فوزي الاتروشي *
لست هنا في وارد المدح فتلك فضيلة تستحيل الى خطيئة اذا لجأ اليها الصديق تجاه صديق تعتقت صداقتهما، وطبعا لست في معرض القدح والذم لان النقد والمصارحة والمكاشفة والشفافية هي الوسيلة الفضلى لتنقية جو العلاقة بين شخصين من الغبار وتصفية مياهها من الشوائب.
اقول ذلك لان سامي العسكري مارس قدحاً وتجريحاً بالصديق (هوشيار زيباري) وزير الخارجية ولم يرتكن لنقد حضاري يمارس اولاً بالمصارحة غير المعلنة والحوار الهادئ ما استطاع المرء اليه سبيلاً، فاذا انقطعت السبل يمكن حينذاك توّسل الاعلام طريقاً ولكن بلياقة ادبية عالية تتوخى الجدوى والموضوعية ولا تنحدر الى مستوى الطعن بالحياة الشخصية.
اقول ذلك لان سامي العسكري مارس قدحاً وتجريحاً بالصديق (هوشيار زيباري) وزير الخارجية ولم يرتكن لنقد حضاري يمارس اولاً بالمصارحة غير المعلنة والحوار الهادئ ما استطاع المرء اليه سبيلاً، فاذا انقطعت السبل يمكن حينذاك توّسل الاعلام طريقاً ولكن بلياقة ادبية عالية تتوخى الجدوى والموضوعية ولا تنحدر الى مستوى الطعن بالحياة الشخصية.
عرفت (هوشيار زيباري) عام 1986 في فيينا حين انتقل اليها الفرع الاوربي لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني لنعمل معاً في قيادة الفرع، وكانت تلك اياماً صعبة مثقلة بالهم الوطني وحافلة بما ينتظر الانجاز بامكانيات متواضعة ولكنها كانت مفعمة بالامل وكنا معبأين بالسعادة رغم ان حياتنا الخاصة تراجعت بل غابت في خضم تحولنا الى جسر لمد ضفة المنفى بضفاف الوطن التي تخيلناها خضراء رغم كل العتمة والظلام والحرب العنصرية البغيضة التي اشعلها النظام السابق على شعبنا في كوردستان والحروب والتدمير والهدم والقتل التي كانت هواياته المفضلة في تعامله مع الشعب العراقي.
عشنا مع الزميل (هوشيار) تحت سقف واحد عامين في فيينا واربعة اعوام في برلين تلتها ثمانية اعوام اخرى في لندن لغاية 2002 .
كانت يومياتنا متشابهة وكانت حياتنا الخاصة ممزقة وهامشية تكاد تستميت لاقتناص فرصة راحة هنا او هناك وكان طعامنا ونومنا وساعات تجوالنا اشبه بحال المسافر الدائم التجوال والترحال فلا توقيت دائم ولا جدول اعمال متوازن للحياة الخاصة وذلك كما قلت لاننا مثل حشد المناضلين الاخرين تحولنا الى مشروع مكرس للأخرين والى حقل لسنابل تكمن لذتها الكبرى والوحيدة في النضوج والتحول لبيدر يشبع عصافير الوطن الجائعة للحرية ولكسرة خبز في ذلك الزمن الشاذ حيث كاد الامل ان ينتكس والفرصة ان تنقرض تحت ركام جبل الاحزان والمتاعب.
وكان التشاؤم صفة لاصقة بالانسان العراقي ورغم ذلك حملنا معنا التفاؤل الذي اعشب بستاناً اخضر في 9/ ابريل / 2003 .
بعدها اصبح (هوشيار زيباري) وزيراً للخارجية في دولة تعوّدت منذ التأسيس ان يكون تنفسها نحو الخارج برئة عربية وذهب الناس مذاهب شتى بين قائل ان الدولة العراقية تكرّدت لا سيما وان رئيس الجمهورية هو الآخر كوردي او ان القضايا المصيرية العربية لم تعد تهم العراق بوزيره الكوردي او ان الملفات السرية للخارجية العراقية اصبحت في العراء، وبعد سنين ثبت ان الكوردي القادم من الجبل والمنفى ليس اقل اخلاصاً من العربي القادم من السهل والهور وانه ربما اكثر حرصاً على العلاقات المتوازنة مع المحيط العربي والاقليمي لان الكورد مثل العرب لهم حاجة في عراق مسالم متصالح متزن ومتعاون ومتكاتف مع الدول العربية الاخرى ومع طوق الجوار والعالم .
وقد مثل الوزير الكوردي العراق في المؤتمرات العربية والدولية ولم يلمس احد انه ذاهب اليها بزيه الكوردي حيث كان حريصاً على التلون بكل الوان الطيف العراقي الى حد ان بعض بني جلدته الكورد لاموه على هذا التماهي في الخطاب العراقي ناسيا ان حجم المهمة يأبى الانغلاق على الذات القومية او المناطقية ولا يقبل الا الانفتاح على الهوية العراقية الواسعة.
يقول سامي العسكري بحق هوشيار زيباري انه وزير فاشل وهذا تعبير فيه من القساوة ما قد لا تحتملها النفس البشرية وحتى ان احتملتها فلا يمكن الا ان تخلق جرحاً قد لا يندمل.
الم يكن الاجدر به ان ينتقي وصفاً اخر لا افراط فيه لجهة التجريح ولا تفريط به لجهة التأشير لمواطن الضعف والوهن التي تسود كل الوزارات العراقية بهذه النسبة او تلك لان الفساد الاداري والمالي قد سيطر على مجمل المشهد العراقي وما وزارة الخارجية الا مفصلا من جسد يعاني مرضا شاملا.
اما ان وزارة الخارجية فيها بعثيون قدماء فأنني اجزم ان اية وزارة او مرفق اداري لا يخلو حالياً من بعثيين ولا اعتقد ان باستطاعة وزير الخارجية تطهير جهاز هذه الوزارة التي كانت بعثية الى حد النخاع في زمن صدام لما كان يوليه للخارجية من اهتمام والتي حولها بالفعل الى خارجية ـ امنية ـ استخباراتية.
لم اكن اتمنى لسامي العسكري ان يخوض في الحياة الخاصة لوزير يثابر لكي يقدم العراق الى الخارج بوجه اجمل وبخطاب مغاير.
ويهمني ان اقول ان اثارة ملفات الحياة الخاصة ونكران الجهد المبذول من كل طاقم الوزارة قد يراكم في عقل المواطن العادي صورة نمطية لا تمحى بسهولة في مجتمع شرقي يحسب الف حساب للحياة الشخصية بل يعميه عن الرؤية الموضوعية لما خلف غلالة الحياة الخاصة من عطاء وانجاز وعمل.
ما يشاع عن الليالي الحمراء كمين يمكن ان ينصب في مجتمعنا المحافظ والمتحفظ لاي شخص بغية اسقاطه وتصفيته لدى العامة اعتباريا وهو اسلوب خاطئ اذا افتقد الدليل وخاطئ ايضاً اذا امتلك الدليل لان قنوات طرح هذا الامر وآليات طرحه متعددة ومتنوعة وعلى المرء انتقاء اسلمها عوضاً عن التشهير والاعلان الفضفاض من على الهواء الطلق.
يبقى ان اقول انني مختلف في الرأي والرؤية في كثير من الامور مع الاخ (هوشيار زيباري) الى هذه اللحظة وهو يعرف ذلك ولكن الاختلاف لا يفسد للود قضية ولا يمنع العين البصيرة ان تعترف وتقر بما تراه واضحاً ومجسداً من حقائق تبهر العين نفسها.
لقد مارست مع هوشيار زيباري طوال سنوات العمل اقل قدر من الحياة الشخصية واكبر قدر من العمل الوطني المتحفز والمتواصل في ايام حبلى بجداول عمل متواصلة لا تنتهي وحافلة بسيل الجهد التنظيمي والاجتماعات ومؤتمرات المعارضة العراقية والندوات والكوردستانية والعراقية والمجابهة اليومية بالكلام والعمل والتصريح الصحفي والتعبئة الجماهيرية والجهد الاعلامي والفكري ومطاردة النظام الدكتاتوري في كل زوايا العالم.
حينها ولغاية سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس لم نكن نفترق في المكان الا لانه كان مضطراً ان يعمل في نشاط وانا في نشاط اخر في مكانين متباعدين ولم يكن الوقت يباعد بينا الا لان موعد حضوره الى محفل سياسي قبل او بعد حضوري الى محفل اخر.
ولذلك علي ان اقول ان نهارنا كان ابيض مفعماً سياسياً برغبة توصيله بالليل دون ملل او كلل اما اللون فكان فعلاً كثيفاً في شوارع برلين وبون ولندن وجنيف وفيينا ولكننا نلمحه فقط في تقاطعات الطرق واشارات المرور اما العلب الليلية فما زالت بعيدة حتى الان عن حياتنا لان ما واجهناه بعد التحرير من مصاعب وعمل مضاعف لم يترك لنا فعلا وقتاً للانغمار في حمرة الليل في وقت اشبعتنا بغداد بظلام طال حتى خيم ليس على العين فقط بل على القلب ايضاً ولتكن اخر الاضاءات في هذا المقال هي ان ماقاله سامي العسكري في هوشيار زيباري مسمار يدق في غير محله كذلك اتطلع الى ان يلجأ العسكري الى التراجع عن حدة كلامه عن الحياة الخاصة للزميل زيباري وتلك فضيلة ستحسب له قبل ان تكون انتقاصاً او خفضاً لمنزلته فالانسان لا يرتقي الا حين يعترف بالخطأ والخطأ مظهر لا يخلو منه انسان.
—-
* وكيل وزارة الثقافة في العراق الفدرالي
عشنا مع الزميل (هوشيار) تحت سقف واحد عامين في فيينا واربعة اعوام في برلين تلتها ثمانية اعوام اخرى في لندن لغاية 2002 .
كانت يومياتنا متشابهة وكانت حياتنا الخاصة ممزقة وهامشية تكاد تستميت لاقتناص فرصة راحة هنا او هناك وكان طعامنا ونومنا وساعات تجوالنا اشبه بحال المسافر الدائم التجوال والترحال فلا توقيت دائم ولا جدول اعمال متوازن للحياة الخاصة وذلك كما قلت لاننا مثل حشد المناضلين الاخرين تحولنا الى مشروع مكرس للأخرين والى حقل لسنابل تكمن لذتها الكبرى والوحيدة في النضوج والتحول لبيدر يشبع عصافير الوطن الجائعة للحرية ولكسرة خبز في ذلك الزمن الشاذ حيث كاد الامل ان ينتكس والفرصة ان تنقرض تحت ركام جبل الاحزان والمتاعب.
وكان التشاؤم صفة لاصقة بالانسان العراقي ورغم ذلك حملنا معنا التفاؤل الذي اعشب بستاناً اخضر في 9/ ابريل / 2003 .
بعدها اصبح (هوشيار زيباري) وزيراً للخارجية في دولة تعوّدت منذ التأسيس ان يكون تنفسها نحو الخارج برئة عربية وذهب الناس مذاهب شتى بين قائل ان الدولة العراقية تكرّدت لا سيما وان رئيس الجمهورية هو الآخر كوردي او ان القضايا المصيرية العربية لم تعد تهم العراق بوزيره الكوردي او ان الملفات السرية للخارجية العراقية اصبحت في العراء، وبعد سنين ثبت ان الكوردي القادم من الجبل والمنفى ليس اقل اخلاصاً من العربي القادم من السهل والهور وانه ربما اكثر حرصاً على العلاقات المتوازنة مع المحيط العربي والاقليمي لان الكورد مثل العرب لهم حاجة في عراق مسالم متصالح متزن ومتعاون ومتكاتف مع الدول العربية الاخرى ومع طوق الجوار والعالم .
وقد مثل الوزير الكوردي العراق في المؤتمرات العربية والدولية ولم يلمس احد انه ذاهب اليها بزيه الكوردي حيث كان حريصاً على التلون بكل الوان الطيف العراقي الى حد ان بعض بني جلدته الكورد لاموه على هذا التماهي في الخطاب العراقي ناسيا ان حجم المهمة يأبى الانغلاق على الذات القومية او المناطقية ولا يقبل الا الانفتاح على الهوية العراقية الواسعة.
يقول سامي العسكري بحق هوشيار زيباري انه وزير فاشل وهذا تعبير فيه من القساوة ما قد لا تحتملها النفس البشرية وحتى ان احتملتها فلا يمكن الا ان تخلق جرحاً قد لا يندمل.
الم يكن الاجدر به ان ينتقي وصفاً اخر لا افراط فيه لجهة التجريح ولا تفريط به لجهة التأشير لمواطن الضعف والوهن التي تسود كل الوزارات العراقية بهذه النسبة او تلك لان الفساد الاداري والمالي قد سيطر على مجمل المشهد العراقي وما وزارة الخارجية الا مفصلا من جسد يعاني مرضا شاملا.
اما ان وزارة الخارجية فيها بعثيون قدماء فأنني اجزم ان اية وزارة او مرفق اداري لا يخلو حالياً من بعثيين ولا اعتقد ان باستطاعة وزير الخارجية تطهير جهاز هذه الوزارة التي كانت بعثية الى حد النخاع في زمن صدام لما كان يوليه للخارجية من اهتمام والتي حولها بالفعل الى خارجية ـ امنية ـ استخباراتية.
لم اكن اتمنى لسامي العسكري ان يخوض في الحياة الخاصة لوزير يثابر لكي يقدم العراق الى الخارج بوجه اجمل وبخطاب مغاير.
ويهمني ان اقول ان اثارة ملفات الحياة الخاصة ونكران الجهد المبذول من كل طاقم الوزارة قد يراكم في عقل المواطن العادي صورة نمطية لا تمحى بسهولة في مجتمع شرقي يحسب الف حساب للحياة الشخصية بل يعميه عن الرؤية الموضوعية لما خلف غلالة الحياة الخاصة من عطاء وانجاز وعمل.
ما يشاع عن الليالي الحمراء كمين يمكن ان ينصب في مجتمعنا المحافظ والمتحفظ لاي شخص بغية اسقاطه وتصفيته لدى العامة اعتباريا وهو اسلوب خاطئ اذا افتقد الدليل وخاطئ ايضاً اذا امتلك الدليل لان قنوات طرح هذا الامر وآليات طرحه متعددة ومتنوعة وعلى المرء انتقاء اسلمها عوضاً عن التشهير والاعلان الفضفاض من على الهواء الطلق.
يبقى ان اقول انني مختلف في الرأي والرؤية في كثير من الامور مع الاخ (هوشيار زيباري) الى هذه اللحظة وهو يعرف ذلك ولكن الاختلاف لا يفسد للود قضية ولا يمنع العين البصيرة ان تعترف وتقر بما تراه واضحاً ومجسداً من حقائق تبهر العين نفسها.
لقد مارست مع هوشيار زيباري طوال سنوات العمل اقل قدر من الحياة الشخصية واكبر قدر من العمل الوطني المتحفز والمتواصل في ايام حبلى بجداول عمل متواصلة لا تنتهي وحافلة بسيل الجهد التنظيمي والاجتماعات ومؤتمرات المعارضة العراقية والندوات والكوردستانية والعراقية والمجابهة اليومية بالكلام والعمل والتصريح الصحفي والتعبئة الجماهيرية والجهد الاعلامي والفكري ومطاردة النظام الدكتاتوري في كل زوايا العالم.
حينها ولغاية سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس لم نكن نفترق في المكان الا لانه كان مضطراً ان يعمل في نشاط وانا في نشاط اخر في مكانين متباعدين ولم يكن الوقت يباعد بينا الا لان موعد حضوره الى محفل سياسي قبل او بعد حضوري الى محفل اخر.
ولذلك علي ان اقول ان نهارنا كان ابيض مفعماً سياسياً برغبة توصيله بالليل دون ملل او كلل اما اللون فكان فعلاً كثيفاً في شوارع برلين وبون ولندن وجنيف وفيينا ولكننا نلمحه فقط في تقاطعات الطرق واشارات المرور اما العلب الليلية فما زالت بعيدة حتى الان عن حياتنا لان ما واجهناه بعد التحرير من مصاعب وعمل مضاعف لم يترك لنا فعلا وقتاً للانغمار في حمرة الليل في وقت اشبعتنا بغداد بظلام طال حتى خيم ليس على العين فقط بل على القلب ايضاً ولتكن اخر الاضاءات في هذا المقال هي ان ماقاله سامي العسكري في هوشيار زيباري مسمار يدق في غير محله كذلك اتطلع الى ان يلجأ العسكري الى التراجع عن حدة كلامه عن الحياة الخاصة للزميل زيباري وتلك فضيلة ستحسب له قبل ان تكون انتقاصاً او خفضاً لمنزلته فالانسان لا يرتقي الا حين يعترف بالخطأ والخطأ مظهر لا يخلو منه انسان.
—-
* وكيل وزارة الثقافة في العراق الفدرالي