ولو حاولنا أن نقف عند قراءات الغالبية الحزبية وهي تقر عند البداية وتدعي؛ بأن الحدث، وإن اختلفت الدلالات والتسميات، يشكل ارتقاءً في الحالة النضالية، ومساهمة في بلورة القضية الكردية، دفعتها إلى مسارات، ينبغي الارتقاء بها، بما يتناسب وحجم الواقعة وما تم ترجمتها على الأرض من تضحيات، وبمنأى عن تلك المواقف التي حاولت أن تقزم إرادة الشارع، وتشوه المعاني الحقيقية التي أفرزتها الهبة، إضافةً إلى نعتها ببعض الوصفات التي هي من نتاج ثقافة الانهزام، لاستطعنا القول؛ بأن هذه الغالبية هي الأخرى، قد فقدت بوصلتها بمرور الوقت، حينما كان مطلوباً منها أن تترجم ذاتها وفق استحقاقات الهبة، وذلك بحكم أن مجمل ممارسات النظام التي رافقت الواقعة وتعاقبتها، كان الهدف منها ألا تتحول المناسبة إلى جزء من ذاكرة الإنسان الكردي، وألا تشكل انطلاقة جديدة لقراءة كردية وهي تطرح ذاتها القومية ضمن استحقاقات الحالة الوطنية، وهذه شكلت نقطة التقاء بين النظام وبعض أطياف المعارضة، التي تؤسس مواقفها بناء على موروثها الثقافي العروبي، ولا نجافي الحقيقة إن قلنا بأن هذه الأطر، قد انخرطت بدورها في تجسيد ما يبتغيه النظام، حينما مارست ذاتها ضمن أجندات حزبوية ضيقة، ودخلت ضمن مزايدات ومزاودات، الهدف منها تحقيق مكاسب ذاتية، دون أن يكون الهاجس ترجمة مضامين الهبة في الجانبين السياسي والاجتماعي، كون الحدث جاء بعفويته نتيجة عملية التلاقح والتلاقي بين المشاعر المكبوتة من لدن الإنسان الكردي على أنه مستهدف، وأن ما حصل في الملعب، لم يستهدف فيه سوى الجانب القومي، وعليه فقد تحركت المشاعر الجماعية وفق فهم قومي لما يجري، إلا أنه ووفق زمن قياسي جرى عمليات التحايل على المكسب والالتفاف عليه، بحكم عدم قدرة الأطر على مواكبة تداعياتها، فمنهم من شتت الشارع حول شعارات هي على النقيض مما أرادت الهبة تحقيقها، ومنهم من حمل معاول الهدم ليدخل في مساومات على حساب القضية ضمن أجندات المعارضة، وكانت النتيجة أن الشارع الذي اجتمع على رأي وهو يواجه الاستهداف، دخل في معارك هامشية بدوافع حزبية تجسد في المضمون حالة التشتت والتمزق، وتترجم من حيث ندري أو لا ندري تلك المشاريع الاقصائية، حتى بتنا أمام لوحة أرادوا لها أن تنطق؛ بأن الهبة ساهمت في تمزيق الصف الكردي ..!؟.
إننا حين نستذكر الهبة الآذارية، وهي في دورتها السنوية الرابعة، لا يدفعنا إلى ذلك الرغبة في استحضار واستدعاء مشاهد القتل وإراقة الدماء، ولا تلك الحملات التي طالت العشرات، وألقت بهم في أقبية السجون والمعتقلات، إلى جانب أننا لسنا من مناصرين حالات الاحتقان وضرب مرتكزات الوحدة الوطنية، عبر هدم أسس التعايش والأواصر التي تجمع أطياف المجتمع بمختلف مشاربه وانتماءاته، والتي تشكل إحدى دعامات البناء الوطني، إنما نحاول أن نعيد إلى الأذهان؛ بأن الحالة الوطنية باتت في كليتها ضمن دوامات الاحتقان، وأن سبل الخروج منها، يكمن بالدرجة الأولى في تغيير البنى القائمة، المستندة إلى مجموعة من الضوابط والممانعات، تلك التي فيها تقييد لإرادة المواطن وهو يرنو إلى مستقبل للبلد، ركيزته دستور يواكب مجريات التطور، ويعبر عن حالة التعددية القومية والسياسية، ويرسخ مفاهيم الحريات واحترام حقوق الإنسان، والإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة، دون أن يكون هناك استئثار أو هيمنة من قبل جهة بعينها، وألا تكون القضايا الوطنية رازحةً تحت رحمة الأحكام العرفية وحالة الطوارئ وكذلك القوانين الاستثنائية، إلى جانب الانفتاح على الفضاء الخارجي في جوانبه الثقافية والفكرية والاقتصادية، ومقوماته ثقافة تحاكي الكل عبر تفهم حقيقة أن الوطن للكل، ولهذا الكل الحق في أن يعبر عن ذاته ضمن خصوصياته السياسية والقومية والدينية والمذهبية، وعليه يكون من الطبيعي أن يتمتع الشعب الكردي، كثاني قومية في البلاد، بحقوقه القومية الديمقراطية، كون الدخول إلى معالجة القضايا الوطنية عبر هذه البوابات، هي الكفيلة بدفع البلد نحو مسارات الأمن والآمان والاستقرار، وهي التي ستشد من أرز اللحمة الوطنية، وتعزز من مفاهيم العدل والمساواة ..