إن الاعتقالات الأخيرة التي بدأت في 9-12- 2007، وشملت العشرات من كوادر إعلان دمشق من مختلف المحافظات ومن مختلف الانتماءات السياسية والقومية بما فيهم الأكراد، تعود أسبابها إلى عدة عوامل تأتي الطبيعة القمعية الرافضة للآخر في مقدمتها، إضافة إلى فشل مراهنات السلطة على احتواء الإعلان من الداخل، وتزايد الضغوط الدولية، التي تخيف السلطة، وتدفعها لتشديد القبضة الأمنية حيال أي تحرك معارض في الداخل، كما أن عملية الإفراج لم تشمل فقط المعتقلين الكرد، في حين أبقت الأجهزة الأمنية على حوالي 12 ناشطاً تم تقديمهم للقضاء وفي مقدمتهم د.فداء الحوراني والأستاذ رياض سيف.
أما ما يتعلق بالتساؤلات الدائرة حول غياب الجانب الكردي عن قائمة المعتقلين الحاليين، فإنه يتعلق باعتبارات خاصة بتلك الأجهزة التي قد يكون دافعها في ذلك هو إثارة الشكوك وزعزعة الثقة المتبادلة بين أطراف الإعلان الذي لا يحارب فقط بالاعتقالات بل، هو يحاصر الآن كذلك بحملات التشكيك والتخوين في إطار مهمة حل وإنهاء الإعلان، وبنفس الاتجاه فإن تلك الحملات تروّج لمقولة فصل القضية الكردية عن قضية الديمقراطية، في حين ترهب فيه الوسط الآخر بالخطر الانفصالي الكردي المزعوم .
كما أن تجنب اعتقال كوادر كردية من إعلان دمشق يمكن أن يفسر بمحاولات الاستفراد بجانب أو أكثر، وترك الآخرين لحملة أخرى، وإذا كانت الاعتقالات قد استهدفت الآن ما يمكن تسميتهم بالليبراليين والتيار الإسلامي المعتدل وكوادر حزب الشعب، فان ذلك لا يعني أن الاتجاهات الأخرى ستبقى بعيدة عن حملات الاعتقال التي تستهدف إنهاء إرادة التغيير وقمع حرية التعبير والشطب على الرأي الآخر مهما كان انتماءه القومي أو السياسي أو الديني.
بعد أن تم اعتقال عدد من أعضاء المجلس يراهن البعض على فشل الإعلان، وبخاصة بعد الانسحابات التي حصلت فيها ؟
إن لجوء البعض إلى تجميد نشاطه جاء على خلفية نتائج انتخاب الأمانة العامة للإعلان في المجلس الوطني الذي تم فيه سلفاً التوافق على البيان الختامي قبل الانعقاد، بمعنى أن الأطراف التي جمّدت نشاطها وافقت على ذلك البيان بكل ما تضمّن من بنود .
ورغم أن غياب بعض الشخصيات الوطنية وخاصة الأستاذ حسن عبد العظيم أو الأستاذ عبدالمجيد منجونة من عداد الأمانة العامة الجديدة أمر مؤسف ويمكن تسجيله في عداد أخطاء الديمقراطية، لكن الذي يجب أن يعرفه الجميع أننا في مثل هذه الحالات محكومون بالديمقراطية وسيلة لإحداث التغيير الديمقراطي المنشود، وليس من المعقول أن ينسحب طرف ارتضى هذا الأسلوب لمجرد انه لم يستطع أن يقنع الآخرين بمنحه الثقة المطلوبة بغض النظر عن مدى حرص هؤلاء الآخرين على مصلحة الإعلان التي تتطلب إشراك الجميع في تحمل مسؤولياتهم ..وإذا كانت النوايا حسنة فإن أمام الإعلان اجتماعات أخرى لمجلسه الوطني تتواتر كل ستة أشهر يمكن عندها تصحيح أخطاء قد تكون حصلت، وذلك عبر حوار ديمقراطي هادئ..
أما من يراهن على فشل الإعلان فهو يتوهم لان إعلان دمشق يختلف عن ربيع دمشق، فهو جاء ثمرة جهود واسعة بذلتها قوى وشخصيات وفعاليات وطنية، وان إرادة التغيير باتت مطلوبة بإلحاح نتيجة فشل السلطة في إنجاز الإصلاح السياسي المطلوب وحل مشاكل البلاد المستعصية بما فيها الأزمة الاقتصادية والمعاشية، وعجزها عن التعامل مع الوجود القومي الكردي وتنكرها لضرورة إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية .
ومن جهة أخرى، فان الإعلان، وبعد انعقاد مجلسه الوطني وكذلك بعد حملة الاعتقالات التي شملت العديد من كوادر أثبت فشل مراهنة السلطة على إيهام الرأي العام بان بديلها هو الفوضى أو السلفية الدينية، في حين تأكّد فيه الآن أن هناك إمكانية لبناء قاعدة ديمقراطية يمثّلها إعلان دمشق، تؤسّس لمؤتمر وطني سوري عام تشارك فيه مختلف أطراف المعارضة الوطنية، بما فيهم أهل النظام ليكون ضمانة لتغيير ديمقراطي هادى ومتدرج.
المؤتمر الذي عقد في لندن برعاية منظمة العفو الدولية ، والذي شارك فيها حزبكم إلى جانب حركة التغيير الديمقراطي (محي الدين لاذقاني) وحركة البناء والعدالة (أنس العبده)، ألا يفسر هذا النشاط بأن إعلان دمشق له ارتباطات بالخارج؟
ما حصل في لندن هو ندوة لمناشدة الرأي العام للتضامن مع المعتقلين والتعريف بإعلان دمشق وأهدافه، ولا يعني ذلك الارتباط بالخارج بمعناه الوطني عندما يسيء هذا الخارج للسيادة الوطنية لبلادنا سوريا، لكن هذا لا يعني أيضاً إنكار وتجاهل دور الخارج في عملية التغيير بحكم التطورات الديمقراطية والسياسية التي عمّت العالم الذي، بموجبها، أصبح الآن أكثر تداخلاً وانفتاحاً، مما يجعل الاستفادة من القوى الديمقراطية والمنظمات الدولية والحقوقية أمراً مقبولاً وضرورياً لانجاز مهمة التغيير الديمقراطي السلمي الذي يهدف إلى تحصين البلاد في مواجهة كل المخاطر والتدخلات العسكرية الخارجية وتعزيز صمودها أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال وسياسات الحصار الاقتصادي .
ما رأيك بالتهم الموجهة إلى معتقلي الإعلان؟
من المؤسف أن السلطة عمدت مرة أخرى إلى توريط القضاء المدني في تحقيق أهداف سياسية وتجريده من الاستقلالية المطلوبة لتوجّه عن طريقه تهماً لا تستند لأي سند قانوني مثل إضعاف الشعور القومي والانتماء لجمعية سرية هدفها تغيير كيان الدولة، في الوقت الذي بات فيه معروفاً بأن الإعلان يدعو إلى تغيير ديمقراطي يشارك فيه الجميع دون شطب على أحد، وصياغة دستور جديد يقر مبدأ تداول السلطة ويلغي احتكار حزب البعث لقيادة الدولة والمجتمع، ويعترف بالتعددية السياسية والقومية، بما في ذلك إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد، ويبدو واضحاً أن تشويه أهداف الإعلان واتهامه بالعلاقة مع الخارج والاستقواء به تعتمده السلطة في محاولة منها لضرب قوى الإعلان واستعداء الرأي الوطني العام عليه..