارست، حيث دعت أمريكا إلى انضمام كل من جورجيا وأوكرانيا المجاورتين لروسيا، إلى عضوية الحلف..ورغم اعتراض ألمانيا وفرنسا وغيرهما على ذلك باعتباره استفزازاً لا مبرر له لروسيا، فإن اقتراب الحلف من الحدود الروسية يسبّب لها القلق ويزيد من حالة التوتر مع الإدارة الأمريكية التي لا تزال تصر على توسيع هذا الحلف الذي فقد مبرراته أصلاً بعد انتهاء الحرب الباردة حيث تراجع الحماس الأوروبي، لكن أحداث 11 أيلول 2001 وبروز ظاهرة الإرهاب فرضا مناخاً جديداً من الخوف دفعت بالحلف للتوسع ليضم الآن 26 دولة.
وعلى المستوى الإقليمي شهد المسار السوري الإسرائيلي، بعد عهد طويل من الجمود , حراكاً قاده هذه المرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب آردوغان الذي وصل إلى دمشق في زيارة حمل معها جهود السلام المنشود وأرسل بعدها موفداً إلى إسرائيل لإحاطتها بالنتائج .
ورغم أن هذه المبادرة تأتي، على وقع طبول الحرب التي تقرع في المنطقة بعد انسداد الآفاق السياسية لملفاتها، ووصول حالة الاحتقان في العديد من بؤر التوتر إلى درجات غير مسبوقة، وعجز اللاعبين الأساسيين عن الوصول إلى حلول سلمية، بما في ذلك الفشل الذي أحاط بمؤتمر القمة العربية في دمشق خلال شهر آذار الماضي، فإن تشابك قضايا المنطقة مع بعضها، وارتباطها بشكل أو بآخر بالصراع الأمريكي الإيراني، تقلّل من حظوظ هذه المبادرة في النجاح والتي لا ترتقي إلى درجة المراهنة، وذلك لأسباب تتعلق بعضها بعدم نضوج العملية السلمية، وتعامل الأطراف المعنية بها في إطار التكتيك والمناورة، فالحكومة الإسرائيلية ليست قادرة حتى الآن على اتخاذ قرار الانسحاب من الجولان المحتل، في الوقت الذي لا يزال فيه أغلب الإسرائيليين يعارضون هذا الانسحاب، لكنها – أي الحكومة الإسرائيلية – تعلن موافقتها ومطالبتها بمفاوضات مباشرة مع الجانب السوري انطلاقاً من اعتبارات سياسية لعل منها العزلة التي يشهدها النظام السوري، مما يحسن شروطها التفاوضية، كما أن حرب تموز 2006 تركت انطباعات سلبية في إسرائيل تراجعت معها فرص المراهنة على الحل العسكري في مواجهة حزب الله الذي تضاعفت إمكاناته القتالية الآن بسبب الدعم العسكري الإيراني واللوجستي السوري، وبالتالي فإن الكثيرين من أصحاب القرار في إسرائيل يعتبرون أن الانسحاب من الجولان هو أقل كلفة من خوض حرب جديدة غير مضمونة النتائج ضد حزب الله، لكن على أن يكون ذلك مقابل فك الارتباط السوري الإيراني، وما يمكن أن يستدعيه من حرمان حزب الله، والى حد ما حماس، من المساعدة والدعم، إضافة إلى أن من شان مثل هذه المفاوضات مع سوريا الضغط على المسار الفلسطيني وكسب المزيد من الوقت لبناء مستوطنات جديدة وانتزاع المزيد من التنازلات الفلسطينية .أما الجانب السوري، فان المفاوضات لا تعني له مجرد تحرير الجولان بل أنها كذلك بوابة التهادن مع الإدارة الأمريكية وتمرير الوقت لحين انتهاء ولاية بوش وإكساب الدور التركي مزيداً من الأهمية انطلاقاً من مستلزمات التحالف المتين بين حكومتي البلدين، خاصة في هذه الظروف التي تواجه فيها حكومة حزب العدالة تهديدات جدية من قبل المؤسسة العسكرية والمعارضة العلمانية بعد أن قبلت المحكمة الدستورية العليا في تركيا الدعوى التي أقامها المدعي العام لمحكمة النقض مطالباً فيها بحظر نشاط الحزب الحاكم بتهمة معاداته للنظام العلماني، وبالمقابل يسعى آردوغان إلى إقرار إصلاحات سريعة عن طريق الاستفتاء الشعبي، بما في ذلك على صلاحيات المحكمة الدستورية وشروط حل الأحزاب السياسية، وانطلاقا من مبدأ استثمار كل طرف – سوريا وتركيا – لموقع الآخر بحيث تشكل سوريا للأخيرة بوابة إلى المنطقة العربية في حين تشكل فيه تركيا بالمقابل بوابة سوريا إلى الغرب، فإن تحسّن العلاقات التركية الأمريكية بعد أزمة التواجد العسكري لحزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، يجعل من حكومة آردوغان وسيطاً لسوريا مع الإدارة الأمريكية كذلك، خاصة بعد أن حافظت حكومته على استقلالية نسبية في التعامل مع النظام السوري بعد أن قاومت ضغوطاً أمريكية للضغط على دمشق بسبب قناعة حزب العدالة بأن ذلك من شأنه تقوية المحور الإيراني السوري، مثلما عارضت قطع العلاقات مع طهران والمشاركة في فرض الحصار عليها بسبب تعارض ذلك مع المصلحة التركية التي تتطلب الإبقاء على تلك العلاقات مع إيران التي تحتاج تركيا لغازها الطبيعي وتتمسك بالمحافظة على موقع تركيا كمعبر استراتيجي إلى أوربا للنفط والغاز، إضافة إلى تقاطع مصالح البلدين التي بنيت على مواجهة مشتركة للحركة الكردية فيهما وتهرّبهما من استحقاقات الحل الديمقراطي لهذه القضية، ولجوئهما إلى العنف في التعامل معها، وهو ما يمكن تلمّسه من الاجتياح الأخير الذي قام به الجيش التركي في شباط الماضي لأراضي إقليم كردستان العراق، ثم عودته خائباً بعد أن لمست السلطات التركية حجم التضامن مع القضية الكردية والتعاطف العربي العراقي معها وتزايد الدعم الدولي لحكومة إقليم كردستان بما في ذلك فتح العديد من القنصليات في العاصمة أربيل، وتأكّد للرأي العام مدى الظلم اللاحق بالكرد وقضيتهم القومية وبات العالم يطالب بحلول سياسية سلمية لهذه القضية داخل كردستان تركيا وليس في جبال قنديل التي لا تزال تتعرض للقصف من قبل الطائرات والمدفعية التركية في محاولة لإرضاء النزعة الطورانية.
وبالعودة إلى بؤر التوتر الشرق أوسطية فإن كل التطورات تشير إلى أن حل الأزمة اللبنانية غير وارد في المدى القريب، بسبب تشابكها مع قضايا المنطقة عموماً، وخاصة مع إيران وقضاياها المتشعبة، اعتباراً من الملف النووي إلى أطماع المشاركة في مناطق النفوذ مع أمريكا، وكذلك مع السلطة السورية التي تستعين بحلفائها في المعارضة اللبنانية لمنع انتخاب رئيس الجمهورية والمساومة على هذا الاستحقاق الدستوري لاستعادة الهيمنة والنفوذ، وقد ازداد الوضع اللبناني قلقاً وتعقيداً بعد انتهاء أعمال قمة دمشق وعدم قدرة اللبنانيين حتى الآن على إجراء حوار مسؤول للبحث في شكل الحكومة المقبلة وقانون الانتخاب النيابية، مما يهدد بانفجارات متنقلة وأزمة اقتصادية خانقة، خاصة بعد أن أبدى العماد ميشيل سليمان استياءه من تداول اسمه كمرشح لرئاسة الجمهورية .
أما في العراق فإن حكومة المالكي تقف أمام امتحان صعب يتوقف على نتيجته نجاح العملية السياسية في تصدّيها للميلشيات عموما، وخاصة جيش المهدي الذي يحظى بالتفاف طائفي شيعي وبدعم إيراني واضح، وتلقى جهود الحكومة في بسط سيطرتها و استعادة الأمن والنظام العام، خاصة في مدينة الصدر، دعماً أمريكياً وارتياحاً سنياً تجلّى في إبداء جبهة التوافق رغبتها في العودة إلى ملاك الحكومة المركزية، كما أن توصل هذه الحكومة إلى اتفاق أولي مع حكومة إقليم كردستان بشأن اعتماد النسخة الأصلية من قانون النفط والغاز الذي يصون امتيازات الإقليم في الاستثمار، واعتبار قوات البيشمركة من ضمن منظومة الأمن العراقية، وكذلك وضع جدول زمني لتطبيق المادة (140) من الدستور الخاصة بكركوك، من شأنه دفع العملية السياسية إلى الأمام .
أما في الداخل السوري فإن الأزمة المعاشية المتفاقمة تجد تعبيراتها في مختلف المناطق، وقد ساهمت العديد من العوامل في استفحالها، منها ما تتعلق بالسياسات الاقتصادية الفاشلة للنظام وتفشي ظاهرة الفساد وانفلات الأسعار، وأخرى ترتبط بالأحوال الجوية السيئة وحالة الجفاف السائدة، والتي عمّت العديد من المناطق السورية، إضافة إلى أن العالم يشهد هذا العام أزمة غذائية بعد أن ارتفعت كلفة الغذاء إلى 50% بسبب التغيرات المناخية وكذلك العولمة الاقتصادية وزيادة الاستهلاك في الدول ذات الكثافات السكانية العالية .
وقد بدأت انعكاسات هذه الأزمة تتضح، خاصة في المحافظات التي تعتمد على الزراعة، ومنها المناطق الكردية التي بدأت تتدفق منها أفواج المهاجرين الذين يبحثون عن لقمة العيش في ضواحي دمشق التي لم تعد قادرة على استيعاب تلك الأعداد المتزايدة من المهاجرين مما يهدد بتعقيدات وأمراض اجتماعية نتيجة البطالة المستشرية التي تصل إلى 20% والفقر المدقع الذي يشمل 11% من السوريين …ومن المشكلات الملحة التي تواجه الاقتصاد والمواطنين هي أزمة الطاقة، فالنفط الذي كان يشكل 44%من الواردات عام 2003 بات الآن مهدداً بالنضوب بعد أن تراجع الإنتاج من 600الف إلى 400الف برميل يومياً، وبالمقابل ازداد استهلاك هذه المادة الحيوية، وعلى مستوى الغذاء فإن سعر طن القمح ارتفع خلال عام من 200الى 450 دولار عالمياً، وبذلك يمكن تصوّر الصعوبات التي يمكن أن يلقاها المواطنين هذا العام الجاف، نتيجة القحط وفي ظل حكومة لا تتحلّى بالحكمة الكافية لمعالجة شؤون الناس، وما يمكن أن يزيد ذلك من حالة الاحتقان الموجودة أصلاً، والتي يخشى أن تقدم السلطة على إدارتها بدلاً من إيجاد الحلول الممكنة لها، وتقوم بتحويل اتجاهات الاحتقان إلى أهداف أخرى تريد منها إلهاء المواطنين عن قضاياهم الأساسية ، مثلما فعلت في جريمة القامشلي عندما استغلت احتفالات عيد نوروز لتتعمد قتل ثلاثة مواطنين أكراد وجرح آخرين بدم بارد وإيهام الآخرين بوجود خطر كردي لتبرر بذلك الإقدام على مثل تلك الجرائم..
وقد كشفت الجولة التي قام بها وفد من الجبهة والتحالف الكرديين على الفعاليات السياسية والعشائرية والدينية في محافظة الحسكة، قدرة السياسة الشوفينية على التسرب من خلال الثغرات التي فتحها غياب التواصل بين مكوّنات الشعب السوري لإضعاف الوحدة الوطنية وزرع الشك والريبة بين تلك المكوّنات الشريكة، ومن هنا ناشدت الهيئة العامة للتحالف والجبهة جماهير الشعب الكردي خصوصاً والسوري عموماً لتعميق الحوار الوطني المسؤول وتوثيق أواصر العمل المشترك وقطع الطريق أمام الفتن والدسائس التي تحاك ضدها، ودعت إلى تعميم هذا الحوار ليشمل مختلف المناطق .
وفي هذا المجال تبرز أهمية إعلان دمشق وضرورات صيانته والتضامن مع معتقليه اللذين قدمتهم السلطة للقضاء بتهم ملفقه مثل إضعاف الشعور القومي والانتماء لجمعية سرية هدفها تغيير كيان الدولة، وذلك بعد أن فشلت في مساوماتها وضغوطاتها الرامية لإجبار الإعلان على التراجع عن هدف التغير الديمقراطي وما يتطلبه ذلك من إقرار بمبدأ تداول السلطة وصياغة دستور عصري، والدعوة لمؤتمر وطني سوري عام يضم الجميع، بما فيهم حزب النظام، وإيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية التي باتت تحظى باهتمام وطني عام وتشكل إحدى المواضيع المكوّنة لبرنامج أي إطار وطني معارض، مما يستدعي ضرورة تجديد المساعي ومضاعفتها من أجل تشكيل ممثّلية كردية تعبّر عن إرادة شعبنا الكردي في سوريا، وتضم في تكوينها مختلف القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية وغيرها في المجتمع الكردي.
كما أن تنشيط العمل من أجل بناء إطار عام للمعارضة الوطنية السورية يتطلب ضرورة البحث عن قنوات للحوار الديمقراطي وممارسته دون تردد بغية التلاقي عند التقاطعات المشتركة، حيث ترتدي مواصلة الجهود المخلصة والبناءة مع الأطراف التي جمّدت عضويتها في إعلان دمشق أهمية وطنية، وخاصة الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، للعمل يداً بيد في صفوف ائتلاف إعلان دمشق، وفي ضوء وثائق ومقررات مجلسه الوطني المنعقد في الأول من كانون الأول 2007 .
في 29/4/2008
اللجنة السياسية
ورغم أن هذه المبادرة تأتي، على وقع طبول الحرب التي تقرع في المنطقة بعد انسداد الآفاق السياسية لملفاتها، ووصول حالة الاحتقان في العديد من بؤر التوتر إلى درجات غير مسبوقة، وعجز اللاعبين الأساسيين عن الوصول إلى حلول سلمية، بما في ذلك الفشل الذي أحاط بمؤتمر القمة العربية في دمشق خلال شهر آذار الماضي، فإن تشابك قضايا المنطقة مع بعضها، وارتباطها بشكل أو بآخر بالصراع الأمريكي الإيراني، تقلّل من حظوظ هذه المبادرة في النجاح والتي لا ترتقي إلى درجة المراهنة، وذلك لأسباب تتعلق بعضها بعدم نضوج العملية السلمية، وتعامل الأطراف المعنية بها في إطار التكتيك والمناورة، فالحكومة الإسرائيلية ليست قادرة حتى الآن على اتخاذ قرار الانسحاب من الجولان المحتل، في الوقت الذي لا يزال فيه أغلب الإسرائيليين يعارضون هذا الانسحاب، لكنها – أي الحكومة الإسرائيلية – تعلن موافقتها ومطالبتها بمفاوضات مباشرة مع الجانب السوري انطلاقاً من اعتبارات سياسية لعل منها العزلة التي يشهدها النظام السوري، مما يحسن شروطها التفاوضية، كما أن حرب تموز 2006 تركت انطباعات سلبية في إسرائيل تراجعت معها فرص المراهنة على الحل العسكري في مواجهة حزب الله الذي تضاعفت إمكاناته القتالية الآن بسبب الدعم العسكري الإيراني واللوجستي السوري، وبالتالي فإن الكثيرين من أصحاب القرار في إسرائيل يعتبرون أن الانسحاب من الجولان هو أقل كلفة من خوض حرب جديدة غير مضمونة النتائج ضد حزب الله، لكن على أن يكون ذلك مقابل فك الارتباط السوري الإيراني، وما يمكن أن يستدعيه من حرمان حزب الله، والى حد ما حماس، من المساعدة والدعم، إضافة إلى أن من شان مثل هذه المفاوضات مع سوريا الضغط على المسار الفلسطيني وكسب المزيد من الوقت لبناء مستوطنات جديدة وانتزاع المزيد من التنازلات الفلسطينية .أما الجانب السوري، فان المفاوضات لا تعني له مجرد تحرير الجولان بل أنها كذلك بوابة التهادن مع الإدارة الأمريكية وتمرير الوقت لحين انتهاء ولاية بوش وإكساب الدور التركي مزيداً من الأهمية انطلاقاً من مستلزمات التحالف المتين بين حكومتي البلدين، خاصة في هذه الظروف التي تواجه فيها حكومة حزب العدالة تهديدات جدية من قبل المؤسسة العسكرية والمعارضة العلمانية بعد أن قبلت المحكمة الدستورية العليا في تركيا الدعوى التي أقامها المدعي العام لمحكمة النقض مطالباً فيها بحظر نشاط الحزب الحاكم بتهمة معاداته للنظام العلماني، وبالمقابل يسعى آردوغان إلى إقرار إصلاحات سريعة عن طريق الاستفتاء الشعبي، بما في ذلك على صلاحيات المحكمة الدستورية وشروط حل الأحزاب السياسية، وانطلاقا من مبدأ استثمار كل طرف – سوريا وتركيا – لموقع الآخر بحيث تشكل سوريا للأخيرة بوابة إلى المنطقة العربية في حين تشكل فيه تركيا بالمقابل بوابة سوريا إلى الغرب، فإن تحسّن العلاقات التركية الأمريكية بعد أزمة التواجد العسكري لحزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، يجعل من حكومة آردوغان وسيطاً لسوريا مع الإدارة الأمريكية كذلك، خاصة بعد أن حافظت حكومته على استقلالية نسبية في التعامل مع النظام السوري بعد أن قاومت ضغوطاً أمريكية للضغط على دمشق بسبب قناعة حزب العدالة بأن ذلك من شأنه تقوية المحور الإيراني السوري، مثلما عارضت قطع العلاقات مع طهران والمشاركة في فرض الحصار عليها بسبب تعارض ذلك مع المصلحة التركية التي تتطلب الإبقاء على تلك العلاقات مع إيران التي تحتاج تركيا لغازها الطبيعي وتتمسك بالمحافظة على موقع تركيا كمعبر استراتيجي إلى أوربا للنفط والغاز، إضافة إلى تقاطع مصالح البلدين التي بنيت على مواجهة مشتركة للحركة الكردية فيهما وتهرّبهما من استحقاقات الحل الديمقراطي لهذه القضية، ولجوئهما إلى العنف في التعامل معها، وهو ما يمكن تلمّسه من الاجتياح الأخير الذي قام به الجيش التركي في شباط الماضي لأراضي إقليم كردستان العراق، ثم عودته خائباً بعد أن لمست السلطات التركية حجم التضامن مع القضية الكردية والتعاطف العربي العراقي معها وتزايد الدعم الدولي لحكومة إقليم كردستان بما في ذلك فتح العديد من القنصليات في العاصمة أربيل، وتأكّد للرأي العام مدى الظلم اللاحق بالكرد وقضيتهم القومية وبات العالم يطالب بحلول سياسية سلمية لهذه القضية داخل كردستان تركيا وليس في جبال قنديل التي لا تزال تتعرض للقصف من قبل الطائرات والمدفعية التركية في محاولة لإرضاء النزعة الطورانية.
وبالعودة إلى بؤر التوتر الشرق أوسطية فإن كل التطورات تشير إلى أن حل الأزمة اللبنانية غير وارد في المدى القريب، بسبب تشابكها مع قضايا المنطقة عموماً، وخاصة مع إيران وقضاياها المتشعبة، اعتباراً من الملف النووي إلى أطماع المشاركة في مناطق النفوذ مع أمريكا، وكذلك مع السلطة السورية التي تستعين بحلفائها في المعارضة اللبنانية لمنع انتخاب رئيس الجمهورية والمساومة على هذا الاستحقاق الدستوري لاستعادة الهيمنة والنفوذ، وقد ازداد الوضع اللبناني قلقاً وتعقيداً بعد انتهاء أعمال قمة دمشق وعدم قدرة اللبنانيين حتى الآن على إجراء حوار مسؤول للبحث في شكل الحكومة المقبلة وقانون الانتخاب النيابية، مما يهدد بانفجارات متنقلة وأزمة اقتصادية خانقة، خاصة بعد أن أبدى العماد ميشيل سليمان استياءه من تداول اسمه كمرشح لرئاسة الجمهورية .
أما في العراق فإن حكومة المالكي تقف أمام امتحان صعب يتوقف على نتيجته نجاح العملية السياسية في تصدّيها للميلشيات عموما، وخاصة جيش المهدي الذي يحظى بالتفاف طائفي شيعي وبدعم إيراني واضح، وتلقى جهود الحكومة في بسط سيطرتها و استعادة الأمن والنظام العام، خاصة في مدينة الصدر، دعماً أمريكياً وارتياحاً سنياً تجلّى في إبداء جبهة التوافق رغبتها في العودة إلى ملاك الحكومة المركزية، كما أن توصل هذه الحكومة إلى اتفاق أولي مع حكومة إقليم كردستان بشأن اعتماد النسخة الأصلية من قانون النفط والغاز الذي يصون امتيازات الإقليم في الاستثمار، واعتبار قوات البيشمركة من ضمن منظومة الأمن العراقية، وكذلك وضع جدول زمني لتطبيق المادة (140) من الدستور الخاصة بكركوك، من شأنه دفع العملية السياسية إلى الأمام .
أما في الداخل السوري فإن الأزمة المعاشية المتفاقمة تجد تعبيراتها في مختلف المناطق، وقد ساهمت العديد من العوامل في استفحالها، منها ما تتعلق بالسياسات الاقتصادية الفاشلة للنظام وتفشي ظاهرة الفساد وانفلات الأسعار، وأخرى ترتبط بالأحوال الجوية السيئة وحالة الجفاف السائدة، والتي عمّت العديد من المناطق السورية، إضافة إلى أن العالم يشهد هذا العام أزمة غذائية بعد أن ارتفعت كلفة الغذاء إلى 50% بسبب التغيرات المناخية وكذلك العولمة الاقتصادية وزيادة الاستهلاك في الدول ذات الكثافات السكانية العالية .
وقد بدأت انعكاسات هذه الأزمة تتضح، خاصة في المحافظات التي تعتمد على الزراعة، ومنها المناطق الكردية التي بدأت تتدفق منها أفواج المهاجرين الذين يبحثون عن لقمة العيش في ضواحي دمشق التي لم تعد قادرة على استيعاب تلك الأعداد المتزايدة من المهاجرين مما يهدد بتعقيدات وأمراض اجتماعية نتيجة البطالة المستشرية التي تصل إلى 20% والفقر المدقع الذي يشمل 11% من السوريين …ومن المشكلات الملحة التي تواجه الاقتصاد والمواطنين هي أزمة الطاقة، فالنفط الذي كان يشكل 44%من الواردات عام 2003 بات الآن مهدداً بالنضوب بعد أن تراجع الإنتاج من 600الف إلى 400الف برميل يومياً، وبالمقابل ازداد استهلاك هذه المادة الحيوية، وعلى مستوى الغذاء فإن سعر طن القمح ارتفع خلال عام من 200الى 450 دولار عالمياً، وبذلك يمكن تصوّر الصعوبات التي يمكن أن يلقاها المواطنين هذا العام الجاف، نتيجة القحط وفي ظل حكومة لا تتحلّى بالحكمة الكافية لمعالجة شؤون الناس، وما يمكن أن يزيد ذلك من حالة الاحتقان الموجودة أصلاً، والتي يخشى أن تقدم السلطة على إدارتها بدلاً من إيجاد الحلول الممكنة لها، وتقوم بتحويل اتجاهات الاحتقان إلى أهداف أخرى تريد منها إلهاء المواطنين عن قضاياهم الأساسية ، مثلما فعلت في جريمة القامشلي عندما استغلت احتفالات عيد نوروز لتتعمد قتل ثلاثة مواطنين أكراد وجرح آخرين بدم بارد وإيهام الآخرين بوجود خطر كردي لتبرر بذلك الإقدام على مثل تلك الجرائم..
وقد كشفت الجولة التي قام بها وفد من الجبهة والتحالف الكرديين على الفعاليات السياسية والعشائرية والدينية في محافظة الحسكة، قدرة السياسة الشوفينية على التسرب من خلال الثغرات التي فتحها غياب التواصل بين مكوّنات الشعب السوري لإضعاف الوحدة الوطنية وزرع الشك والريبة بين تلك المكوّنات الشريكة، ومن هنا ناشدت الهيئة العامة للتحالف والجبهة جماهير الشعب الكردي خصوصاً والسوري عموماً لتعميق الحوار الوطني المسؤول وتوثيق أواصر العمل المشترك وقطع الطريق أمام الفتن والدسائس التي تحاك ضدها، ودعت إلى تعميم هذا الحوار ليشمل مختلف المناطق .
وفي هذا المجال تبرز أهمية إعلان دمشق وضرورات صيانته والتضامن مع معتقليه اللذين قدمتهم السلطة للقضاء بتهم ملفقه مثل إضعاف الشعور القومي والانتماء لجمعية سرية هدفها تغيير كيان الدولة، وذلك بعد أن فشلت في مساوماتها وضغوطاتها الرامية لإجبار الإعلان على التراجع عن هدف التغير الديمقراطي وما يتطلبه ذلك من إقرار بمبدأ تداول السلطة وصياغة دستور عصري، والدعوة لمؤتمر وطني سوري عام يضم الجميع، بما فيهم حزب النظام، وإيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية التي باتت تحظى باهتمام وطني عام وتشكل إحدى المواضيع المكوّنة لبرنامج أي إطار وطني معارض، مما يستدعي ضرورة تجديد المساعي ومضاعفتها من أجل تشكيل ممثّلية كردية تعبّر عن إرادة شعبنا الكردي في سوريا، وتضم في تكوينها مختلف القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية وغيرها في المجتمع الكردي.
كما أن تنشيط العمل من أجل بناء إطار عام للمعارضة الوطنية السورية يتطلب ضرورة البحث عن قنوات للحوار الديمقراطي وممارسته دون تردد بغية التلاقي عند التقاطعات المشتركة، حيث ترتدي مواصلة الجهود المخلصة والبناءة مع الأطراف التي جمّدت عضويتها في إعلان دمشق أهمية وطنية، وخاصة الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، للعمل يداً بيد في صفوف ائتلاف إعلان دمشق، وفي ضوء وثائق ومقررات مجلسه الوطني المنعقد في الأول من كانون الأول 2007 .
في 29/4/2008
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)