الإجماع الكردي ضرورة و إرادة تغيير أم تعبير آخر ؟!

عبد الرحمن آلوجي

إن الإجماع , وتحديد أفاق العملية السياسية الجادة في الحركة الكردية في سوريا , مما يثير الجدل في الوسط السياسي , والجماهيري , وأمام الرأي العام , الذي بات ضاغطاً ومؤثراً أكثر من أي وقت مضى, في زمن بات الرهان على حالة الإعراض عن هذا الرأي المتكون – عبر مسيرة تاريخية حافلة- أمرا غير موفق , باتجاه المحاسبة الحاسمة للحركة الكردية , وضرورة لملمة شملها , وبعث الراكد, وتحريك المترهل , ودفع المشرذمين إلى حالة حصار محكم , لم تعد تجدي معه التبريرات الهشة , والتسويغات الواهية , أمام ضرورات المرحلة , وحالة الحسم الجادّة , باتجاه نبذ وتهشيم كلّ ما هو حزبي , ذاتي , ضيق الأفق يتخذ من طابع التهالك والتهادي ملجأً وملاذا ً , بعيدين عن قدرتهما على توفير الحماية اللازمة , أمام ضغط الرأي العام , وضرورة الخروج من المأزق ..

لقد فرض الإجماع نفسه , وبات من الضرورات الملحة لأن إرادة التغيير باتت مقرونة إلى حدّ كبير مع هذه الضرورات , والمقترنة أصلا ً مع دقة المرحلة التاريخية , وصوابية التصدي لآفاقها , وانتزاع الاعتراف الجماهيري بالحركة , مع هذا التلازم , وهذا الفهم العميق الذي بات مطروحاً على أكثر من صعيد , في ظل تلاحق التطورات , وتماشيها مع الإرادة العامة للتحوَل و الانطلاق إلى عمل سياسي جادّ لا يكاد يلبي طموح الشعب الكردي , وآفاقه , ورؤيته التحررية إلا ّ من منطلق الإجماع , في حدوده الدنيا المطلوبة , وفق قواسم مشتركة عليا , تغيب عنها بالضرورة الخصوصيات الحزبية , والذاتية المفرطة والمتضخمة خلال عقود من الصراع الهامشي , والمهاترات الممجوجة , والاتهامات الباطلة والرخيصة , والتي كان عنصر الإلغاء وذهنية الشطب الموروثة , عبر تراكم جمعي , من أبرز الأدوات , وأكثر الأمراض تفشياً في جسد الحركة الكردية , والتي كانت من بين أكبر أسباب التشرذم , ومقدماته في الإلغاء , وسحق الطاقات , وإبعاد كلّ ما هو مبدع و مؤثر وحيوي عن الانخراط في الحركة , وإيقاد شعلتها , وإنارة دربها , وسط عتمة الجهل , وسيطرة العقلية الجامدة , والفكر التسلطي الأحادي ومحاولة التفرد بالقرار , وإثارة البلبلة , وإفقاد التنظيم السياسي كلّ معاني التوهج والتوحد والانطلاق إلى فضاءات الإبداع الرحبة , وما تستدعيه من طاقات وإمكانات وقدرات , وجدت نفسها منزوية ومحاربة , بحكم حالة الترهل وتصدي تلك العقلية الإقصائية لمقدرات الحركة , دون أن نحدّد السمات والهوية الشخصية, وخصائص اللعبة , لئلا نزيد من حالة التعقيد والتأزم الحاصلة , ومفرزاتها وتراكماتها وأخطائها ..

لقد بات واضحاً أن حالة الإجماع تعد إحدى أهم الركائز لمعالجة واقع محدد في الحركة , باتت الذاتية وعلاماتها البارزة سمة معرقلة , وحالة تستدعي المعالجة السريعة , ولو في إطار تلك القواسم العامّة , المؤسسة لدواعي التلاقي , والعلاج السريع , لمرض بات مستفحلاً , وبات أمر التصدي له من الضرورات الملحة , مهما كبرت التحديات , وبرزت الأدوار , وتداعت إليها النفوس المتضررة من عملية التلاقي , بحكم توفر الأسباب الحقيقية , والدواعي الملحة لإرادة التغيير , واللحاق بالركب , والاستفادة من معطيات المرحلة , خصوصاً في التحديات الملحة والمطروحة على الساحة الوطنية عامّة في سوريا , والقومية الكوردستانية والتي باتت تلح في طرق الأبواب , ومعالجة واقع الحركة ..

لقد برزت الحاجة إلى حالة الإجماع والتوحد , وطرح المواقف الوطنية والقومية , في العشرين من آذار , عشية احتفالات ومباهج نوروز , في التحدي الصارخ لإرادة الشعب الكوردي , ومحاولة دفعه مرة أخرى إلى حالة كارثية أشبه بدواعي الانتفاضة الآذارية الكبيرة في الثاني عشر من آذار عام 2004

وخلق حالة عداء  شاملة بين العرب والكورد , والدفع باتجاه فتنة لا تحمد عقباها , ممّا استدعى وقفة جادة, تراجع سجل الحركة وتدعوها إلى توحيد الموقف باتجاه (إعلان الحداد العام على الشهداء), وهو ما انخرطنا فيه بقوة , والتزمنا به , وحاولنا أن يكون هذا الالتزام في إطار المجموع , إلا ّ أنّ حالة الارتداد إلى المواقف الذاتية والحزبية الضيّـقة والأفق المحدود , دفع البعض إلى رفض حالة الانخراط هذه بإبعاد بياننا عن البيان الذي خرج به مجموع الأطراف , ودفعنا باتجاه ردّة فعل , كنا على الدوام فوقها , وبعيدين عن الوقوع في (دوّامة الذاتية) , حيث كان الموقف التوحيدي للپارتي شعاراً مركزيا ً , وعملا ً دؤوبا ً , وترجمة فعلية لحالة التوحد , والدعوة إلى الإجماع , سواء في مرحلة انفراط العقد (نحو أحد عشر شهراً) في خلافنا منذ 9/5/2003 , أم في اتحادنا على مرحلتين, حيث أنجزنا مع رفاقنا (الهيئة المشتركة العليا) بين التحالف والجبهة , أم في حالة عقد المؤتمر التوحيدي العاشر , وحفاظنا على ثوابت الپارتي ونهجه , والدفع باتجاه “مرجعية للحركة” ..

ممّا دفعنا إلى إصدار بيان مستقل , انسجم مع تطلعات شعبنا, وإرادته في التوحد , مع احتفاظنا الكامل بقناعتنا , والتي كانت تتمحور في البداية بالخروج إلى احتفالات عيدنا القومي مع الحفاظ على نوروز في طابعه الجماهيري , ورؤيته المحددة في أحضان الطبيعة , ولكن في إطار مراسيم الحداد , وشاراته, ومظاهره , وبأسلوب حضاري احتجاجي لائق , يحافظ على قيم الشعب الكوردي ومبادئه والمصلحة الوطنية العليا , في التزام السكينة والهدوء , والرد على مثيري الفتنة رداً سلميا ً, والدافعين إليها بالتحريض والتلويح بالعنف , وإشاعة الرعب والقتل لإشعال فتيل التوتر , وتفجير حالة الاحتقان , إلى ردّة فعل عارمة , وهو ما حرصنا على لجمه , وإعطائه بعداً آخر , منسجما ً تماما ً مع رؤيتنا السلمية المدنية والديمقراطية أسلوبا ً نضاليا ً جريئا ً لحل القضية الكوردية في سوريا ..

لقد حافظنا على الإجماع , ودعونا إليه , وانسجمنا مع مقرراته , وإن أدار الآخرون الظهور , وأظهروا الامتعاض , وركبوا متن ( الذاتية الحزبية الضيقة ) ..

 

وسوف نحافظ على هذا الخط الوطني , والثابت الموضوعي , والحضور الجماهيري  والانضباط واليقظة النضالية , والفكر الوطني والقومي , والرؤية الكوردستانية الواضحة , في وقت باتت جماهيرنا تدرك العمق النضالي  للپارتي, وحسه الوطني الرفيع , وبعده عن الاحتراف الحزبي , والهم الذاتي المحدود , باتجاه دعوة واضحة وصريحة إلى تعميق الخط النضالي باتجاه الضرورة التاريخية , وإرادة التغيير والحسم والتوجه إلى بناء مرجعية أوسع وأجدى و أكثر قدرة من الأطر الراهنة , والحسابات المحدودة , والانتقامات, ومحاولة الزج بالطاقات الحزبية في هموم ذاتية متضخمة أصلا ً, ودافعة باتجاه مزيد من التشرذم والتقوقع والفكر الاستعراضي ..

آملين أن يدرك الجميع أنّ خدمة المصلحة العليا , ورفع شأن القضية , والتمحور حولها , تخدم الغرض الأساسي لانبثاق الحركة , وتطوير آفاقها نحو التماهي مع ضرورات المرحلة ..

وهو هدفنا الأعلى .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…