عبد الرحمن آلوجي
لقد فرض الإجماع نفسه , وبات من الضرورات الملحة لأن إرادة التغيير باتت مقرونة إلى حدّ كبير مع هذه الضرورات , والمقترنة أصلا ً مع دقة المرحلة التاريخية , وصوابية التصدي لآفاقها , وانتزاع الاعتراف الجماهيري بالحركة , مع هذا التلازم , وهذا الفهم العميق الذي بات مطروحاً على أكثر من صعيد , في ظل تلاحق التطورات , وتماشيها مع الإرادة العامة للتحوَل و الانطلاق إلى عمل سياسي جادّ لا يكاد يلبي طموح الشعب الكردي , وآفاقه , ورؤيته التحررية إلا ّ من منطلق الإجماع , في حدوده الدنيا المطلوبة , وفق قواسم مشتركة عليا , تغيب عنها بالضرورة الخصوصيات الحزبية , والذاتية المفرطة والمتضخمة خلال عقود من الصراع الهامشي , والمهاترات الممجوجة , والاتهامات الباطلة والرخيصة , والتي كان عنصر الإلغاء وذهنية الشطب الموروثة , عبر تراكم جمعي , من أبرز الأدوات , وأكثر الأمراض تفشياً في جسد الحركة الكردية , والتي كانت من بين أكبر أسباب التشرذم , ومقدماته في الإلغاء , وسحق الطاقات , وإبعاد كلّ ما هو مبدع و مؤثر وحيوي عن الانخراط في الحركة , وإيقاد شعلتها , وإنارة دربها , وسط عتمة الجهل , وسيطرة العقلية الجامدة , والفكر التسلطي الأحادي ومحاولة التفرد بالقرار , وإثارة البلبلة , وإفقاد التنظيم السياسي كلّ معاني التوهج والتوحد والانطلاق إلى فضاءات الإبداع الرحبة , وما تستدعيه من طاقات وإمكانات وقدرات , وجدت نفسها منزوية ومحاربة , بحكم حالة الترهل وتصدي تلك العقلية الإقصائية لمقدرات الحركة , دون أن نحدّد السمات والهوية الشخصية, وخصائص اللعبة , لئلا نزيد من حالة التعقيد والتأزم الحاصلة , ومفرزاتها وتراكماتها وأخطائها ..
لقد بات واضحاً أن حالة الإجماع تعد إحدى أهم الركائز لمعالجة واقع محدد في الحركة , باتت الذاتية وعلاماتها البارزة سمة معرقلة , وحالة تستدعي المعالجة السريعة , ولو في إطار تلك القواسم العامّة , المؤسسة لدواعي التلاقي , والعلاج السريع , لمرض بات مستفحلاً , وبات أمر التصدي له من الضرورات الملحة , مهما كبرت التحديات , وبرزت الأدوار , وتداعت إليها النفوس المتضررة من عملية التلاقي , بحكم توفر الأسباب الحقيقية , والدواعي الملحة لإرادة التغيير , واللحاق بالركب , والاستفادة من معطيات المرحلة , خصوصاً في التحديات الملحة والمطروحة على الساحة الوطنية عامّة في سوريا , والقومية الكوردستانية والتي باتت تلح في طرق الأبواب , ومعالجة واقع الحركة ..
لقد برزت الحاجة إلى حالة الإجماع والتوحد , وطرح المواقف الوطنية والقومية , في العشرين من آذار , عشية احتفالات ومباهج نوروز , في التحدي الصارخ لإرادة الشعب الكوردي , ومحاولة دفعه مرة أخرى إلى حالة كارثية أشبه بدواعي الانتفاضة الآذارية الكبيرة في الثاني عشر من آذار عام 2004
وخلق حالة عداء شاملة بين العرب والكورد , والدفع باتجاه فتنة لا تحمد عقباها , ممّا استدعى وقفة جادة, تراجع سجل الحركة وتدعوها إلى توحيد الموقف باتجاه (إعلان الحداد العام على الشهداء), وهو ما انخرطنا فيه بقوة , والتزمنا به , وحاولنا أن يكون هذا الالتزام في إطار المجموع , إلا ّ أنّ حالة الارتداد إلى المواقف الذاتية والحزبية الضيّـقة والأفق المحدود , دفع البعض إلى رفض حالة الانخراط هذه بإبعاد بياننا عن البيان الذي خرج به مجموع الأطراف , ودفعنا باتجاه ردّة فعل , كنا على الدوام فوقها , وبعيدين عن الوقوع في (دوّامة الذاتية) , حيث كان الموقف التوحيدي للپارتي شعاراً مركزيا ً , وعملا ً دؤوبا ً , وترجمة فعلية لحالة التوحد , والدعوة إلى الإجماع , سواء في مرحلة انفراط العقد (نحو أحد عشر شهراً) في خلافنا منذ 9/5/2003 , أم في اتحادنا على مرحلتين, حيث أنجزنا مع رفاقنا (الهيئة المشتركة العليا) بين التحالف والجبهة , أم في حالة عقد المؤتمر التوحيدي العاشر , وحفاظنا على ثوابت الپارتي ونهجه , والدفع باتجاه “مرجعية للحركة” ..
ممّا دفعنا إلى إصدار بيان مستقل , انسجم مع تطلعات شعبنا, وإرادته في التوحد , مع احتفاظنا الكامل بقناعتنا , والتي كانت تتمحور في البداية بالخروج إلى احتفالات عيدنا القومي مع الحفاظ على نوروز في طابعه الجماهيري , ورؤيته المحددة في أحضان الطبيعة , ولكن في إطار مراسيم الحداد , وشاراته, ومظاهره , وبأسلوب حضاري احتجاجي لائق , يحافظ على قيم الشعب الكوردي ومبادئه والمصلحة الوطنية العليا , في التزام السكينة والهدوء , والرد على مثيري الفتنة رداً سلميا ً, والدافعين إليها بالتحريض والتلويح بالعنف , وإشاعة الرعب والقتل لإشعال فتيل التوتر , وتفجير حالة الاحتقان , إلى ردّة فعل عارمة , وهو ما حرصنا على لجمه , وإعطائه بعداً آخر , منسجما ً تماما ً مع رؤيتنا السلمية المدنية والديمقراطية أسلوبا ً نضاليا ً جريئا ً لحل القضية الكوردية في سوريا ..
لقد حافظنا على الإجماع , ودعونا إليه , وانسجمنا مع مقرراته , وإن أدار الآخرون الظهور , وأظهروا الامتعاض , وركبوا متن ( الذاتية الحزبية الضيقة ) ..
آملين أن يدرك الجميع أنّ خدمة المصلحة العليا , ورفع شأن القضية , والتمحور حولها , تخدم الغرض الأساسي لانبثاق الحركة , وتطوير آفاقها نحو التماهي مع ضرورات المرحلة ..
وهو هدفنا الأعلى .