في الذكرى الخضراء لوفاته ، نستحضر البارزاني الى الذاكرة يقينا لايقبل الشك وحقيقة ساطعة مثلما الشمس وسجلا لمخزون نضالي تراكمي أحتل نصف قرن.
البارزاني الخالد هو أبن الحياة من الطراز الاول تعلم منها ودرس متغيراتها واحوالها واصر على مقاومة ما في الحياة الكردية من معاناة واحزان وحرمان فتخرّج بأمتياز من مـدرسة الحياة على هيئة هوشي منه البطل الفيتنامي الــذي قال (تعلمت الحرب من الحرب) ونيلسون مانديلا صاحب كتاب (الطريق الطويل الى الحرية) وجي ﮔيفارا حامل الاحلام التي لم تعرف حدودا.
بعد (29) عاما على وفاته يجب أن نتجاوز البعد التقليدي لمراسيم أحياء الذكرى لرجل لم يكن عاديا وتقليديا في حياتنا ونعبر نحو طرح أسئلة جدية حول راهن ومستقبل النضال التحريري الكردي وثمرته اليانعة في كوردستان العراق فتراث البارزاني ومفردات سيرته الذاتية ليست للحفظ في الارشيف ولا للأكتفاء بالتغني بها وتكرارها في الكتابات الادبية والسياسية ، بل هي سفر نضالي يعيننا على التزود منه والمضي الى الامام ومقارنة يومنا بأمسنا وهذا يحتم علينا أعادة النظر في واقعنا الحالي.
وفتح النوافذ والأبواب لرياح التقييم والنقد الايجابي كمحرك للسواكن وإدامة التغيير نحو الأحسن .
كان البارزاني الراحل يمثل قيم الثبات ضد التهاون والتردد , والزهد في الحياة والغنى في العمل والعطاء , ومناصرة الضعيف على القوي , والفقيرعلى الثري , والمستضعف على المستكبر , وكان عدو الغرور لحظة الانتصار وعدو اليأس لحظة الانكسار.
فكم حرّي بنا اليوم أن ننظر في المرآة لنرى تقاسيم الحالة الكوردية المزدهرة في العراق منذ ربيع عام 1991 ولغاية الآن .
وهي الحالة التي تمثل البيت الكردي الوحيد الآمن تحت الشمس إذا صمد أمام الرياح فأن مجمل القضية الكوردية تتقدم في كل أجزاء كوردستان إلى آفاق جديدة , وإذا اهتزت أركانه تتراجع هذه القضية في كل مكان وتنطوي على ذاتها , لنا ولكل الكوادر التي أحرقت العمر شموعاً لواحدة من اعدل قضايا التحرر في العالم , الحق في أن نقول انه آن الوقت لتجديد الدماء في جسد التجربة الكوردية في العراق التي تقترب من سن البلوغ والرشد , ولرفدها بالقوة والحصانة والمزيد من المصداقية في الداخل قبل الخارج , فسكان الإقليم بآرائهم ومزاجهم وطرق تفكيرهم واحتياجاتهم الحياتية وتطلعاتهم المستقبلية , هم آلية اختبار التجربة , وبقدر قربنا منهم نكون قد اقتربنا من جذور الثورة وتراث البارزاني , وبالعكس فان الترهل والتغطية على مواطن الضعف والوهن وإهمال الشروط الحياتية للمواطن العادي والكف عن الإصغاء للرأي الآخر ولنبض الشارع مؤشر للانغلاق والجمود.
وبما أن لاثبات في الحياة ولاتوقف لدورة الايام ، ولأن المرء لايمكن أن يضع قدمه في نفس النهر مرتين لان الحياة جارية بلا ركود لذا فالتغيير حتمي وبدونه ننعزل ونبلغ شئنا ام ابينا مرحلة الشيخوخة.
أن أجمل معالم أحياء ذكرى البارزاني الخالد هو أن نتراجع عما في حياة التجربة الكوردية في اقليم كوردستان العراق من سلبيات وما تراكم على مسامات جلدها بحكم الزمن من ندوب وشروخ وما حصل من اختلال في ميزان العلاقة بينها وبين جيش الفقراء المناضلين الذين كانوا حطب الثورة ونارها الذي أشعل الضوء في نهاية النفق .
هكذا افهم ذكرى البارزاني الخالد كمحطة تامل واعادة أضاءة نفق الذات ومراجعة آليات العمل والنضال والبناء والتنمية وحرق المسافة الفاصلة بيننا وبين المواطنين ولنتصرف دوما وكأننا في خندق الثورة ولسنا في فندق الدولة.
*وكيل وزارة الثقافة في العراق