ذكرى رحيل البارزاني … فرصة للمراجعة وأعادة التقييم

فوزي الاتروشي


في الذكرى الخضراء لوفاته ، نستحضر البارزاني الى الذاكرة يقينا لايقبل الشك وحقيقة ساطعة مثلما الشمس وسجلا لمخزون نضالي تراكمي أحتل نصف قرن.
وكما في كل عام تضيء فينا قناديل الماضي فنجود بالعواطف ونرحل نحو قصة مقاومة بين حدود شائكة تكاد تحجب حتى الاحلام وعلى أرض شاءت الجغرافيا السياسية أن تخونها وفرضت مصالح الدول عليها أيقاعا غريبا للحياة يستلب من كوردستان هويتها وتقاسيم وجهها ، بل وحتى أسمها.

البارزاني الخالد هو أبن الحياة من الطراز الاول تعلم منها ودرس متغيراتها واحوالها واصر على مقاومة ما في الحياة الكردية من معاناة واحزان وحرمان فتخرّج بأمتياز من مـدرسة الحياة على هيئة هوشي منه البطل الفيتنامي الــذي قال (تعلمت الحرب من الحرب) ونيلسون مانديلا صاحب كتاب  (الطريق الطويل الى الحرية) وجي ﮔيفارا حامل الاحلام التي لم تعرف حدودا.
بعد (29) عاما على وفاته يجب أن نتجاوز البعد التقليدي لمراسيم أحياء الذكرى لرجل لم يكن عاديا وتقليديا في حياتنا ونعبر نحو طرح أسئلة جدية حول راهن ومستقبل النضال التحريري الكردي وثمرته اليانعة في كوردستان العراق فتراث البارزاني ومفردات سيرته الذاتية ليست للحفظ في الارشيف ولا للأكتفاء بالتغني بها وتكرارها في الكتابات الادبية والسياسية ، بل هي سفر نضالي يعيننا على التزود منه والمضي الى الامام ومقارنة يومنا بأمسنا وهذا يحتم علينا أعادة النظر في واقعنا الحالي.
وفتح النوافذ والأبواب لرياح التقييم والنقد الايجابي كمحرك للسواكن وإدامة التغيير نحو الأحسن .

كان البارزاني الراحل يمثل قيم الثبات ضد التهاون والتردد , والزهد في الحياة والغنى في العمل والعطاء , ومناصرة الضعيف على القوي , والفقيرعلى الثري , والمستضعف على المستكبر , وكان عدو الغرور لحظة الانتصار وعدو اليأس لحظة الانكسار.
فكم حرّي بنا اليوم أن ننظر في المرآة لنرى تقاسيم الحالة الكوردية المزدهرة في العراق منذ ربيع عام 1991 ولغاية الآن .

وهي الحالة التي تمثل البيت الكردي الوحيد الآمن تحت الشمس إذا صمد أمام الرياح فأن مجمل القضية الكوردية تتقدم في كل أجزاء كوردستان إلى آفاق جديدة , وإذا اهتزت أركانه تتراجع هذه القضية في كل مكان وتنطوي على ذاتها , لنا ولكل الكوادر التي أحرقت العمر شموعاً لواحدة من اعدل قضايا التحرر في العالم , الحق في أن نقول انه آن الوقت لتجديد الدماء في جسد التجربة الكوردية في العراق التي تقترب من سن البلوغ والرشد , ولرفدها بالقوة والحصانة والمزيد من المصداقية في الداخل قبل الخارج , فسكان الإقليم بآرائهم ومزاجهم وطرق تفكيرهم واحتياجاتهم الحياتية وتطلعاتهم المستقبلية , هم آلية اختبار التجربة , وبقدر قربنا منهم نكون قد اقتربنا من جذور الثورة وتراث البارزاني , وبالعكس فان الترهل والتغطية على مواطن الضعف والوهن وإهمال الشروط الحياتية للمواطن العادي والكف عن الإصغاء للرأي الآخر ولنبض الشارع مؤشر للانغلاق والجمود.

وبما أن لاثبات في الحياة ولاتوقف لدورة الايام ، ولأن المرء لايمكن أن يضع قدمه في نفس النهر مرتين لان الحياة جارية بلا ركود لذا فالتغيير حتمي وبدونه ننعزل ونبلغ شئنا ام ابينا مرحلة الشيخوخة.

أن أجمل معالم أحياء ذكرى البارزاني الخالد هو أن نتراجع عما في حياة التجربة الكوردية في اقليم كوردستان العراق من سلبيات وما تراكم على مسامات جلدها بحكم الزمن من ندوب وشروخ وما حصل من اختلال في ميزان العلاقة بينها وبين جيش الفقراء المناضلين الذين كانوا حطب الثورة ونارها الذي أشعل الضوء في نهاية النفق .

هكذا افهم ذكرى البارزاني الخالد كمحطة تامل واعادة أضاءة نفق الذات ومراجعة آليات العمل والنضال والبناء والتنمية وحرق المسافة الفاصلة بيننا وبين المواطنين ولنتصرف دوما وكأننا في خندق الثورة ولسنا في فندق الدولة.

 

ختاما الف تحية و وفاء لا حدود له منا لضريح البارزاني العاطر في كوردستان و من خلاله الى كل شهداء النضال التحريري الكوردستاني، لا سيما مهندس المصالحة الوطنية الكوردية الشهيد ادريس البارزاني.

*وكيل وزارة الثقافة في العراق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…