ربيع الانتفاضة ما زال نابضاً بالحب والامل

فوزي الاتروشي


وكيل وزارة الثقافة في العراق

يحل آذار مجدداً على كوردستان طافحاً بالأمل والألم  فينعش في الذاكرة الجمعية الكوردية رغبة العودة الى الماضي وتصفح  ثناياه ونزعة التحديق في الحاضر بكل ما في تقاسيمه من  رتوش، وتطلع المضي بثقة ويقين نحو مستقبل اكثر اماناً.

 

  هذا الشهر يجسد بيومياته حياة شعب تقطعت به السبل واستلبت حريته على مدى التأريخ ليتحول في الجغرافية الى شعب مجزأ وارض محاطة بأسلاك شائكة تطوق حتى المشاعر والاحلام ومخافر حدودية جاهزة لاطلاق النار اذا  عبرها الانسان الكوردي او حاول تجاوز الخطوط الحمر على الخارطة السياسية وما اكثرها.
  يستهل شهر آذار دورته بذكرى وفاة البارزاني الراحل الذي نزف حتى الرمق الاخير لفقراء شعبه رافضاً في الايام الاخيرة من عمره حتى ان يكتب مذكراته ولو سجلها لكانت اروع قصة لاطول ثورة قاومت الظلم وانتزعت الحرية في انتفاضة ربيع عام  1991.
وفي الخامس من آذار يحل موعد زحف الملايين في كوردستان لدك قلاع دكتاتورية ادعت ان  عقارب الساعة  لن تعود الى الوراء وان القضية الكوردية انتهت والى الأبد فإذا بتوقيت الزمن  يقف لها بالمرصاد ولرمزها الموغل في البدائية والوحشية والقبح (علي كيمياوي) الذي ينتظر هذه اللحظات حكم العدالة المطلقة وهو الاعدام ، ولكن  ليس في حلبجة التي امطرها بالسموم الكيمياوية في السادس عشر من  آذار لان هذه المدينة لا تريده ان  يدنس ارضها وتمتنع عن استحضار حجم الفاجعة المهولة الى الذاكره في وقت يريد اطفال ونساء واهالي هيروشيما الكوردية ان يتجاوزوا محطة الالم و الكوارث الى الضفة الخضراء للبناء والتنمية، وفي السادس من  اذار كانت الاتفاقية المشأومة التي وقعها صدام مع الشاه الايراني عام 1975 لقبر الثورة الكوردية واشاعة اليأس في كوردستان ولكن بما ان لايأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس كما يقول الكاتب المبدع نجيب محفوظ .

فان  براعم ثورة 26 ايار عام 1976 انتشرت في ربوع الوطن بعد عام واحد من النكسة لتبشر الارض الكوردية ان  لهيبها لايخمد وان موعدها مع النصر قادم  لا محال.
وهكذا  بين  ذكريات  آذارية مطعمة بنكهة النصر واخرى ترفل بالمرارة يمر الشريط اليومي لهذا الشهر الذي يؤشر لبداية انصهار الثلوج في كوردستان واستهلال الربيع و تناثر ضفائر الشمس الدافئة على الوهاد والجبال وبدء مهرجان حب و عشق عاصف، ففي 21 آذار تلبس الارض حلتها الجديدة وتنفتح القلوب على بعضها كما روافد الانهار التي تعلن  فيضانها الربيعي.
وفي 11 آذار نتذكر شوارع كوردستان و بغداد التي تحشدت فيها التظاهرات السلمية وهي تعلن انتصاراً وطنياً كان كفيلاً ان يضع العراق على عتبة مرحلة ازدهار شاملة لو لا عدوانية نظام صدام وغروره الذي كان يرى في اتفاقية آذار كميناً آخر لقضية اختبرت عبور الكمائن بسلام و تجاوزت حقول الالغام بارادة قوية شبيهة بقوة جبال كوردستان.
  اتذكر حينها قولاً للبارزاني الراحل لمجلة مصرية مفاده ان خوفه الاكبر هو ان ينقض النظام وعوده و عهوده تجاه  شعب كوردستان وكان توقعه صحيحاً مثلما ان ايمانه بالنصر الحتمي كان في محله و فعلاً انتصرت الثورة في ربيع  آذار 1991 واصبحت شجرة باسقة وارفة الاغصان عامرة بالثمر في آذار 2008 فلها العمر المديد ولنا بشائر الحب والتمتع بالحرية.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…