في آذار-2008- لماذا كان المطر، زخاتاً من البارود والرصاص…؟

 خالص مسور

أين ورودك يا آذار هذا العام…؟ بل أين الماء والمطر الدفاق في ربوع قامشلو الحزينة…؟ أين عشبك الندي ورياحينك العطرة…؟ نعم – يا آذار- لقد كان مطرك هذا العام أيضاً من نوعية خاصة..! كانت زخاتاً ولكنها زخات من رصاص، امطرت من عصارة قلوب عتاة من العنصرييين والحاقدين على البشرية، والمستلذين لاسترخاص دماء الأنفس البريئة من الكرد، والآن وحده عرفت لماذا سقطت ثلاثة وردات زاهية في مدينة القامشلو الشهيدة بشكل تراجيدي مثير، زهرات اقتلعتها عواصف الحقدة والغدر من جذورها، في ليل كردي كالح نأت عن شرفاته القمر، وعلى عادتك الأثيرة – يا آذار- وأنت تروي أزاهيرك كل عام من الدماء الكردية البريئة، ولذا فقد استشهد على مذبحك الحمراء المحمدون الثلاثة في مدينة القامشلو في يوم فرح وعيد شعبي وطني، هو عيد النيروز الأثير في كل مكان لدى الشعب الكردي والشعوب الآرية عموماً.

سقط الثلاثة على أيدي أناس ديدنهم اقتلاع أزاهيرالربيع وتعكير أجواء الأعياد، نعم هكذا استرخصت الشعوب المجاورة دماء الأكراد، وأصبح الكردي دريئة يتدرب عليها بعض الشوفينيين والبدائيين في الإنسانية وأجلاف البشر!.


ولازلنا نقول ونؤكد على حكومات المنطقة القول: بأن السياسة ليست قمماً خارجية وحدها، بل هناك مثيلها قمماً داخلية أيضاً، وعليها أن تركزعلى أوضاعها الداخلية وتحل كل مشاكلها العالقة بالطرق الديموقراطية الحضارية البناءة، ليصار إلى رص الصف الوطني وتوجيه الطاقات نحو العدو الخارجي، وأن عليها أن تتقن لعبة الإنسانية والمساواة في هذا العالم، وأن تعلم أن مشاكل الشعوب لن تحلها القوة وجوقات خطابات الإبادات الجماعية، لقد انتهى عصر الصراعات القومية كما في أوربا التي أصبحت كلمة القومية فيها مرادفة للعنصرية، وحلت محلها العباءة الوطنية، في عصر بدأت فيه الديموقراطيات وحريات الشعوب تزدهر، والشوفينيات العالمية تنحسر، وراحت الشعوب تشمخ في أوطانها، مثلما بدأت أحلام اسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات تنحسر أيضاً، إلى حدود جدارهم العازل كحية رقطاء ضربت بقسوة على رأسها فبدأت تتكور على نفسها تستجدي لنفسها الخلاص، وبهذا سيبقى الشعب الفلسطيني أيضا شامخاً بأرضه وشعبه.

تلك قانون الحياة الأسمى وعلى من لايتعظ بالتاريخ أن يتعظ الآن، وأن يدرك جيداً، أن  الشعوب لن تفنى بالقتل والإبادات الجماعية أبداً.


وعلى كل حكومات المنطقة التي تتنكرلحقوق الشعب الكردي، أن تتعلم أيضاً، أن الزمن ليس هو زمن المجازر والإمحاءات، بل هو زمن الحوار حوار الشعوب والحضارات، وأن الدولة القومية التي تلجأ إلى مثل تلك الممارسات اللاقانونية تسيء إلى نفسها قبل الآ خرين، وستعجل حتماً تلك التصرفات اللامسؤولة، من البعض من أناسها الشوفينيين الذين لايعرفون في هذا العالم سوى أنفسهم، ستعجل بتلك الدولة إلى الإنحسار، وستحل محلها مفاهيم الدولة الوطنية عاجلاً أو آجلاً، وفيها ستكون الأمور ليس لقومية سائدة دون الأخريات، بل سيتولاها قوميات متآخية تعيش متحابة متضامنة، وطن واحد يكون فيه الناس سواسية كأسنان المشط، وتكون خيراته لجميع أبنائه، لافرق فيه بين أبيضه وأسوده إلا بالتقوى والعمل النافع.

فإلى متى تدرك التطرف والشوفينية، أن لكل من يعيش في هذا الوطن الحق في التمتع بكرامته وحريته، فعلى مطلقي الرصاص على الأبرياء دون تميز أن يستوعبوا الدرس جيداً، وأن يتخلوا عن لعبة قتل الكردي بدم بارد، وأن يتعلموا أبسط مباديء الإنسانية ومعنى الإخاء والمساواة في هذا العالم الموار بالمشاكل والمكادر، وهنا نذكر بأن الشعوب والطوائف عاشت في دول المنطقة منذ القديم بوئام وسلام، تجمعها الوحدة والتضامن، والأخوة والتسامح والمساواة ضمن وطن واحد وشعب متحد.

ونأمل ألا يهدر دم الكرد بعد اليوم على مذبح هذا الفكر القومي الشوفيني البدائي والمستورد إلى المنطقة من الخارج.

نعم، هذا الفكر القومي بصيغته النازية المعولمة، مع الأسف هو الذي بقي سائداً في المنطقة، بعدما تخلى عنه أصحابه الغربيون، وأضحى بضاعة كاسدة فوق رفوف متاجرهم السياسية والإيديولوجية التي أشعلت حربين عالميتين مدمرتين ، ولكننا نقول: إنه الفكر الذي راج فوق رفوف إيديولوجياتنا الأثيرة، بأسوأ خصائصها واكثرها دموية وهمجية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…