كمـال أتاتـورك أم كمـال بافي كـورد؟

 ديـــار ســـليمان

 ثمـة علامـات استفهام ممزوجـة بالدهشة ترتسم أمام ناظري كلما قـرأت على صـفحات الأنترنت عنـاوين تشـير الى رسـائل للسيد عبدالله أوج آلان ألا وهي: الى من يوجـه السـيد أوج آلان رسـائله و تعليماتـه المباشرة منها وغير المباشرة؟ و كيف يمكن لهذه الأفـكار أن تجـد طريقها و بهذه السهولة والعلنية الى الأعـلام بشكل روتيني و عـادي جـدآ و ليس بشـكل (مُهـرَب) كما عرفنـاه كأحـد أشـكال تواصـل السـجين مع العالم الخارجـي الذي كان يعترض صوته ألف حاجز و حاجز.

لكن حـيرتي تفقد بعضآ من مقوماتها و يزول بعض اللبـس عنها عندما أقـرأ شيئآ من مضمـون هذه الكتابات فتتحـول الى نوع من التعجـب من هذه الحيـاة و ما يمكـن أن تفعله ببنـي البشر: أين كانـوا و أين أصبحـوا…
 و هنـا أسـجل رغم كل شـئ تعاطفـي المطلـق مع الإنسـان الكردي في سـجون الآخرين حتى لو كان سـبب وجوده هناك جنائيـآ بحتـآ طالما لم يقف أمام قاضٍ كوردي أصـدر حكمه عليه بأسم الشعب الكوردي.
 ولا أود هنا التطرق الى المشاكل الإدارية لسجن إمرالي و التي أصبحت كاللازمة في رسائل السيد أوج آلان، إذ المعروف أن الشرق الأوسط لن يصبح بحالٍ من الأحوال الجنة الموعودة حتى لو كان المـرء يقيم في فنادق متخمة بالنجوم إذ لن تكون الخدمة مثالية فيها و سيجد المرء طعامه أحيانآ مالحـآ و أخرى قليل الملوحة و ستكون التدفئة أو التبريد المركزيين ربما ليس على أفضل ما يرام وربما لن تصله الصحف طازجة لحظة وقوع الحدث فما بالك بظروف السجون حيث السجين (مدفون حيـآ) لا يرى الشمس و لا تعرف معدته طعامآ من الذي يأكله البشر ولا يعرف للمحكمة طريقآ و إذا قُدر له ذلك يجلب اليها على نقالة لهول مايتعرض له من تعذيب فما بالك بمحامٍ يجلس معه لساعات و يرسل عبره ما تشاء.


ما أود التطرق اليه هنا هو (المظلومية) التي يحاول السيد أوج آلان أسباغها على مؤسس تركيا الحديثة كمال اتاتورك  وإنه كان سـيفعل شـيئآ ما (لأكـراده) لكن البطانة الفاسدة منعته من ذلك فلم يتمكن من فعل الكثير من الأمور التي كان يريدها و أرغموه على فعل الكثير من الأمور التي لم يكن يريدها، لا بل وصل بها الأمر الى فرض الحصار عليه و سجنه وحتى أرادت خنقه! لذلك لم يكن يدري بما يجري حوله لدرجة أنه كانت هناك مثلآ محاولات للوصول اليه قبل إعدام سيد رضا (لانقاذه من حبل المشنقة) تمت إعاقتها من قبل هؤلاء المرتبطون بالانكليز (الشيطان الأكبر في نظره)! و هنا يجد السيد أوج آلان تشابهآ كبيرآ بين سيرته و سيرة أتاتورك الذي بدأ مسيرته حسب رأيه انطلاقآ من فكرة الاستقلال و الحرية و قد حوربا من القوى الخارجية ذاتها التي حاصرتهما و يقول بأنه تم إخراج أتاتورك من قصر (جانكايا) في ملابس نسائية و أنه فعل مايشبه ذلك بالتنقل في أوروبا عام 98 و ذلك بالتنقل بأزياء مختلفة، إضافة الى ذلك فالكماليون لا يعرفون كمال حقآ لقد كان جمهوريآ و لم يكن أبدآ قوميآ تركيآ و كان يمتلك فكرة الاستقلال الذاتي بخصوص المسألة الكردية و لكنهم (؟) عملوا على منعه و قاموا بوضع العراقيل أمامه، و هنا أيضآ يلتقيان مرة أخرى مع إنهمالم يفترقا فالسيد أوج آلان هو إمتداد لفكرة الجمهورية هذه من خلال رفعه لواء الجمهورية الديمقراطية في كل ما يصدر عنه.
 إن المعروف لكل مطلع على ألف باء السياسة أن كمال أتاتورك هو مؤسس تركيا الحديثة على أساس قومي تركي بعد أن أدار ظهره للماضي الإسلامي للدولة العثمانية، و إن معاهدة سيفر 1920 هي أول اعتراف دولي بالقضية الكوردي و أول إختبار حقيقي و تحدي واجهه فوصف هذه المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا و كان لصعود نجمه و حركته المعروفة بالحركة الكمالية الدور الكبير في وضع العراقيل لمنع تنفيذها و ذلك باستعمال ذكاءه في إستغلال الصراع الدولي لالغاءها و قبرها والاصرار على ان المسألة داخلية (و هو ما يكرره السيد أوج آلان) و هو ما جاء في معاهدة لوزان 1923 التي خلت من أية إشارة للكورد والتي تعهدت فيها تركيا بحماية سكانها و منحهم الحريات دون تمييز و هو ما لم يحصل عليه الكورد حتى اللحظة بسبب من أن مؤسس هذه الدولة قد أقامها على أساسٍ قومي معتبرآ جميع سكانها أتراكآ رغمآ عنهم مستعملآ جميع الوسائل لتحقيق ذلك رافعآ شعارات غاية في التطرف القومي من قبيل:تركي واحد يساوي العالم.
  إن الكمالية هي رمـز للقومية التركية إن لم يكن المفهومان وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة و كمال أتاتورك هو الذي جعل علمانية الدولة وسيلة لخدمة القومية فيها مثلها مثل جعل الاسلام في ايران وسيلة لاعلاء شأن القومية الفارسية، وأي فهم غير ذلك هو بمثابة خداعٍ للذات يجعل من صاحبها خارجـآ عن السياق العام للفت الأنظار ليس إلا خاصة إذا كان قد سلم بهذه الحقائق و عمل إنطلاقآ من هذا الفهم ثم عاد و تنكر لاعماله تلك و إعتبرها تمردآ طفوليآ ناتجآ عن عدم فهم.

و الدليل على قوموية أتاتورك و التي لا تحتاج الى أدلة هو إعتراف السيد أوج آلان نفسه بأنه اعتبر نتيجة أبحاثه في الأناضول حتى السومريين و الحثيين أتراكآ (و لا يخفى على أحد نتائج أبحاث السيد أوج آلان في كوردستان سوريا)، فأتاتورك صبغ كل شئ باللون التركي الخالص.


ثم يورد السيد أوج آلان بعضآ من أقوال الصحف التركية و أخبارها الاقتصادية و الاجتماعية التي يقرأها في الصحف التي تصله و يحاول أن يوجد لها خلفية في هذه النظرية التي يعمل عليها و يؤمن بها، داعيآ الى التفاوض معه لان الحـل لكل هذه المشاكل في جعبته و ليس لدى القادة الكورد في جنوب كوردستان الذين يتهمهم بمحاولةإقامة إمارات كوردية بدعم من الرأسمالية العالمية، مشددآ على ضرورة دراسة الجميع (السياسة الديمقراطية) في أكاديميات تقام لهذا الغرض كونها الدواء الناجع لكل العلل الموجودة.
 لن أستمرفي سرد كل ما ورد في الرسائل المشار اليه و هي متوافرة على مواقع الانترنت و لكني أؤكد بأن هناك عدم تواصل بين السيد أوج آلان الآن من جهة و أنصاره و بأنهم لا يقرؤون له طالما هم لا يعملون على تبني أفكاره في الكمالية(لم أسمع أحد يدافع عن أي من هذه الأفكار) ، كما ستتعرض هذه المقالة و صاحبها لهجوم اعمى لاسباب خارجة عن مضمونها الذي لن يتعرض له المهاجمون بل سيبقى هجومهم في إطار العموميات.
 
 
 03.04.2008
 
 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…